• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد بريش / بحوث ودراسات


علامة باركود

عودة إلى مفهوم علوم المستقبل

عودة إلى مفهوم علوم المستقبل
د. محمد بريش


تاريخ الإضافة: 7/4/2014 ميلادي - 6/6/1435 هجري

الزيارات: 19362

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عودة إلى مفهوم علوم المستقبل

حاجتنا إلى علوم المستقبل (3)


(إن المتخصصين في الدراسات المستقبلية لا يوفقون دائمًا في استعمال خطاب في متناول الفهم إذ غالبًا ما يستترون وراء منهجيات تفضي صعوبة تقنياتها إلى حجب الغايات في نهاية المطاف، كما أنهم باستخدامهم مفاهيم مغلقة وعبارات غريبة ينفرون المنقبين عن المستقبليات)[1].

 

تطرقنا في المبحث السابق إلى توضيح مفهوم (الاستشراف) لغة واصطلاحاً، وما نريد أن ننبه إليه قبل التركيز على حاجتنا إلى بلورة هذا الفن، هو أننا خلال تحديدنا لذلك المفهوم، ركزنا على تعاريف وشروح هي من صميم استيعابنا للدراسات المتعلقة بهذا الفن واستخلاصنا لسنوات من الدراسة في ميدان علوم المستقبل لا نبوح بذلك استعراضًا للمخيلات الذهنية أو مرحًا في الساحة العلمية، وإنما لنوضح أن المفاهيم قد تحمل أكثر من معنى والكلمة قد تخضع لأكثر من تفسير ويجدر بنا في هذه الحلقة أن نعود بمزيد من الشرح والتفسير لمفهوم استشراف المستقبل أو علوم المستقبل أو المستقبلية حتى تكتمل الصورة ويتضح المعنى لدى القارئ ويتحدد بيانه لديه.

 

وكنا قد انتهينا في شرحنا وتحديدنا لمفهوم (استشراف المستقبل) إلى التعريف التالي (استشراف المستقبل هو النظر إلى الزمن القادم ببصر حديد، ونظر ثاقب، بغية تصور الواقع المقبل، انطلاقًا من شرفة الواقع الحاضر، واستيعابًا لعبر الواقع الراحل).

 

والمتمعن في تعريفنا هذا يلاحظ أننا استعملنا كلمة (الواقع) في مراحل الزمن الثلاث: الماضي والحاضر والمستقبل، حتى نعكس الغاية المرجوة من دراسة المستقبل والمتمثلة في تغيير مجرى نهر الواقع الدافق نحو الأفضل وتوجيه وجهته ومصبه نحو الأمثل ففي كل من المراحل الثلاث، يهتم بالواقع ليس لذاته، وإنما لدفع عجلته نحو السبيل الأقوم والصراط المستقيم فالماضي يدرس ويستوعب ليس حبًا في الاحتماء به أو اللجوء إليه، وإنما لتوظيفه في عمليات التغيير للحاضر والتوجيه له، والحاضر لا يهتم به لتسجيل الشكل وتأييد الصورة وإنما يستكشف لإعمال الوعي فيه نحو إزالة المعوقات ومواجهة التحديات، والمستقبل يهتم به ليس للحلم والتمني وإنما لتمطي جواد كسب المعارف وتحسين الواقع بتحليل ودراسة صور متأزمة له محتملة الوقوع.

 

والوعي إدراكًا وتحليلًا لازم في كل ذلك، ومن ثم كان للنظر إلى الزمن القادم البصر الحديد والنظر الثاقب حظه داخل التعريف، وكان فيه لكلمات التصور والانطلاق والاستيعاب مكانتها الواضحة والهامة.

 

ورغم حاجتنا إلى توضيح الترابط العضوي بين مراحل الزمن الثلاث: الماضي والحاضر والمستقبل كي نبرز أهمية دراسة المستقبل في تغيير شكل وسير الواقع، فإننا ننبه القارئ إلى عدم الميل إلى الاعتقاد بالتطور الخطي للزمن. فلقد لاحظنا أن عديدًا من الدراسات توحي نصوصها حول المستقبل بأن كل مرحلة من المراحل المذكورة تحتل خانة مستقلة مشدودة مع أختها حسب الترتيب الزمني، كما يكتفي أحسنها عرضًا بإبراز وجود علاقة عضوية بين الخانات الثلاث مع تأثير تصاعدي في اتجاه الزمن، بحيث يؤثر الماضي في الحاضر والحاضر في المستقبل؟؟.

 

ولإن كان هذا التأثير موجودًا بالفعل فالخطأ في القول السابق حصر وجوده في الاتجاه التصاعدي للزمن فقط بيد أن التأثير متبادل بين المراحل الثلاث، بل ليس هناك في الحياة الدنيا بالنسبة للإنسان إلا خانة الحاضر، أي خانة الواقع، والتي من شرفتيها الخلفية والأمامية، وعبر ذاتها ومكوناتها ينظر إلى كل من الماضي والمستقبل. فلو شبهنا الزمن بقطار يسير قدمًا نحو الأمام، قاطرته الحاضر، وهدفه المستقبل.

 

من وجهة نظر الباحث المستقبلي أن نشبه القطار المذكور بقاطرة واحدة دون عربات، وسكة دون محطات، سكة تنشأ مع الحاضر، غير ممتدة سلفًا نحو المستقبل ولا مسقطة عليه، والقاطرة تتغير سرعتها ويتحدد سيرها حسب التغلب على المعوقات، ومواجهة التحديات وتجنب العقبات، يساعد على ذلك مجموعة من الصور تأخذها العدسات الموضوعة في ظهور ومقدمة القاطرة، الأولى تجلي صور للماضي والثانية تمد بمشاهد محتملة للمستقبل.

 

والأهم في مثالنا هذا أن العدسات وآلات التصوير تتغير وتتطور حسب المعرفة المكتسبة لأصحاب القاطرة حول محيطهم وحركة سيرهم، وتتسع حسب إحاطتهم بوضوح نهجم ووجهة سبيلهم.

 

فالماضي لم يعد زمنًا تركوه وراء ظهورهم، بل هو صور لتقلبات حقب التاريخ الراحلة تتجدد أنباء أحداثها وتتغير... والمستقبل مراحل زمنية مقبلة، يختصر مشاهد ليس لرسم شكل نهائي لسير القاطرة، أو لوضع سكة ثابتة لها ممتدة مع الزمن لا تحيد عنها، وإنما لتصور العقبات المحتملة والمواجهات الصعبة التي قد تحول دون ذلك السير أما الطريق، فدون العقبات والمعوقات الفسحة في اختيار الوجهات المتعددة ولهذا حين يتكلم عن المستقبل يتكلم عن بدائل للمستقبل، ويهتم بتمحيص أزمات المستقبل المحتملة، بعيدًا عن الغوص في أحلام رغد العيش المرجوة وهذا لوحده كاف للدلالة الواضحة على التطور الديناميكي للزمن عند دارس المستقبل.

 

فعثورنا مثلًا على مخطوط لكتاب (المغني) للقاضي عبد الجبار[2] مكننا من تحسين وتطوير معرفتنا للمعتزلة. واكتشاف الآيات الكونية في السماء والأرض، مكننا من ترسيخ إيماننا بعظمة الخالق سبحانه، وزاد من معارفنا لسنن الكون وتوظيفها في تطوير فهمنا لآيات الوحي والكشوفات الأثرية والأركيولوجية في أهرام الفراعنة أو المدن والقرى الغابرة أو الآثار التاريخية مكننا من إجلاء معالم الحضارات القديمة، والعلوم الاجتماعية والسلوكية المعاصرة، مكننا حين إعمال الوعي فيها من فهم العديد من القضايا النفسية والاجتماعية والإنسانية والسلوكية، سواء بالنسبة لعصرنا أو العصور الماضية، أي بعبارة أخرى أن تطور المعارف والعلوم غيَّر من صورة الماضي لدينا وجعل له حركة ديناميكية، هي غير الحركة الخطية أو الكونية التي يوحي بها دخول اللحظة من المستقبل إلى الماضي عبر بوابة الحاضر.

 

نفس الشيء يقال عن المستقبل وعلاقته بالماضي والحاضر، ولا نرى ضرورة في مزيد من الشرح، فلقد عمدنا إلى المثل دون البيان لنجنب أنفسنا الإطالة، ونحجب عن القارئ عواصف الكلمات وغبار المفردات.

 

إبراز هذه الديناميكية لمراحل الزمن بين الماضي والمستقبل مرورًا بالحاضر هو ما أملى علينا التركيز على كلمة الواقع في التعريف الذي ذكرناه لمفهوم (الاستشراف) وكان الهدف من ذلك التركيز علاوة على إبراز الديناميكية، تنبيه الراغب في تحسين الواقع وتجنب أزمات مستقبلة إلى العدول عن الفرار جهة الماضي احتماء وإدبارًا عن مواجهة الواقع، ودعوته إلى اجتناب الميل المطلق جهة المستقبل تمنيًا وحلمًا ونصحه بالحذر من رفع العين عن الواقع أمانًا واطمئنانًا.

 

وليعذرنا القارئ في تكرار بعض المقولات، إننا نهدف أساسًا من نشرنا لهذه الدراسة إلى جعل الفرد المسلم المعاصر - الذي أثبت تاريخه من خلال جهاده وكفاحه، ومن خلال عدم جنيه مرار لثمار ذلك الجهاد والكفاح، أنه إن كان يتقن ويتحمل عملية الفداء، فإنه لا يحسن ولا يطيق عملية البناء؟ نهدف إلى أن نشده لواقعه بغية دفعه إلى تغييره والعمل على تطويره، وليس بتجريمه أهله، أو الهجرة من دياره، أو سبه لزمانه أو الاستقالة من مسؤولياته.

 

هدفنا الأساسي تجنيب الفرد المسلم المعاصر ثلاث عمليات قاتلة في تعامله مع الواقع الذي يعيشه ويحياه:

الأولى: أن يولى الدبر نحو الماضي فينتحل شكلًا من آثار السلف في العيش والحياة لا يجانس عصره، يجد فيه لذته ومأواه ناعتًا لمخالفيه بالضلال ومقصيًا عمل من هم على غير نهجه من دائرة الحلال!

 

الثانية: أن يختلس كرسيًا في مجالس غير مجتمعه، يتصنع لسانهم وينتحل عقيدتهم يستظل بقوتهم، ويدعو- لضمان الانتماء - إلى نصرتهم، ظانًا أنه قد حل مشاكل واقعه بمجرد التنكر له أو التبرء منه، ولو على حساب أصله ودينه ومجتمعه!

 

الثالثة: أن يفر كرًا نحو المستقبل، يتمنى على الله الأماني، ضاربا أخماسًا في أسداس، بين تفاؤل مغرق في الكسل، ونبرة عالية في التمني مقعدة عن العمل! بل نريده ممتطيًا على بصيرة صهوة جواد الواقع الحاضر، مشدودًا إليه بثقة وحزم، مستنيرًا بتعاليم الوحي، مستلهمًا لسنن الكون، مقلبًا صفحات الماضي يستوعبه، ومقلبًا للضوء على كثبان المستقبل يستكشفه ويسائله.

 

من أجل ذلك كان كلامنا موجهًا أولًا للمربين، ولأصحاب القرار الفاعلين، وللوعاظ والمرشدين، ثم بعدهم عامة المسلمين والشباب منهم خاصة أبناء المستقبل ورجاله. والتزامًا منا بالمنهج العلمي، والعرض المنهجي، كان اهتمامنا أولًا بتحديد المفهوم، وتوضيح تعاريفه خاصة عندما نعلم أن أهل الاختصاص في ميدان دراسة المستقبل، لا يتوفقون- كما قال الدكتور المهدي المنجرة في الفقرة التي صدرنا بها هذه الحلقة من الدراسة- في استعمال خطاب في متناول الفهم، بل غالبًا ما يكون ميلهم إلى استعمال المفاهيم المغلقة والعبارات الغريبة منفرًا للقراء والراغبين في الاطلاع على دراسات المستقبل، وهذا ما نريد تجنبه والحيد عنه، حتى نبلغ الأهداف التي وضحناها فوقه، ونصل إلى جمهور واسع من المتتبعين والمهتمين.

 

وعودتنا إلى المفهوم في هذا المبحث تمليها الرغبة في ترسيخ فهم واضح ناصع لدراسة المستقبل، في وقت أصبحت فيه الحاجة إلى علم المستقبل ملحة وضرورية من جهة، وأضحت إزالة الغموض الذي علق بالمفهوم بفعل سيادة الفهم السكوني للزمن من العمليات اللازمة للدفع أمامًا بهذا الفن. العلم نحو الانتشار والتطور داخل الساحة الفكرية الإسلامية.

 

والغموض الذي نتحدث عنه نشأ وقت مخاض العلوم الاجتماعية لإفراز علوم المستقبل الحديثة بعيدًا عن مدرجات الجامعة ومختبرات مكاتب الدراسة، ذلك أن هذه العلوم صهرت وترعرعت بين أحضان رجال القرار ومساعديهم من خبراء ومحللين ومبرمجين ومخططين ودارسي مشاريع وواضعي استراتيجيات واقتصاديين وغيرهم، ولهذا جاءت الدلالات على التطلع للمستقبل متعددة يرمز إليها بمصطلحات كثيرة مثل، تنبؤ، وتخمين، وتكهن، وحدس، وتوقع، وتقدير، وإسقاط، وتخطيط، وتصميم، ورجم، ومستقبلية، واستكشاف، وتبصر، وترقب، وتطلع، وتحسب، واحتراس، وغيرها من المصطلحات التي يجمع بينها رغم التعدد خيط رابط واحد هو مجال موضوعها: المستقبل وطبعًا سادت عند العامة منذ القدم مصطلحات أخرى مثل كشف الطالع، وقراءة البخت، والإخبار بالغيب، وغير ذلك من المسميات التي تتعلق بمحاولات شتى لرصد المستقبل، تحمل في طياتها رواسب أسطورية من عصور الجاهلية والانحطاط للاعتقاد بإمكانية الإحاطة بالغيب، والتأثير على مجريات المقادير بشطحات أو بخور أو قراءة طلاسم مبهمة!

 

ونحن لا نستغرب هذا التعدد في المصطلحات، فلقد سبق القول منا في المبحث السابق من هذه الدراسة أن تعدد المصطلحات العربية الدالة على فن دراسة المستقبل نابع من تعددها عند أهلها بالغرب.

 

وإن كنا نسلم بأصل هذا التعدد لدى الغربيين فاستنادًا منا إلى ما يلاحظه كل قارئ لكتب الاقتصاد والتخطيط والإستراتيجية واستشراف المستقبل في العالم العربي، حيث يجد أن أغلب التعابير والمسميات لمختلف دروب المعارف في التخصصات موضوع تلك الكتب هي في الواقع ترجمات لمثيلاتها في اللغة الغربية صاحبة الأصل في الإبداع والابتكار في ذلك التخصص أو ذاك.

 

ففي اللغة الفرنسية، سادت عند المخططين وواضعي الاستراتجيات والاقتصاديين ودارسي المستقبل مصطلحات ثلاثة: planification و Prevision و Prospective قد تعني نفس الدلالة عند ناطق اللغة الفرنسية العادي، إلا أنها عند صاحب الاختصاص تختلف اختلافًا واسعًا من مصطلح لآخر.

 

وإذا رجعنا إلى المعاجم المتداولة وجدنا المقابلات التالية:

أ‌- معجم (المنهل)[3]:

• Prospective: استقبالية (علم يدرس الأسباب العلمية والاقتصادية والاجتماعية التي تدفع تطور العلم العصري والتنبؤ بالأوضاع التي يمكن أن تنجم عن تأثير هذه الأسباب).

 

• Prevision: تنبؤ، تكهن، تبصر، ترقب، تقدير، حدس، تخمين.

 

• Planification: تخطيط، تصميم.

 

ب‌- معجم (المنجد) [4]:

• Prospective: تخطيط للمستقبل.

 

• Prevision: تنبؤ، تبصر، توقع، تخمين، تقدير، احتياط، تحسب، احتراس.

 

• Planification: تخطيط. ولو أتينا على مختلف المعاجم نبسطها على أنظار القارئ.

 

لوجدنا أن هنالك إجماعًا على مقابلة مصطلح (مستقبلية) لكلمة (prospective) وعلى مقابلة مصطلح (تخطيط) لكلمة (Planification) ولكن هناك وفرة من المصطلحات في مقابل كلمة (Prevision) ومن هنا جاء التعدد في المصطلحات.

 

ثم إن الأزمة التي عمت فن وأساليب التوقع (Prevision) حين فشل معظم الاقتصاديين في توقعاتهم وتقديراتهم للأزمات والتقلبات الاقتصادية المعاصرة، كانت من أهم العناصر التي دفعت بالمستقبلية إلى الأمام، وجعلتها سائدة كمنهج سليم للتوقع والترقب، باسط لمستقبلات شتى وصور للزمن القادم متعددة حسب المعطيات والاختيارات.

 

وفي اللغة الانجليزية، كان تعدد المصطلحات لدى الخبراء في ميدان الدراسات المستقبلية مثيلًا لما عند أصحاب اللغة الفرنسية وقد كفتنا مجلة (Faturist) التي تصدرها (الجمعية الدولية للمستقبل) بواشنطن ترتيب هذه المصطلحات حسب استعمالها وتداولها من خلال استطلاع أجرته سنة 1967. ونشرت نتائجه في عددها لشهر فبراير 1966، حيث جاءت كالآتي[5]:

المصطلح

المؤيدون

المعارضون

المحايدون

Future Studies

29%

6 %

65%

Future Researches

25 %

11 %

64%

Futuristics

21 %

36%

43%

Futurology

14%

44%

42%

Futures Ansiysis

12%

15%

73%

Futurics

7%

53%

40%

Forecasting

6%

26%

68%

Prognostics

4%

46%

50%

Futuribles

2%

60%

38%

 

ولا نستبعد أن ينكر علينا بعض الأفاضل استعمالنا لكلمة (صور المستقبل) أو (المستقبلات) مذكرًا إيانا بأن المستقبل والحاضر والماضي كلمات كان عامًا عند أهل اللغة العربية استعمالها بالمفرد لاستحالة وجود تعدد حقيقي لها. ومنبهًا إيانا أن الماضي واحد، والحاضر واحد، والمستقبل واحد كذلك، كل منهم سطر وقدر من طرف الله عز وجل فلماذا استعمال الجمع؟ وجوابنا أن المستقبل الآتي الذي لا يعلم كنهه وشكله إلا الله واحد لا تعدد له، الصور التي يشكلها الإنسان في ذهنه، تحميسًا لذاته وتحفيزًا لها، واحتياطًا وترقبًا وإعدادًا لهذا المستقبل، هي متعددة.

 

وحتى لا نظهر أنفسنا في مظهر التناقض نقول: مصيرك أخي القارئ في الدار الآخرة يوم الحساب واحد، إما الجنة نحن وإياك إن شاء الله، وإما النار أعاذنا الله وإياك لكن عملك كي تكون من أهل الجنة يدفعك إلى الإيمان بأنك قد تدخل الجنة، وقد تدخل النار، وبهذا فأنت ترى لمصيرك يوم القيامة مستقبلين: مستقبل في الجنة ترجوه، يدعوك للتزود بما يوصلك لها، ومستقبل في النار تستعيذ منه، بحثك على الابتعاد عن كل ما يساهم في احتمال وقوعه، وإيمانك بهذين المستقبلين لا يؤثر على وحدانية المستقبل الذي سيحصل بالفعل، ولا يلغي إيمانك بها بقدر ما يحفزك للعمل على الإمساك بسبيل أزهى وأطيب صورتيه المحتملتين.

 

هذا عن الآخرة التي لا صورة ثالثة فيها للمستقبل ففريق في الجنة وفريق في السعير. أما الحياة الدنيا، فالتصورات متعددة حسب أشكال الترقب والتوقع، ولهذا كان استعمال دارسي المستقبل كثيرًا لصيغة الجمع، وهم على صواب في ذلك.

 

المصدر: المسلم المعاصر

السنة 16 - العدد 61- محرم وصفر/ ربيع الأول 1412هـ / أغسطس- سبتمبر - أكتوبر 1991م



[1] من أجل استعمال ملائم للدراسات المستقبلية الدكتور المهدي المنجرة عالم الفكر المجلد 18 العدد 4 يناير- مارس 1988، ص5.

[2] هو كتاب المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار الهمداني الأسد آبادي (توفي سنة 415هـ) كان شيخ المعتزلة في عصره ولقب بقاضي القضاة، ولي القضاء في الري ومات فيها، له تصانيف كثيرة أشهرها (المغني) المذكور، وشرح الأصول الخمسة، وتنزيه القرآن عن المطاعن) و(فرق وطبقات المعتزلة) و(تثبيت دلائل النبوة) انظر ترجمته في موسوعة (الأعلام) لخير الدين الزركلي، جزء 3، ص 273 و274 دار العلم للملايين، بيروت، 1979. وكتاب (المغني) لم يظهر للوجود بعد نمو التيار المعتزلي إلا بعد أواسط القرن الحالي حيث عثرت بعثة مصرية أوفدت إلى اليمن على بعض الأجزاء، طبعت في القاهرة ما بين 1960 أو 1965.

[3] (المنهل) للدكتور جبور عبدالنور والدكتور سهيل إدريس، دار العلم للملايين، ودار الآداب، بيروت، الطبعة التاسعة، شتنبر 1986.

[4] (المنجد) دار المشرق، بيروت، الطبعة الثالثة، غشت 1984.

[5] (المستقبلية والمجتمع المصري) هاني عبدالمنعم خلاف، كتاب الهلال، العدد 414، أبريل 1986، ص15.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ عبدالرحمن بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ خالد بن ...
  • ثلاثية الأمير أحمد ...
  • الشيخ زيد بن ...
  • مثنى الزيدي
  • الأستاذ الدكتور ...
  • الشيخ د. أسامة بن ...
  • د. محمد بريش
  • أ.د.سليمان بن قاسم ...
  • د. إبراهيم بن حماد ...
  • د. سهل بن رفاع بن ...
  • د. تيسير بن سعد بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. خالد بن عبدالله ...
  • الشيخ أحمد بن حسن ...
  • الشيخ فيصل بن ...
  • د. محمد ولد سيدي ...
  • د. محمد بن لطفي ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • د. أمين بن عبدالله ...
  • د. عبد المحسن ...
  • د. عبدالمحسن بن ...
  • د. علي بن موسى بن ...
  • الشيخ عبدالله بن ...
  • الشيخ حمود بن عبد ...
  • الدكتور عبدالكريم ...
  • الشيخ صفوت الشوادفي
  • الدكتور وليد قصاب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة