• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح أصول السنة للإمام الحميدي (4)

شرح أصول السنة للإمام الحميدي (4)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 25/3/2014 ميلادي - 23/5/1435 هجري

الزيارات: 14486

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفريغ دورة

شرح أصول السنة للإمام الحميدي (4)

 

الموضوع فيما يتعلق بمسائل الإيمان، في قوله:

[والإيمان عندنا قول وعمل ويزيد وينقص، ولا قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بسنة].


ذكرنا في آخر الدرس السابق مسألة إخراج العمل عن الإيمان عند مرجئة الفقهاء رحمهم الله، ونحن نترحم عليهم لأن لهم قدما في الفقه وفي العلم، ومذهب أبي حنيفة من أشهر المذاهب ا لمتبوعة التي أجمع المسلمون على اعتبارها وتديِّن الله جل وعلا بها، كما ذكر ذلك الحافظ ابن رجب رحمه الله في رسالته الشهيرة الرد على من اتبع غير المذاهب الأربعة، مرجئة الفقهاء وهم الحنفية في جمهوره ليس كلهم لأن من الحنفية من نحل مذهب السلف، فقال إن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجناب وعمل بالأركان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فدرج على جادة أهل السنة فيه، لكن جمهورهم ولا سيما الماتردية الذين هم حنفية في الفروع، ماتريدية في الاعتقاد قالوا بقول أبي منصور أن الاعتقاد ركن أصلي وأن النطق باللسان ركن زائد ليس بأصلي.


هل إخراجهم العمل عن مسمى الإيمان كإخراج العمل عن حقيقته؟

قلت لكم قبل ذلك أن هذا هو السؤال الشهير هل الخلاف بين مرجئة الفقهاء وبين جماهير السلف خلاف لفظي أو خلاف حقيقي مؤثر؟


الجواب فيه بعدم الاطلاق كالسؤال الذي سبق في القدر هل الإنسان مسير أو مخير؟ فالجواب بإطلاق فيهما باطل، وإنما فيه التفصيل، الإنسان مخير في أموره الاختيارية ومسير بالنظر إلى قدر الله لا يخرج منه بحال من الأحوال، كذلك هنا لا يصلح فيه الجواب المطلق وإنما لابد فيه من التفصيل.


إذ التفصيل يزيل الاحتمال ويزيل التعميم في الخطاب والقاعدة المشهورة في الاستدلال أن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم من المقال هذا في النص الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، إذا لم يستفصل فيه في مقام محتمل للاستفصالات يبقى النص المتوارد عنه على عمومه أما عن هذا السؤال فمرجئة الفقهاء اخطؤوا ومنهم من ضل بإخراج العمل مسمى الإيمان عن تعريفه الاسم، فهذا بنفسه خطأ وضلال وبدعة والعلماء يفصلون بين الخطأ والبدعة والضلال في حال المخرِج نفسه، فمنهم من أخرجه اجتهادا فهذا أخطأ فيه، ومنهم من يخرجه عنادا واستكبارا بعد تبين الحق، وهذا الاخراج الذي يعرفه في دائرة الضلال وهي أرفع من دائرة الخطأ، وهذا له أصل فإنه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الرجل الذي راحلته في فلاة من الأرض حتى خشي الهلكة فغفت عيناه فما فجأه إلا وخطامه يتدلى أمام عينيه فقال أنت عبدي وأنا ربك، ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أخطأ، لأنه غير قاصد وهذا من أهم موانع التكفير التي إن شاء الله سأذكرها إن شاء الله تفصيلا حتى لا يقع المسلم السني في دائرة التكفير وهو لا يشعر لعدم علمه سأذكرها بشروطها تفصيلا وبموانع تكفير المعين تفصيلا إن شاء الله.


أقول إخراج العمل عن مسمى الإيمان وتعريفه خطأ وقد يكون بدعة وضلالا عند من كابر فقلد في دين الله الرجال ولم يأخذ عن سيد الرجال عليه الصلاة السلام، أما من حيث الحقيقة فإخراج العمل عن مسمى الإيمان دائر بين أمرين هما ثمرة هذا الخلاف هو لفظي أو حقيقي؟ وأحسن من رأيت سطر ذلك وسبره وقعده شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الإيمان الكبير والإيمان الأوسط وفي رسالته الكيلانية وفي مواضع من مجموع الفتاوى ومهاج السنة النبوية.


وأنا في هذه المناسبة: أعيب على طلبة ضعف قرائتهم لهذه الأصول والأصول المحررة لعلماء الإسلام ومن قرأ منهم قد لا يفهم الفهم الصحيح حتى يعيدها مرة وثنتين وثلاثة وقد يحتاج إلى من يفهمه إياها وهذه معيبة في هذا الزمان لكثير من طلبة العلم. وأنا لا أهبط من هممكم لكن أرجو أن يكون ذلك باعثاً على صدق الانتماء إلى العلم وأهله لا مجرد الدعوى لأن الدعوى تورث الإنسان أن يترك الكلام في العلم للكلام في الناس بهوى وبغير علم فيقع فيما يظنه دفاعاً عن اعتقاد السلف وهو في الحقيقة يضر نفسه ويضر أتباع السلف، طلاب العلم القراءة عندهم ضعيفة والتتلمذ عندهم ضعيف، وشيخ الاسلام رحمه الله يعتبر من المجددين لهذا المنهج منهج أهل السنة والجماعة وكتبه أنماط ثلاثة ذكرتها في غير هذا الموضع تفصيلاً، منها المختصرات وكان العلماء يحفظون وطلاب العلم يحفظونها بأمر علمائهم ومنها المتوسطات ويكررونها تكراراً حتى تقر معانيها في قلوبهم ومنها المطولات وهي كتب الردود وفيها من العلوم والمباحث والفوائد ما يعجب منه طالب العلم.


شيخ الاسلام في مسألة الخلاف بين مرجئة الفقهاء وجمهور أهل السنة والجماعة ذكره رحمه الله على منحيين:

المنحى الأول: يكون الخلاف بينهم وبين أهل السنة خلافا حقيقيا إذا اعتقد مرجئة الفقهاء أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، الخلاف حقيقي ليس لفظيا لأن شواهد الأدلة في الكتاب والسنة وآثار السلف أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهذا أصل خلاف أهل السنة مع الوعيدية كما سبق.


المسألة الثانية: أن من قال إن الإيمان لا يصح الاستثناء فيه أو يجب الاستثناء فيه بإطلاق أو لا يصح الاستثناء فيه بإطلاق الخلاف بينه وبين أهل السنة حقيقي ومعنى الاستثناء قول إن شاء الله.


المسألة الثالثة: من قالا إن الإيمان لا يتبعض ولا يتجزأ أكثر المذاهب الأربعة (الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة) المذهب الحنفي أكثر المذاهب الأربعة ترتيب للعقوبات والجزاءات الدنيوية والأخرويّة على ترك العمل، ولهذا أكثر المذاهب ذكر لنواقض الإسلام التي توجب الردة من أقوال وأفعال واعتقادات هم الحنفية، ربما ذكروا في هذا الباب باب حكم المرتد أربعمائة ناقض، دل على أنهم يرتبون الجزاءات على ترك العمل، عند الحنفية وهذا من مفردات مذهبهم أن من صلى بغير وضوء عامدا كفر لأنّ هذا الفعل استخفاف بدين الله، والجمهور عندهم لا يكفر، لكن هذا مثال أن من صلى بغير وضوء عامداً ذلك متعمدا أنه كافر لأنه استخف بفريضة من أهم الفرائض، إذا دل على أنهم يرتبون الجزاءات والعقوبات الدنيوية والأخروية على ترك ماذا؟ على ترك العمل. من نظر إلى هذه الحيثية قال إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء والخلاف بين أهل السنة خلاف لفظي لا حقيقي وهذا ما قرّره أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، نعم أخطئوا في إخراج العمل عن مسمى الإيمان وتعريفه لكنهم اعتبروه في أثره في الدنيا وأثره في الآخرة، في الجزاءات والعقوبات، ما يترتب على ذلك في قوله وفعله وفي ما يخرجه فيما يفعله مما يتعلق بإثره في إيمانه، هذا هو خلاصة هذه المسألة ولهذا المرجئة مرجئة الفقهاء أقرب المذاهب إلى مذهب أهل السنة، نعم قولهم في الإيمان ليس هو قول أهل السنة، لكن الخلاف هل هو حقيقي أو لفظي يتبين بهذا التفصيل وبهذا التأصيل الذي سمعتم خلاصته وإلا تطويله في المطولات في غير هذا الموضع حيث يضيق هذا الموضع عن بسطه واختصاره.


هذا العمل ما شأنه في الإيمان؟ عرفنا شأن القول وأنه لا يكون مؤمناً إلا بقول لا إله إلا الله إلا إن كان عاجزاً بخرس وبكم فهذا يكفي أن يُشير على ما يدل على التوحيد، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وليس المراد مجرد نطق باللسان فقط، لكن قول يدل على ما وقر في الاعتقاد، لو قالها بلسانه مليار مرة ولم يعتقدها حق اليقين أو يتيقن بها أو أو يكون صادقاً أو يكون مخلصاً ما نفعته لا إله إلا الله، مرت عليكم شروط لا إله إلا الله كم هي؟ سبعة. إذا لم يحققها لا ينفعه قول لا إله إلا الله، إذا قالها كاذباً تنفعه إذا قالها شاكًّا هل تنفعه؟ لا. إذا قالها مبغضا لها؟ إذا قالها مخلصاً هل تنفعه؟ ما تنفعه حتى يقولها وهو موقن بها، وليس مجرد القول يكفيه حتى يأتي بلوازمها ومقتضياتها ومن أعظم مقتضياتها عمل القلب أولاً وعمل الجوارح ثانياً، مانعو الزكاة قالوا لا إله إلا الله أو ما قالوها؟ قالوها؛ لكن اتفقت كلمة الصحابة على ردتهم لما قاتلوا على منعها فما نفعتهم لا إله إلا الله، الذي يقول لا إله إلا الله ويقرأ القرآن ويسبح ويهلل ويكبر وله أوراد وربّما حفِظ القرآن بالروايات، لكنه يصدِّق بالسحر أو بالكِهانة، هل تنفعه لا إله إلا الله؟ لا تنفعه ولو قالها مائة مليار مرة لأنه أتى ناقضها وهذا يُبين لكم مقدار العمل بلا إله إلا الله وترك العمل بما يناقض لا إله إلا الله، وهي المعروفة عند العلماء بنواقض الإسلام.


كم هي نواقض الإسلام؟ نواقض الإسلام كثيرة أشهرها عشرة اعتصرها واقتصرها وأصَّلها لكم شيخ الإسلام لأن أكثر النواقص يرجع إلى هذه العشرة، ولهذا في أصوله الخطية يقول رحمه الله الشيخ محمد بن عبدالوهاب الشيخ المجدد: اعلم رحمك الله أن نواقض الإسلام كثيرة أشهرها عشرة ثم ذكر أصولها لأنه فهم هذا الباب فهمه وأصله ورتبها لك، العمل شأنه في الإيمان كشأن الاعتقاد وكشأن القول والعلم كما قلت لكم عملان عمل القلب وعلم الجوارح ما علاقة العمل بالأيمان؟ سمعنا وسمعتم من يقول الإيمان شرط صحة وشرط كمال ثم لا يفهم معنى الشرط ولا أثره فيوالي ويعادي على هذا المعنى ويوالي ويعادي على هذا المعنى ورّبما تبقى شهور وأيام وربّما سنون وهو يردد هذا الكلام على عواهنه دون أن يستبصر فيه، فيوالي ويعادي ويحب على هذا الأصل لأنه يتخبط خبط عشواء على غير رسوخ.


تأمل ألست أنت تنتسب إلى السلف الصالح وترجع إلى كلامهم في القرن الثاني والثالث والرابع؟ من ذكر هذا الشرط منهم؟ واقرأوا كتب السنة التي مرّ ذكر طرف منها، كتب السنة الأخرى ضمن الصحاح والمسانيد، هل جاء عن أحد منهم قال إنها شرط كمال أو شرط صحة؟ فلماذا نبتدع في الألفاظ ثم نبني على الابتداع مفاهيم ومغاليط وولاءات وبراءات لا ندري معناها لأننا خضنا في ما لا نحسن ومن خاض فيما لا يُحسن أتى بالعجائب منها.


من تأمل في كلام السلف وجدهم مجمعين على أن العمل من الإيمان وسمعتم كلام الإمام الحميدي (ولا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية) اذا جعل العمل مثل القول مثل النية، فالعمل من الإيمان هذا مجمع عليه لكن العمل في نفسه في أفراده في جزئياته متفاوت منه ما هو عملٌ ركنٌ في الإيمان لا يصح الإيمان الا به، كعمل القلب هل يصح قول لا إله الا الله لمن لم يخلص بها؟ الإخلاص أليس في القلب لا يصح ذلك، كذلك الإتيان بأركان الإسلام في حال الاستطاعة من لم يأت بها حال الاستطاعة والقدرة عليها ليس بمسلم إذا قال مجرد لا إله الا الله محمدا رسول الله، داوم على ترك الصلاة سواء تركها تعمداً جاحداً لوجوبها أو تركها تهاوناً وتكاسلاً بشأنها أين حظه من الإسلام؟ ترك لحج ترك الصيام جاحداً لوجوبها وإن قال لا إله الا الله لا تنفعه لأنه جحد ما ع ما عُلم من الدين بالضرورة في أنه فرض لا يصح دينه إلا به ولهذا جعلها نبيكم عليه الصلاة والسلام مباني الإسلام العظام؛ بُني الإسلام على خمس أليس أن يقول بُني الإسلام على لا إله إلا الله خلاص ويسكت، كيف وقد أكمل البيان وبلّغ البلاغ المبين وأتمّ الله به النعمة وأتم به الرسالة وهو يقول بُني الإسلام على خمس اذا هذه مبانيه وأركانه العظام لا يتحقق الاسلام إلا بها، هذه الخمس ما هي؟ لا إله إلا الله محمدا رسول الله قول، وما يليها محقق لهذا القول، الصلاة قول وفعل واعتقاد، الزكاة فعل ونية، الصيام فعل ونية، الحج قول وفعل واعتقاد، دينكم دين عظيم، ما هو بلعب، بل دين عظيم، لو كان العمل ليس له هذه المكانة من الإيمان لما ألزمه النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الإلزامات، يأمر قوّاده بالغزو فإذا قدموا على بلد يعرفون إيمانهم من أذانهم، والأذان عمل جوارح عمل لسان، لأنه يدل على أنهم مؤمنين، ثم اذا لم يتبين ذلك أمهلوهم وخيروهم بين ثلاث أن يقولوا لا إله الا الله ويرضخوا لمعناها ويعملوا بها، أو يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فإذا أبوا هذا استعانوا بالله وقاتلوهم، بمثل هذا قام ديننا وبمثل هذا استبانت شريعة ربِّنا، حتى ما مات عليه الصلاة والسلام إلا وتركنا على واضحة بيِّنة نقيَّة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك إما بجهله أو بهواه أو بتفريطه أو بعناده واستكباره، فالعمل من الإيمان، فمنه ما هو ركنلا يصح الإيمان إلا به، ذكرنا لكم أمثلة ومنها الصلاة لو صلى بغير وضوء تصح صلاته؟ أجمع العلماء على أن صلاته باطلة، اجماع فبالتالي اذا ما صحت صلاته ما صح إيمانه، ومن العمل ما هو شرط صحة في الإيمان، ومن العمل ما هو شرط في كماله، سواء كان الكمال المستحب أو الكمال الواجب، الكمال الواجب أن يكون مؤمناً ولا يشرب الخمر، فإن شرب الخمر وشرب الخمر فعل يقدح في كماله، الواجب لا في كماله المستحب فيكون مؤمناً بإيمانه فاسق بكبيرته، كشربه الخمر أو أكله الربا أو زناه، الكمال المستحب كإكرام ضيفه كإماطة الأذى عن الطريق رأى أذى في الطريق ما أزاله، هذا هو أن إيمانه ناقص بكبيرة ولكن نقص الإيمان عن رتبة الكمال المستحب، وهذا الذي أزال الأذى عن طريقه وبالغ في إكرام جاره ثلاثة أيام بلياليها الإكرام يوم وليلة وثلاثة أيام سنة أتى بالكمال المستحب، ومن الإيمان ما هو مباح كسائر المباحات التي يعبر عنها العلماء بمستوي الطرفين، اذا القول بإطلاق أنه شرط صحة أو شرط كمال من غير ذكر الركنية هذا كله دخول في فلسفة لا طائل تحتها لأن الشرط له معنى عن الأصوليين أكثر هؤلاء لا يعرفه، الشرط عند الأصوليين ما يلزم من وجود الوجود ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم ذاته، هل استحضر هذا المعنى من قال إن العمل شرط كمال أو قال شرط صحة وأطلق لم يستحضره وإنما يردد عبارة غيره التي لم يفقه معناها وربما ذاك لم يفقه معناها اذا خلاصة ما يقال إن العمل من الإيمان وأن الإيمان منه ما هو ركن ومنه ما هو واجب ومنه ما هو مستحب ومنه ما هو مباح كما أن المكروهات أعمال تركها يزيد في الإيمان وفعلها ينقص من الإيمان المستحب، المستحبات المندوبات من الأعمال فعلها يزيد في الإيمان تسبيح تهليل صدقة كف أذى إعانة يفعله يزيد في إيمانه وإن لم يفعلها ينقص إيمانه الواجب.

 

المسألة الأخيرة أنه إذا وقع لطالب العلم إشكال في مسألة كثر فيها القيل والقال والرد والردود والاشتباه والالتباس ماذا يعمل؟ هذه أصل ومنهجية في عموم الفتن، الفتن العلمية التي تورث ردا وردودا، الفتن المنهجية التي تورث مصادمة وتحزبا وتصنيفا، الفتن العامة التي تتعلق بعامة المكلفين، الذي يصنعه ما ذكره الله جل وعلا في سورة النساء عائباً على المنافقين وأمثالهم قال الله جل وعلا وافتح لها قلبك يا عبدالله: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ... ﴾ [النساء: 83] اذا جاءهم خطاب لمن في السياق اجماع المنافقين، ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ﴾ طاروا به أشاعوه ما عندهم رسوخ ولا عندهم إيمان يمنعهم من ذلك أذاعوا به ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا * فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ الآية.


الرد إلى الرسول في حياته رد إليه وهذا منهج أصحابه رضي الله عنهم معه، إذا ادلهم عليهم أمر رجعوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوه واستبان لهم الأمر رضي الله عنهم إلى أن سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة واستشكالات انتفعنا نحن بها، بعد الرسول الرد لمن؟ رد إلى سنته ودينه وشريعته، كما أن الرد إلى الله رد إلى كتابه والرد إلى الرسول رد إلى كتابه ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ ﴾ إلى شخصه وذاته في حياته، أو إلى دينه وشرعته بعد موته، ﴿ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾ مع أن هذه السورة في أولها ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ وفي أثنائها ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾ أولي الأمر من هم؟ صنفان:

الحاكم والسلطان والأمير والخليفة في أمور السياسة وأمور اجتماع الناس ومصالحهم الدنيوية والدينية، وإلى العلماء في بيان شرع الله ودينه من حلال أو حرام أو ما يُتعبد لله جل وعلا به ويترتب عليه الأمر الأخروي ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ أهل الاستنباط هم أهل العلم، أهل الفهم، أهل البصيرة، أهل الخبرة، أما أن يردوه إلى جهال مثلهم أو إلى أشباهم أو إلى أمثالهم ممن لمن يكونوا من أهل الفهم والاستنباط هذا الذي يوقعهم في البدعة ويوقعهم في الغلط ويوقعهم في الانحراف الذي هو دأب المنافقين، وشريعتهم ومنهجهم ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ﴾ العلم من فضل الله، الهداية من فضل الله، ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ مما يجمعونه حسياً من الأموال والأولاد والمصنفات والكتب وغيره، أو جمع معنوي من معلومات ومناصب وجاه وغير ذلك، ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ آخر الآية يبين أولها، أن عدم الرد إلى الرسول وعدم الرد إلى أهل العلم وإلى أولي الأمر وقوع في خطوات الشيطان، شعر أو لم يشعر علم أو لم يعلم، ولهذا يا إخواني وأقولها ناصح لكم لما وقع هذا الاشتباه في هذه المسائل التفصيلية في الإيمان أراد بعضهم أن يعذِّر لمن لم يحكم بغير ما أنزل الله بأن هذا لم يكفر بإطلاق، فالقول بأنه يكفر بإطلاق غلط، كما أن القول بعدم كفر بإطلاق غلط، والتفصيل يزيل الاحتمال والاشتباه عن هذه المسائل، وهذا شأن أهل العلم الراسخين من العلماء الكبار أو من القضاة الشرعيين ليس شأن عامة الناس أو شأن عامة الطلبة أو عامة الدهماء هذه أكبر من مستواهم أن يخوضوا فيها وأن يلغوا فيها فهم ليسوا أهلاً للنظر فيها النظر الصحيح. هي في مسائل كفر دون كفر، وفي مسائل كفر أكبر، عرف ذلك وحرره أهل العلم الراسخين، لكن ما كل ما يعلم يقال لعامة الناس ودهمائهم، أو المبتدئين من الطلبة لأن هذه أرفع منهم، من مزالق العلم أن يأخذ [كبار العلم قبل صغاره] وفروعه قبل أصوله فيقع في الاضطراب ولا يعرف أين يضع قدميه في سلم وطريق سبيل هذا العلم، هذه المسألة بهذا المعنى أنه لما وقع الاشتباه رد الناس إلى بعضهم إلى من أحسن في باب من أبواب العلم، أحسن في باب الدعوة مثلاً، أحسن في باب الوعظ مثلاً، أحسن في باب التخريج أو تحقيق الكتب، إذا أحسن الانسان في جانب لا يعني أنه يحسن في جميع الجوانب اعرف قدر نفسك واعرف قدر غيرك، وأنزل الناس منازلهم إن كنت تعرف، وإلا دع القيادة لأهل العلم يتولونها، لا يلزم ممن عرف التخريج أن يعرف الفقه سواء كان الفقه الأكبر في مسائل العقيدة التفصيلية أو الفقه الأصغر في الأحكام التعبدية مما شرعه الله لنا، لا يعني أن من عرف التخريج عرف الفرائض قد يورّث من لا يستحق الميراث ويحجب من لا يستحق الحجب ولهذا في هذا الباب من أبواب العلم بابان وعلمان لا يستطيعهما المتعالم علم النحو وعلم الفرائض ينكشف على طول، لأنهما علمان يحتاجان الى جهد فالمتعالم فيهما ينكشف يتبين أنه ليس على شيء، فيتضح قدره ويعرفه أهل العلم فيُنزلونه منزلته لكن الاعتزاز بالنفس والاعجاب فيها والأنفة من أن يقال لك أخطأت وغلطت تورث الإنسان عناد وكبر وعجب يوقعه في أضعاف ما وقع فيه من اصل خطأ، لما وقع الخطأ في هذه المسائل نبه عليها العلماء بكلام مختصر وأهل العلم في زماننا هذا قل منهم العالم الموسوعي، يعني بعد سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله وشيخنا الشيخ محمد وأمثالهما قلّ العالم الموسوعي الذي أحاط في العلوم بأصوله قل ذلك فاحتيج إلى المجامع العلمية، اللجنة الدائمة لهيئة كبار العلماء مجمع علمي فيه سبعة أو خمسة من كبار العلماء رأي واحد أو رأي خمسة؟ لا شك أن الخمسة ممن شهدوا لهم بالعلم وشابتهم عوارضهم في تعليمه وتحصيله وإبلاغه لا شك أنها أقرب لدائرة الحق، هيئة كبار العلماء، مجمع البحوث، مجمع الفقهاء في الرابطة، المجمع الدولي أمثالها هذه مجامع تقوم على الرأي الجماعي الذي هو أقرب من الرأي الأحادي لما أبان العلماء في مثل هذه المجامع الخطر الوقع من الإرجاء لتسويغ ترك الحكم بما أنزل الله للولاة وتسويغ لأهل المعاصي معاصيهم وتركهم العمل وأنهم حتى لو لم يصل أبدا لما كان كافراً، أخذا بمشتبهات من الأدلة ولم يأخذ بمحكمات يردون إليها الأدلة جميعا وقع الغلط، فلما نُبهوا لم ينتبهوا لما نوصحوا لم ينتصحوا فكابروا وأصبحوا يجعجعون بأصوات كثيرة بتسويغ أوراق كثيرة وليس تحتها شيء، نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، والنتيجة زيادة الشقة والانحراف والفرقة بين أهل السنة والجماعة، ﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾.

 

الأسئلة:

• سائل: هل مسألة تارك جنس العمل ترجع إلى تارك الصلاة؟

الشيخ: ترك الصلاة صورة ومثال شهير لمن ترك العمل وتارك جنس العمل من البدع المعاصرة، البدع في مسائل الاعتقاد والبدع في مسائل الإيمان، لأن تارك جنس العمل يشمل العمل القلبي والعمل الجارحي، أين إيمانه عندئذ فقد أجمع السلف كما دلت عليه الأدلة أن العمل من الإيمان، من صوره ترك الصلاة لكن الصلاة الناس فيها على مناحٍ بحسب اختلافهم المتأخرون جمهورهم على أن ترك الصلاة تهاونا ليس كفرا فمن تبع قول الجمهور المتأخرين بناء على مبلغه وحده من العلم لا غضاضة عليه هذا فرضه وهذا دينه أن يسأل عن شيء لا يعلمه من يعلم وفرضه اتباع ما قاله هذا الذي يعلم لكن إذا أراد أن يحققها تحقيقا ويرجع إلى أصول الأدلة لاشك أن الحق في المسائل المختلفة حق واحد، نعم القول الخاطئ كثير لكن الحق واحد في المسائل الخلافية، المتأخرون من أتباع المذاهب جمهورهم على أن ترك الصلاة تهاوناً ليس بكفر، جمهورهم على ذلك ومضى على هذا سنون ودهور وقرون فمن تبع هذا القول بناء على أنّ هذا مبلغه من العلم لا غضاضة، هذا مبلغه وهذا اجتهاده، وكما قال سعيد بن جبير قد أحسن من انتهى إلى ما قد علم، لكن إذا أراد اتباع الأدلة وهو الذي يزعم أنه يتبع الأدلة ويتأسى بها ويجعل الأدلة هي منصاه، الأدلة على غير هذا بصريح القرآن وصريح السنة واتفاق السلف الصالح، ولهذا في القرآن ترك الصلاة كفر مطلق، من غير التفريق بين تركه متهاون ومتعمد، ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ ﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ﴾ في أول براءة، تابوا من ماذا؟ تابوا من الشرك والكفر، ﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ لم يقل وأقاموا الصلاة تركها تعمدا أو جحداً فالآية أطلقت، المواضع عديدة في القرآن ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ في السنة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) من تركها (من) شرطية تدل على العموم من تركها فقد كفر، ما قال من تركها تعمداً أو جحداً أو تهاوناً، أطلق، بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة، هذا كلام عربي واضح بين أو فيها التباس، من قال أن فيها التباس في ظنه أو دعواه فإنه يعود بالملامة والذم على النبي صلى الله عليه وسلم، والحديثان صحيحان، حديث جابر بن عبدالله عند مسلم وحديث بريدة بن الحصيب عند أهل السنة في الصحيح، ما قال تركها متعمداً، تركها جاحداً، أو تركها غير ذلك، قول عبدالله بن شقيق وهذا القول ثابت عنه لأن أهل العلم بالصناعة الحديثية لا يستعملون موازين النقد التي يُعملونها في أحاديث النبي في آثار وأقوال غير النبي من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وهم في باب ما ينقل عن الصحابة والتابعين أوسع رفقة وفي باب أحاديث النبي يتحرون، ولهذا الضعيف غير الضعيف جداً، رواية الصدوق الذي يخطئ غير رواية الصدوق كثير الخطأ، رواية من يهِم غير رواية من يخطئ، كل ذلك احتراز وتمييز لحديث النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا قالوا الضعيف ضوابط ما لم يقولوها في الضعيف جدا والموضوع، ولهذا الحسن لغيره ما هو؟ حديث ضعيف انجبر بطريق آخر وبشواهد أخرى فارتقى إلى مرتبة الاحتجاج، هذا الباب لا يعملونه في آثار ومرويات الصحابة والتابعين ومن بعدهم، الباب أوسع كما شأنهم في أخطاء التاريخ، فالأخبار بابها واسع ليس كالأخبار المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم لهذا قال ابن حجر رحمه الله في محمد بن عمر الواقدي قال عمدة في التاريخ والأخبار ضعيف في الحديث، لأن هذا باب وهذا باب، عبدالله بن شقيق كما نقله المحققون قال أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، لهذه الأدلة، ولهذا حكى الإجماع غير واحد ابن جرير ومحمد بن نصر المروزي قبله، وشيخ الإسلام ابن تيمية على أن ترك الصلاة كفر أكبر مخرج من الملة لكن إذا جاءت قرون متأخرة تهاونوا، فاشتبهت المسألة، وتوبعوا عليها لا يعني أنّ من وقع في ذلك وقع في بدعة، هذا مبلغُهم من العلم وفرق العلماء بين الصلاة والزكاة لظواهر الأدلة لا يفرقون بينها لمجرد التشهي، الصلاة قرنها الله بالزكاة في نيف وأربعين آية، لماذا من ترك الصلاة تهاوناً لا يكفر، ما قلنا هذا من بُنيّات أفكارنا أو تقليداً وإنما الدليل دل على ذلك، ففي الصحيحين من قول النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قول الله جل وعلا ببراءة ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ ماذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، هنا يأتي يا إخوان الانتساب للسنة حقاً، قال ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها زكاتها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فكوي بها جبينه وجنبه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يُرى سبيله) كلام النبي يوافق أوله آخره، وآخره أوله، ما يتناقض ما يتعارض، قوله (ثم يرى سبيله) يدل هذا على أنه لو كنزها بخلاً وشحاً لم يكفر بقيد آخر الحديث الذي يفسر أوله، وهذا شأن أهل العلم في المحكمات فما اشتبه ردوه إلى المحكم ما يأخذون لوحده لأن أخذ المشتبه لوحده طريقة أهل الأهواء، أهل الوعيد أخذوا بحديث (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) قالوا إذا كفر، أهل الوعد أخذوا بحديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وتركوا غيرهما فأخذوا في اشتباه نصف الوعد ونصف الوعيد، أهل السنة كانوا أسعد الفريقين وأسعدهم بالوصول الحق فجمعوا بين الوعد والوعيد وردُّوا النُّصوص الموهِمة الملبسة بأفرادها إلى المحكمات، فاستبان معناها لأنَّ كلام الموحى إليه عليه الصلاة والسلام لا يتعارض ولا يتناقض، وبهذا فرق العلماء بين الصلاة والزكاة، وفرقوا بين الصلاة والصوم لأن الانسان اذا مات وعليه صوم صام عنه وليه، لكن لو مات وهو لم يصل وصلى عنه أولياؤه صحت صلاتهم عنه، ما تصح.


جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: من مات وعليه صوم صام عنه وليُّه، كذلك الحج مع أنه جاء عن عمر وعلي أن من وجد السعة ولم يحج يضرب عليه الجزية تعزيرا له وتأديبا لكن ليس معناها أن من ترك الحج تهاوناً يكفر، لأن الحج وإن كان واجباً على الفور لكن لو ما حج هذه السنة حج السنة الثانية، اذا فيه امهال، ثم إذا مات ولم يحج حج عنه أولياؤه فأدوا الفرض لكن بقيت عليه الملامة والتبعة في التأخير والتراخي بغير عذر، وبهذا يعرف المسلم أن يفرق بين أركان الإسلام تهاوناً أو تركها جحداً لوجوبها ومن تركها جاحداً لوجوبها ولو أداها ما نفعه ذلك، بمثل هذا يفهم الإيمان ومسائله والعلم وعلاقته بالإيمان وبمثل هذا تُفهم الشريعة وهذه طريقة أهل العلم الراسخين فيها التي مر عليها الصحابة ثم التابعون وتابعوهم يقول اخونا إن بعض الناس يقول إن فعل الكفر كالسجود للصنم أو الذبح لغير الله أنه ليس كفر بذاته وإنما هو دليل على الكفر، نقول هذا فلسلفة لا طائل تحتها، هذا كله يدخل تحت دائرة التعذير، وترك أهل الكفر على كفرهم تعذيرا لهم، حتى يخرج من طائلة ماذا أن يُلزم بقوله أو لا يُلزم؟ لأن القضية ليست لله ولكن للمغالبة والانتصار للذات، هذا الفعل السجود للصنم، الذبح لغير الله كفر أكبر، في نفسه، لكن يأتي هل هذا علمه كفر أكبر أو ما علمه؟ هل هو في وقت وفي حال جهلوا ذلك أو ما جهلوه، هذه ينظر فيها القضاة والعلماء لكل قضية معينة بذاتها، ويش يقول الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب: وإن كنا لا نكفر عين من يعبد الصنم الذي عند قبر الحسين أو عند قبر البدوي أو عند قبر عبدالقادر لعدم من يعلمهم، ينشأ ناشئة يظنون ان هذا هو الدين بدعاء الأموات أو الذبح لهم أو النذر لهم، لكن إذا فشا العلم وسمعوا القران وعرفوه لا يعذرون بالجهل حينئذ، وقضية العذر حينئذ وعدم العذر بالجهل هذه قضية يعتني بها القضاة والعلماء أما صغار الطلبة فيخوضون فيها بجهل وبهوى حتى يبرروا واقعا لهم أو مجتمعهم أو آبائهم أو لأمهاتهم. لا، إنما يتعلق بهذا المعين، والذي يحكم على المعين بكفر أو إيمان من هم؟ صنفان لا ثالث لهما: العلماء والقضاة الشرعيون وهذا سيأتي له بيان في شروط وموانع تكفير المعين وضح الجواب في سؤالك أخانا.

 

• سائل: .... ....

الشيخ: تفسير هذه الآية، يمحو الله ما يشاء من الأمور التي يقدرها في شرعه وفي دينه وفي أمره ويثبت ما يشاء، كذلك ما قدره معلق بسببه يمحوه سبحانه ويثبته، أما القضاء المبرم المحتوم باللوح المحفوظ فإنه باق وماضٍ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع وفي رواية إلا الموت فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع وفي رواية إلا الموت فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها، هذا الرجل عاش ستين سبعين سنة في الكفر فمن الله عليه فآمن وشهد الحق لا إله إلا الله ثم دخل مع المسلمين في غزوهم وقتالهم ولم يسجد لله سجدة فسبق عليه الكتاب فعمل بعمل من؟ بعمل أهل الجنة، فدخلها ولم يسجد لله سجدة وهذا الذي سبق في الكتاب هو الذي أثيب وعوقب وجوزي عليه وإنما اختاره لما اختار الإيمان أو اختار ضده وهو الكفر.


الضبط في العلم مهم، ومنها الضبط في الأسئلة.

 

• سائل: من الناس من يقول اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه، هذا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم وقني شر ما قضيت!

الشيخ: هذه المسألة يا إخواني لابد أن نفرق فيها بين أمرين:

الأمر الأول: بين من يقولها من العوام ولا يعني بذلك اعتراضه على قضاء الله وقدره فهذه يتسامح فيها هذا المعنى لأن المعنى الذي في نفسه ونطق بلفظه معنى صحيح، من جهة أنَّه يسأل الله لطفه في قضائه.


أما إذا نظرت في هذا الدعاء بذاته ففيه ما استنبطه شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن هذا الدعاء بهذه الصفة كأنه ينبني على اعتراض كأنه يقول افعل يا رب ما شئت من القضاء لكن الطف، افعل بي الشر لكن الطف، الإنسان مأمور بدفع قدر الله بقدر الله، وهو لا يعلم ما قدره الله عليه فلهذا أُمر بالدعاء الذي ينفعه، ولهذا في دعاء القنوت الذي علمه عليه الصلاة والسلام لسبطه الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: اللهم اهدني فيمن هديت الى قوله: وقني شر ما قضيت، قال اللهم إني لا أسألك رد القضاء هذا مجمل، لأن من القضاء ما يرد بالدعاء كما سبق، أما القضاء المبرم لا يرد بالدعاء، ولهذا أمرنا بالدعاء لأنه من أعظم أسباب القضاء أو دفع البلاء، وضح هذا يا إخواني ولذلك عند البيان تُبيِّن لطالب العلم ما يليق به، والعامي ما يليق به، لأن أحيانا المعنى الذي في قلب العامي غير المعنى الذي في قلبك أنت، فهذا الأمر يتنبه له طالب العلم جدا في إنزال كلامه على الناس في منزلته اللائقة، وشيخنا رحمه الله أبانها لطلاب العلم لأن هذا اللفظ مشتمل على من الباطل لا يطرأ على قلب العامي أو المبتدئ والله أعلم.

 

• سائل: في كتاب السنة للإمام أحمد وجدت قولاً غريبا عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، عن عبدالله ابن الإمام أحمد قال سألت أبي عن الإمام أبي حنيفة قال ما تفعل به مات كافراً.

الشيخ: هذا القول لا يصح عن الإمام أحمد، لأن الإمام أحمد جاءت عنه أسانيد أخرى تخالف هذا وهذا القول ومما هو أشد منه مما ذكره الخطيب البغدادي وغيره مما يطوى ولا يذكر وما أدراك أن هؤلاء حطوا رحالهم في الجنة وأنت تبحث في أمور قد عفا عليها الدهر ولا يعنيك، إن كنت مريدا للحق فاعرف الإيمان ومسائله وما يخرم الإثم ومسائله لا تتعرض للأشخاص من مسئول عنهم! لن تسأل في قبرك ما موقفك من أبي حنيفة هو فاسق ولا مؤمن ولا كافر ولا صالح؟ لن تسأل عنها في قبرك فاشتغل بما ينفعك واترك ما ينفعك، والكلام هذا العلماء يضربون عنه الذكر صفحاً، وانظر شيخ الاسلام ابن تيمية عالج هذا الأمر بمنهجية واضحة راسخة تبين عن جادة أهل السنة في تعاملهم مع هؤلاء العلماء بل انظروا يا إخواني إلى ابن القيم الذي ما أظن أن واحدا منا الحاضرين ههنا بأغير على دين الله منه، أنا ما أظن هذا ظني بنفسي، من مثل ابن القيم وكذلك أنتم، انظر كيف كان يتعامل مع أغلاط وأشياء ما تندفع إلا بعسف الأقوال من كلام العلماء، خذ لما شرح منازل السائرين وجاءَ إلى مواضع مُشكلة وعويصة من كلام شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبدالله بن محمّد الأنصاريّ الهرويّ، حاول أنْ يدفعَها حاول أن يبرِّر لها، لتعلم جادة أهل السنة في تعاملهم مع أخطاء العلماء ومع أغلاطهم حتى لما عجز قال رحم الله أبا إسماعيل والله إنه حبيب إلينا لكن الحق أحب إلينا منه، فتح باباً للزندقة ما أراده، لأنه نظر إلى سابقته وإلى حسناته وإلى فضائله وهو الذي قال كلاماً ما يترقّع، لكن كلام أهل العلم وأغلاطهم جانب، وأغلاط الصحفيين والإعلاميين والمثقفين شيء آخر، وهذا يبين لكم جادة أهل السنة يا إخوان، أهل السنة أهل عدل، أهل حسن ظنّ، أهل رحمة بالمخالف، ما هم بأهل قطع و.....، يرحمون بالمخالف غيرةً على دين الله ونصحا لهذا المخالف سواء كان قريبا أو بعيداً، وأعطيك إياها في ميزان واضح عالجه في نفسك لو كان هذا المبتدع أو الفاسق الذي وقع في الكبيرة أو العاصي الذي وقع في معصية كان أخوك أو أبوك كيف تحب أن يعامله زملاؤك وجلساؤك وإخوانك ومشايخك كيف تحب يعاملونه، تحب أن يعاملونه بأحسن المحامد واللين معه لعله أن يرجع لماذا لا تطبق هذا المنهج مع مخالفك، لماذا لا يكون أمرك بالمعروف ونهيُك عن المنكر ونصحك وردُّك على هذا المخالف من باب الغيرة عليه لا من باب انتصار نفسك عليه؛ فيدخل الشيطان ويعظم نفسك في نفسك وتقع في خارم من خوارم التوحيد شعرت به أو لم تشعر به، أهل العلم ردوا على مخالفيهم لكن ردهم ليس لأنفسهم، ردهم لله وابتغاء ما عند الله لا للاستطالة والظهور، وهم علماء، الذي كان بين يونس وبين الإمام الشافعي، بشر، هذا مقدار بشريتهم وإنسانيتهم، بشر ليسوا معصومين، تحدثا وترافعا وتخاصما وارتفعت أصواتهما لكن ما هو مرادهم حظ أنفسهم والشيطان له مداخل في ضعف الإنسان في هذه المواضع ثم تفرقا وهما مغضبان، هذا في نفسه على أخيه وهذا في نفسه على أخيه، من هؤلاء اثنان من أئمة الإسلام، الإمام الشافعي ويونس، أحد كبار الرواة رواة الحديث، ما فجأ يونس إلا والباب يطرق عليه، وفتحت خادمته الباب، فقالت يا مولاي هذا محمد بن إدريس بالباب، فلما خرج إليه اعتنقه وقال يا أخي ألا يصح أن نختلف ثم نبقى إخواناً، ألا يصح ذلك؟ لأن القوم قلوبهم لله واختلافهم لله وبحثهم لله، لا انتصاراً لأنفسهم، إذ يرتفع على الناس أو يؤيد ربعه مذهبه شيخه جماعته هذا ليس لله وإن زعم أنه لله أو أنه على ما يدعيه من سلفية على اتباع السلف كذب، إنما انتصاره لنفسه أو حزبه أو جماعته، والله يعلم سريرة كل واحد، ويعلم خبايا نيته، ولا يخفى عليه سبحانه من عبده خافية، اذا صحح الذي بينك وبين الله، ما وقع بين أهل العلم أطوه، ما انت مسؤول عنه، اتبع الحق، لن يسألك الله في قبرك عن أبي حنيفة، أو عن فلان أو علان، خاض من خاض فيما جرى بين الصحابة ماذا كان موقف الراسخ السكوت والكف عما جرى بين الصحابة لم؟ سلامة لهذا الخائض المتكلم القادح الذام المجرح سلامة لدينه وعقيدته وإلا أولئك ربما حطوا رحالهم في الجنان وهم أكبر منك و(وغسالهم) أفضل من عملك وعمل أمثالك.


فكان المنهج الراسخ: دع ما جرى بين الصحابة في الورى بسيوفهم يوم التقى الجمعان.


تلك أمور سلم الله منا سيوفنا فنسلم منها ألسنتنا، هذا المنهج الصحيح الذي يقوله الإنسان ديانة ويعتقده عبادة لربه سبحانه وتعالى وهذا يا إخواني فيه ترفع الإنسان عن حظ نفسه وحظ جماعته ودعوى أنه يغار على دين الله وحقيقة إنما يغار لينتصر ويتغلب ويستطيل والله أعلم بدواخل النيات والشيطان يؤزُّها في نفسه ويرفعها ويظن أنه محسن، في أول فاطر ما ذا تقرؤون في القرآن؟ ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ عمله سيئ في ميزان أهل الرسوخ وأهل العلم وأهل العدل، حتى هو في نفسه عمله يزيَّن له، من يزيِّنه له؟ الشيطان أتباعه جلساؤه من يفخمونه ويعظمونه وينفخونه حتى يصدق بالكذبة، ﴿ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾  ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ قف عند أخر الآية ثم قف عند أولها ﴿ عَلِيمٌ ﴾ أي مطلع سبحانه على نياتهم ومقاصدهم ومرادات قلوبهم ومحركاتها لم؟ ليه؟ ما الغرض؟ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾، في آخر الأنعام ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ .. ﴾ يحاسبهم ويعلِّمهم بخبايا نفوسهم به هل تعرف في أي طريق تمشي؟ هل قلبك كما في لسانك تدعيه وبفعلك متجه إلى الله أو متجه إلى بنيات الطريق ولهذا خاف النبي عليه الصلاة والسلام في حديث حذيفة بهذا الشر الذي يأتي بعده خير وفيه دخن، ما دخنه؟ قوم يستنون يغير سنتي ويهتدون بغير هديي، من بني جلدتنا عنده معسول الكلام وحسن التنظير لكن عنده التطبيق لا، لذلك كلما بعد الزمان عن وقت النبوة وعن عهد الراشد وعن العصور المفضلة كلما كثرت الفتن وأضلت وودعت الحليم حيرانا، وهي فتن يرقق بعضها بعضا، نعوذ بالله من أسباب غضبه وسخطه، والله تعالى أعلم.


المقدِّم: جزى الله تبارك وتعالى شيخنا خير الجزاء وبارك في علمه، وفي عمله.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة