• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل


علامة باركود

الاحتجاج بالسنة

الاحتجاج بالسنة
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


تاريخ الإضافة: 28/11/2018 ميلادي - 19/3/1440 هجري

الزيارات: 28473

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الانتصار للسنة النبوية (1)

الاحتجاج بالسنة


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ، الْعَلِيِّ الْمَجِيدِ؛ خَلَقَ الْخَلَقَ فَابْتَلَاهُمْ، وَدَلَّهُمْ عَلَى دِينِهِ وَهَدَاهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ هُدِيَ فَكَانَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ فَكَانَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ الْمُذْنِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ، فَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَإِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَهِدَايَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِهِ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ، وَخُذُوا بِكِتَابِهِ وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي الثَّبَاتِ عَلَى الدِّينِ، وَالْعَمَلِ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ، وَالْأَخْذِ بِسُنَّةِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الْحَشْرِ: 7].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: حِينَ ابْتَلَى اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِدِينِهِ فَأَلْزَمَهُمْ بِهِ؛ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ بَلَائِهِ لَهُمْ أَنْ يَنْقُلَهُ رُسُلُهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَقْذِفْ دِينَهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ؛ لِيَكُونُوا كُلُّهُمْ مُؤْمِنِينَ مُسْتَسْلِمِينَ. وَلَوْ شَاءَ سُبْحَانَهُ لَفَعَلَ ذَلِكَ، كَمَا خَلَقَ سُبْحَانَهُ الْمَلَائِكَةَ طَائِعِينَ مُسْتَسْلِمِينَ ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التَّحْرِيمِ: 6]، ﴿ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 26- 27].

 

وَقَدْ نَصَبَ سُبْحَانَهُ الْبَرَاهِينَ وَالْأَدِلَّةَ عَلَى صِدْقِ الرُّسُلِ فِيمَا بَلَّغُوا؛ لِيُمَيِّزَ النَّاسُ بَيْنَ الرَّسُولِ الصَّادِقِ وَبَيْنَ الدَّعِيِّ الْمُتَنَبِّئِ الْكَاذِبِ. ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ طَاعَةَ الرَّسُولِ مِنْ طَاعَتِهِ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ مُبَلِّغٌ عَنْهُ، فَمَنْ آمَنَ بِصِدْقِ الرَّسُولِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُطِيعَهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا، وَمَنْ آمَنَ بِالرَّسُولِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ مَا جَاءَ عَنْهُ، فَإِنْ قَبِلَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا.

 

وَنَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ دِينَهُ، وَكَانَ بَلَاغُهُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَالسُّنَّةُ تَشْمَلُ قَوْلَهُ وَفِعْلَهُ وَتَقْرِيرَهُ. وَفِي الْقُرْآنِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْأَخْذِ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ مِمَّا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُعْتَرِضِينَ عَلَيْهَا، الْمُشَكِّكِينَ فِيهَا، فَمَنْ رَدَّ السُّنَّةَ رَدَّ الْقُرْآنَ وَلَا بُدَّ، وَمَنْ شَكَّكَ فِيهَا شَكَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَلَا بُدَّ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ أَحَالَ عَلَيْهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا، وَهِيَ عَلَى أَنْوَاعٍ:

فَآيَاتٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النَّجْمِ: 3- 4]، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اجْتِهَادًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَصَارَ وَحْيًا. فَإِذَا لَمْ يُقِرُّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ نَزَلَ الْوَحْيُ بِتَصْحِيحِهِ كَمَا فِي أَسْرَى بَدْرٍ، وَمَغْفِرَةِ ذُنُوبِ الشَّهِيدِ إِلَّا مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، كَمَا سَارَّ جِبْرِيلُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَآيَاتٌ تَأْمُرُ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 32]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ [الْأَنْفَالِ: 20]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [مُحَمَّدٍ: 33]، وَلَا يُمْكِنُ طَاعَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ.

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [النِّسَاءِ: 59]. قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «فَأَمَرَ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَأَعَادَ الْفِعْلَ إِعْلَامًا بِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ تَجِبُ اسْتِقْلَالًا مِنْ غَيْرِ عَرْضِ مَا أَمَرَ بِهِ عَلَى الْكِتَابِ، بَلْ إِذَا أَمَرَ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَا أَمَرَ بِهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ، فَإِنَّهُ أُوتِيَ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ اسْتِقْلَالًا، بَلْ حَذَفَ الْفِعْلَ وَجَعَلَ طَاعَتَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَةِ الرَّسُولِ؛ إِيذَانًا بِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يُطَاعُونَ تَبَعًا لِطَاعَةِ الرَّسُولِ».

 

وَآيَاتٌ تَأْمُرُ بِالتَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 21]. وَلَا يُمْكِنُ التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِالْأَخْذِ بِسُنَّتِهِ كُلِّهَا.

 

وَآيَاتٌ فِيهَا امْتِنَانٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِتَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ: وَالْكِتَابُ هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْحِكْمَةُ هِيَ السُّنَّةُ، وَلَمْ يُعَلِّمْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 164]، ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 231]، وَفِي خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ [الْأَحْزَابِ: 34].

 

وَآيَاتٌ تَأْمُرُ بِتَحْكِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَيِّ خِلَافٍ، وَالصُّدُورِ عَنْ قَوْلِهِ، وَالتَّسْلِيمِ بِحُكْمِهِ: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النِّسَاءِ: 59]؛ أَيْ: فَرُدُّوهُ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النِّسَاءِ: 65]، فَلَا خِيَارَ لِلْمُؤْمِنِ إِزَاءَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْقَبُولُ وَالْإِذْعَانُ، وَإِلَّا كَانَ الزَّيْغُ وَالضَّلَالُ.

 

وَآيَاتٌ تَأْمُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِ الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ: وَمَا بَيَّنَهُ مِنَ القُرْآنِ فَهُوَ مِنْ سُنَّتِهِ ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النَّحْلِ: 44]، ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [النَّحْلِ: 64].

 

كُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ الْوَاضِحَاتِ الْكَثِيرَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إِيمَانَ بِالْقُرْآنِ إِلَّا بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ، وَإِلَّا لَعُطِّلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ.

 

وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَشِيَ عَلَى أُمَّتِهِ الزَّائِغِينَ الْمُضِلِّينَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْأَخْذَ بِالْقُرْآنِ دُونَ السُّنَّةِ، وَحَذَّرَ أُمَّتَهُ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُمْ أَنَّهُمْ مُعَطِّلُونَ لِلْقُرْآنِ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ»، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَحْسَبُ أَحَدُكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، قَدْ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ، أَلَا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ وَعَظْتُ، وَأَمَرْتُ، وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ، أَوْ أَكْثَرُ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا اتِّبَاعَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنْ يُجَنِّبَنَا الزَّيْغَ وَالْبِدْعَةَ وَالْفِتْنَةَ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131- 132].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ تَنَاقُضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الَّذِينَ يَنْتَقِدُونَ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنَ السُّنَّةِ مَا يَهْوَوْنَ، وَيَتْرُكُونَ مِنْهَا مَا لَا يَهْوَوْنَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ طَرَدُوا أَصْلَهُمْ فِي عَدَمِ قَبُولِهَا كُلِّهَا لَمَا عَرَفُوا كَيْفَ يُصَلُّونَ وَلَا يُزَكُّونَ وَلَا يَصُومُونَ وَلَا يَحُجُّونَ، وَلَعَجَزُوا عَنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَتَفْصِيلِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِنَّمَا أُخِذَ مِنَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ تَفْصِيلَاتٌ لَهُ، وَقَدْ رَدَّ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَجُلٍ يُرِيدُ الِاكْتِفَاءَ بِالْقُرْآنِ دُونَ السُّنَّةِ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ، أَتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، لَا تَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ؟! ثُمَّ عَدَّدَ عَلَيْهِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَنَحْوَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ: أَتَجِدُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ مُفَسَّرًا؟ إِنَّ كِتَابَ اللَّهِ أَبْهَمَ هَذَا، وَإِنَّ السُّنَّةَ تُفَسِّرُ ذَلِكَ».

 

وَإِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ، وَالتَّسْلِيمُ وَالْإِذْعَانُ وَالِانْقِيَادُ، وَلَا يُرَدُّ بِمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُ الْمَفْتُونِينَ عَقْلًا أَوْ ذَوْقًا أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْعُقُولَ وَالْأَذْوَاقَ تَتَفَاوَتُ وَتَخْتَلِفُ، فَلَا تُرَدُّ بِهَا السُّنَنُ.

 

وَالنُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ قَدْ تَأْتِي بِمَا تَحَارُ فِيهِ الْعُقُولُ، وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ أَيْضًا، فَهَلْ يَرُدُّونَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّ عُقُولَهُمْ حَارَتْ فِيهِ وَلَمْ تَفْهَمْهُ؟! وَلَكِنَّ النُّصُوصَ الصَّحِيحَةَ لَا تَأْتِي بِمَا هُوَ مُسْتَحِيلٌ؛ لِأَنَّ مَصْدَرَ الْوَحْيِ وَالْخَلْقِ وَاحِدٌ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 54].

 

وَقَدْ يَرِدُ نَصٌّ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى الْعَقْلِ فَيَحْتَارُ فِيهِ مُدَّةً، ثُمَّ يَقَعُ أَمَامَهُ مَا يُصَحِّحُهُ لَهُ فَتَزُولُ حَيْرَتُهُ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَيَّارٍ، قَالَ يَحْكِي قِصَّةَ حَيْرَتِهِ: «بَلَغَنِي وَأَنَا حَدَثٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنِ اخْتِنَاثِ فَمِ الْقِرْبَةِ وَالشُّرْبِ مِنْهُ» قَالَ: فَكُنْتُ أَقُولُ: إِنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ لَشَأْنًا، وَمَا فِي الشُّرْبِ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ حَتَّى يَجِيءَ فِيهِ هَذَا النَّهْيُ؟ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ: إِنَّ رَجُلًا شَرِبَ مِنْ فَمِ قِرْبَةٍ فَوَكَعَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ، وَإِنَّ الْحَيَّاتِ وَالْأَفَاعِيَ تَدْخُلُ فِي أَفْوَاهِ الْقِرَبِ؛ عَلِمْتُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَا أَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ لَهُ مَذْهَبًا وَإِنْ جَهِلْتُهُ».

 

فَلْنَحْذَرْ -عِبَادَ اللَّهِ- مِنْ أَقْوَالِ الزَّائِغِينَ الَّذِينَ يَرُدُّونَ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نُرْخِي آذَانَنَا لِشُبُهَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ قَذَفُوهُ فِيهَا. وَلْنُرَبِّ أَوْلَادَنَا عَلَى تَعْظِيمِ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَخْذِ بِهَا؛ فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِهَا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مواقع المشرفين
  • مواقع المشايخ ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة