• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات


علامة باركود

تواضع القوي وإنسانيته

تواضع القوي وإنسانيته
أ. د. عبدالحليم عويس


تاريخ الإضافة: 4/5/2013 ميلادي - 23/6/1434 هجري

الزيارات: 11293

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تواضع القوي وإنسانيته


في حضارتنا الإسلامية يَقِفُ الحقُّ فوق القوة، على العكس من منطق الحضارات المعادية للإسلام؛ فالقوة عندهم فوق الحق!

 

وفي حضارتنا الإسلامية المُفْتَرى عليها، تقف الجوانب الإنسانية والأخلاقية فوق الجوانب القانونية، فالرحمة والأخلاق فوق العدل، وهما لا يَلْغِيان العدل، ولكنهما يجعلانه عدلاً إنسانيًّا رحيمًا، وحتى في ذبح الحيوان يجب إحسان الذبح، وتقدير المشاعر الحيوانية تقديرًا إنسانيًّا.

 

والعفو لا يكون عفوًا إلا عن قوة، والزهد لا يكون زهدًا إلا عن غنًى، والإنسانية لا تكون إلا مع الحق والعدل، وقد قدَّمتْ حضارتنا صورًا لم تستطع أبدًا أن تقدِّمها الحضارات الأخرى، وعلى رأس هذه الصور ما قام به النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عندما دخل مكة المكرمة فاتحًا، بعد أن ظلمه وطارده المشركون في مكة، ثم لاحقوه في المدينة المنورة التي هاجر إليها، بعد هذه العشرين عامًا يقول -صلى الله عليه وسلم- لهم: ((اذهبوا فأنتم الطُّلَقاء))؛ لوجه الله تعالى، وما سئل -صلى الله عليه وسلم- في رحمة، ولا عفو، ولا إحسان، إلا بادر إليه، وقد تابعه صحابتُه في ذلك، فقدَّموا للحضارة الإنسانية النموذجَ الأعلى في الإنسانية والتواضع في لحظات المجد والقوة!

 

وإذا كانت الجوانب الإنسانية مطلوبةً في مساحة الحياة كلها، فإن معانيَها السامية تكون أكثر ألقًا وبروزًا في ساعات الشدة والخلاف، والحروب والصراع، وهذه الجوانب الإنسانية كما تكون مع الأعداء، تكون كذلك مع مَن تحت يدِك ممن تَقدِر على إيذائهم بكلمة تخرج من فمِك، وممن يجب عليهم أن يتواضعوا لك، لا أن تتواضع أنت لهم، ومع ذلك يقع منك التواضع لهم وأنت الأقوى والآمر والناهي، والقائد الكبير المنتصر العظيم، ولا تتواضع فقط، بل تبالغ في التواضع أحيانًا، وهكذا كان (صلاح الدين الأيوبي) مع جنوده، ومع الذين يعيشون معه.

 

ومما يرويه المؤرِّخ (ابن شداد) أن (صلاح الدين) نزل يومًا على عادته، ومد الطعام بين يديه، ثم عزم على النهوض، فقيل له: "إن وقت الصلاة قد قرب"، فعاد إلى الجلوس، وقال: "نصلِّي وننام"، ثم جلس يتحدَّث حديث متضجر، وقد أخلي المكان إلا ممن لزم، فتقدَّم إليه مملوك كبير محترم عنده، وعَرَض عليه شكوى لبعض المجاهدين، فقال له: "أنا الآن ضجران، أخِّرها ساعة"، فلم يفعل، وقدَّم الشكوى إلى قريب من وجهه الكريم بيده! وفتحها بحيث يقرؤها، فوقف (صلاح الدين) على الاسم المكتوب في رأسها، فعَرَفه، فقال: "رجل مستحق"، فقال المملوك: "إذًا يوقع مولاي له"، فقال (صلاح الدين): "ليست الدواة حاضرة الآن" (وكان - رحمه الله - جالسًا في باب الخيمة، ولا يستطيع أحد الدخول إليها، والدواة في صدرها، والخيمة كبيرة)، فقال له المملوك: "هذه الدواة في صدر الخيمة" (وليس لهذا معنى إلا أمر المملوك لصلاح الدين بإحضار الدواة لا غير)، فالتفت (صلاح الدين) فرأى الدواة، فقال: "والله لقد صدق"، ثم اعتمد على يده اليسرى، ومدَّ يده اليمنى فأحضرها، ووقَّع له على الشكوى بالتوقيع المناسب؛ (فانظر إلى هذا التواضع والحلم من صلاح الدين في مواجهة الأسلوب الخَشِن للمملوك)، لدرجةٍ جعلت المؤرخ (ابن شداد) يعلِّق على هذه الواقعة بقوله: "لقد قال الله - تعالى - في حق نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وما أرى مولاي (صلاح الدين) إلا قد شاركه في هذا الخلق"، لكن (صلاح الدين) يعلِّق عليها بقوله: "ما ضرَّنا شيء، قضينا حاجته، وحصل الثواب!".

 

ويعلِّق (ابن شداد) على هذا الموقف قائلاً: "لو وقعتْ هذه الواقعة لآحاد الناس وأفرادهم، لقام وقعد، ومَن الذي يقدر أن يخاطب سلطانًا هو تحت حكمه بمثل ذلك؟ وهذا غاية الإحسان والحلم، والله لا يُضِيع أجر المحسنين".

 

ويقول (ابن شداد) أيضًا: "ولقد كانتْ عباءته تُدَاس عند التزاحم عليه؛ لعرض الطلبات والشكاوى، وهو لا يتأثر لذلك.

 

ولقد نفرتْ يومًا بغلتي (أي: بغلة ابن شداد) من الجمال، وأنا راكب في خدمته، فزحمت وركه حتى آلمتْه، وهو يبتسم!

 

ولقد دخلتُ بين يديه في يوم ريح مطير إلى القدس الشريف، وهو كثير الوحل، فنضحت البغلة عليه من الطين حتى أتلفت جميع ما كان عليه، وهو يبتسم، وأردتُ التأخر عنه بسبب ذلك، فما تركني.

 

ولقد كان يسمع من المستغيثين والمتظلِّمين أغلظ ما يمكن أن يسمع، ويلقى ذلك بالبِشر والقبول".

 

• لقد قدَّمت حضارتنا أسمى صفحاتِ السمو الإنساني، والتواضع، والحلم، والكرم، والأخلاقيات النبيلة عامة، وهي لم تقدِّمها كلامًا أو شعارات تُدافِع بها عن نفسها وعن أبنائها في ساعات الضعف والتشرذم؛ وإنما قدَّمتْها في ساعات القوة والمجد، يوم كانت - بحقٍّ - خير أمة أُخرجت للناس، ولسوف تعود - بإذن الله!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مواقع المشرفين
  • مواقع المشايخ ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة