• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (14)

الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 16/11/2015 ميلادي - 3/2/1437 هجري

الزيارات: 11171

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (14)


النوع الثاني من الأدلة أدلة بإثبات علوِّ الله على عرشه وعلى خلقه، والعلوُّ من صفات الله الذاتية، وقد مرَّ علينا أن العلو ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

1- النوع الأول: علوُّ القدر والمنزلة.

 

2- والثاني: علوُّ القهر والغَلَبة، وكِلاهما - بالاتفاق - لله تعالى، لم يُنازِع فيهِما إلا الشُّذاذ.

 

3- والنوع الثالث: علوُّ ذات؛ بأنَّ الله بذاته على خَلقِه، فلا يَعلو ذاتَه شيءٌ مِن خلقه، وهذا الذي وقَع فيه انحرافُ الحلولية من الجهميَّة والمعطِّلة من المعتزلة والمتكلمين وأذنابهم.

 

أنواع أدلة العلو:

والأدلة التي جاءت في إثبات علوِّ الله - وهي صفة ذاتية مُلازِمة لذاته أزَلاً وأبدًا - أدلةٌ كثيرة، يقول ابن القيم في كتابٍ صنَّفه - لهذه المسألة فقط تأصيلاً لها وتفريعًا وردًّا على المنحرفين فيها - وهو كتاب (اجتماع الجيوش الإسلاميَّة على غزو المعطِّلة والجهميَّة)، ذكَر فيه وفي غيره أنَّ الأدلة في القرآن على علوِّ الله الذاتيِّ فاقَت على الأَلْفِ دَلِيلٍ، وأن الأدلة في السُّنة فاقت - لمَن عدَّدها - على ستَّة آلاف دليلٍ في إثبات الله علو الله تعالى.

 

والأدلة في إثبات العلو خمسة أنواع: من الكتاب العزيز - وهي أنواعٌ كما سيأتي التنويه علَيها - ومن السُّنة الصحيحة، ومن الفطرة السَّليمة، ومن الإجماع، ومن العَقل.

 

أما أدلَّة الوحي فجاءَت بأنواعٍ كثيرة، عدَّدها ابنُ القيِّم في (النونية) إلى واحدٍ وعشرين نوعًا، ولَخَّصها شارحُ الطحاوية في سبعةَ عشَر، أو ثمانيةَ عشَر نوعًا، والنونيَّة لابن القيم هي خُلاصة مَضامينِ أربعةِ كتبٍ مبسوطةٍ له، وهي: (الصواعق المرسلة، واجتماع الجيوش الإسلامية، وشرح الأسماء الحسنى، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح). وأنواع الأدلَّة قسَّمَها إلى واحدٍ وعشرين نوعًا؛ مِن ذلك أن الله اختصَّ بعضَ خَلقِه برَفعِهم إليه، ومثاله هذه الآية:

وَقَوْلِهِ: ﴿ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران: 55]:

فعيسى عليه السلام توفَّاه الله توفِّيًا خاصًّا، اختلَف العلماءُ في مَعناه، لكن مجموع أقوالهم أنه تَوفٍّ خاصٌّ، وليس هو الموتةَ التي كتبَها الله على بَني آدَم، وإنما هو توَفٍّ خاص، كما أنَّ النوم بالليل يُسمى توفِّيًا خاصًّا؛ ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ﴾ [الزمر: 42]، فتوفَّاه توفيًا خاصًّا، فرفَعه إليه؛ أي: إلى العلو، وهذا دلالةٌ على علوِّ الله، ومثاله في الصحيح: ((إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ: أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي)) ، وفي رواية: ((غَلَبَتْ غَضَبِي))، وقال الله في عيسى: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157]، ثم قال:

وَقَوْلِهِ: ﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾ [النساء: 158]:

فالرفع يدلُّ على أن الله في العلو، ومن ذلك أيضًا أدلةُ إثبات أنَّ مِن الأعمال ما تُرفع إليه، كما في هذه الآية:

وَقَوْلِهِ: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]:

ففيه إثباتُ علوِّه سبحانه بصُعود الكَلِم الطيِّب إليه، وكذا رفع العمل الصالح إليه، ولو كان في السُّفْل، أو في كل مكان لَمَا كان للرَّفع والصعودِ إليه معنًى، وقد يَقول قائل: يرفعه بمعنى يُعْلي قدرَه، ويثيب فاعله؛ لكن الشاهد في قوله: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ [فاطر: 10]، فذَكَر أن الكلم الطيِّب في صعودٍ إلى الله؛ لأنه في العلو.

 

نُفاة العلوِّ أشباهُ فرعون:

ومِن أدلَّة أهل السُّنة ما قَصَّه الله علينا مِن مُحاوَرة فرعونَ وهامان، وهذه مما يُردُّ بها على الفِرعَونيِّين نُفاةِ العلو؛ لأن الموسَويِّين، والمحمَّدييِّن يُثبِتون العلو؛ وذلك أن فرعون قال كما في الآية:

وَقَوْلِهِ: ﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [غافر: 36، 37].

 

فموسى عليه السَّلام أخبرَ فرعونَ أن الله في العلو، فطلبَ فرعونُ من وزيره هامانَ أن يَبنيَ له صروحًا (أماكنَ مرتفعة عالية)؛ يَطْلُع عليها؛ لعلَّه أن يبلغ الأسباب - أسبابَ العُلوِّ - ليَطَّلع فيَرى إلهَ موسى!

 

﴿ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [غافر: 37]، موسى أخبر فرعونَ أن ربَّه في العلو، كما أخبَرَنا نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم أنَّ الله في العلو، فالإخبار بأن الله في العلوِّ طريقةُ الأنبياء التي أخبَرَت بها أُممَها، ونفيُ علوِّ الله طريقةُ أعداء الرُّسل؛ مِن فرعون ومَن تشبَّه بقولِ فرعون.

 

أنواع (في) في أدلة العلو:

ومن أدلة إثبات العلو أن الله أخبر أنه في العلو؛ كما في قوله تعالى:

وَقَوْلِهِ: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17]:

يُراد بالسماء هنا مَعنيان، وهذان المعنيان متنوِّعان في فَهْمِ الآية وتفسيرِها غيرُ متضادَّيْن.

1- فإما أن يُراد بالسماء العلوُّ وهذا كثير، فالسماء تُسمى السَّماء والمراد بها العلو، فتكون (في) الظرفيَّةُ على بابِها؛ ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الملك: 16]؛ أي: في العلو.

 

2- وقد يراد بالسماء السماءُ المبنية، فيكون معنى ﴿ فِي السَّمَاءِ ﴾: على السماء، فتكون (في) ليسَت على بابها في الظرفيَّة، ولكن بمعنى (على)، وكثيرًا ما تأتي (في) الجارَّةُ بمعنى (على) الجارَّةِ؛ قال تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الروم: 9]؛ أي: عليها. ومِن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ [طه: 71]؛ أي: على جذوع النخل.

 

وكِلا المعنيَينِ حق، وبينَهما تنوُّع، وهذا مِن تفاسير السَّلف المتنوِّعة في الآية الواحدة، فهذه أدلَّةٌ جاءت على إثبات علوِّ الله تعالى على خلقه.

 

أشهرُ أدلَّة السُّنة في إثبات علوِّ الله عز وجل:

وفي السُّنة أدلَّة كثيرة، ومِن أشهَرِها حديثُ مُعاويةَ بن الحكَم السُّلميِّ رضي الله عنه، الْمُخَرَّجُ في صحيح مسلم: أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمَهُ، فَعَدَا الذِّئْبُ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَأَكَلَهَا، فَلَمَّا جَاءَتْ إِلَيْهِ - وَقَدِ انْتَقَصَ غَنَمُهَا - سَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَصَكَّها صَكَّةً عَلَى وَجْهِهَا - وهي جارية صغيرة - ثُمَّ نَدِمَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَكَلَّمَ فِي صَلاتِهِ... وكان في قصة كلامه في صلاته بعدما عطس أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كَهَره، ولا نهَره، ولا عنَّفه، وإنما قال له: ((إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ؛ إِنَّمَا هِيَ لِلتَّسْبِيحِ، وَالتَّهْلِيلِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ)). ثم أخبَره بهذا الخبر، فقال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُعْتِقَهَا، فَقَالَ: ((ائْتِنِي بِهَا))، فَلَمَّا جَاءَ بِهَا قَالَ لَهَا صلى الله عليه وسلم: ((أَيْنَ اللهُ؟)) - وهذا سؤالُ اختبار على إيمانها لأنَّه سيُعتِقها - قَالَتْ: اللهُ فِي السَّمَاءِ. وَأَشَارَتْ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ لَهَا: ((مَنْ أَنَا؟)) قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: ((أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ))[1].

 

وشَهِد بإيمانها بما دلَّت عليه الفِطرةُ مِن أنَّ الله في السَّماء، وأنه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديثُ أشَدُّ ما يَكون على أهل التعطيل، ونُفاةِ عُلوِّ الله، ولهذا يَهرُبون منه، وتشمئزُّ وجوههم وقلوبهم مِن ذِكْره وقراءته وتَرْداده - وافطِنوا ذلك إذا ابتُلِيتم بهم - ولهذا حرَصوا على تأويلِه، وصَرْفِ معناه، واختلاقِ الأساليب الكثيرة، والتأويلات الفاسدة، والآراء الشاذَّة والغريبةِ في تحريفه عن مَعناه، حتَّى أتَوا بما يُضحِك أهلَ العلم.

 

دلالة خطبة عرَفةَ على العلوِّ:

ومن أدلة إثبات العلو من السُّنة ما جاء في المشهَد العظيمِ في يوم عرَفة، لما خطَب النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناسَ خُطبتَه العظيمة العَصْماء، التي هي حقًّا أعظمُ مَواثيقِ حقوق الإنسان؛ قال في آخرِها: ((أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ غَدًا عَنِّي مَسْؤُولُونَ، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟)) قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ، وَأَدَّيْتَ، وَنَصَحْتَ. فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَّابَتَهُ - تُسمى بالسبابة، وتُسمى بالموحِّدة؛ لأنه إذا تَشهَّد رفعَها في خُطَبه - إِلَى السَّمَاءِ قَائِلاً: ((اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ، اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ، اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ)) يُكَرِّرُهَا صلى الله عليه وسلم ثَلاثًا، ثُمَّ يَنكُتُها إلى النَّاسِ))[2].

 

ولو لم يكن الله في العلوِّ لَمَا أشار رسولُ الله إلى العلو، لكنَّه عَلمَ وأيقن، وخاطبَ الناسَ كلَّهم أن الله في العلو، ولهذا استَشْهَده على الناس، فإذا أراد الناسَ قال: ((اللهمَّ فاشهد)) فنَكَتها إليهم أنه بلَّغ ونصَح وأدَّى صلى الله عليه وسلم، لو كان الرسول يُريد مِن هذا الفعل خِلافَ الظاهر، وخلافَ المعنى المتبادِر، لكانَ اللائق أن يُبيِّنه للناس، ويُخبرَهم إياه في هذا المشهد العظيم - الذي أقلُّ ما قيل في حُضوره: تِسعون ألفًا - أمَا وإنه لم يَفعل ذلك كان فِعله غايةً في البيان والإيضاح أنَّ الله عز وجل على عَرشِه، وهذا ما تدلُّ عليه الفِطَرُ السليمة، السالمةُ من الشُّكوك، ومِن مَذاهب الانحرافِ والبِدَع، والتمثيلِ والتعطيل؛ فإنها مُسْلِمَةٌ مُقِرَّةٌ بأنَّ الله في علوِّه، أمَّا من مُسِخَت فطرته فإنَّه يَعتقد أن الله في السُّفل، حتى قيل: إنَّ بِشْرًا المريسيَّ المعتزلي يَقول: سبحان ربِّي الأسفل![3] قبَّحَه الله وأخزاه.

 

ومِن أدلة إثبات العلوِّ أيضًا: اتِّفاق العُقَلاء مِن أتباع الأنبياء على أنَّ الله في العلو، ولا عِبرةَ بالمخالف إذا شذَّ عنهم، وهذا ما اتَّفَق عليه سلَفُ هذه الأمة مِن غيرِ ما نَكيرٍ، ولا خلاف.

 

النوع الخامس دليل العقل؛ وذلك أنَّ أشرف الجهات العلو، وهي الجهة اللائقة بالله تعالى، فالجهات ستٌّ: أمامٌ وخلف، ويمينٌ ويسار، وفوقٌ وتحت. أشرَفُها العلوُّ وهو اللائق به سبحانه وتعالى، ولا يَحوي اللهَ مخلوقٌ، بل الله هو الذي فوقَ المخلوقات.

 

ومن أدلَّة الفطرة: قصةٌ مشهورة، جاءت عن أبي عَليٍّ الهمَذانيِّ أنه كان في مجلسِ إمام الحرَمَين أبي الْمَعالي الجُوينيِّ - وهو مِن أساطينِ الأشاعرة وعُلَمائهم، ومُنَظِّرِيهم، وهو الذي جرَّ الأشاعرةَ بمَذهبِهم إلى طريقة المعتزلةِ والتأويل بما عليه عامَّة المتأخِّرين، وهو الذي مَزَج أصولَ الفقه بعلم الكلام في كتابه المشهور: "البرهان في أصول الفقه" - في درسه أخذ يَجلِب الأدلَّةَ على نفيِ عُلوِّ الله، وتأويل استوائه على عَرشه، وقد أُوتِي قدرةً عَقليَّة في الكلام والمناظَرة، ويَلْوي أعناق الأدلة، وبضاعتُه في الحديث بِضاعة مُزْجاة، فكان إذا أشكَل عليه كتَب به إلى زَميله الإمام أبي بكر محمَّدِ بن الحسين البيهقيِّ يَسأله عنه.

 

وهو في هذا الخِضَمِّ - تأويل وصَرْف الأدلة عن معناها إلى مذهبه الرَّديء - قال له تلميذُه الهمَذاني:

"دَعْنا - يا أستاذ - من هذه الأدلة، لكن أخبِرْنا عن هذه الضرورة التي يَجِدها أحَدُنا في قلبه إذا دعا ربَّه بتَوجُّهه في دُعائه إلى العلو، فكيف نُجيب عنها؟!".

 

ما مِن داعٍ يدعو ربَّه إلا وتتَّجِه فِطرتُه ونيته إلى العلو؛ إلى السماء.

 

فوضَع يدَه على رأسه وقال: "حيَّرَني الهمَذاني، حيَّرَنِي الهمذاني!"[4] ؛ أي: إنه أتاني بما لا أستطيع دفْعَه، وهذه جناية التأويل على شريعة الله وأدلَّته، والله المستعان.

 

المنحرفون في علوِّ الله عز وجل:

والمنحرفون في العلوِّ على ثلاثة مذاهب:

1- المذهب الأول: الممثِّلة؛ قالوا: إن الله حالٌّ في خلقِه؛ ولهذا ظهر عندهم مذهَبُ الحلول، ومذهب الاتِّحاد الذي أفضى إلى مَذهبِ وَحْدة الوجود.

 

2- المذهب الثاني: مُتقدِّمو الجهمية وهم أصحاب مذهب الحلوليَّة؛ قالوا: إن الله مع خلقه، حالٌّ بهم. وعلى هذا متأخِّرو الأشاعرة والماتريدية، الذين يَعتقدون أن الله في كل مكان؛ ولهذا لو لم يكن مِن لَوازم هذا المذهب الخبيث إلا أن يَكون الله في الأماكنِ القذرة والنجسة؛ كالحمامات، وأدوار السِّباع النجسة؛ كالكلاب، والذئاب، والخنازير - لكفى بهذا القول فسادًا وقبحًا.

 

3- المذهب الثالث: مذهب النُّظَّار؛ مذهب المعتزلة، ومنهم الزيديَّة، والإمامية، ومتكلِّمو فلاسفة الأشاعرة والماتوريدية، الذين قالوا: إن الله لا داخِلَ العالم، ولا خارجَه، ولا فوقَ ولا تحت، ولا مُماسَّ ولا مُحايِد! وهذا حقيقته المعدوم، فهرَبوا مِن قبيح مذهبهم، وشَناعة أصولهم الفاسدة؛ من تشبيه الله بالموجودات، فشبَّهوه بما هو أقبحُ منها؛ بالمعدومات، والله جلَّ جلالُه عَلا خلقه جميعًا قبلَ خلقِ السَّموات وبعدَ خلقِ السموات، وحديث أبي رَزينٍ العُقَيليِّ لَمَّا جاء أهلُ اليمن، فقالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ كَانَ اللهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ؟ قَالَ: ((كَانَ فِي عَمَاءٍ؛ مَا فَوْقَهُ عَمَاءٌ، وَمَا تَحْتَهُ عَمَاءٌ))؛ أي: كان في العُلوِّ المطلق؛ بأنه لا يَحويه مخلوق، وليس فوقَه مخلوق.



[1] رواه مسلم (537)، من حديث معاوية بن الحكم السُّلَمي رضي الله عنه.

[2] رواه مسلمٌ (1218)، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.

[3] انظر: شرح العقيدة الطحاوية. لابن أبي المعز (2/ 448).

[4] انظر: شرح العقيدة الطحاوية. لابن أبي المعز (2/ 445).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة