• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ محمد الصباغد. محمد بن لطفي الصباغ شعار موقع الشيخ محمد الصباغ
شبكة الألوكة / موقع د. محمد بن لطفي الصباغ / سير وتراجم


علامة باركود

الأستاذ محمد زهير الشاويش

د. محمد بن لطفي الصباغ


تاريخ الإضافة: 11/7/2013 ميلادي - 3/9/1434 هجري

الزيارات: 14122

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأستاذ محمد زهير الشاويش


الرياض في 24 شعبان سنة 1434هـ

3 تموز سنة 2013م

الأستاذ محمد زهير الشاويش:

توفي الأستاذ زهير في يوم السبت 22 رجب سنة 1434 الموافق لـ 1 حزيران سنة 2013 في بيروت.. وقد بلغني الخبرُ المؤلم وأنا في إستانبول، فكتبت الكلمة الموجزة الآتية:

صداقة تزيد على الستين من الأعوام، وأخوَّة صادقة في الله كانت وثيقةً على الدوام، ومحبة متبادلة، ومروءة وشهامة منه لا نظير لهما.

 

رحم الله أبا بكر الرجل المجاهد في أقدس ربوع فلسطين؛ في القدس.

 

رحم الله أبا بكر الداعية إلى الله في كل مكان حلّ فيه.

 

رحم الله أبا بكر الرجل الجواد الكريم قليل النظير.

 

رحم الله أبا بكر النائب في مجلس النواب المدافع عن الحق بكل جرأة وإقدام.

 

رحم الله أبا بكر الرجل الذي نشر العلم وأسس مكتب التحقيق العلمي في بلاد الشام.

 

رحم الله أخي وصديقي ورفيقي في الدعوة إلى الله، وغفر له ورحمه وأسكنه الجنة.

 

لقد كان - رحمه الله - أخًا لي صدوقًا.. تعاونَّا معًا في الدعوة إلى الله، واستمر هذا التعاون مدة طويلة، ولم يضعف ولم ينقطع، كنا في بلاد الشام نلتقي كل يوم.. وإذا سافر أحدنا كان التواصل بالرسائل، ولدى كل واحد منا مجموعةٌ من رسائل أخيه كبيرة جدًّا.

 

ثم عندما سهل استعمال الهاتف، نمتْ هذه المواصلة.

 

ولقد كنت ألمس صدق أخوته في كل مناسبة اجتماعية من المناسبات، وشاء الله - تبارك وتعالى - أن أهاجر إلى نجد للتدريس في الجامعة، واستقرَّ هو في بيروت.. ثم تجاورنا في عمان في عمارة واحدة حينًا من الزمن.

 

ولد زهير في دمشق في حيِّ الميدان.. ولم يلبث أن صار من وجوه شبابه.. ووالده السيد مصطفى الشاويش (أبو أحمد) من أفاضل التجار الكرام.. كان من سكان زقاق الموصلي.. وكان بيته من البيوت الأثرية الكبيرة.. وكان عنده (برّاني) يفتح داره يوميًّا لاستقبال الضيوفِ من الوجهاء والشباب.. يقدِّم لهم الشاي والقهوة في كل مساء.. ويبقى المجلس عامرًا حتى إلى ما بعد صلاة العشاء، وكنت على صغر سني أحضر أحيانًا وأسمع حديث القوم في السياسة والأسواق وأخبار الحي الاجتماعية.. وحديثهم عن الفرنسيين المحتلين وعن الرجال الوطنيين الصادقين وثنائهم عليهم، ويذكرون ما يشاع عن بعض المنافقين الانهزاميين المتَّهمين بالعمالة للفرنسيين، وهم - والحمد لله - قليلون.

 

وأمه من أسرة كريمة في حيّ الميدان، وهي آل رحمون.

 

نشأ زهير في هذا البيت الكريم في حي الميدان كما ذكرت آنفًا، وحيُّ الميدان في دمشق حيُّ البطولة والتدين والوطنية والمروءة والوفاء والخلق القويم، وكان زهير يتابع أحداث البلد الذي يمور بالحركة كما يتابعها أمثالهُ من الشباب.. وكان يمتاز بالجرأة الصريحة، فيقول ما يرى أنه حق ويجهر برأيه.

 

وكان يحضر حلقات المشايخ العلمية.. ثم كوَّن نفسه بالقراءة المتواصلة لكتب العلم والسياسة.

 

عمل ناشطًا كبيرًا في (الإخوان المسلمين) وفي جمعية (التمدن الإسلامي)، ولما دعا داعي الجهاد، استجاب له فذهب مجاهدًا إلى فلسطين ومعه كوكبة من أحبابه وإخوانه.. وكان جهاده في مدينة القدس.

 

عمل زهير في التجارة مع أبيه.. وعمل فيها وحده، وعمل مدة محدودة في بعض دوائر الدولة، وعمل في التعليم فذهب إلى قطر مدرسًا.. ثم عاد إلى دمشق وأنشأ المكتب الإسلامي للنشر والتأليف والتحقيق، ونجح في ذلك نجاحًا كبيرًا.. ثم ارتحل إلى بيروت فأقام فيها فرعًا للمكتب الإسلامي.. ثم صار المكتب الرئيسي.. وأشرك ولديه الفاضلين الأستاذ بلال والأستاذ علي - حفظهما الله - وترك لهما العمل.

 

ومما امتاز به زهير عن أقرانه تعرفه إلى كبار العلماء في بلده والبلاد الإسلامية؛ ولذلك فقد كان من أعرف معاصريه بعلماء العصر ورجالاته، فما كان يأتي عالمٌ إلى دمشق إلاَّ زاره ودعاه إلى داره وأكرمه واحتفل به.

 

لقد جمع خلال حياته مكتبةً خاصة غنية جدًّا بنفائس المطبوعات، وبعدد كبير من المخطوطات، وبالكتب السياسية الحديثة.

 

وكان لديه أرشيفٌ نادر للحركة الإسلامية وللأوضاع السياسية في بلاد الشام والبلاد العربية، وهو - فيما أزعم - من أجمع الأرشيفات الخاصة.

 

هذا، وقد كنت كتبتُ تعريفًا به.. وألقيته في حفل تكريمه في جدة في دار الأستاذ عبدالمقصود خوجة.. وسمعه وأقره، وهو الآتي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فإني أحمد للأستاذ الشيخ عبدالمقصود هذه السُّنةَ الحميدة في تكريم الرجال؛ فالوفاء للرجال وتكريمهم وهم أحياء نبلٌ مشكور، وفضل غفَلَ عنه كثير من أصحاب الإمكانات المادية والفكرية.

 

فكثير من العلماء الأفذاذ، والمفكرين الأجلاء، الذين أدركناهم لم يَعرِف الناسُ فضلَهم إلا بعد أن طواهم الموت، وغاب كثيرٌ من معالم حياتهم معهم.

 

فهذه السُّنة الحميدة تستحق أن تُذكَر، ويُحمد لصاحبها فعلُه.

 

وفي هذا التكريم إضاءات لحياة كثيرٍ من هؤلاء الكبار الذين ترَكُوا أثرًا في حياة الناس، وبيانٌ لجوانب حياتهم.

 

إن هذه الأمسية وأمثالها سجل لتراجم رجال كانوا أهلاً لأن يكرموا.

 

وإن أعرف الناس بحقيقة الرجل هو نفسه؛ فعندما يتحدَّث عن نفسه، أو يجيب عن الأسئلة التي توجَّه إليه يقدِّم معلومات هي في غاية الأهمية، وهذه المعلومات أصدق ما يمكن أن يقف الباحث عليه في حياة الرجل، ولا تَفقد هذه المعلومات دلالتَها حتى لو أن المسؤول جانب الصراحةَ، وتهرَّب من ذكر الحقيقة، والْتوى في إجاباته.

 

وأشكر للأستاذ الفاضل أن أتاح لي هذه الفرصة لأتحدث عن أخ كريم، وصديق عزيز، استمرت صداقتُه نحوًا من نصف قرن ولا تزال.

 

وقد أذكر في هذه الكلمة أمورًا لا يذكرها الآخرون.

 

إن الحديث عن الكبار بحضورهم أمرٌ صعب إن التزم المتحدث البعدَ عن المجاملة، فكيف إذا كان الكبير زهير الشاويش؟!

 

إن الحديث عندئذٍ صعب جدًّا.

 

ذلكم لأن صاحبَنا رجل مخيف، لست أنا الذي يقول هذا، بل أنقل ما سمعتُه من صديقه الحميم وصديقي الدكتور عبدالرحمن الباشا - رحمه الله - فقد قال مرة:

والله إني لأخاف من صاحبك زهير، وحق له أن يخاف إنه مخيف لا على نحو ما ذهب إليه الشاعر:

أهابُك إجلالاً وما بك قدرةٌ عليَّ......

 

ولكنه مخيف؛ لأن به قدرة على البطش...

 

ومع ذلك كله، فسأغامر الليلة وأحدثكم عنه حديثًا بعيدًا عن المجاملة، ملتمسًا الحمايةَ من جمعِكم الكريم، وأحسب أني - إن شاء الله - سأكون من الآمنين.

 

عرفته شابًّا مطربشًا، يضع نظارة، نحيف الجسم، ممشوق القامة، كثير الحركة، متَّقدَ النشاط، لا يكاد يستقر في مكان، وكان يمشي كثيرًا، وقد يستخدم في تنقلاته وسائل المواصلات المعروفة في ذلك الحين؛ كالترام والعربة التي تقودها الخيول.

 

وقد جمعتني به أكثرُ من علاقة؛ فأنا وهو من أبناء حي واحد، هو حي الميدان الذي نشأنا فيه، وحي الميدان حي المروءة والكرم والجهاد والتدين، يعرف أبناؤه بعضهم بعضًا معرفة وافية.

 

وكانت كل حارة من حاراته كأنها أسرة واحدة: فرحُ واحد منها فرحٌ للجميع، وحزن واحد منهم حزن للجميع.. يتعاونون ويتكافلون، ولا يحس الواحد منهم بغربة، وإذا توفي واحد من الحارة، سارع أكثر من واحد لفتح داره لاستقبال المعزين، ولا يتظاهر أحد من الجيران بالفرح، ولا يفتح مذياع في تلك الحارة على غناء أو موسيقا، وإذا غاب رجل عن بيته، تفقَّد أهل الحي أخاهم حتى يعرفوا حقيقة غيابه، وإذا سافر أحدهم، قام جيرانه برعاية أهله في كل ما يحتاجون إليه، وإن مر غريب، راقبتْه عيونٌ يقظة مؤدَّبة؛ فإن كانت له حاجة سعوا في مساعدته، وإن كان مريبًا وقفوا في وجهه وأخذوا على يديه، وأحسب أن هذا الوضع الاجتماعي كان في معظم بلاد المسلمين قبل أن يتأثروا بحضارة الغرب.

 

والعلاقة الأخرى التي كانت سببًا لتوثق العلاقة بيننا التزامُ كلٍّ منا بالإسلام - والحمد لله - ومحاولة الدعوة له والنظرة إلى الأمور من خلال مبادئه.

 

وقد توثقت صلتي بوالده أبي أحمد - رحمه الله - الذي كان وجهًا من وجوه الحي، وقد قامت بيني وبينه صداقةٌ على التفاوت بيننا في السن، ولا أذيع سرًّا إذا قلت: إنه كان يشكو إليَّ ابنه زهيرًا المحتفى به، يشكو إليَّ مشاكستَه وبعض تصرفاته؛ ظنًّا منه أني قادر على تقويمه، ولكن ذلك كان حسن ظن من الوالد فقط؛ لأن صاحبنا - كما سأذكر لكم - كان مشاكسًا حقًّا، ويستعصي على الانقياد لأحد وكأنه يتمثل قول ذي الإصبع العدواني في نونيته:

إني أبيٌّ أبيٌّ ذو مُعارضةٍ
وابنُ أَبيٍّ أَبيٍّ من أَبِيِّينِ
لا يُخرجُ القَسرُ منِّي غيرَ مَأبيةٍ
ولا أَلينُ لمَن لا يَبتغي لِيني

ولعله سيذكر لكم أنه بسبب هذه المشاكسة لقي عقوبة من أستاذنا الطنطاوي - حفظه الله.

كان صاحبنا منذ نشأته متميزًا بصفات ينفرد بها..

 

فطلاب المرحلة الابتدائية عادة يشترون بخرجياتهم التي يأخذونها من آبائهم بعضَ المآكل والألعاب، ولكن صاحبنا كان - وهو في تلك المرحلة - يشتري الصحف ويطالعها، وقل من كان يقرأ الصحف من الكبار في ذلك الوقت.

 

وقد وسَّعت هذه القراءةُ مداركَه، فكانت نظرته للأمور تتَّصف بالشمول.

 

وكان - حفظه الله - بالإضافة إلى اتِّصافه بالمشاكسة متمردًا على كثير من القيود التي يخضع لها أقرانه، ويبدو أنه ضاق ذرعًا بالاقتصار على المدرسة، وهو يريد ما هو أوسع منها وأشمل، وقاده هذا التمرد إلى الخروج من قيودها وطلب العلم في أفق أرحب، وإن كان يتعلَّل بعلل أخرى.. ولكنه التمرد.

 

فانكبَّ يقرأ ويطالع، وكانت قراءاته متنوعة في السياسة، والأدب، والتاريخ، والتفسير، والحديث، والفقه، والفِرَق، والشِّعر، والطب... وبدأ منذ وقت مبكر من حياته يُنشئ لنفسه مكتبة.

 

وشرع يتردد على حلقات العلماء؛ لكنه لم يكن مريدًا لواحد منهم، ولا مداومًا على ذلك التردد.

 

والشيء الذي لم يكن يتخلى عنه هو المطالعة الدائمة، ولم ينسجم مع بعض العلوم.. فتركها، ولعل ذلك يتصل بصفة التمرد التي هي جزء من شخصيته.

 

وما أدري إن كانت السيدة الفاضلة أم بلال استطاعت أن تضع حدًّا لتمرده في بعض الأمور.. ولعلها تستطيع الآن.

 

ومهما يكن من أمر، فإن هذه الصفة التي كانت - ولله الحمد - في دائرة الشرع لا تجاوزه، ما زالت حتى بعد أن أدركه الكبر.

 

وكان إذا علم أن أحد إخوانه يبحث في موضوع، سارع إلى إهدائه أو إعارته ما يحتاج إليه من الكتب ولو لم يطلبها.

 

وإني لأذكر أنه أهدى واحدًا من كبار فقهاء الشافعية كتابًا ثمينًا كان يتطلع إلى اقتنائه ولا يجد السبيل إليه، وهو "السنن الكبرى" للبيهقي - الذي قيل فيه: ما من أحد جاء بعد الشافعي إلا وللشافعي في عنقه منةٌ عليه، إلا البيهقي فهو الذي له المنة؛ لأنه في كتابه جمع الأدلة المأثورة عن رسول الله وصحابته للأحكام التي قررها الشافعي وتلامذته - أهداه إياه وهو لم يطلبه منه.

 

وأذكر على سبيل المثال أنه أهدى أحد إخوانه كتاب "صحة الأسرة" للدكتور أحمد حمدي الخياط - رحمه الله - عندما علم أنه مقدم على الزواج.

 

وكم بذل من المال والجهد لتأمين مخطوطة لباحث يبحث في موضوع يتصل بتلك المخطوطة.

 

وكان يتمتع بذاكرة قوية؛ فقد يسمع من إنسان أنه مهتم بموضوع معين، وتمضي الأيام فإذا وقف على شيء يفيد صاحبَه، اتصل به ودلَّه عليه.

 

وقد أعانتْه هذه الذاكرةُ على أن يكون سريع الجواب، مستعينًا بما اختزن في ذاكرته في إفحام من يجادله والتغلب عليه.

 

ويمتاز المحتفى به بذكاء حادٍّ، يشهد بذلك له كلُّ من عرَفه عن قرب.

 

وقاده ذلك إلى اعتداد شديد برأيه وإصرار عليه.. ولا يمكن لبشر أن تكون آراؤه دائمًا على صواب مهما بلغ من الذكاء.

 

وهو صاحب دعابة لطيفة، وقد يوظِّف هذه الدعابة لتحقيق ما يريد:

كنا في رحلة ضمَّتْني وإياه والشيخ أديب الصالح، وكنت أصغرهم سنًّا، فشرع - حفظه الله - يوزع المهمات، فكان له أن يجلس لإعداد الطعام، وكلف الشيخ أديب بمساعدته في بعض الأمور، أما جلب الأغراض وغسل الصحون، فكان يقول: أصغرنا سنًّا هو الذي يقوم بهذا.

 

وقد أرهقني هذا التوزيع، ولكنه كان بغلاف من المرح والدعابة.

 

وكان شديدًا على المنحرفين يجادلهم بالحجة والبرهان، ولكنهم إن اعتسفوا خاطبهم بما ينبغي أن يُخاطَبوا به.

 

كان مرة في مجلس فسمع ملحدًا يهذي ويقول:

إن أبا جهل يتصف بالأصالة العربية وقوة الشخصية أكثر من أبي بكر، فما كان من المحتفى به إلا أن قام إليه يحاول إفهامه باللغة التي لا يفهم إلا بها، وما أنقذه منه إلا أن هرَّبه صاحب الدار.

 

وكذلك فقد كان موقفه شديدًا من دجالٍ يهودي يمارس الطب في حيِّنا وليس بطبيب، كان يحقن الإبر، ويداوي الناس لقاء أجر يسير، وكان الفقراء يتردَّدون على غرفة استأجرها، يحملون إليه مرضاهم، وقد يدْعونه إلى بيت المريض إن لم يستطيعوا حمله إليه، وكان هؤلاء الناس يَحمُونه من مداهمات الحكومة التي تطارد المتطببين الدجالين، ويحسنون معاملته حتى بعد أن اغتصب اليهود بلادَنا، فخالف صاحبُنا ما ذهب إليه أولئك الناس، وكان يدعو إلى إخراجه، وقد همَّ أكثر من مرة في التعرض له، وما أدري إن كان أصابه بشيء أم لا؟

 

وكانت قضية فلسطين شغل جيلنا الشاغل، ولم تكن هناك في حياتنا واهتماماتنا قضية أكبر منها.

 

ولما أتيح للشباب أن يشاركوا في مجاهدة اليهود، تقدم نفر منهم إلى ميادين فلسطين يبذلون أرواحهم للدفاع عن بلاد المسلمين، التي لا يملك أحد التصرف بها وإعطاءها لليهود، وكان منهم صاحبنا المحتفى به.

 

وكان موقف والده موقفَ الشهامة والبطولة والصدق؛ فقد قدم إليه البندقية، وقال: امضِ في طريق الجهاد حقق الله الخير والنصر للمسلمين، وهذا نادر في أيامنا، فقد كان موقف غيره من الآباء المخالفة والوقوف في وجوه أبنائهم.

 

وذهب في كتيبة الجهاد مع إخوانه الذين استشهد بعضهم وعاد بعضهم بعد أن دبرت مؤامرة الهدنة ودخول الجيوش العربية لغرض كان خافيًا عن أنظار الناس يوم ذاك.

 

ولما عاد إلى دمشق تابع مسيرة العمل العام.

 

ولصديقنا غرام بالكتب، فمكتبته تعد من أعظم المكتبات الخاصة في بلادنا العربية، فيها نفائس المطبوعات النادرة، وفيها المخطوطاتُ والمصورات والدوريات والوثائق ذات الشأن.

 

ومن مزاياه أنه كان يجمع الوثائق والمصورات، وأحسب أنه ينفرد بتملُّك عدد كبير من وثائق العمل الإسلامي والسياسي في العصر الحاضر، فيما يتعلق ببلاد الشام خاصة، والبلاد العربية عامة.

 

وكم أتمنى أن يفيد منها أبناء هذه الأمة، فإن الناشئة بحاجة ماسة إلى أن يُبَصَّرُوا بحقائق التاريخ الحديث التي لا يعرفون منها إلا القليلَ المبتور.

 

والإعلام المضاد ماضٍ في خطته التي تقلب الحقَّ باطلاً والباطلَ حقًّا، وتستولي على عقل الجيل والرأي العام، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

 

وهو يبذل - حفظه الله - هذه المكتبة للعلماء وطلبة العلم، فما زلت أذكر أن أحد طلبة العلم نزل في قرية من مصايف لبنان، فحمل إليه خزائن وملأها بالكتب التي يحتاج إليها.

 

وكم مرة زرته في دارته في بيروت، فوجدت بعض الدارسين يرجعون إلى دوريات وكتب تلبي حاجاتهم في مكتبته.

 

وكان لمكتب النشر الذي أقامه أولاً في دمشق ثم امتد إلى بيروت، أثرٌ كبير في إذاعة العلم وتيسيره وتأييد مذهب السلف.

 

فهناك عدد من المراجع الضخمة التي كانت حبيسة خزائن المخطوطات، طُبعت في هذا المكتب لأول مرة وحُققت وخدمت وأصبحت في أيدي طلبة العلم، أذكر منها:

• كتاب "روضة الطالبين" للإمام النووي.

• وكتاب "شرح السنة" للإمام البغوي.

• وكتاب "زاد المسير" للإمام ابن الجوزي.

 

مع العناية بتخريج الأحاديث غالبًا.

 

وقد كان لهذا المكتب فضل في أن تخرَّج فيه عددٌ من المحققين، مارسوا العمل فيه، وما زالوا يعملون حتى أتقنوا صنعة التحقيق العلمي، وأضحى بعضهم من كبار المشتغلين في هذا الموضوع، ولم يكن في بلاد الشام قبلهم من يعمل في هذا المجال على هذا المستوى المتقَن.

 

وكان الاتجاه في تحقيق التراث هو الغالب على المحتفى به.

 

والتحقيق إذا أدِّي على وجهه أصعبُ من التأليف؛ فقد يقضي المحقق أيامًا عدة في تحقيق مسألة، وتكون نتيجة هذا الجهد المضني سطرًا أو سطرين.

 

وإننا لنرجو أن يتابع المكتب أداء الرسالة التي التزم بها، وألا يعفي صاحبُه نفسَه من المسؤولية والإشراف بعد أن بلغ السبعين من العمر؛ ذلك لأن خبرة بضع وأربعين سنة لا يجوز أن تتوارى.

 

وكان صاحبنا سلفي النزعة في وقت مبكر، وقد كان عونًا لنا ونحن طلاب في الجامعة على حماية مسجد الجامعة من عدوان المبتدعة؛ فقد أقامت لجنة المسجد "مسجد الجامعة" بعيدًا عن البدع التي كانت في المساجد، فجُن جنون المبتدعة كيف يقوم مسجد لا بدعة فيه، فحاولوا إرسال نفر من أتباعهم؛ ليُحدِثوا فيه ما ألِفوا من البدع، وبلغ صاحبَنا الخبرُ أنهم كانوا عازمين على إثارة فتنة عمياء في المسجد، فقام صاحبنا في صباح تلك الجمعة بتصرف فيه قوة وحمية، فخوَّف هؤلاء القوم وهدَّدهم، وذلك عندما ذهب إلى رأسٍ مدبر من رؤوسهم وحمَّله المسؤولية، واصطحب معه واحدًا من أعضاء اللجنة دون أن يخبره بما هو عازم عليه، فخشي القوم وانطفأت الفتنة ولم يفلحوا، واستمر المسجد على ما هو عليه من الاستقامة على السنة.

 

وبعد، فإني أسأل الله أن يبارك لأخينا في عمره، ويمتعه بالصحة والعافية، ويختم لي وله بالحسنى، والحمد لله رب العالمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله

 

وبعد:

فإنني أسأل الله أن يغفر لنا وله، وأن يحسن نُزُله، ويجزيه الخير على ما قدَّم في نصرة الإسلام ونشر العلم به، ولا بُدّ لي من أن أقدم التعزية مع التحية الوافرة لأهله جميعًا، وأخصّ بالذكر السيدة الفاضلة أم بلال - حفظها الله - وللأستاذين بلال وعلي - وفقهما الله - ولكريماته الفضليات وأصهاره، وأخيه الأستاذ موفق، ولأخته أم ثابت، ومحبيه جميعًا.

 

والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مواد مترجمة
  • سير وتراجم
  • مقالات
  • كتب
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة