• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ خالد الرفاعيالشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي شعار موقع الشيخ خالد الرفاعي
شبكة الألوكة / موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي


علامة باركود

فقدت الثقة في الآخرين بعد تعرضي للتحرش في الصغر

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي


تاريخ الإضافة: 5/7/2016 ميلادي - 29/9/1437 هجري

الزيارات: 12487

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
السؤال:

 

♦ ملخص السؤال:

فتاة تعرَّضتْ لحادثة تحرش في الصغر، وأصيبتْ بعدها بأمراضٍ نفسية، وأصبحت فاقدة للثقة في الآخرين.. والآن تُفكِّر في الانتحار!

 

♦ تفاصيل السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة علاقتي سيئة جدًّا بوالديَّ، تعرَّضتُ لمساوئَ كثيرة في صغري، وتأثرتُ بها، منها: التحرشُ الجنسي، والتعرُّض للاغتصاب، وللأسف لم أجدْ أحدًا يقف معي.


عانيتُ عامينِ كاملين مِن أثرِه النفسيِّ، فكنتُ أبكي بكاءً شديدًا، وأصبتُ بالاكتئاب، وذهبتُ للطبيبة النفسية، وأخبرتني بحالتي النفسية السيئة، وأني مُصابة باكتئابٍ مزمنٍ!


أصبحتُ لا أثق في أحدٍ، وأشعُر مِن داخلي أني قبيحةٌ، وأنَّ الكلَّ ينظُر لي ويَضحك عليَّ!


أصبتُ بوسواس الموت، وبداخلي أصواتٌ كثيرة تتكلَّم، وكل يوم تَزداد عن اليوم الذي قبله، حتى أصبحتُ منعزلةً عن الجميع.


أفكِّر في الانتِحار بصورةٍ جديةٍ ولا أرى أن هناك مَن يَمنعني عنه، فلا أرى لي أثرًا في هذه الحياة.

 

بل أراني خطرًا على الجميع

الجواب:

 

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فلا يا بنيتي الكريمة، فإنَّ هناك مَن يَحُول بينك وبين الانتحار، ويَكشف كربك، ويُغيث لهفتك، ويُعيذك مِن شر نفسك، ومِن شر الشيطان وشِركه، إنه اللهُ الرب الرحمن الرحيم، الذي وسع كل شيء رحمةً وعلمًا، وأوسع كل مخلوق نعمةً وفضلًا، ووَسِعَتْ رحمته كل شيء، ووسِعَتْ نعمته كل حيٍّ، فبلغت رحمته حيث بلغ علمه، يُجيب دعوة المضطرين، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا مُعَقِّب لحكمه، ولا رادَّ لأمره، ولا مُبَدِّل لكلماته، قائمٌ بتدبير خلقه وحِفْظ مصالحهم، لا يسأل عما يَفعل لكمال حكمته، وتمام علمه وعدْلِه.


لا تُغلقي على قلبك أيتها الصغيرة أنوارَ أسماء الله وصفاته، وداومي على ذِكْرِ الله يَجْعل الله لك نورًا وفرقانًا، وتأمَّلي كتاب الكون المنظور، وتدبَّري كتابه المسطور، وهو القرآنُ الكريمُ بنفسٍ هادئةٍ مستسلمةٍ لأمر الله - يذهب الله عنك ما علق بنفسك مِن دخان الشبهات وغيم الوساوس، ويمتلئ قلبك نورًا وفرحًا وسُرورًا، فعبادةُ الصبر أعلى الغايات، وإعانته عليها أجل الوسائل.


"وإذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أولى بنا مِن أنفسنا في المحبة ولوازمها، أفليس الرب جل جلاله وتقدستْ أسماؤه أولى بمحبته وعبادته مِن أنفسهم، وكل ما منه إلى عبده المؤمن يدعو إلى محبته، فعطاؤه ومنعه، ومعافاته وابتلاؤه، وقبضه وبسطه، وعدله وفضله، وإماتته وإحياؤه، ولطفه وبره، ورحمته وإحسانه، وستره وعفوه، وحلمه وصبره على عبده، وإجابته لدعائه، وكشف كربه، وإغاثة لهفته، وتفريج كربته مِن غير حاجة منه إليه، بل مع غناه التام عنه مِن جميع الوجوه، كلُّ ذلك داعٍ للقلوب إلى تأليهه ومحبته، بل تَمكينه عبده من معصيته وإعانته عليها، وستره حتى يقضيَ وطره منها، وكلاءته وحراسته له مِن أقوى الدواعي إلى محبته، فلو أن مخلوقًا فعَل بمخلوق أدنى شيء مِن ذلك لامتلك قلبه عنْ محبته، فكيف مَن يُحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس، مع إساءته؟ فخيره إليه نازل، وشرُّه إليه صاعد، يتحبَّب إليه بنعمه وهو غنيٌّ عنه، والعبدُ يَتَبَغَّض إليه بالمعاصي وهو فقير إليه؛ فأَلْأَمُ اللُّؤم تخلُّف القلوب عن محبةِ مَن هذا شأنه، وتعلُّقها بمحبة سواه.


فكلُّ مَن تُحبه مِن الخَلْقِ أو يُحبك إنما يريدك لنفسه وغرضه منك، واللهُ سبحانه وتعالى يُريدك لك، فكيف لا يستحي العبدُ أنَ يكون ربُّه له بهذه المنزلة، وهو مُعرضٌ عنه، مَشغولٌ بحبِّ غيره؟


فكلُّ مَن تُعامله مِن الخلق إن لم يَرْبَحْ عليك لم يُعامِلْك، ولا بد له مِن نوعٍ مِن أنواع الربح، والربُّ تعالى إنما يُعاملك لتَرْبَح أنت عليه أعظمَ الربح وأعلاه، فالدِّرهمُ بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، والسيئةُ بواحدةٍ وهي أسرعُ شيءٍ محوًا.


هو سبحانه خلقك لنفسه، وخلَق كل شيء لك في الدنيا والآخرة، فمَن أولى منه باستفراغ الوُسع في محبته، وبذل الجهد في مرضاته؟


وهو أجودُ الأجودين، وأكرم الأكرمين، أعطى عبده قبلَ أن يَسأله فوق ما يُؤمله، يشكُر القليلَ مِن العمل وينميه، ويَغفر الكثير مِن الزلل ويَمحوه، وَيستُره حيث لا يَستُر نفسه، ويَرحَمه حيث لا يَرحم نفسه، دعاه بنعمه وإحسانه وأياديه إلى كرامته ورضوانه، فأبَى، فأرسل رسُله في طلبه، وبعَث إليه معهم عهدَه، ثم نزل إليه سبحانه نفسه، وقال: ((مَن يدعوني فأستجيب له، مَن يسألني فأُعطيه، مَن يَستغفرني فأَغْفِرَ له؟)).


فهو أحقُّ مَن ذُكر، وأحقُّ مَن شُكِر، وأحقُّ مَن عُبِد، وأحقُّ مَن حُمِد، وأنصرُ مَن ابتُغي، وأرأفُ مَن مَلَك، وأجودُ مَن سُئِل، وأوسعُ مَن أعطى، وأرحم مَن استُرحِم، وأكرمُ مَن قُصِد، وأعزُّ مَن التُجئ إليه، وأكفى مَن تُوُكِّل عليه، أرحمُ بعبده مِن الوالدة بولدها، وأشد فرحًا بتوبة التائب مِن الفاقد لراحلته التي عليها طعامُه وشرابه في الأرض المهلِكة إذا يئس مِن الحياة ثم وجدها"؛ قاله طبيب القلوب شيخ الإسلام أبو عبدالله ابن القيم في الجواب الكافي (ص:229- 231).


إذا تقرَّر هذا فأدعوكِ أيتها الابنة الكريمة إلى تدبُّر وقفات ثلاث؛ كأسباب ومُقدماتٍ عسى الله أن يُنشئ آثارها الطيبة ونتائجها الحتميَّة في قلبك.


• الوقفة الأولى: مشهد الحكمة فيما قدَّره عليك مِن ابتلاء، والركون إلى رحمة الله وعدله، فهدوءُ النفس، واطمئنانُ السريرة، وسلامة الضمير، والنجوة مِن الهواجس والوساوس، لا تتحقق إلا بالثقة بالله والعيش في كنفه ورعايته، واستشعار إحاطته وقهره وقربه سبحانه مِن داعيه وذاكريه، فقُربه مِن لوازم محبته، وكلما كان الحبُّ أعظم كان القربُ أكثر، وتدبَّري معي سلمك الله قوله: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، وقوله: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، وقوله: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21]، وقوله: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ [الأنفال: 24]، وقوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقوله: ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ﴾ [هود: 56]، وقوله: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [الزمر: 36]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾ [الحج: 18]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الرعد: 33]، وقوله: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وقوله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]، وقوله: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ ﴾ [الإسراء: 60]، وقوله:﴿ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ﴾ [البروج: 20].


وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أقربُ ما يكون العبد مِن ربه وهو ساجد))، و((أقرب ما يكون الرب من عبده في جوف الليل))، ((فإنكم ما تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم مِن عنق راحلته)).


فإرادةُ الله المُدبرة، ومشيئته المطلقة ليس لأحدٍ مِن عباده أن يستعجلَ منها شيئًا قبل محله، ولا أن يقترحَ على الله، وإنما علينا الافتقار إليه والتوكل عليه، والأخذ بأسباب النجاة، مع اليقين الجازم أنَّ منعه وعطاءه، وعافيته وبلاءه، وتوفيقه وخذلانه - لا يخرج منها شيءٌ عن موجب الحكمة، والرحمة والإحسان.


وتدبَّري كلام شيخ الإسلام ابن القيم في كتاب الفوائد (ص: 93): "... سبحانه تولَّى تدبير أمورهم بموجب علمِه وحكمته ورحمته أَحبُّوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته فلم يتَّهموه في شيءٍ مِن أحكامه، وخَفِيَ ذلك على الجاهل به وبأسمائه وصفاته فنازعوه تدبيره، وقدحوا في حكمته، ولم ينقادوا لحُكمه، وعارضوا حُكمه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة، وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرَفوا، ولا لمصالحهم حَصَّلوا.


ومتى ظفر العبدُ بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنةٍ لا يشبه فيها إلا نعيم الآخرة، طيب النفس بما يَجري عليه مِن المقادير التي هي عين اختيار الله له، وما ذاق طعمَ الإيمان مَن لم يَحْصُل له ذلك، وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره". اهـ. مختصرًا.


بنيتي العزيزة، إن وَسْوَسَتْ لك نفسُك الأمارةُ بالسوء لماذا تُبتلين بكلِّ ما مَرَّ بك؟


فأجيبيها: أن هذا سؤالُ جاهلٍ بكمال ربوبية الله تعالى، والتي مِن مُقتضياتها خلقُ الأضداد والمتقابلات ووقوعُ التفاوت بين عباده في خلقِهم وأخلاقِهم، وأديانهم وأرزاقهم، ومعايشهم وآجالهم.


• الوقفة الثانية: مشهد التسليم لِقضاءِ اللهِ تَعالى وقدَرِه، والرِّضا به، فكلُّ ما يُصيبُ المسلمَ هو مِن قَدَرِ الله تعالى وقضائِهِ، والإيمانُ بِالقَدَرِ يَبْعَثُ في النَّفْسِ الطُّمَأْنِينةَ والصَّبْرَ والرِّضا؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]، قال ابن عباس: "يَهدِي قلبَهُ لليَقِينِ؛ فَيَعْلَمُ أنَّ ما أَصَابَه لم يَكُن ليُخْطِئَه، وما أَخْطَأَه لم يكنْ لِيُصِيبَه".


وقال قتادةُ رحمه الله: "هو الرجلُ تُصيبُه المصيبةُ، فيعلمُ أنَّها مِن عندِ الله، فيرضَى ويُسَلِّمُ".


وهذا الإيمانُ يَعصم صاحبَه مِن القنوط مِن رحمة الله، ويُعينه على الصَّبْرِ والرضا، ويَعصمُه مِن الجَزَع، ويَدفعه لصِدْق اللجء إلى الله تعالى، فداومي على الإلحاحَ على الله بالدعاء، وأنتِ مُوقنة بِالإجابة.


ما ذكرتُه لك بنيتي شاقٌّ ومحالٌ إن فُعِلَ بحولنا وقوتنا، أما بحول الله وقوته فسهل يسير، وأين تقع مشقة التكليف ومشقة الابتلاء مع "لا حول ولا قوة إلا بالله"؟! فقوي عزيمتك وجَاهِدي نفسك في ذات اللهِ، وأبشري بالفرج القريب؛ فإن وراء كل بلاء عافية، ووراء كل عسر يسرًا، ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، ((عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكَر فكان خيرًا له، وإن أصابَتْهُ ضراءُ صبَر فكان خيرًا له))؛ رواه مسلم.


• الوقفة الثالثة: مشهد النظَر لمن هو دونك في أمور الدنيا، فتظهر نعمةُ الله تعالى عليك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى مَن أسفل منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقكم، فهو أجدرُ ألا تزدروا نعمة الله)).


ونِعَمُ الله كثيرة لا تُعَدُّ لا تحصى، وأعظمها نعمةُ الإسلام، ولو أنك قارنتِ بتجرد وإنصافٍ بين ما أصابك مِن بلاء، وما أسبغ الله عليك مِن النعم، لظَهَر لك الفارق، ولدفعك هذا للشكر والصبر والرضا عن الله.


انظري حولك بنيتي العزيزة تجدي أن الكثير مِن الناس قد فُضلتِ عليهم في رغد العيش والخلق والأمن، وستدركين بالتأمل أن الحياة لا تصفو مِن الأكدار، فهي دارُ اختبار، والابتلاء فيها منوعٌ، فهذا مُصابٌ بكثرة الأوجاع والأسقام، وهذا مُبتلى بنقص المال والأولاد، وهذا غريبٌ بعيدٌ عن وطنه، والدنيا بحذافيرها لا تُساوي عند الله جناح بعوضة، فلا تحزني على ما فاتك منها، فدارك الحقيقية وقرارك في جنات النعيم.


نعم، جميعنا قد لا يصبر على الفقر أو المرض، وينسى ما هو غارق فيه مِن نِعَم السمع والبصر والعقل، فلا هو أعمى يقاد في الطرقات أو أصم لا يعقل ما يقال له، ولا مجنون يقذره الأقربون، ويلعب به الأطفال، وينسى نعمة الكلام والهواء والماء والطعام والمسكن، وصدق الله إذ يقول: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان:20]، فخذي بأسباب الدَّواء المادِّيَّة، فإنَّ اللَّه ما أنْزَلَ من داءٍ إلاَّ أَنْزَلَ له شِفاء كما روي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.


أمَّا التفكيرُ في الانْتِحار عافاك اللَّه ففضلًا عن كونه يأَسًا مِن رحمة الله، وقنوطًا مِن الفرَج، فهو أيضًا ليس سبيلًا للنَّجاة، ودواء للداء، وإنما هو أصل للبلاء، وسبب للخلود في النار، قال اللهُ تعالى: ﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾[النساء: 29، 30].


وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحديدةٍ؛ فَحَديدتُه يَتَوَجَّأُ بِها في بَطنِه في نَارِ جهنَّم خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا، ومَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فهُو يتحسَّاهُ فِي نَارِ جهنَّم خالِدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومَنْ تردَّى من جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فهو يتردَّى في نَارِ جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا))؛ متفق عليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: ((بادرني عبدي بنفسه، حَرَّمتُ عليه الجنة))؛ رواه البخاري.


ونحن في شبكة الألوكة يُسعدنا ويَسرنا التواصل معك، والجواب عن كلِّ ما يشكل عليك، ودائمًا على استعداد لتقديم العون والمشورة، كما يُسعدنا أن نسمعَ منك قريبًا أخبارًا سارة، ونرحب بك صديقة دائمة في شبكة الألوكة.


هذا؛ وأسألُ اللَّه العظيم رب العرش الكريم بأسمائِه الحُسنى وصفاته العُلى

 

أن يُلهمك رشدك، ويُعيذك مِن شر نفسك ومِن شر الشيطان





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق 
شارك وانشر


 


شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • استشارات
  • كتب
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة