• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. محمود بن أحمد الدوسري / مقالات


علامة باركود

القوامة الزوجية

القوامة الزوجية
د. محمود بن أحمد الدوسري


تاريخ الإضافة: 8/11/2021 ميلادي - 2/4/1443 هجري

الزيارات: 18674

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القِوامة الزَّوجية


إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

فالحديثُ عن "القِوامة الزَّوجية" يُجمَع في ثلاثة مطالب:

المطلب الأول: تعريف القوامة.

المطلب الثاني: أدلَّة القوامة الزوجيَّة.

المطلب الثالث: أسباب اختيار الرَّجل للقوامة.

♦   ♦   ♦

المطلب الأول: تعريف القوامة:

القوامة لغة: القوامة في اللُّغة: من قام على الشَّيء قيامًا؛ أي: حافَظَ عليه وراعى مصالحَه، ومن ذلك: القيِّم، وهو الذي يقوم على شأن شيءٍ ويليه، ويصلحه، والقيِّم: السَّيِّد، وسائسُ الأمر. وقيِّم القَوْم: الذي يُقَوِّمُهم ويَسُوس أمرَهم، وقَيِّمُ المرأة: زوجُها؛ لأنَّه يقوم بأمرها، وما تحتاج إليه[1]. يقال: قام الرَّجل على المرأة؛ أي: قام بشأنها وصانَها، وقام على أهله؛ أي: تولَّى أمرَهم، وقام بنفقتهم[2].

 

ويقال: هذا قيِّم المرأة؛ أي: الذي يقوم بأمرِها، ويهتمُّ بحفظها[3]. قال البغوي رحمه الله: «القوَّام والقيِّم بمعنى واحد، والقوَّام أبلغ، وهو القائم بالمصالح والتَّدبير والتَّأديب»[4].

 

ويتبين لنا ممَّا تقدَّم من المعاني أنَّ «القوامة» تأتي بمعنى: المحافطة، والسِّياسة، والصِّيانة، والرِّعاية، والحماية، والإشراف، ويشتقُّ منها: «القيِّم»، وهو الذي: يسوس الأمر، ويختبر الطُّرق؛ ليعرف أصْلَحَها وأنْسَبَها.

 

القوامة اصطلاحًا: «ولايةٌ يُفَوَّض بموجبها الزَّوجُ القيامَ على ما يُصلح شأن زوجته بالتَّدبير والصِّيانة»[5]. وتنطوي القوامة على ثلاثة أمورٍ هامَّة:

1- أن يتحمَّل الرَّجل توفير الحاجات الماديَّة، والمعنويَّة للزَّوجة.

2- أن يتحمَّل توفير الحماية، والرِّعاية، وسياسة الأُسرة بالعدل.

3- أن يتحمَّل مسؤوليَّة تقويم ما يكون من اعوجاجٍ في مسار الزَّوجة [6].

 

حقيقة القوامة في الإسلام: جاءت القوامة لتنظِّم العلاقة داخل الأسرة الواحدة، باعتبار أنَّ الأسرة مؤسَّسة؛ تجمع بين عددٍ من الأعضاء داخلها؛ وهم: الزَّوج والزَّوجة والأبناء، والإسلام دين يحثُّ على النِّظام، ويدعو إلى التَّنظيم في كلِّ شيءٍ، حتى إنَّنا كمسلمين مأمورون إذا كنَّا على سفر أن نختار من بيننا أميرًا نُؤَمِّره علينا؛ ليضمن لنا عدم الفُرقة والتَّفرُّق في السَّفر، ويعمل على توحيد الكلمة والتَّوجُّه، فما بالنا بمؤسَّسةٍ هي نواة المجتمع ووحدة بنائه؟! فكان لا بدَّ من قائدٍ يقود مسيرتها، ورئيسٍ يتحمَّل مسؤوليَّتها؛ لأنَّ في صلاحها صلاحَ المجتمع، وفي فسادها فسادَ المجتمع، والعقل والمنطق يقضيان بأنَّ الأصلح والأجدر للقيام بهذه المهمَّة هو الرَّجل لا المرأة؛ لِما يتمتَّع به من قدرات ومواهب وحريَّة في الحركة والتَّصرُّف أكثر من المرأة.

 

وتجدر الإشارة إلى أنَّ القوامة ليست رمزًا للتَّسلُّط، أو وسيلةً لحجر الزَّوج على عقل زوجته وفكرها، وما تمتلكه من مواهب وقدرات، كما أنَّ القيِّم في الأُسرة ليس مديرًا يُصدر الأوامر وينتظر التَّنفيذ، فالشَّريعة تُنكر على الرَّجل القيِّم في بيته أن يتَّخذ قرارًا مصيريًّا بشأن أحد أفرادها دون موافقة صاحب الشَّأن نفسه، فحرَّمت الشَّريعة عليه أن يُزوِّج ابنته دون رضاها وقبولها التامِّ لِمَنْ يتقدَّم للزَّواج بها.

 

كما أنَّ الشَّريعة دعت إلى الأخذ بمبدأ الشُّورى في البيت، فالشُّورى ليست مقتصرةً على الحياة السِّياسية؛ لأنَّ الآيات التي تأمر بالشُّورى جاءت عامَّة، لم تخصَّ أمرًا معيَّنًا من أمور الحياة.

 

وقد حثَّت الشَّريعة الزَّوجين على التَّشاور فيما يخصُّ شؤون الأُسرة؛ كي لا ينفرد أحدُهما باتِّخاذ القرار، كما في شأن فطام الولد، فقال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ [البقرة: 233]، فدلَّت الآية على أنَّ التَّشاور في سائر شؤون الحياة من باب أَوْلى.

 

ثم إنَّ مسؤوليَّة صلاح الأُسرة مشتركة بين الرَّجل والمرأة، كلُّ واحدٍ منهما يتحمَّل قدرًا من المسؤوليَّة، في سبيل تحقيق النَّجاح لهذه الأُسرة؛ مصداقًا لقول رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ[7] وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[8].

 

فإذا اختلفا فيما يحتمل الاختلافُ من أمور سياسة الأُسرة، ولم يصلا إلى اتِّفاقٍ، فإنَّ القرار الفَصْلَ - حينئذٍ - للرَّجل، والأصلُ في ذلك قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾ [النساء: 34]، وقوله سبحانه: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228][9]. والدَّرجة هنا تعني: القوامَةَ؛ أي: قيادة المجتمع الصَّغير (الأُسرة)، التي يتشرَّف بها الرَّجل دون تسلُّطٍ أو تعسُّف، ولأنَّ له حقَّ الطَّاعة المطلوبة للقائد، وهي الطَّاعة بالمعروف، وليست الطَّاعة المطلقة، كما في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ؛ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ»[10] [11].

 

والقوامة تكليفٌ من الله تعالى للرَّجل وليست تشريفًا له، والتَّكليف هو مناط الثَّواب والعقاب، فإذا أحسن الرَّجل في القيام بمهامِّ هذه القوامة، فهو مُثاب عليها. أمَّا إذا أهملَهَا وقصَّر في القيام بأعبائها، فهو مستحقٌّ لعقاب الله تعالى.

 

فالقوامة في حقيقتها زيادةٌ في أعباء الرَّجل عن المرأة، وزيادةٌ في أوجه الاختصاصات التي اختصَّه الله بها دونها، وليس فيها انتقاصٌ من شأن المرأة أو تقليلٌ من أهمِّيَّة الدَّور المنوط بها.

 

المطلب الثاني: أدلَّة القوامة الزوجيَّة:

ذهب جمهور الأُمَّة من الصَّحابة رضي الله عنهم والتَّابعين وتابعيهم، والمفسِّرين والفقهاء والمحدِّثين، إلى أنَّ الرِّجال قوَّامون على النِّساء بإلزامهنَّ بحقوق الله تعالى، وقوَّامون عليهنَّ أيضًا بالإنفاق عليهنَّ، وحمايتهنَّ ورعايتهنَّ، فيجبُ على الرَّجل تحمُّل أعباءِ القوامة التي هي تكليفٌ فَرَضته عليه الشَّريعة الغرَّاء[12].

 

الأدلَّة:

1- قال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]. وجه الدَّلالة: تضمَّنت الآية الكريمة أمرًا جاء على صورة الخبر؛ يفيد قوامة الرِّجال على النِّساء بالإنفاق، والحماية، ورعاية أهل البيت. جاء عن عليِّ بن أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، في قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ﴾: «يعني: أُمراءَ عليهنَّ؛ أي: تُطيعه فيما أَمَرَها الله به من طاعته، وطاعتُه أن تكون مُحْسِنَةً لأهله، حافظةً لماله. وكذا قال مقاتلٌ والسُّدِّي والضَّحَّاك»[13].

 

قال ابنُ جرير رحمه الله: «الرِّجال أهل قيامٍ على نسائهم، في تأديبهنَّ، والأخذِ على أيديهنَّ فيما يجب عليهم لله ولأنفسهم»[14]. وقال ابن كثير رحمه الله: «الرَّجل قيِّم على المرأة؛ أي: هو رئيسُها، وكبيرُها، والحاكمُ عليها، ومؤدِّبُها إذا اعوجَّت»[15]. وقال الجصَّاص رحمه الله - في تفسيره للآية: «قيامهم عليهنَّ بالتَّأديب والتَّدبير والحفظ والصِّيانة؛ لما فضَّل الله الرَّجلَ على المرأة في العقل والرَّأي، وبما أَلْزَمَه الله تعالى من الإنفاق عليها»[16].

 

وقال ابنُ العربيِّ رحمه الله: «يقال: قَوَّامٌ وقَيِّمٌ، وهو فَعَّالٌ وفعيلٌ من قام، والمعنى: هو أمينٌ عليها، يتولَّى أمرَها ويُصْلِحها في حالها، قاله ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما، وعليها له الطَّاعة... وعليه (أي: الزَّوج) أن يبذل المهر والنَّفقة، ويُحْسِنَ العِشْرة، ويحميها، ويأمرها بطاعة الله تعالى، ويرغِّب إليها شعائر الإسلام؛ من صلاةٍ وصيام، وعليها الحِفَاظُ لماله، والإحسانُ إلى أهله، وقبولُ قولِه في الطَّاعات»[17].

 

2- قوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228]. وجه الدَّلالة: أنَّ الدَّرجة - التي فُضِّل بها الرِّجال على النِّساء - هي القوامة، كما جاء بيانُها في [النساء: 34]، وهي: الإمرة والطَّاعة[18].

 

والقوامة تكليف للرَّجل، وتحميلٌ له المسؤوليَّة، وإراحةٌ للمرأة من عناء هذه المسؤوليَّة، فالله تعالى هو الذي اختصَّ الرَّجل بدرجة قوامة البيت دون المرأة، وهذه الدَّرجة لم تُعْطَ للرِّجال محاباةً لهم، وإنَّما استحقُّوها بما ميَّزهم الله تعالى به، وبما أوجبه عليهم من واجبات ومسؤوليَّات تجاه زوجاتهم وأبنائهم، والتي يُعاقبون عليها في الدُّنيا والآخرة إذا قصَّروا في أدائها.

 

قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما - في قوله تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]: «بما ساقَ إليها من المهر، وأنفقَ عليها من المال»[19].

 

وقال الجصَّاص رحمه الله - في قوله تعالى: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾: «ممَّا فُضِّلَ به الرَّجل على المرأة ما ذكره الله من قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾، فأخبر بأنَّه مُفَضَّل عليها بأنْ جُعِلَ قيِّمًا عليها»[20].

 

وقال الشَّنقيطي رحمه الله - في تفسير الآية: «لم يُبيِّن هنا ما هذه الدَّرجة التي للرِّجال على النِّساء، ولكنَّه أشار إليها في موضع آخَرَ، وهو قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]»[21].

 

3- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 32]. وجه الدَّلالة: نهى الله تعالى النِّساء أن يتمنَّين ما اختصَّ الله به الرِّجال من الولايات المختلفة، ومنها: القوامة، والأصل في هذا النَّهي يفيد التَّحريم، ولا صارف له عن ذلك.

 

المطلب الثالث: أسباب اختيار الرَّجل للقوامة:

إنَّ ممَّا لا يُنازع فيه عاقل أنَّ الأُسرة تجمُّعٌ يَجْمَعُ بين الجنسين، ومن مقتضى أمور الحياة أنَّ كلَّ تجمُّعٍ لا بدَّ له من قائدٍ ورئيس من بين أفراده؛ ليتولَّى مهامَّ إصدار القرارات والإشراف على تنفيذها، ومهما تكن درجة الشُّورى والدِّيمقراطية في التَّجمُّع، فلا غِنى له في النِّهاية عن القائد والرَّئيس، الذي يوازن بين المشورات والآراء المعروضة عليه؛ ليصدر من بينها قرارَه التَّنفيذي، فليست الشُّورى والدِّيمقراطية في أعلى صور تحقُّقهما بمغنيةٍ عن منصب (الرَّئيس والقائد).

 

وحيث كان الأمر كذلك، فإنَّه فيما يتَّصل بالأسرة كتجمُّع، فلا بدَّ أنَّها محتاجة لقيادة؛ إمَّا أن تكون من الرِّجال وإمَّا أن تكون من النِّساء، والله تعالى يخبرنا أنَّ جنس الرَّجل هو المهيَّأ للقيادة بما أودع الله فيه من صفاتٍ، وبما أوجب عليه من النَّفقات الماليَّة تجاه أُسرته[22].

 

والحكمة من جَعْل القوامة للرِّجال دون النِّساء؛ تظهر جليًّا في قوله تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، فهذه الآية الكريمة فيها البيان الفَصْل على أنَّ قوامة الرَّجل على المرأة كانت بسبب الجانب الفطريِّ الذي فَطَر الله الرِّجال عليه؛ من كمالِ العقل، وحُسْنِ التَّدبير، والقوَّة البدنيَّة والنَّفسية، ومن جهةٍ أُخرى بسبب المسؤوليَّة التي يتحمَّلها الرَّجل من النَّفقة على المرأة، والقيام على شؤونها وبيتها، بالحفظ والرِّعاية.

 

فالآية الكريمة تُشير إلى سببين رئيسين لاختيار الرَّجل للقوامة، وهما:

السَّبب الأوَّل: التَّفضيل ﴿ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾: وإذا كانت خِلْقَة الرِّجال تختلف عن خِلْقَة النِّساء في الجملة، فتميَّز الرَّجل على المرأة - خِلْقةً - في صفات العقل والقوَّة والشِّدَّة، وهذه الصِّفات تؤهِّله للقوامة، ففي الوقت نفسه تميَّزت المرأة على الرَّجل في صفات الرِّقَّة واللِّين، التي تتناسب مع أُنوثتها، وكذلك تميَّزت المرأة بالعطف الذي يحتاج إليه الأبناء: أجنَّة، ورضَّعًا، ومحضونين. فالأسرة تبدأ برجل وامرأة، فكان لا بدَّ أن تتوفَّر في هذين الشَّريكين عوامل النَّجاح لهذه الشَّراكة المقدَّسة، ذات الميثاق الغليظ، فميَّز الله تعالى الرَّجل بما يؤهِّله للقوامة ليكون قائدًا، وكاسبًا للرِّزق، وحاميًا للأسرة، وميَّز الله تعالى المرأة بأُمورٍ جعلتها أهلًا للحمل والرَّضاعة والحضانة، وأعرف بالتَّربية، وأقدر عليها وأصبر[23].

 

المراد بالأفضليَّة في الآية: لا يظهر من الآية الكريمة أنَّ المراد بالأفضليَّة تفضيل ذات الرَّجل على ذات المرأة، أو التَّفضيل المطلق للرِّجال على النِّساء؛ لأنَّ الآية نفسَها لم تُفصح ما فَضَّل الله به الرِّجال على النِّساء، ولأنَّ ذلك أيضًا يتعارض مع قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]. وهذا المبدأ هو غاية العدل الذي أمر الله تعالى به في قوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ [النحل: 90]؛ إذ ليس من العدل في شيءٍ أن يتفاضل إنسانٌ على إنسانٍ بأمرٍ ليس لهما به كسب أو عمل، فالنَّاس إنَّما تتفاضل بما تُقدِّم.

 

فالأفضلية هنا من باب توزيع الأدوار، كلٌّ بما يتناسب مع مؤهِّلاته وإمكاناته، لا من باب التَّفاضل الذَّاتي، وقد زَوَّدَ الله تعالى المرأةَ بالرِّقَّة والعطف، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطُّفولة، وزوَّد الرَّجلَ بالخشونة والصَّلابة وبطْءِ الانفعال والاستجابة، واستخدام الوعي والتَّفكير قبل الحركة والاستجابة، فهذا هو صُنْعُ اللهِ جلَّ في عُلاه، قد أتقن كلَّ شيءٍ فقدَّره تقديرًا.

 

وعلى هذا، فلا الرَّجل - بما تميَّز به - أفضل من المرأة مطلقًا، ولا المرأة - بما تميَّزت به - أفضل من الرَّجل مطلقًا، بل كلُّ جنسٍ منهما أفضل من الجنس الآخر بما تميَّز به، وفي الدَّور الذي يتناسب معه؛ فجنس الرَّجل أفضل من جنس المرأة في الإدارة، والكسب، وحماية الأسرة، وجنس المرأة أفضل من جنس الرَّجل في القيام على شؤون الأطفال ورعايتهم.

 

كما يُفهم من الآية أيضًا أنَّ التَّميُّزَ إنَّما هو للجنس على الجنس؛ لا لجميع أفراد الرِّجال على جميع أفراد النِّساء، فإنَّ من النِّساء نساءً يتميَّزن على أزواجهنَّ في العلم والعمل، وربَّما في قوَّة البدن، والقدرة على الكسب، ولكن ليس هذا هو الأصل، إنَّما هو خروج عن القاعدة التي يتميَّز بها الجنسان؛ كلٌّ فيما خُلِقَ له وفُطِرَ عليه[24].

 

السَّبب الثَّاني: الإنفاق: ﴿ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾: «أي: من المهور والنَّفقات والكُلَف التي أوجبها الله عليهم لهنَّ في كتابه، وسنَّة نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم»[25]، وهذا السَّبب سبب كسبي، «فإنَّ المهور تعويضٌ للنِّساء، ومكافأة على دخولهنَّ بعقد الزَّوجية تحت رياسة الرِّجال، فالشَّريعة كرَّمت المرأة؛ إذْ فرضتْ لها مكافأةً عن أمرٍ تقتضيه الفطرة ونظام المعيشة، وهو أن يكون زوجُها قيِّمًا عليها، فجُعِلَ هذا الأمر من قبيل الأُمور العُرْفيَّة التي يتواضع النَّاس عليها بالعقود لأجل المصلحة، كأنَّ المرأة تنازلت باختيارها عن المساواة التَّامَّة، وسمحت له بأن يكون للرَّجل عليها درجةٌ واحدة، وهي درجة القوامة والرِّياسة، ورضيت بِعِوَضٍ ماليٍّ عنها»[26].

 

فهذا هو السَّبب الآخر الذي أكسب الرَّجل خاصِّيَّة القوامة؛ «لكونه قائمًا على زوجته من جهة الإنفاق والتَّدبير والحفظ والصِّيانة، ولا ترد هنا فرضيَّة إنفاق الزَّوجة على زوجها، ممَّا يجعلها هي صاحبة القوامة؛ إذ إنَّ ذلك مخالف للأصل الذي جعله الشَّارع، فالأصل أنَّ الإنفاق يكون على الرَّجل، فهو الذي يقوم بالمهر والنَّفقة والسَّكن لزوجته. وأمَّا ما شذَّ عن ذلك، فهو مخالف للأصل؛ إضافةً إلى أنَّ الإنفاق سبب من أسباب القوامة، ممَّا يستدعي مراعاةَ الأسبابِ الأُخرى»[27].

 

فقوامة الرَّجل مُستحقَّة بتفضيل الله له، ثم بما فرض عليه من واجب الإنفاق، وليس مرجعها إلى مجرَّد الإنفاق، وإلَّا لانتفى الفضل إذا ملكت المرأة مالًا يُغنيها عن نفقة الرَّجل، أو يمكِّنها من الإنفاق عليه، وقد حدث مثل ذلك لزينبَ امرأةِ عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فقد كانت ذاتَ مال، وكانت تُنفق عليه وعلى ولده، فلم تَسْلُب منه حقَّ القوامة.

 

وذكر ابنُ العربيِّ رحمه الله ثلاثةَ أُمورٍ توجب قوامة الرَّجل على المرأة: الأوَّل: كمال العقل والتَّمييز. الثَّاني: كمال الدِّين والطَّاعة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر على العموم، وغير ذلك. الثَّالث: بذله المالَ من الصَّداق والنَّفقة[28].

 

ومن جهةٍ أُخرى، فإنَّ الرَّجل تميَّز على المرأة من حيث القدرة على الكسب طوال أَيَّام السَّنة، حيث لا يعتريه ما يعتري المرأة من الحيض والنِّفاس، والآثار المترتِّبة على ذلك؛ من تغيُّرِ المزاج، وضعفِ الذَّكاء، وضعفٍ نفسيِّ عند بلوغ سِنِّ اليأس من الحيض، وهو اضطِراب يختلف شِدَّةً وضعفًا من امرأة إلى أُخرى؛ نتيجةَ ما يحدث في جسم المرأة من اختلالٍ في إفراز الهرمونات، ناهيك عن المعاناة في رعاية الأطفال وحضانتهم وتربيتهم، وفي انصراف المرأة إلى العمل إضاعةٌ لما هو أهمُّ، وهو رعاية الأطفال وتربيتهم، وله في الوقت ذاته تأثير على ما تتميَّز به المرأة من الأُنوثة المقصودة فيها.

 

السَّبب الثَّالث: مراعاة الفطرة: فالإسلام دين الفطرة، وهذه الفطرة هي التي تَغرس في المرأة - منذ نعومة أظفارها - الشُّعورَ في حاجتها إلى رجلٍ بجانبها تقوى به، وتواجه معه الحياة، وتشعر معه بالقوَّة والأمن والاستقرار؛ لذا فإنَّ المرأة نفسَها تَوَّاقة إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الأُسرة، وتشعر بالحرمان والنَّقص وقلَّة السَّعادة عندما تعيش مع رجلٍ لا يزاول مهامَّ القوامة، وتنقصه صفاتُها اللَّازمة؛ فيَكِل إليها هذه القوامة[29].

 

وقد أشار إلى ذلك أحد علماء النَّفس الغربيين أنفسِهم، وهو (د. أوجست فوريل)، فقال تحت عنوان (سيادة المرأة): «يُؤثِّر شعورُ المرأة بأنَّها في حاجة إلى حماية زوجها على العواطف المُشِعَّة من الحبِّ فيها تأثيرًا كبيرًا، ولا يمكن للمرأة أن تعرف السَّعادة إلَّا إذا شعرت باحترام زوجها، وإلَّا إذا عاملته بشيءٍ من التَّمجيد والإكرام، ويجب أيضًا أن ترى فيه مَثَلَها الأعلى في ناحيةٍ من النَّواحي؛ إمَّا في القوَّة البدنيَّة، أو في الشَّجاعة، أو في التَّضحية وإنكار الذَّات، أو في التَّفوُّق الذِّهني، أو في أيِّ صفةٍ طيِّبة أخرى، وإلَّا فإنَّه سُرْعانَ ما يسقطُ تحت حُكْمِهَا وسيطرتها، أو يفصلُ بينهما شعورٌ من النُّفور والبرود وعدم الاكتراث... ولا يُمكن أن تؤدِّيَ سيادة المرأة إلى السَّعادة المنزليَّة؛ لأنَّ في ذلك مخالفةً للحالة الطَّبيعية التي تقضي بأن يسود الرَّجُلُ المرأةَ بعقله وذكائه وإرادته؛ لتسودَه هي بقلبها وعاطفتها»[30]، وكأنَّه بذلك يُشير إلى الدَّور التَّكاملي لكلٍّ من الرَّجل والمرأة داخل الأسرة الواحدة، حيث يقوم كلٌّ منهما بالدَّور المناسب لطبيعته وفطرته التي فُطِر عليها.



[1]انظر: لسان العرب، مادة: (قوم) (11 / 359)؛ مختار الصحاح، مادة: (ق و م) (ص232).

[2] انظر: القاموس المحيط، مادة: (قوم)، (ص1487)؛ المعجم الوسيط، مادة: (قام) (2/ 767).

[3]انظر: التفسير الكبير (10 / 90).

[4] معالم التنزيل (1 / 422).

[5] القوامة الزوجية، د. محمد بن سعد المقرن، مجلة العدل، عدد (32)، شوال (1427هـ)، (ص13).

[6]انظر: قوامة الرجل على زوجته، د. محمود بن مجيد الكبيسي، مجلة المجمع الفقهي، عدد (19)، (1425هـ)، (ص331).

[7] (كُلُّكُمْ رَاعٍ) : الرَّاعي: هو الحافِظُ المؤتمنُ، الملتزمُ صلاحَ ما قام عليه، وهو ما تحت نظرِه، ففيه أنَّ كلَّ مَنْ كان تحت نظره شيءٌ، فهو مُطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلَّقاته. صحيح مسلم بشرح النووي (12/ 213).

[8] رواه البخاري، (3/ 1673)، (ح 5200)؛ ومسلم، (3/ 1459)، (ح 1829).

[9]انظر: قوامة الرجل على زوجته (ص232).

[10] رواه البخاري، (4/ 2267)، (ح 7257)؛ ومسلم، (3/ 1469)، (ح1840).

[11] انظر: وثيقة حقوق المرأة وواجباتها في الإسلام، د. إبراهيم الناصر، (ص19).

[12]انظر: تفسير الطبري (5/ 57)، تفسير ابن كثير (1/ 492)، تفسير القرطبي (5/ 102)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 530)؛ تفسير السعدي (1/ 177).

[13] تفسير ابن كثير (1/ 492). وانظر: تفسير الطبري (1/ 150).

[14] جامع البيان عن تأويل آي القرآن (5/ 57).

[15] تفسير القرآن العظيم (1/ 492).

[16] أحكام القرآن، للجصاص (3/ 148).

[17]أحكام القرآن، لابن العربي (1/ 530).

[18]انظر: تفسير الطبري (2/ 454).

[19]تفسير البغوي (1/ 205)، زاد المسير (1/ 261)، تفسير الثعالبي (2/ 173).

[20]أحكام القرآن (2/ 70).

[21]أضواء البيان (1/ 103)، وانظر: التفسير الكبير (6/ 82)، تفسير أبي السعود (1/ 225).

[22]انظر: مكانة المرأة في القرآن والسنة (ص99).

[23]انظر: قوامة الرجل على زوجته (ص334).

[24]انظر: المصدر نفسه (ص335).

[25] تفسير ابن كثير (1/ 492).

[26] تفسير المنار (5/ 67).

[27] القوامة الزوجية (ص22).

[28]انظر: أحكام القرآن (1/ 531).

[29] انظر: حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية (ص920).

[30]الزواج عاطفة وغريزة (2/ 32-33).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة