• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ محمد الصباغد. محمد بن لطفي الصباغ شعار موقع الشيخ محمد الصباغ
شبكة الألوكة / موقع د. محمد بن لطفي الصباغ / مقالات


علامة باركود

نحن والسهر

نحن والسهر
د. محمد بن لطفي الصباغ


تاريخ الإضافة: 29/8/2016 ميلادي - 25/11/1437 هجري

الزيارات: 12815

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نحن والسهر


من الآداب الإسلامية النوم في وقت مبكِّر، والاستيقاظ في وقت مُبكِّر، ففي الْتزام ذلك مُسايرة لسُنَّة الله الذي جعل الليل سكنًا والنهار مَعاشًا؛ أي مجالاً للعيش والضرب في الأرض والسعْي في طلب الرزق والمصالح.

وفي النوم المبكِّر أيضًا إتاحة الفرصة الوافية للجِسم كي يستجمَّ ويَستريح في وقت تكون الراحة فيه مُجزِئة.

وفي النوم المبكِّر - إذا التزمت به الأسرة - مؤانسة للأسرة؛ وذلك عندما يعود الأب إلى بيته مُبكِّرًا فيُؤانس أولاده وأهله مدة، وفيه رعاية للأولاد في دروسهم وواجباتهم، ثم يُشرِف الأب على ذَهاب الأولاد إلى غرفة النوم، ويَخلُد الجميع إلى النوم، وإذا كان هناك عمل يُطلَب من الرجل إنجازه، فمن الأفضل إنجازه قبيل الفجر وبعده في وقت يكون فيه الذهن صافيًا، والبال هادئًا، والدنيا ساكنة، فلا ضَجيج ولا مُعكِّرات، وهذا الذي كان عليه سلفُنا الصالح، واستمرَّ حتى وقت قريب.

••••


وشاعت اليوم بين الناس عادات غريبة عَنَّا، يَحسبها بعض العامَّة مِن سِمات الحَضارة الحديثة التي فُتنَ الناس بكل ما يتَّصل بها، نافعًا كان أو ضارًّا، وقد تكون هذه العادات في حقيقة الأمر أبعد شيء عن الحَضارة.

ومِن هذه العادات المُبالغة في السهر والتأخُّر في النوم، وهذه العادة قد انتشرَت - وا أسفاه - بين الكبار والصِّغار بسبب أدوات الترفيه التي دخلَت معظم البُيوت.

 

وفي هذه العادة أضرار صحية ودينيَّة واجتماعية.

• أما ضررُها الصحيُّ فقد قرَّر العلماء أن النوم قبل مُنتصَف الليل أفضل من النوم بعده بدرجات، وقالوا في تعليل ذلك: إن الضغطَ الجوي يتحوَّل في الليل، حتى إنَّ ساعة من النوم في وقت مُبكِّر خير من ساعات في آخر الليل، ويؤيِّد ذلك ما تراه من الشحوب والصُّفرة في وجوه كثير من الساهرين، هكذا يَقولون، والله أعلم بالصَّوابِ.

• وأما ضررُها الديني فيَتلخَّص في مُخالفة السنَّة؛ فقد جاءت النصوص الصحيحة ترغِّب في الامتِناع عن السهر؛ عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يكرَه النوم قبل العِشاء، والحديث بعدها"؛ رواه البخاري برقم 599 ومسلم برقم 647.

 

وقال الإمام النووي في "رياض الصالحين": "والمُراد به الحديث الذي يكون مباحًا في غير هذا الوقت، وفعله وتَركُه سواء، فأما الحديث المحرَّم أو المكروه في غير هذا الوقت فهو في هذا الوقت أشد تحريمًا وكراهة، وأما الحديث في الخير؛ كمُذاكرة العلم، وحكايات الصالحين، ومكارم الأخلاق، والحديث مع الضَّيف، أو مع طالب حاجة، ونحو ذلك، فلا كراهة فيه، بل هو مُستحَبٌّ، وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه، وقد تظاهَرَت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرتُه[1].

ومِن ضرر السهر الطويل تعريض فريضة الفجر للضَّياع؛ قال ابن حجر في الفتح (2: 37): "والسمر بعدها قد يؤدِّي إلى النوم عن الصبْح، أو عن وقتها المُختار، أو عن قيام الليل، وكان أمير المؤمنين سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يَضرِب الناسَ على ذلك ويقول: أسمَرًا أول الليل ونومًا آخرَه؟!".

أما إذا كانت هناك مصلَحة إسلامية تَقتضي السهر فلا مانع، كما نقلْنا عن الإمام النووي - رحمه الله - وكذلك إذا كانت مصلحة مُباحة، ولا يُمكن أن تؤجَّل إلى وقت آخر، فلا مانع من السهر، لا سيما إن أخذ المرء الاحتياط للاستيقاظ على الصلاة؛ من أجل ذلك عقد الإمام البخاري - رحمه الله - بابَين حول ذلك هما: باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء، وباب السمر مع الضيف والأهل.

وأورد في الباب الأول (باب 40 من كتاب مواقيت الصلاة) الحديث رقم 600 عن أنس قال: نظرْنا النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى كان شطر الليل يبلغه، فجاء فصلى لنا ثم خطَبَنا فقال: ((ألا إن الناس قد صلَّوا ثم رقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة)).


وأورد في الباب حديث ابن عمر رضي الله عنه برقم 601 قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء في آخرِ حياته، فلمَّا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قام فقال: ((أرأيتُم ليلتَكم هذه، فإن رأس مائة سنَة لا يَبقى ممَّن هو اليوم على ظهر الأرض أحد)).

وأورد في الباب الثاني حديث عبدالرحمن بن أبي بكر برقم 602 الذي يحكي قصة دعوة أبي بكر لثلاثة من أهل الصفّة، وأنه ذهب وتعشَّى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: وما حبَسَك عن أضيافك؟ قال: أوَما عشيتِهم؟ قالت: أبَوا حتى تجيء... إلى آخر القصة الطريفة.

 

أقول: هذه وأمثالها حالات طارئة، ويَبقى أن الأصل في المسلم أن يَنام بعد صلاة العشاء، ومن هدْيِه صلى الله عليه وسلم ترك الكلام بعد صلاة العشاء والإخلاد إلى الراحة والنَّوم.

هذا وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة لأمَّته في بكورها كما قال:

((اللهم بارك لأمتي في بكورها))؛ روى ذلك صخر الغامدي، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود، وعبدالله بن سلام، وعمران بن حصين، وكعب بن مالك، والنواس بن سمعان، وأخرجه أصحاب السنن الأربعة، وقال الألباني في صحيح الجامع: صحيح.

وجاء في المقاصد الحسنة (ص: 89): وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعَثَ سريةً أو جيشًا بعثهم أول النهار، وكان صخر تاجرًا، فكان يَبعث في تجارته في أول النهار فأثرى وكثر ماله.

••••


وأما ضررُها الاجتماعي، ففي السهر إضاعة لأوقات الصفاء والنشاط والبكور.. إضاعتها في النوم.

والفِكْر والإبداع يحتاج كل منهما إلى وقت صافٍ هادئ حتى يَستطيع أن يعملَ عمله الجدِّي المُنتِج... إن الوقت المَشحون بألوان المشاغل والتشويش وضَوضاء الحياة وبرامج الإذاعات وبرامج التلفزيون، وجلَبة الأطفال، وما إلى ذلك... كل أولئك يَحول دون انطلاق الفِكْر في رِحاب الإبداع؛ لأنها لا توفِّر له الصَّفاء... ولو أراد إنسان أن يعملَ في هذا الوقت؛ لأن عمله معرض لما يُعانيه العامل من انقطاع متكرِّر، واضطراب وضرر هذه العادة واضح في الاقتصاد أتمَّ وضوح؛ ذلك لأن الذي يَنام مُتأخِّرًا لابد أن يَصحو متعبًا خاملاً كسولاً.

والحياة لا تنتظر الكسالى الهابطين الخاملين العاجزين المُتعَبين...

إنها تَنطلِق في طريقها غير متردِّدة مع القادرين ذوي الحيوية والنشاط، إن السهرَ الطويل يجعل العمل مُتعثِّرًا ويتبَع ذلك التخلف في الاقتصاد.

هذا، وقد علمتُ أن الناس في أوروبا يَنامون مُبكِّرين، فلا تأتي الساعة التاسعة حتى يكونوا قد أووا إلى فرُشِهم، ويَستيقِظون مُبكِّرين، ولا يَسهرون إلا في ليالي الأيام التي لا يعملون فيها... ونحن أحق منهم بالتزام هذا السلوك؛ لأن دينَنا يأمُر به.

 

ولقد أدركتُ وقتًا كان الناس يَنامون فيه بعد العشاء مُباشَرةً، ولا يسهَرون إلا إذا كانت مُناسبة تقتضي السهر كعرس ونحوه، وكنتُ إذا مشيتُ في الشارع بعد العشاء لا أرى فيه أحد إلا العسَس، وإني لأسمع وقْع قدمي مجلجلا، وكان الناس يقومون مُبكِّرين يُصلُّون، ثم يَنطلِقون إلى أعمالهم.

ما أحسن أن نعود إلى هذه الحياة الجميلة! ننام بعد العشاء، ثم نقوم في هدأة الليل نُناجي ربنا ونتزوَّد لأرواحنا، وكذلك ننطلِق بعد صلاة الفجر نَمشي في مناكب الأرض ونأكُل مِن رزق الله، ونسعى في عمارة بلادنا الخيِّرة.

إن التبكير في النَّوم، والاستيقاظ المبكِّر، سِمَة الأمة الجادة، وإن العمل البناء الإيجابي يَستلزِم النوم المبكِّر.

ولن تُفلِح أمة يكثر فيها الكسالى الهابطون اللاهون.

والحياة صنْوُ العمل والحركة، والنَّوم أشبه ما يكون بالموت، وقافلة الحياة سائرة ولن تَنتظِر النائمين.



[1] انظر: كتاب الأمور المنهي عنها في "رياض الصالحين".





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مواد مترجمة
  • سير وتراجم
  • مقالات
  • كتب
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة