• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (19)

شرح العقيدة الواسطية (19)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 19/12/2015 ميلادي - 7/3/1437 هجري

الزيارات: 11166

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (19)


وَقَوْلِهِ: ((لَلَّهُ أَشَدُ فَرَحًا بَتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِرَاحِلَتِهِ))... الْحَدِيثَ؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ[1].

 

وهذا حديث قوي، جاء في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم، من رواية عدة من الصحابة، فيقول: ((لَلَّهُ أَشَدُ فَرَحًا بَتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ أَضَلَّ رَاحِلَتَهُ فِي فَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَطَلَبَهَا، فَلَمْ يَجِدْهَا، فَأَيْقَنَ عَلَى الْمَوْتِ، فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى جِذْعِ شَجَرَةٍ، فَغَفَتْ عَيْنَاهُ، فَانْتَبَهَ وَإِذَا خِطَامُهَا يَتَدَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ - أي: إن عليها أسباب نجاتِه، وبذَهابها يكون سبب هلاكه - فَأَخَذَهَا مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ! أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ))[2].

 

وفرح الله بتوبة عبده أشدُّ مِن هذا براحِلَتِه والحالةُ هذه، وهذه فيها إثباتُ أن الله يفرح، وصفة الفرح صفةٌ لائقة بالله تعالى، دلَّت عليها الأدلة الصحيحة، ولكن لا بُد أن يُعرف أنَّ فرحة العبد من حاجةٍ إلى ما يَفرح به؛ فالإنسان يَفرح بحبيبه، وبالقادم، وبمن يُعزُّه؛ لحاجته إليه، فيفرح بولده إذا جاء، وبأهله إذا قدم عليهم من حاجته إليهم، أما فرح الله بتوبة العبد مِن غير حاجة الله إلى عبده، وبها يَزول معنى التشبيه والتمثيل الذي قد يتَبادر إلى بعض القلوب المريضة، أو الفاسدة.

 

ففرَحُ الله يليق بجلاله لا كفرَحِ المخلوق، ففرَحُ المخلوق من حاجته إلى المفروح به، وليس فرح الله مِن حاجة كما في الحديث القدسي: ((يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا))[3]؛ ففيها إثبات أن الله يفرح، وفرحه يليق بجلاله وعظمته، لا نعلم كيفيته.

 

إثبات الصفات الكاملة لله بنفي ضدها:

وضد الفرح الحزن، وضد الضَّحِك البكاء، ونَنفي عن الله الضدَّ إذا كان هذا الضدُّ يُنافي الكمال؛ فإنَّ الضدَّين إذا وُجِدَ أحدهما انتفَى الآخَر، والمؤوِّلة (أهل التعطيل مِن الجهمية، والمعتزلة، والمتكلمين) نفَوْا عن الله الضَّحك، ولهم فيها مسلكان:

1- الأول: إما أن يُفسِّرونها بصفة أخرى؛ بأنَّ الفرح إرادةُ الثواب أو إرادةُ الإكرام، ففَسَّروها بالإرادة.

 

2- والثاني: يؤوِّلونها إلى فِعلٍ مِن أفعال الله، وخَلْقٍ مِن خلقه بأنَّ فرَح الله هو إثابتُه لعبده؛ أي: إنه سبحانه وتعالى يُثيبه، وهذا تفسيرٌ للصِّفة بلازمٍ مِن لوازمها، نعَم؛ فإن مِن آثار فرَحِ الله أنه يُكرِم عبدَه ولكن ليس معنى الفرح هو إكرام وإثابة العبد، وإنما هذا من آثار ولَوازم هذه الصفة.

 

إثبات الضحك لله عز وجل:

وَقَوْلِهِ: ((يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

هذا الحديث له قصَّة؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ساقه قال: ((يَضْحَكُ اللهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، كِلاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ))، فَقَالَ الصَّحَابَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْمَقْتُولُ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟! قَالَ: يُقْتَلُ الْمَقْتُولُ مُؤْمِنًا، فَيَكُونُ شَهِيدًا، وَيَقْتُلُهُ الْكَافِرُ، ثمَّ يَمُنُّ اللهُ عَلَى الْكَافِرِ بالإِيمَانِ وَالإِسْلامِ، ثُمَّ يَمُوتُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ))[4].

 

وضحكه تعالى لأنَّه عَلِم مآلَ هذا وهذا، وهذا الذي خَفِي على العباد، فالله يَضحك ضحكًا يَليق بجلاله، كما أنَّه يَرضى ويَغضب كما يَليق بعَظمتِه.

 

وفي حديثٍ عند أحمدَ وغيره بإسنادٍ جيد، من حديث وَكيعِ بنِ عُدُسٍ، عن أبي رَزينٍ العُقيليِّ أن النبيَّ قال: ((يَضْحَكُ اللهُ إِلَى قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ))[5] والقنوط: هو شدة اليأس؛ ولهذا جاء في الحديث: ((ضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ، وَقُرْبِ غِيَرِهِ؛ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ أَزِلِينَ قَنِطِينَ)). وجاء في لفظ عند أحمد: ((وَقُرْبِ غيثِهِ)). فقال أبو رَزينٍ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوَ يَضْحَكُ رَبُّنَا؟ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((نَعَمْ)). ما قال: لا. فهل لهذا تأويل؟! وهل له معنى آخر – هو: أنه يُثيبهم - في مَقامٍ يجب فيه البيان؟! وتأخير البيان عن وقت الحاجة كما يَقول الأصوليُّون - وهذا مِن دواخل علم الكلام عليهم -: "إنَّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم". وهذه العبارة غيرُ لائقةٍ مع رسول الله، وإن كان معناها ومُؤدَّاها صحيحًا، لكن ليس فيها أدب، والعبارة المؤدَّبة اللائقة بهذا المقام أن نقول: إنَّ تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يُتصوَّر في حقِّ النبي صلى الله عليه وسلم.

 

وهنا أشد ما يكون الحاجة إلى البيَان؛ لأن السائل سأله فقال: أوَيضحَك ربُّنا؟ سؤالَ مُستفهِمٍ، وقد يكون فيه تعجُّب، وقد يكون فيه نوعُ إنكار، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: ((نَعَمْ))، فَقَالَ الأَعْرَابِيُّ: إِذًا لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا. فَهِم الصفة على ما يَليق بالله تعالى، ولم يُمَثِّل، فإذا كان الله يَضحك إذًا فالخير عنده سبحانه وتعالى وبوجهه؛ لأن وجهَ الذي يَضحَك غيرُ وجهِ الذي لا يضحك.

 

ففيه إثبات أن الله تعالى يضحك ضحكًا يليق بجلاله، ولا تؤول الضحك كما تؤول الفرح؛ بأنه إرادة الثواب، أو بأنها الإثابة والإكرام، وفيها إثبات العلم لله تعالى، وهذا بدلالة التضمُّن؛ لأن ضحكه ناشئٌ عما سبَق به عِلمُه.

 

إثبات صفة العجب لله تعالى:

وَقَوْلِهِ: ((عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عِبَادِهِ)):

القُنوط هو شدَّة اليأس، وعندنا أمران: اليأس، والقنوط. وأشدُّهما اليأس والقنوط مِن رحمة الله، واليأس من فرَج الله، كِلاهما من كبائر الذنوب؛ في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَالأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ))[6].

 

قوله: ((عجب ربنا)) هذا فيه إثبات صفة العجب، والعجب فيها من معاني الضحك، فبَينها وبَيْن الضحك عمومٌ وخصوص.

 

((وقُرب غِيَرِه)):

أي: تغييرِ حال عباده مِن حالٍ إلى أحسنَ منها. وجاء في لفظ: ((وَقُرْبِ غَيْثِهِ))؛ لأنَّ الغيث رحمةُ الله التي يزول معها أسبابُ قُنوطهم من رحمة الله. ((وقُرب غيره))؛ أي: قُرْبُ تغيير حالهم الذي بلغوا معهم شدة اليأس. بلغ معهم في قلوبهم القنوط، واستبعاد الرحمة والفرج أنَّ تغيير حالهم أنه قريب.

 

((يَنْظُرُ إِلَيْكُمْ أَزِلين قَنِطين، فَيَظَلُّ يَضْحَكُ، يَعْلَمُ أَنَّ فَرَجَكُمْ قَرِيبٌ)):

ينظر إليكم أَزِلين؛ أي: واقعين في الشدة. قَنِطين: حالكم حال القانط، أو بعضكم، فيظل يضحك، فجاء إثبات صفة الضحك؛ يعلم أن فرجكم قريب - وفيه إثبات صفة العلم - وهم مع ذلك عندهم هذه العجَلة.

 

حَدِيثٌ حَسَنٌ.

حكَم عليه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه حديث حسن، وهو حديثٌ رَواه عُبادةُ بن الصَّامت، ورواه أبو داود، وبعضُ أهل السنن، والإمامُ أحمد، وبالمناسبة فإن شيخَ الإسلام محدِّث كبير، وحافظ، وناقدٌ للمتون والأسانيد، لا يُشق له غبار.

 

إثبات صفة القدم لله عز وجل:

وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟)):

هذا الحديث جاء من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَهِيَ تَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ؟)). إلى أن يُستنفَد الإنس والجنُّ والحجارة، ومن يستحق دخولَ النار، وهي لم تَشبَع مع كثرة من يَدخلها ومَن يَلِجُها؛ إما خلودًا، أو دخولاً على حسب ذنبه، وهي تقول: هل من زيد؟

 

((حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا رِجْلَهُ)). وفي رواية: ((عَلَيْهَا قَدَمَهُ)):

وفي رواية في الصحيحين: ((حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ)).

((فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَقُولُ: قَطْ، قَطْ))؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وفي رواية: ((قَدْنِي قَدْنِي))؛ أي: يكفيني، يكفينِي.

 

وفي هذا الحديث إثبات الرِّجل، وهي القدَم - وكلاهما بمعنًى - لله تعالى، فالقدم معناها الرجل؛ لأن الروايات يُفسر بعضها بعضًا، ومن منهج السلف الصالح في تَلقِّي العقيدة والاستدلال عليها أن النصوص والأدلة يُبين بعضها بعضًا، ويفسِّر بعضها بعضًا؛ ففيها إثبات هذه الصفة الذاتية من صفات الله، وأنها صفة لائقة بالله، كما ثبت أن لله تعالى ساقًا في حديث أبي سعيد - في الصحيحين - وفيه: ((فَيَكْشِفُ الرَّحْمَنُ عَنْ سَاقِهِ وَيَخِرُّونَ لَهُ سُجَّدًا، إِلاَّ الْمُنَافِقُونَ))، وقولِه تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 42، 43]؛ بدلالتها على الصفة محل احتمال، وهو أحد القولين للسَّلف، فجاء تفسيرُها عن ابن عباس أنه يوم القيامة؛ لشدته وكربته؛ كما يُقال: كشَفَت الحربُ عن ساقها؛ أي: عن شدتها. وهذا من تفسير التنَوُّع، وجاء فيها أن الله يَكشِف ساقَه الحقيقيَّة اللائقةَ بجلاله سبحانه وكمالِه، التي لا تُشبه سِيقانَ المخلوقين، ولا صفاتِ المخلوقين، كما أنَّ له قَدمًا لا تُشبه أقدامَ وأرجُلَ المخلوقين، وإنما هي ساقٌ عظيمة بعظمة الله، وقدمٌ لائقة بعِظَمِ الله.

 

ولهذا فجهنَّم التي لا تَشبع يكون مِن آثار ذلك أنه ينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قطني قطني. ولهذا يُفسر حديثُ أبي سعيدٍ ما في القرآن، والسياقُ يَدل عليه: ﴿ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم: 43]؛ لأنهم قَبلَ ذلك ما كانوا يَسجُدون حالَ السلامة، أما الآن فلا يُمكِنهم السجود؛ لأنهم لم يَسجُدوا من قبل، أو سجَدوا ظاهرًا لا باطنًا؛ خوفًا مِن الناس، ورياءً لهم، لا طَلبًا لثواب الله، ففيها إثباتُ هذه الصفة الذاتية من صفات الله.

 

تنبيه:

ومهما تخيَّل صفاتِه سبحانه، أو ذاتَه المقدسةَ المتخيلون، أو توهَّم المتوهمون، أو شبَّهه الممثِّلون، أو عطَّل المعطلون - فالله عز وجل في ذاته، وصفاته، أفعاله فوق ذلك، فلِمَ؟

 

لأنَّه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ولأنهم ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

 

المنحرِفون في صفة القدَم:

أمَّا المعطِّلة - من الفلاسفة، والجهمية، والباطنية، والمعتزلة - فيُنكِرون هذه الصفات أشدَّ النكير.

 

أما الأشاعرة فقالوا: يضَع فيها رِجلَه، الرِّجْلُ هو الطائفة من الخلق ومن الناس، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي أيوب رضي الله عنه: ((كَأَنَّهَا رِجْلٌ مِنْ جَرَادٍ))؛ أي: طائفة من جراد.

 

وهذا تحريف:

لأن جهنم لم تشبع من الناس، ولا من الخلق، ولا من الحجارة؛ هذا أولاً.

 

والثاني لأن الحديث فُسِّر: جاءت الرِّجل، وفسرته بأنه القدَم.

 

والثالث أنه جاءت الروايات أنه يضَع قدَمه فيها، وفي رواية: عليها. تدل على أن هذه صفة، إذًا دل بما لا مجال فيه للردِّ ولا للهوى أن المراد بها الصفةُ اللائقة به تعالى.

 

ثبوت القدمين لله عز وجل:

قد يَسأل سائلٌ فيقول: هل يَصحُّ أن نُثبِت لله قدمَين؟ وقد راجعتُ هذه المسألة فوجدتُ فيها أثرَين صحيحَين عن صحابيَّين؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إِنَّ الْكُرْسِيَّ مَوْضِعُ قَدَمَيِ الرَّحْمَنِ، وَاللهُ فَوْقَ الْعَرْشِ))[7] وهذا أثرٌ صحيح؛ أخرجه ابن خزيمة في التوحيد، وأخرجه البيهقيُّ في الأسماء والصفات، ورواه جملةٌ ممن ألَّفوا في السُّنة، والعلماء صحَّحوه إلى أبي موسى، وأبو موسى ممَّن لم يُعرَف بالأخذ عن بني إسرائيل، وليس هذا مِن قَبيل الرأي، فيكون معناه مما له حُكمُ الرَّفع، ويتعزز هذا ويتأيد بما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا عليه أنه قال: الْكُرْسِيُّ مَوْضِعُ قَدَمَيِ الرَّبِّ فَوْقَ الْعَرْشِ، وَلا يَقْدُرُ قَدْرَ الْعَرْشِ إِلاَّ هُوَ. فإن هذا مع هذا يُضَاف لإثبات أنَّ لله قدمَين مع الأصل الذي جاء في الصحيحين: ((أَنَّ اللهَ عز وجل يَضَعُ رِجْلَهُ أَوْ قَدَمَهُ عَلَى جَهَنَّمَ أَوْ فِي جَهَنَّمَ، فَتَقُولُ: قَطٍ قَطٍ، أَوْ قَدْنِي قَدْنِي))[8].

 

قد يقول قائل: هل لله قدَمان؟ نقول: لم تأت النصوص إلا بما سمعنا، ومذهبنا أن نقول: سمعنا وأطعنا، وآمَنَّا واعتقدنا. ولا نتدخل في هذا مُتهوِّكين بآرائنا.

 

أما اليَدان فقد ثبَت أنهما ثنتان، أما القدم فنقف على ما سَمِعنا، وعلى ما آمنَّا؛ ولهذا - يا أيها السُّني - إذا عطَّل عليك المعطِّل على أيِّ مذاهب التعطيل كان، وأورد عليك مِثلَ ذلك فلا تُجِبه إلا بما تعلم من الأدلة، وما لا تعلم فقل: الله أعلم. وقولك: الله أعلم. لا يجعل لأحدٍ عليك مَدخلاً؛ لأننا لا نَعرِف مِن صفات الله إلا ما عَرَّفَنا به، وعَرَّفَنا به رسولُه صلى الله عليه وسلم.



[1] رواه البخاري (11/ 102).

[2] رواه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه.

[3] رواه مسلم (2577)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

[4] رواه البخاري (2826)، ومسلم (1890)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[5] رواه أحمد (4/ 11)، وابن ماجه (281)، والبيهقي في الأسماء والصفات (987)، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة.

[6] المعجم للطبراني، ومصنف عبدالرزاق.

[7] رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب السنة (586)، وابن خزيمة في كتاب التوحيد (248)، والحاكم في المستدرك (2/ 282).

[8] تقدم تخريجه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة