• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبدالرحمن الشثريالشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري شعار موقع الشيخ عبدالرحمن الشثري
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري / مقالات


علامة باركود

محاسبة النفس في ضوء الكتاب والسنة وأحكام شهر الله المحرم (خطبة)

محاسبة النفس في ضوء الكتاب والسنة وأحكام شهر الله المحرم (خطبة)
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري


تاريخ الإضافة: 28/6/2025 ميلادي - 3/1/1447 هجري

الزيارات: 132

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مُحَاسبةُ النفسِ في ضوء الكتاب والسنة وأحكام شهر الله المحرَّم

 

(إنَّ ‌الحمدَ ‌للهِ نَسْتَعِينُهُ ونَسْتَغْفِرُهُ، ونَعُوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، فَمَنْ يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]،﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70]) الترمذيُّ وحسَّنه.


أما بعد: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]، قال ابنُ كثير: (أيْ: حَاسِبُوا أنفُسَكُمْ قبلَ أنْ تُحَاسَبُوا، ‌وانظُرُوا ‌ماذا ‌ادَّخَرْتُمْ ‌لأنفُسِكُمْ مِنَ الأعمالِ الصالحةِ ليومِ مَعَادِكُمْ وعَرْضِكُمْ على ربِّكُمْ) انتهى، وقال تعالى: ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44]،فهو إشعارٌ بضرورةِ الرَّحيلِ مِن هذهِ الدَّارِ إلى دارِ الْخُلودِ والقَرارِ، فعليكَ عبدَ اللهِ أنُ تُحاسبَ نفْسَكَ قبلَ أنْ تُحاسَب، فما هي المحاسبة، وما أهميتُها، وأركانُها، ومنهجُ السَّلَفِ فيها، وصُوَرُها، وضوابِطُها؟


المحاسبةُ كما قال الْمَاوَرْدِيُّ: (أنْ يَتَصَفَّحَ في لَيْلِهِ ما صَدَرَ مِن أفعالِ نَهَارِهِ.. فإنْ كانَ مَحْمُوداً أَمْضَاهُ وأَتْبَعَهُ بما شاكَلَهُ وضَاهَاهُ، وإنْ كانَ ‌مَذْمُوماً اسْتَدْرَكَهُ إنْ أَمْكَنَ وانتَهَى عنْ مِثْلِهِ في الْمُسْتَقْبَلِ) انتهى.


وقال ابنُ القيِّم: (هِيَ التَّمْييزُ بينَ ما لهُ وعليهِ، فَيَسْتَصْحِبُ ما لَهُ، ويُؤَدِّي ما عليهِ، لأنهُ ‌مُسَافِرٌ ‌سَفَرَ ‌مَنْ ‌لا ‌يَعُودُ.. وقدْ دلَّ على الْمُحَاسَبَةِ قولُهُ تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [الحشر: 18]، فأَمَرَ سُبحانهُ العَبْدَ أنْ يَنْظُرَ ما قَدَّمَ لِغَدِهِ، وذلكَ يَتَضَمَّنُ مُحَاسَبَةَ نفْسِهِ على ذلكَ، والنَّظَرَ هلْ يَصْلُحُ ما قَدَّمَهُ أنْ يَلْقَى اللهَ بهِ أوْ لا يَصْلُحُ؟والْمَقْصُودُ مِن هذا النَّظَرِ: ما يُوجِبُهُ ويَقْتَضِيهِ مِن كَمَالِ الاستِعْدَادِ ليَوْمِ الْمَعَادِ، وتَقْدِيمِ ما يُنْجِيهِ مِن عذابِ اللهِ، ويُبَيِّضُ وجْهَهُ عِنْدَ اللهِ) انتهى.


وقال تعالى: ﴿ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ [القيامة: 2]، قال الحسن: (لا ‌يُلْقَى ‌الْمُؤْمِنُ ‌إِلا ‌يُعَاتِبُ ‌نَفْسَهُ، مَاذا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي، مَاذا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي، مَاذا أَرَدْتُ بِشَرْبَتِي، والْعَاجِزُ يَمْضِي قُدُمًا لا يُعَاتِبُ نَفْسَهُ) رواه ابن أبي الدُّنيا في المحاسبة.


و(عنْ شَدَّادِ بنِ أَوْسٍ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: «‌الكَيِّسُ ‌مَنْ ‌دَانَ نَفْسَهُ وعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، والعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وتَمَنَّى على اللهِ») رواه الترمذيُّ وقال: (هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ، ومَعْنَى قَوْلِهِ: «مَنْ دَانَ نَفْسَهُ»: يَقُولُ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدُّنيا قبلَ أنْ يُحَاسَبَ يوْمَ القِيَامَةِ، ويُرْوَى عنْ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ قالَ: «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قبْلَ أنْ تُحَاسَبُوا، وتَزَيَّنُوا للْعَرْضِ الأَكْبَرِ، وإنَّمَا يَخِفُّ الْحِسَابُ يومَ القِيَامَةِ على مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ في الدُّنيا»، ويُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بنِ مِهْرَانَ قالَ: «لا يَكُونُ العَبْدُ تَقِيَّاً حتَّى يُحَاسِبَ نَفْسَهُ كَمَا يُحَاسِبُ شَرِيكَهُ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ») انتهى.


عبدَ الله: في محاسبتكَ لنفسِكَ عدَّةُ مَصالِح، منها:

أولاً: اطلاعُك على عُيوبِ نفْسِك، وهذا يُورِثُكَ انشغالاً بعيوبِكَ عن الاشتغالِ بعُيوب الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (طُوبَى ‌لِمَنْ ‌شَغَلَهُ ‌عَيْبُهُ عَن عُيُوبِ النَّاسِ) أخرجه البزار وحسَّنه ابن حجر، ففي الحديث كما قال ابنُ ناصرٍ: (فضل اشتغال العبد بذنوبه بمحاسبة نفسه، والتفكرِ في الخلاص منها، وكثرةِ التوبة والاستغفار مع الإعراض عن عيوب الناس وذلك بترك عيبِهِم وغيبتِهِم، وطُوبى قِيلَ: اسْمٌ مِن الطيبِ وهو الشيءُ الحَسَن، وقيلَ: طُوبى الْجنَّة، أوْ شَجَرةٌ في الْجنَّةِ فاللهُ أعلم) انتهى.


وإذا لم تَطَّلِعْ على عَيْبِ نفسِكَ لم يُمكنكَ إزالتُه، فإذا اطَّلَعْتَ على عيبِهَا مَقَتَّها في ذاتِ اللهِ، فعنْ أبي الدَّرداءِ قالَ: (لا يَفْقَهُ الرَّجُلُ ‌كُلَّ ‌الْفِقْهِ ‌حتَّى ‌يَمْقُتَ ‌النَّاسَ في جَنْبِ اللهِ ثُمَّ يَرْجِعَ إلى نَفْسِهِ فَيَكُونَ لَهَا أَشَدَّ مَقْتَاً) رواه ابنُ أبي الدُّنيا وابنُ عبد البرِّ وصحَّحه.


و(عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَصْحَابِي ‌لَمَنْ ‌لا ‌يَرَانِي ‌بَعْدَ أَنْ أَمُوتَ أَبَدَاً» قالَ: فَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنْ عِنْدِهَا مَذْعُوراً حتَّى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ مَا تَقُولُ أُمُّكَ، فَقَامَ عُمَرُ حتَّى أَتَاهَا فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَسَأَلَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكِ بِاللهِ أَمِنْهُمْ أَنَا؟ فَقَالَتْ: لا، ولَنْ أُبَرِّئَ بَعْدَكَ أَحَدَاً) رواه أحمد وصحَّحه مُحقِّقُو المسند، قال ابنُ القيم: (فَسَمِعْتُ شيخَنَا يقولُ: إنما أرادت أني لا أفتح عليَّ هذا الباب، ولم تُرِدْ أنك وحدك البريء من ذلك دونَ سائرِ الصحابةِ) انتهى.


و(عن أَنَسِ بنِ مالكٍ قالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ وخَرَجْتُ مَعَهُ، حتَّى دَخَلَ حَائِطَاً فَسَمِعْتُهُ وهُوَ يَقُولُ وبَيْنِي وبَيْنَهُ جِدَارٌ وهُوَ في جَوْفِ الحَائِطِ: «عُمَرُ بْنُ الخطَّابِ أَمِيرُ المؤمنينَ، بَخٍ بَخٍ، واللهِ ‌لَتَتَّقِيَنَّ ‌اللهَ ‌أوْ لَيُعَذِّبَنَّكَ») رواه مالكٌ بإسناد صحيح، قال ابن القيم: (و‌‌مَقْتُ النفسِ في ذاتِ اللهِ مِن صفاتِ الصِّدِّيقينَ، ويَدْنُو العَبْدُ بهِ مِن اللهِ سبحانه في لَحْظَةٍ واحدةٍ أضعافَ أضعافِ ما يَدْنُو بالعَمَلِ) انتهى.


ثانياً: أنْ تنظُرَ في حَقِّ اللهِ عليكَ؛ فإنَّ ذلكَ يُورِثُكَ مَقْتَ نفْسِكَ، ويُخلِّصُكَ مِن العُجْبِ ورُؤيةِ العَمَل، ويَفْتَحُ لَكَ بابَ الخُضوعِ والذُّلِّ والانكسارِ بين يَدَيْ ربِّكَ، واليأس مِن نفسك، وأنَّ النجاةَ لا تَحصُلُ لَكَ إلاَّ بمغفرةِ اللهِ ورَحْمَتِهِ؛ وأنكَ إِنْ أُحِلْتَ على عَمَلِكَ هَلَكْتَ، قال صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُدْخِلَ أَحَداً مِنْكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، قَالُوا: ولا أَنْتَ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: ولا ‌أَنَا، ‌إِلاَّ ‌أَنْ ‌يَتَغَمَّدَنِيَ ‌اللهُ مِنْهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ) رواه البخاري ومسلم.


ثالثاً: إصلاحُ نفسك وتزكيتُها، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9-10]، قال مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: (رَحِمَ اللهُ عَبْدَاً قالَ لِنَفْسِهِ النَّفِيسَةِ: ‌أَلَسْتِ ‌صَاحِبَةَ ‌كَذَا؟ ‌أَلَسْتِ ‌صَاحِبَةَ ‌كَذَا؟ ثُمَّ ذَمَّهَا ثُمَّ خَطَمَهَا، ثُمَّ أَلْزَمَهَا كِتَابَ اللهِ؛ فَكَانَ لَهَا قَائِدَاً) رواه ابنُ أبي الدنيا بسندٍ حَسَن.


عبدَ اللهِ: وأمَّا أركانُ المحاسبة: فهي كما قال ابن القيم ثلاثة: أحدُها: (أَنْ تَقِيسَ بينَ نِعْمَةِ اللهِ وجِنايتكَ، فحينئذٍ يَظْهَرُ لَكَ التَّفاوتُ وتَعْلَمُ أنهُ ليسَ إلاَّ عفوُه ورحمتُه أو الهلاكُ والعطَبُ، والثاني: أن تُميِّز بين ما لله عليك من وجوب العبودية واجتناب المعصية، فأدِّ الذي عليكَ يُؤتكَ الذي لك، والثالثُ: أنْ تَعْرِفَ أنَّ كُلَّ معصيةٍ عَيَّرْتَ بها أخاكَ فهي إِليكَ، ولا يُسيءُ الظّنَّ بنفسه إلاَّ مَن عَرَفَها، ومَنْ أَحْسَنَ ظَنَّه بها فهو مِن أجهلِ النَّاس بنفسه!) انتهى.


عَبْدَ اللهِ: وأما أنواع المحاسبة فهي نوعان: قبل العمل وبعده.


فقبلَ العَمَلِ: هل هو مقدورٌ عليه؟ وهل فعله خير من تركه؟ وهل هو لله؟ وهل له أعوانٌ يُساعدونه عليه؟ فهذه أربع مقامات قبل العمل.


وأمَّا بَعْدَ العَمَلٍ: فكما قال ابنُ القيِّم: (جِماعُ ذلكَ: أنْ تُحَاسِبَ نَفْسَكَ أولاً: على الفَرَائِضِ، فإذا تَذَكَّرتَ فيها نَقْصاً تَدَارَكَتَهُ إِمَّا بقَضاءٍ أو إصلاحٍ، ثم تُحَاسِبُها على الْمَناهي، فَإِنْ عَرَفْتَ أنكَ ارْتَكَبتَ مِنْهَا شَيْئاً تَدَارَكْتَهُ بالتوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحيةِ، ثم تُحَاسِبُ ‌نفْسَكَ ‌على ‌الغَفْلَةِ، فَإِنْ كُنتَ قَدْ غَفَلتَ عَمَّا خُلِقْتَ لَهُ تَدَارَكْتَهُ بالذِّكْرِ والإِقْبَالِ على اللهِ، ثمَّ تُحَاسِبُهَا بما تَكَلَّمْتَ بهِ، أوْ مَشَتْ بهِ رِجْلاكَ، أو بَطَشَتْ يَدَاكَ، أو سَمِعَتْهُ أُذُناكَ: ماذا أَرَدْتِ بهذا، ولِمَ فَعَلْتيهِ، وعلى أيِّ وَجْهٍ فَعَلْتيهِ، وتَعْلَمُ أنه لا بُدَّ أنْ يُنشَرَ لكلِّ حَرَكَةٍ وكَلِمَةٍ منكَ ديوانانِ: دِيوانٌ لِمَنْ فَعَلْتَهُ؟ وديوانٌ: كَيْفَ فَعَلْتَهُ؟ فالأَوَّلُ: سُؤالٌ عنِ الإخلاصِ، والثاني: سُؤالٌ عنِ المتابعة) انتهى.


عَبْدَ الله: مِن صُوَرِ مُحاسَبَتِكَ لنفسكَ:

أولاً: أنْ تُمثَّل نفْسَكَ في الْجنَّةِ وما تَجِدُ فيها، أو في النَّار وما سَتَجِدُ فيها، وأَنَّكَ لو خُيِّرتَ لَتَمَنَّيْتَ أنْ تَرجِعَ إلى الدُّنيا لتعمَلَ صالحاً، فأنتَ الآنَ في الدُّنيا فاعْمَلْ صالِحاً.


ثانياً: أن تَعْرِضَ أعمالَكَ على أعمالِ أهل الْجنَّةِ وأهلِ النار: قال الأحنفُ بنُ قيسٍ: (فوَجَدْنا خيرَنا مَنزلةً قَوْمَاً ﴿ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا ﴾ [التوبة: 102]) انتهى.


اللهُمَّ تُبْ علينا، اللهم تُبْ علينا، اللهم تُب علينا يا توَّابُ يا رحيم، آمين.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَلَقَدْ انصرمَ عامكم السادس والأربعون بعد الأربعمائة وألف مِن هجرةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم بأفراحهِ وأحزانهِ، وحَلَّ عامُكُم الجديد السابع والأربعون بعد الأربعمائة وألف بشهرِ اللهِ المحرَّمِ، شَهْرٌ عظَّمَهُ اللهُ وجَعَلَهُ مِن الأَشْهُرِ الأربعةِ الْحُرُمِ، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]، وقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (السَّنَةُ اثنا عَشَرَ شَهْرَاً، منها أربَعَةٌ حُرُمٌ: ثلاثةٌ مُتوالياتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وذُو الْحِجَّةِ، والْمُحرَّمُ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بينَ جُمَادَى وشَعْبانَ) متفقٌ عليه، وعَظَّمَهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بأَنْ نَسَبَهُ إلى رَبِّهِ، فقال: (أفضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رمَضَانَ: شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ) رواه مسلم.


واعلموا أنه لم يرد في فضل شهرِ اللهِ المحرَّمِ حديثٌ صحيحٌ غيرَ أنه من الأشهرِ الْحُرُمِ، وأنه أفضَلُ الصيامِ بعدَ رمَضَانَ، وفضلُ صَوْمِ العاشرِ منه، قال النوويُّ: (قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بعدَ رمَضَانَ شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ» تَصْرِيحٌ بأنهُ أفْضَلُ الشُّهُورِ للصَّوْمِ) انتهى، فينبغي لكم أيها المسلمون أنْ تُظهِروا تعظيمَ هذا الشَّهْرِ بصيامهِ كُلِّهِ، أوْ ما تَيَسَّرَ منه، أو صيام التَّاسع والعاشرِ، ومِن تعظيمِ هذا الشهرِ: أنْ نجتهدَ في كَفِّ نُفُوسِنا عن معاصي الله؛ لأنها مِن ظُلْمِ النفسِ الذي نهى اللهُ عنه في كُلِّ الشُّهور، وخُصوصاً في الأشهُرِ الْحُرُمِ، ولتَعْلَمْ عبدَ اللهِ أنه ليسَ لأَوَّلِ يومٍ وأولِ جُمُعَةٍ من شهر الله المحرَّم نصٌّ شرعيٌ يُثبتُ تخصيصَهُما بذكرٍ أَوْ دُّعاءٍ أوْ عُمْرةٍ أو صلاةٍ أوْ صيامٍ، قال أبو شامة رحمه الله: (ولم يَأْتِ شيءٌ في أولِ ليلَةِ المحرَّمِ، وقد فتَّشتُ فيما نُقلَ من الآثارِ صحيحاً وضعيفاً وفي الأحاديثِ الموضُوعَةِ فلم أرَ أحداً ذكَرَ فيها شيئاً، وإني لأتخوَّفُ والعِياذُ بالله من مُفترٍ يَختلقُ فيها) انتهى.


ومن الْمُحْدَثات: الاحتفالُ برأس السَّنَةِ الهجريةِ، وأولُ من أحدَثَهُ العبيديون.


ومن الْمُحْدَثات: الاحتفال بذكرى الهجرة، مع أن هجرته صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول، والأول من شهر الله المحرَّم كما قال ابنُ كثير: (أوَّلُ التاريخِ الإسلامِيِّ كَمَا اتَّفَقَ عليهِ الصَّحَابَةُ في الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ) انتهى، والأصلُ في منع هذه المحدثات قولُ اللهِ تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: (مَن عَمِلَ عَمَلاً ليسَ عليهِ أمْرُنا فهُوَ رَدٌّ)، وقولُه صلى الله عليه وسلم: (مَن أحدَثَ في أَمْرِنَا هذا ما ليسَ فيهِ فَهُوَ رَدٌّ) متفق عليهما.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة