• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الدكتور زيد الرماني  الدكتور زيد بن محمد الرمانيد. زيد بن محمد الرماني شعار موقع الدكتور زيد بن محمد الرماني
شبكة الألوكة / موقع د. زيد بن محمد الرماني / بحوث ودراسات


علامة باركود

مفهوم العمارة في الاقتصاد الإسلامي

د. زيد بن محمد الرماني


تاريخ الإضافة: 11/12/2016 ميلادي - 11/3/1438 هجري

الزيارات: 20695

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مفهوم العمارة في الاقتصاد الاسلامي


مقدمة:

التنمية الاقتصادية هي اليوم موضوع الساعة والشغل الشاغل للساسة والمخططين، ومع ذلك لم يكن الاهتمام بدراستها إلا حديثاً، في حين نجد الإسلام ومنذ أربعة عشر قرناً قد أولى قضية التنمية عناية فائقة واهتماماً خاصاً.

 

التنمية في ظل النظام الاقتصادي الإسلامي فرضٌ وضرورة، حيث تستهدف تحقيق الإنسان من خلال عمله، درجات متزايدة من التعامل المنضبط مع الوارد المتاحة في الكون، التي سخرها الله سبحانه وتعالى لخدمته، وذلك لتحقيق تمام الكفاية، الذي يتناسب مع متوسط المعيشة السائد في المجتمع المسلم، ويعني ذلك تحقيق مزيد من الدخل، ومن عناصر القدرة الاقتصادية، إلى جانب مشاركة الدولة في إشباع الحاجات الأساسية لغير القادرين وتوفيرها للاستقرار والأمن الاقتصادي.

 

إنّ الإسلام ينظر إلى التنمية نظرة شمولية تجمع بين تطوير كل من الأرض، الموارد الطبيعية، والموارد البشرية.

لذلك اهتم الإسلام بالتنمية، واعتبرها عبادة لله تعالى، وجعلها من واجبات الاستخلاف، قال عز وجل: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61].

 

بل لقد بلغ حرص الإسلام على التنمية وإعمار الدنيا، أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقوم حتى يغرسها، فليغرسها، فله بذلك أجر)) أخرجه البخاري.

 

كما شغلت قضية التنمية فكر المسلمين الأوائل، واحتلت المقام الأول في اهتماماتهم، وذلك تحت لفظ ((العمارة))، وهو اصطلاح يشمل - في اقتصاديات اليوم - ما يطلق عليه التنمية الشاملة.

 

إنّ لفظ العمارة يحمل في مضمونه التنمية الشاملة، والنهوض بالمجتمع في مختلف مجالات الحياة الإنسانية، وهذا جوهر ما تسعى إليه التنمية في الاقتصاد المعاصر.

 

بين يدي المفهوم:

يهتم الإسلام اهتماماً بالغاً بالتنمية الاقتصادية بَيْدَ أنه يعالجها باعتبارها جزءاً من كل: هو التنمية الإنسانية. فأول وظيفة من وظائف الإسلام هي توجيه التنمية الإنسانية في المسالك الصحيحة. لهذا كان التركيز، حتى في القطاع الاقتصادي، على التنمية الإنسانية، بحيث تبقى التنمية الاقتصادية عنصراً مكملاً وجزءاً لا يتجزأ من التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للجماعة الإنسانية.

 

وفي ضوء المبادئ الأساسية للإسلام يمكن أن نستخلص مفهوم الإسلام للتنمية الذي تتضح ملامحه في النقاط الرئيسة التالية:

1- المفهوم الإسلامي للتنمية له خاصية الشمول، إذ يتضمن المظاهر الخلقية والروحية والمادية في آن معاً. وبهذا تصبح التنمية نشاطاً هادفاً ومتجهاً إلى الخُلق، ومنصباً على البلوغ بالرفاه البشري حدَّه الأمثل. والرفاه الذي يبحث عنه الإسلام إنما يمتد إلى الحياة الآخرة، وليس ثمة تنازع بينهما. وهذا البُعْد مفقود في المفهوم المعاصر للتنمية.

 

2- الإنسان هو مركز الجهد التنموي، وهو قلب عملية التنمية، وهدف التنمية أن يكون عقل الإنسان سليماً، وجسمه صحيحاً، وعرْضه مصوناً، وماله محفوظاً، وقبل هذا وبَعْده، دينه وعقيدته صافية. ولهذا طالب الإسلام بتنمية كل هذه الجوانب الضرورية للجماعة الإنسانية.

 

3- التنمية نشاط متعدد الأبعاد، وهي في الإسلام أكثر من ذلك، إذ يسعى الإسلام إلى إقامة التوازن بين مختلف الاتجاهات والأبعاد، دون تركيز على جانب، أو إهمال جانب.

 

4- يؤكد الإسلام تأكيداً خاصاً على مبدأين، من المبادئ الفعّالة في الحياة الاجتماعية: الاستخدام الأمثل للموارد التي أنعم الله بها على الإنسان وبيئته الطبيعية، والاستخدام العادل والتوزيع الحق للعلاقات الإنسانية.

 

وعليه يمكن القول إنّ التنمية الاقتصادية في ظل الإسلام تستلزم مشاركة الإنسان الفعّالة، وتتجه إلى تحقيق الحد الأمثل من الرفاه الإنساني، وإلى بناء قوة الأمة.

 

مصطلح العمارة:

لم يعرف الفكر الإسلامي تعبير التنمية الاقتصادية، بَيْدَ أنه حوى من المصطلحات ما يحوي مضمون مصطلح التنمية، وكان أقرب تعبيراً عن التنمية والعملية التنموية. ومن هذه المصطلحات: التمكين والإحياء، والعمارة.

 

فالعمارة تأتي في اللغة بمعان عدة منها: العمارة نقيض الخراب، أو هي البُنيان، أو هي عمارة الأرض، أي إحياؤها بالبناء أو الغرس أو الزرع.

 

جاء في معجم مقاييس اللغة: العين والميم والراء أصلان صحيحان: أحدهما يدُّل على بقاء وامتداد زمان، والآخر: على كل شيء يعلو، من صوت أو غيره. ومن هذا الباب عمارة الأرض، يقال عمر الناس الأرض عمارة وهم يَعْمُروها وهي عامرة معمورة. والاسم والمصدر: العمران، واستعمر الله تعالى الناس في الأرض ليعمروها.

 

إذا تبين هذا، فإن مصطلح العمارة يشمل عمارة الأرض (التنمية الاقتصادية)، وعمارة البلاد (التنمية الشاملة).

وفي القرآن الكريم جاء قوله تعالى ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61] مدللاً على أهمية العمارة، يقول القرطبي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: قال بعض علماء الشافعية: الاستعمار طلب العمارة، والطلب المطلق من الله تعالى على الوجوب. وقال الجصاص: وفيه دلالة على وجوب عمارة الأرض للزراعة والغراس والأبنية.

 

وفي قوله ﴿ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾[هود: 61] أمرٌ بالعمارة، والعمارة متنوعة إلى واجب كعمارة القناطر اللازمة، والمسجد الجامع.. ومندوب كعمارة المساجد.. ومباح كعمارة المنازل.. وحرام كعمارة الحانات وما يبنى للمباهاة أو من مال حرام.

 

وفي السنة النبوية أحاديث كثيرة دالة على فضل العمارة وأهميتها، فقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ((مَنْ أعمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق)). قال ابن حجر في فتح الباري، والمراد مَنْ أعمر أرضاً بالإحياء فهو أحق به من غيره.

 

وقال المناوي رحمه الله في حديث ((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة...)) الحديث أخرجه البخاري. والحاصل أنّ الحديث مبالغة في الحث على غرس الأشجار وحفر الأنهار، لتبقى هذه الدار عامرة إلى آخر أمدها المحدود المعلوم عند خالقها، فكما غرس لك غيرك فانتفعت به، فاغرس لمَنْ يجيء بعدك لينتفع، وإن لم يبق في الدنيا إلا صبابة، وهذا لا ينافي الزهد والتقلل من الدنيا...

 

وفي هذا المجال وردت نصوص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العمارة وما يدل عليها ومنها: قوله ((مَنْ عطل أرضاً ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له)). وقوله لبلال بن الحارث المزني رضي الله عنه: ((إنّ رسول الله لم يقطعك لتحتجزه عن الناس، إنما أقطعك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته، ورد الباقي)).

 

ومن هذه النصوص يتضح حرصه رضي الله عنه على دفع الناس وحثهم على الإنتاج والتنمية، فهو لا يترك رغبة الناس في عمارة الأرض مجردة عن العمل، وإنما يطالبهم بأن تقترن هذه الرغبة بالعمل والتعمير وبذل الجهد خلال مدة زمنية معينة.

 

وقد قال رضي الله عنه: ((والله لئن جاءت الأعاجم بالأعمال، وجئنا بغير عمل، فهم أولى منا بمحمد يوم القيامة))، وقال كذلك: ((مَنْ كان له مال فليصلحه، ومَنْ كانت له أرض فليعمرها، فيوشك أن يأتي مَنْ لا يُعطي إلا مَنْ أحب))، وقال أيضاً لواليه على بعض أقاليم الدولة: ((إنّ الله قد استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها، إنّ الله خلق الأيدي لتعمل...)).

 

ومن هذه النصوص يتضح نظرة الفاروق رضي الله عنه للتنمية من خلال العمل المنتج وأهميته في النشاط الاقتصادي، ودعوته رضي الله عنه للتنمية وعمارة الأرض، لأن حاجة الإنسان إلى المادة اللازمة هي قوام نفسه.

 

وفي عبارة الفاروق الأخيرة تلخيص لمهمة القادة وبيان لأساس الحكم، من حيث تأمين الناس في معاشهم وفي حياتهم، وتوفير حد الكفاية لأفراد المجتمع.

 

إن قارئ كتاب ((نهج البلاغة)) المنسوب للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يقع نظره على جُمل من القول يتمثل فيها فكره رضي الله عنه الاقتصادي، وموقفه من عدة قضايا تمثل جوهر التنمية الاقتصادية (العمارة).

 

فمن خلال كتابه رضي الله عنه لواليه على مصر ((الأشتر النخعي))، نجده يحدِّد فيه مجموعة من الضوابط والقواعد الاقتصادية ومنها:

1- عناية الدولة بشؤون التجارة، ورعايتها للتجار.

2- منع التجار من الاحتكار، أو الإضرار بالناس.

3- تطبيق فكرة الثمن العادل، وضبط الموازين والمكاييل.

4- إرشاد الناس إلى السماحة في البيع والشراء.

5- معاقبة التجار الذين يُضيِّقون على الناس.

 

وبهذه الضوابط والقواعد الاقتصادية تقوم التجارة بدورها في تحقيق العمارة، ودفع كل من القطاع الزراعي إلى الأمام في مجال التقدم والازدهار ومن ثم تتحقق العمارة والتنمية وبناء مجتمع المتقين هدف التنمية.

 

إنّ عمارة البلاد أمر واجب على الدولة، ومهمة أساس من مهامها. يقول رضي الله عنه في مقدمة العهد الذي كتبه للأشتر النخعي ((هذا ما أمر به عبد الله عليّ أمير المؤمنين، مالك بن الحارث الأشتر، في عهده إليه حين ولاه مصر، جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها)). وفي هذه المقدمة تلخيص لوظائف الوالي التي كلفه بها أميره، فهي تحدِّد وظائف الدولة عنده رضي الله عنه، وقد جمعها في الأربعة المذكورة، والتي منها عمارة البلاد.

 

ويتمثل هدف العمارة عند علي رضي الله عنه في إقامة مجتمع المتقين، ذلك المجتمع الذي يتمتع بأعلى مستوى من طيب الماديات، والتزام تقوى الله تعالى. وقد حدّد رضي الله عنه هذا الهدف في كتابه لمحمد بن أبي بكر رضي الله عنهما والي مصر، حيث يقول: ((يا عباد الله، إنّ المتقين حازوا عاجل الخير وآجله شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا آخرتهم، أباح لهم الله الدنيا ما كفاهم به أغناهم... سكنوا الدنيا بأفضل ما سُكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا، وهم غداً جيران الله يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون، لا ترد لهم دعوة ولا ينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق مَنْ كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله...)).

 

هذا الكتاب التاريخي ليس قصة يتحدث فيها الإمام علي رضي الله عنه عن واقع المتقين على وجه الأرض، أو واقعهم في التاريخ، وإنما كان يستهدف التعبير عن نظرية المتقين في الحياة، والمثل الذي يجب أن يحققه مجتمع المتقين على هذه الأرض، ولذا أمر بتطبيق ما في الكتاب، ورسم الوالي سياسته على ضوء ما جاء فيه من وصايا وتعليمات.

 

يرى الإمام علي رضي الله عنه أنّ مضمون العمارة ومفهومها لا يقتصر على زيادة الإنتاج أو رفع مستوى الدخل الوطني، وإنما يقوم على عدالة توزيع الدخل، فالتوزيع العادل لثمار التنمية جزء من مفهومها في فكر الإمام علي رضي الله عنه القائل: ((ما جاع فقيرإلا بما مَتـُع غني)).

 

مما سبق يتضح أنّ العمارة والتنمية التي يجب على الدولة القيام بها تهدف إلى تحقيق مستوى الحياة الكريمة لمجتمع المتقين، وهذا المستوى يتطلب لتحققه توفير العدالة الاجتماعية، كما أنّ التوزيع العادل جزء أساس من مفهوم العمارة ومضمونها عند علي رضي الله عنه.

 

أما وسائل تحقيق العمارة في نظر الإمام علي رضي الله عنه فهي أربع: تحقيق التوازن الاقتصادي، وإقرار الأمن والاستقرار، والقيام بالتوجيه لكافة أوجه النشاط الاقتصادي، وعدالة التوزيع.

 

يقول الإمام علي رضي الله عنه لواليه: ((وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومَنْ طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد، وأهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلاً... ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم، فإنه ذخرٌ يعودون به عليك في عمارة بلادك، وتزيين ولايتك، مع استجلابك حسن ثنائهم...)).

 

ويمكن تلمس موقف أبي يوسف رحمه الله من التنمية (العمارة) من خلال استعراض ما جاء في كتابه ((الخراج)) الذي كتبه لهارون الرشيد.

 

إذ يستخدم أبو يوسف رحمه الله في كتابه ذلك تعبير عمارة البلاد، وكذلك تعبير عمارة الأرض، فعندما يتحدث عن عمارة القطاع الزراعي يستخدم عبارة ((عمارة الأرض))، وعندما يتحدث عن أسس العمارة وأصول بنائها، يستخدم عبارة ((عمارة البلاد))، يقول أبو يوسف رحمه الله: ((إنّ العدل والإنصاف وتجنب الظلم، مع ما في ذلك من الأجر، يزيد به الخراج وتكثر به عمارة البلاد...)).

 

ولذا، يُحمِّل أبو يوسف الدولة مسؤولية كبرى تجاه إنجاز التنمية (العمارة)، مع عدم إغفاله لدور الأفراد في تحقيق ذلك، حيث نجده يقول رحمه الله مخاطباً الخليفة ((ولا أرى أن يترك الإمام أرضاً لا ملك لأحد فيها، ولا عمارة، حتى يقطعها فإن ذلك أعمر للبلاد، وأكثر للخراج)).

 

ويقول رحمه الله في معرض تحمّل الدولة للنفقات العامة وقيامها بالإنفاق على المشروعات: ((ولا تحمل النفقة على أهل البلد، فإنهم إن يعمروا خير من يخرجوا، وإن يفروا - من الوفرة - خير من أن يذهب مالهم ويعجزوا))، وفي هذا دعوة لتحمل الدولة العبء الأكبر إزاء عملية التنمية (العمارة).

 

وأسس العمارة عند أبي يوسف رحمه الله ثلاثة هي: سيادة العدل والإنصاف، والمحافظة على الملكية الخاصة وتدخل الدولة ومساهمتها إيجابياً في عملية التنمية. يقول أبو يوسف رحمه الله: ((إن العدل والإنصاف للمظلوم، مع ما في ذلك من الأجر الأخروي، مما يزيد به الخراج وتكثر به عمارة البلاد، والبركة مع العدل تكون، وهي تفقد مع الجور، والخراج المأخوذ من الجور تنقص به البلاد وتخرب...)).

 

وقد اشترط أبو يوسف رحمه الله في العامل الذي يتولى مهمة العمارة شروطاً سبعة: الدين، والصلاح، والأمانة، والعفة، والمشاورة لأهل الرأي، والخبرة، والعلم والفقه. متى توفرت هذه الشروط في رجل الخراج، فإنّ البلاد تنعم بالرفاه والعدل الاجتماعي وذلك بتحقق العمارة. يقول أبو يوسف رحمه الله: ((رأيت أبقى الله أمير المؤمنين فتوليهم الخراج، ومن وليت منهم فليكن فقيهاً، عالماً مشاوراً لأهل الرأي، عفيفاً لا يطلع الناس منه على عورة، ولا يخاف في الله لومة لائم...)).

 

ويرى أبو يوسف رحمه الله أنّ تحقيق العمارة يتطلب إجراءات معينة منها: إقامة شبكة طرق جيدة، وإدخال كل الموارد في نطاق الإنتاج، وإقامة المنشآت اللازمة للري والإمداد بالمياه.. بهذه الإجراءات الثلاثة، حصر أبو يوسف رحمه الله الإجراءات المادية المباشرة لتحقيق العمارة. ومن هنا ندرك أنّ أبا يوسف رحمه الله يستخدم التعبيرين ((عمارة الأرض)) و ((عمارة البلاد))، كما هو الحال عند علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

 

ولقد كان لكتاب الاقتصاد الإسلامي آراء خاصة في العمارة وما تميزت به عن التنمية الاقتصادية، فهذا الدكتور شوقي دنيا يقول في كتابه ((الإسلام والتنمية الاقتصادية)): ((إنّ لفظ العمارة أو التعمير يحمل مضمون التنمية الاقتصادية وقد يزيد عنها، فهو نهوض في مختلف مجالات الحياة الإنسانية، وإن تناول بصفة أولية جوانب التنمية الاقتصادية بمعناها المتعارف عليه في علم الاقتصاد...)).

 

وأما الدكتور يوسف إبراهيم ففي كتابه ((إستراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام)) يقول: ((إنّ هناك مصطلحاً خاصاً يستخدمه المفكرون المسلمون ويعالجون قضايا التنمية داخل إطاره، هذا المصطلح هو مصطلح العمارة...)).

 

ويقول الدكتور علي عبد الرسول في كتابه ((المبادئ الاقتصادية في الإسلام)): ((إنّ العمارة يمتد أفقها إلى أبعد مما عرف سلفنا الصالح من الزراعة والغراس والأبنية إلى استثارة ما في الأرض من أنواع المعادن، والتوسع في المنافع العمرانية باستحداث المصنوعات المختلفة والمرافق الضرورية والوسائل الميسرة للمصالح العامة، وما يتبع ذلك كله من تبادل السلع والغلات ونقل التجارة أو جلبها من هنا وهناك...)).

 

الخلاصة:

نخلص مما سبق إلى أنّ هناك مصطلحاً خاصاً يستخدمه المفكرون المسلمون، ويعالجون قضايا التنمية داخل إطاره، هو مصطلح العمارة، بإطلاقيها: عمارة الأرض، وعمارة البلاد.

 

وأنّ هذه العمارة في الاقتصاد الإسلامي ليست عملاً دنيوياً محضاً، بل هي عمل تعبدي فيه طاعة لله عز وجل فكل خطوة يخطوها الإنسان في طاعة الله ولو كانت في شؤون الدنيا، فالسعي على الرزق هو عبادة.

 

وإنّ هدف العمارة هو إقامة مجتمع المتقين المجتمع الذي يتمتع بأعلى مستويات المعيشة الطيبة، وأعلى مستويات الإنتاج، وأرشد مستويات الاستهلاك، وأعدل مستويات التوزيع، مع استشعار تقوى الله في كل مرحلة من مراحل النشاط الاقتصادي في هذا المجتمع..

 

الهوامش والمراجع:

أولاً: الكتب:

1- أحمد بن علي الجصاص - أحكام القرآن، بيروت.

2- أحمد بن فارس - معجم مقاييس اللغة، مصر: 1390هـ.

3- أميرة مشهور - تنمية المال في الاقتصاد الإسلامي، القاهرة: 1988م.

4- ابن حجر - فتح الباري، الرياض.

5- حمد الجنيدل - مناهج الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، الرياض: 1406هـ.

6- خورشيد أحمد - إستراتيجية التنمية من مفهوم إسلامي، تونس: 1980م.

7- رفعت العوضي - من التراث الاقتصادي للمسلمين، مكة: 1405هـ.

8- سعيد مرطان - مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام، بيروت: 1406هـ.

9- السيد محمد عاشور - رواد الاقتصاد العرب، مصر: 1974م.

10- الشريف الرضي - نهج البلاغة، بيروت: 1405هـ.

11- شوقي دنيا - الإسلام والتنمية الاقتصادية، القاهرة: 1979م.

12- شوقي دنيا - أعلام الاقتصاد الإسلامي، الرياض: 1404هـ.

13- عبد الرحمن يسري أحمد - التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإسلام، الإسكندرية.

14- علي عبد الرسول - المبادئ الاقتصادي في الإسلام، القاهرة: 1980م.

15- محبوب الحق - ستار الفقر، القاهرة: 1977م.

16- محمد أحمد القرطبي - الجامع لأحكام القرآن، القاهرة: 1977م.

17- محمد عبد الرؤوف المناوي - فيض القدير، دمشق: 1391هـ.

18- محمد الغزالي - ظلام من الغرب، القاهرة.

19- يوسف إبراهيم يوسف - إستراتيجية وتكنيك التنمية الاقتصادية في الإسلام، القاهرة: 1401هـ.

20- يوسف كمال محمد - فقه الاقتصاد الإسلامي، الكويت: 1408هـ.

 

ثانياً: المقالات والندوات والرسائل الجامعية:

21- حسين أحمد فهمي - ديناميكية النظام الاقتصادي الإسلامي، القاهرة: 1408هـ.

22- خورشيد أحمد - التنمية الاقتصادية في إطار إسلامي، جدة: 1985م.

23- ربيع الروبي - المنهج الإسلامي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، القاهرة: 1984م.

24- سلطان أبو علي - التنمية والأخلاق، القاهرة: 1409هـ.

25- عبد الملك الأحمر - من تاريخ الفكر الاقتصادي في الإسلام، دبي: 1405هـ.

26- محمد شوقي القنجري - المفكرون المسلمون والتنمية الاقتصادية، القاهرة: 1404هـ.

27- محمد القري بن عيد - استعراض للكتابات المعاصرة في التنمية الاقتصادية من المنظور الإسلامي، القاهرة: 1409هـ.

28- نعمت مشهور - حول الدور الإنمائي والتوزيعي للزكاة، القاهرة: 1408هـ.

29- يوسف إبراهيم يوسف - المنهج الإسلامي في التنمية، القاهرة: 1409هـ.

30- يوسف خليفة يوسف - مشكلة التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي، دبي: 1984.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • قراءات وملخصات
  • صوتيات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • محطات وخبرات
  • تحقيقات وحوارات ...
  • نُبذ عن الكتب
  • المطويات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة