• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (30)

شرح العقيدة الواسطية (30)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 19/4/2016 ميلادي - 11/7/1437 هجري

الزيارات: 10659

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (30)


وَتُؤْمِنُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ - أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَالإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ: فَالدَّرَجَةُ الأُولَى: الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِمَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقِدِيمِ الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِه أَزَلاً وَأَبَدًا، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ؛ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، وَالأَرْزَاقِ وَالآجَالِ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ؛ فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهْ الْقَلَمَ؛ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَا أَصَابَ الإِنْسَانَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، جَفَّتِ الأَقْلامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وَقَالَ: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].


وَهَذَا التَّقْدِيرُ - التَّابِعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ - يَكَونُ فِي مَوَاضِعَ جَمْلَةً وَتَفْصِيلاً؛ فَقَدْ كَتَبَ فِي اللوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ. وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ: رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلاةُ الْقَدْرِيَّةِ قَدِيمًا، وَمُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ.


وَتُؤْمِنُ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ:

وهو الأصل السادس من أصول الإيمان، كما أبانها سيد الأنام صلى الله عليه وسلم في إجابته لسيد الملائكة جبريل عليه السلام قال: ((الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ))، وكرَّر الفعل (تؤمن) مع القدَر خاصَّة مِن بين أصول الإيمان الأخرى؛ لأمرين:

أولاً: من باب التأكيد والتنويه بشأن هذا الأصل.

وثانيًا: أن الإيمان بالقدر هو من الإيمان بالله؛ لأن القدر قدر الله، وهو فعل الله تعالى.

 

والإيمان بالقدر ينتظم في الإيمان بمراتبه الأربعة، والتي قسمها إلى درجتين فقال:

وَالإِيمَانُ بِالْقَدَرِ عَلَى دَرَجَتَيْنِ:

وهذا التقسيم له حِكْمَةٌ؛ لأن غُلاة الْقَدَرِيَّة نفَوُا الدرجة (المرتبة) الأولى: العلم والكتابة، فكل درجة متضمِّنة لدرجَتَين، هذه المرتبة الأولى نفَتْها غلاة القدرية.

 

والقدَر له أربع درجات، فقال:

كُلُّ دَرَجَةٍ تَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ: فَالدَّرَجَةُ الأُولَى: الإِيمَانُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِمَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ بِعِلْمِهِ الْقِدِيمِ، الَّذِي هُوَ مَوْصُوفٌ بِه أَزَلاً وَأَبَدًا، وَعَلِمَ جَمِيعَ أَحْوَالِهِمْ؛ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، وَالأَرْزَاقِ وَالآجَالِ، ثُمَّ كَتَبَ اللهُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلْقِ، فَأَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهْ الْقَلَمَ؛ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَمَا أَصَابَ الإِنْسَانَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، جَفَّتِ الأَقْلامُ وَطُوِيَتِ الصُّحُفُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وَقَالَ: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].


وَهَذَا التَّقْدِيرُ - التَّابِعُ لِعِلْمِهِ سُبْحَانَهُ - يَكَونُ فِي مَوَاضِعَ جَمْلَةً وَتَفْصِيلاً؛ فَقَدْ كَتَبَ فِي اللوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا شَاءَ، وَإِذَا خَلَقَ جَسَدَ الْجَنِينِ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ بَعَثَ إِلَيْهِ مَلَكًا، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. فَهَذَا الْقَدْرُ قَدْ كَانَ يُنْكِرُهُ غُلاةُ الْقَدْرِيَّةِ قَدِيمًا، وَمُنْكِرُهُ الْيَوْمَ قَلِيلٌ.

 

هذه هي الدرجة الأولى؛ فقد أحاط الله بكل شيء علمًا قبل أن يقَع، فقد عَلِمَه سبحانه وتعالى قبل وقوعه بمدة طويلة، وكتبه في اللوح المحفوظ: ﴿ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ﴾؛ أي: مِن قبل أن نخلقها ﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]. وقال: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحج: 70] هنا (ما) بمعنى الذي؛ فهي موصولة فيَعلم الذي في السماء، والذي في الأرض، وأنه سبَق به عِلمُه؛ ﴿ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ ﴾؛ أي: كتبه وهو اللوح المحفوظ ﴿ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج: 70]، وعِلم الله السابقُ بكلِّ شيء، وكتابتُه له في اللوح المحفوظ مفهومةٌ من حديث القلم: ((إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّي، وَمَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ. فَجَرَى الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ))[1] ؛ ولهذا يجب أن تعلم وتؤمن بأن ما أخطأك لم يكن ليُصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، رُفِعَت الأقلام، وجفت الصحف وهذا منطوق حديث النبي، ولهذا فعُبادة بن الصامت - وهو أحد رُواة حديث القلم الذي رواه عُبادة وعبدالله بن عمرو رضي الله عنهم - أوصى ابنَه عند موته قال: "يَا بُنَيَّ! اعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبُكَ، وَأَنَّكَ لَوْ مِتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَكُنْتَ فِي النَّارِ".


هذا الاعتقاد بعلم الله السابقِ الشاملِ لكل شيء قبل وقوعه، وكتابته له في اللوح المحفوظ - لا يتَناقض مع أقلام أخرى وتقديراتٍ أخرى، والقلم الشامل هو الذي جَرى بكل شيء - دقيقٍ أو قليل، أو عظيمٍ أو حقير - إلى قيام الساعة، هذا القدر الشامل المسبوقُ بعلم الله وبكتابته يؤخذ منه أقدار أخرى؛ منها:

أولاً: القدر العمري؛ كما جاء في حديث ابن مسعود يقول: أَخْبَرَنَا الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أَحَدُكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ مُضْغَةً مِثْلُ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَوْ سَعِيدٍ))[2] ، وهذا التقدير خاص بكل إنسان، إذا نُفِخَ فيه الروح في رحم أمه.

 

ثانيًا: التقدير الحولي (السَّنوي): ﴿ حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ يُنزل كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ﴾ [الدخان: 1 - 5]، يُفرق أي: يُؤخذ من اللوح المحفوظ تقاديرُ العام الجديد، وهذا في ليلةِ القدر.

 

ثالثًا: التقدير اليومي؛ كما دل عليه قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن: 29]، وهذه الآية نزلَت ردًّا على اليهود الذين قالوا: إن الله يوم السبت لا يَعمل شيئًا! فأكذَبَهم الله تعالى بأنه كلَّ يوم هو في شأن؛ يخلق ويرزق، ويُحيي ويميت، ويُعِز ويُذِل، ويفعل ما يَشاؤه، وقد رَوى أبو القاسم الطبرانيُّ في معجمه الكبير حديثًا مختلَفًا فيه، لكن له شواهد من الأدلة الأخرى، قال: ((إِنَّ اللهَ خَلَقَ لوحًا محفوظًا مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، صَفَحَاتُهُ نُورٌ، وَقَلَمُهُ نُورٌ، للهِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سِتُّونَ وَثَلاثُمِائَةِ لَحْظَةٍ - وفي رواية: نَظْرَةٍ - يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، وَيُعِزُّ وَيُذِلُّ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ، وَيَفْعَلُ سُبْحَانَهُ مَا يَشَاؤُهُ)).


هذه التقادير مأخوذةٌ من القلم الشامل، الذي جرى يوم خلقه الله قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، ومرَّ بِنا في المعراج: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا زَالَ فِي عُلُوٍّ حَتَّى بَلَغَ إِلَى مُسْتَوًى سَمِعَ فِيهِ صَرِيفَ الأَقْلامِ. والصَّريف هو صوت الكتابة؛ احتكاك القلم بالصُّحف؛ ولهذا فغالب أسماء الأصوات على فَعيل، ومنه الصَّرير: صوت الباب الذي ما زُيِّت، والخرير صوت الماء إذا كان نازلاً من مَكان عالٍ، أما إذا كان على الأرض وله صوت فيُسمى أَسيلاً، وصوت الحمام هَديل، وصوت الخيل صَهيل، والنَّهيق للحمير.

 

والأقلام هي أقلامٌ تُؤخَذ من اللوح المحفوظ، إما قلَمٌ حوليٌّ، أو أقلام يوميَّة أو أقلام عمرية لكلِّ إنسان، وقد وُكِّلت لها الملائكةُ الكتَبة، التي تَكتب هذه المقادير؛ ولهذا جاءت الأقلام مجموعة، وجاءت مفرَدة، والمفرد هو الشامل: ((أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللهُ الْقَلَمَ قَالَ لَهُ: اكْتُبْ))[3]، والمجموعة هي هذه: "حتى بلغ مستوًى سمع فيه صريف الأقلام". وفي حديث آخر: ((رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ))[4] أي: إنه لا تغيير ولا تبديل ولا تحويل لِمَا قَضاه الله وكتبَه، هاتان المرتبَتان أنكرها غُلاة القدريَّة وهم أوائل القدرية، أول ما بُدئ في مذهب القدر الغلاة، نُفاةِ العلم والكتابة، ومَن نَفى العلم والكتابة سيَنفي المرتبتين الأُخريَين، جاء في صحيح مسلم بسنَدِه أن يحيى بن يَعمَرَ وحُميدَ بن عبدالرحمن انطلَقا من البصرة حاجَّين، فمرَّا بالمدينة، فقالا: لو لقينا أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأخذنا عنه! فلَقِيا عبدالله بن عُمر، يقول: فاكتنفتُه أنا وصاحبي، فظننتُ أن صاحبي سيَكِل الكلام إليَّ، فقلتُ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا فِي البَصْرَةِ قَوْمٌ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لا قَدَرَ، وَإِنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ؛ أي: مستأنَف يُبدأ فيه من جديد، لم يَسبق له علمٌ ولا كتابة ولا تقدير[5]، والحنابلة عندَهم أن الإمام إذا أحدث وهم في الصلاة فإنَّهم يَستأنفونها، وإذا ناب الإمامَ في صلاته حدَثٌ استأنَفوا الصلاة؛ أي: بدَؤوا فيها من جديد؛ قال: يقولون: إنه لا قدر، وإن الأمر أُنُفٌ. فقال رضي الله عنه: أَخْبِرُوهُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَهُمْ مِنِّي بُرَآءُ؛ تبرَّأ منهم ثم قال: حدثنا عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه، قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم... فساق حديثَ جبريل.

 

غُلاة القدرية أوائلُهم، وأهل الغلوِّ منهم يَنفون المراتبَ الأربعة، خصوصًا علم الله وكتابته، وهؤلاء يقول شيخ الإسلام: "في زمننا قليلٌ"، مع أنه الخبير؛ وشيخ الإسلام هو الخبير بهذه المقالات والمذاهب وأهلِها، ولا نعلم أحدًا أشدَّ منه خبرة ولا علمًا بها، فيقول: "في زماننا قليل، لكن في زمن السلف كثيرون، وهؤلاء الذين أكفرهم السلف وتبرؤوا منهم".

 

ومن نفى العلم والكتابة فإنه سيَنفي المرتبتين الأخيرتين وهي الإرادة والخلق، وهؤلاء الذين قال فيهم الإمام الشافعي: "ناظِروا القدرية بالعلم"؛ أي: بعلم الله، هل عَلم الله الأشياءَ قبل وقوعها أو ما عَلم؟ فإن أقروا بأن الله عَلم به خُصِموا، وإن أنكَروه كفَروا بأمرين: بإنكارهم علمَ الله، وبإنكارهم القضاءَ والقدر. وهذا مَدْعاة قولِ الشيخ: "إنه في زمن السلف كثير"؛ لأن الشافعي قال: "ناظِروهم"؛ لأنَّ لهم وجودًا، ولهم شوكةً، ولهم أهلاً؛ ولهذا أوصى الناس بأن يناظروهم بهذه الحجة الدامغة لهم ولأمثالهم.

 

عامَّة القدرية (المعتزلة) يَنفون مرتبة الإرادة والمشيئة ومرتبةَ الخلق، والمحرِّرون في القدر طائفتان هما: القدرية، والجبرية. القدرية مصطلح عند العلماء على المعتزلة نُفاةِ القدر، والجبرية هم الجهمية الذين غلَوْا في إثبات القدر حتى نفَوْا قدرة العبد، وإن كان أصلُ مصطلح القدرية يَطول الطائفتين: يطول الغلاة في إثبات القدر (الجهمية الجبرية)، ويطول نُفاة القدَر، وهم المعتزلة. فالجبرية مذهبهم، وموقفهم من علم الله، ومن كتابته أنهم أقروها، وغلَوا في إقرارها حتى سلَبوا قدرة العبد.



[1] رواه أبو داود (4700)، والترمذي (2155) عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.

[2] رواه البخاري (3208)، ومسلم (2643)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

[3] تقدم تخريجه.

[4] تقدم تخريجه.

[5] وأما ما نسمعه من قول: "نستأنف الدروس" فهذا خطأ؛ فالاستئناف هو البدء من جديد، ومراد القائلين بالاستئناف هو الإكمال، وهذا خطأ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة