• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة


علامة باركود

المسلم من سلم الناس من لسانه ويده (قواعد في حفظ الحقوق)

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع


تاريخ الإضافة: 1/8/2015 ميلادي - 15/10/1436 هجري

الزيارات: 100866

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المسلم من سلم الناس من لسانه ويده

قواعد في حفظ الحقوق


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

فيا أيها المؤمنون، إن الله جل وعلا - وقد ارتضى لنا شريعة الإسلام؛ كما قال سبحانه: ﴿ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3] - جعل في هذه الشرعة الطاهرة السامية تنظيم أحوال العباد في علاقاتهم كلها؛ علاقتهم بربهم، وعلاقاتهم فيما بينهم، فكل قد عُرِفت حقوقه وواجباته، ولذا فإن هذه الشريعة العظيمة ليست شريعة متحجرة على المرء في تعامُل محدد، ولكنها شريعةٌ ساميةٌ فيَّاضة في تنظيم أمور الناس؛ لنشر الخير والبر، ومنع الأذى والشر والضُّر، وفي هذا السياق لفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنظار المسلمين في مناسبات عديدة إلى أن حقيقة الإيمان وكمال الإسلام ليس في أن يقوم المرء بالشعائر التعبدية التي تختص به، وهي شعائر عظيمة عليها تقوم دعائم الإسلام؛ من مثل: الصلاة والزكاة، والصيام والحج.

 

إن الأمر أوسع من ذلك، فلا يُكتفى ولا يُرتضى من المسلم أن يكون على سبيل المثال قائمًا بحقوق ربه في صلاة وزكاة وصيام وحج، وأنعِم بذلك! ثم يُفرِّط في حقوق الخلق، فإنه إن ظن أنه بذلك سيدخل جنة ربِّه بسلام، فقد فاتته الحقيقة وأخطأ فَهْم الإسلام، ولذا لما عُرِض على النبي صلى الله عليه وآله وسلم شأن واحدة من المسلمات، لَمَّا عُرِج به إلى السماء رآها تُعذَّب في النار مع أنها كانت مسلمة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإنها عذبت في النار لإخلالها بحق من الحقوق العظيمة، ليس لبني الإنسان فحسب، ولكن في شأن الحيوان؛ قال: (رأيت امرأة تعذَّب في النار في هِرَّة حبستها؛ لا هي أطعمتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)؛ يعني: حتى ماتت.

 

وحق الإنسان ولا شك أعظم وأجل، ومن جملة هذه الالتفاتات النبوية إلى أن يكون المسلم واعيًا لهذه الحقيقة الكبرى، ما ثبت في مسند الإمام أحمد عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: (ألا أُخبركم بالمؤمن: مَن أمِنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلِم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب)، هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وسنده جيد، وله أصل ثابت في الصحيحين: صحيح البخاري، وصحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، وجاء عند الإمام مسلم: (المؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم).

 

إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد في هذا المقام العظيم - وهو حجة الوداع، والتي ودَّع الناس فيها، وأصَّل وأسَّس للحقوق الكبرى التي تقوم عليها مصالح البشرية، نعم إنها حقوق عظمى لو أخذت بها البشرية لسعِدت وكفَّت عن إضرار بعضها ببعض - إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُنبِّه على أمور كبرى في شأن الإيمان، وفي شأن الإسلام، وفي شأن الجهاد والهجرة، إن هذه المفاهيم واسعة تحمل المؤمن الحق على أن يكون قائمًا بها حق القيام.

 

(ألا أُخبركم بالمؤمن، إنه مَن أمِنه الناس على أموالهم وأنفسهم)، إن هذا المؤمن إنما يبلغ هذه الدرجة بعد صلته الوطيدة بربه جل وعلا، حين يقوم بالفرائض ويُتبعها بالنوافل، فإنه لا بد أن يكون الناس آمنين من هذا الإنسان؛ لأنه لَمَّا عظمت صلته بربه، فهو يراقب الله في الناس، ولا يراقب أنظارهم، لو هيِّئ له أن يصل إلى أموالهم وإلى ما شاء من حقوقهم على غفلة منهم، وعلى خفاء من الأنظار، لكنه مع ذلك كله لا يقدم على هذا؛ لأنه يراقب ربه جل وعلا، ولذا عظَّم الله جل وعلا شأن الذين يخشونه بالغيب، وضاعَف أجورهم؛ كما دلَّت على ذلك نصوص الكتاب والسنة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الملك: 12].

 

ثم تأمَّلوا في واقعة من الوقائع التي عظَّم الله جل وعلا فيها شأن أولئك الذين يحفظون حقوق الآخرين ولو غابوا عنهم؛ كما جاء في قصة النفر الثلاثة الذين أَطبقت الصخرة عليهم فمَ الغار الذي دخلوه، وكل منهم توسَّل إلى الله بصالح عمله، أعظم أعماله التي يرجو بها قبول إجابة دعائه، كان منهم رجل لَما اختلف مع آخر في شأن عمل استأجره عليه، واختلفا على الثمن، فصاحب العمل يقول: هذه قيمته، والأجير يقول: لا، إنه أكثر من ذلك، فذهب مغاضبًا وترك المال، فهل جحده وأخذه وأكله؟ لقد أبقاه عنده، ونمَّاه له، ولم يَزدد ينمو، فلما كان بعد حين رجع هذا الرجل الأجير، يقول لهذا الإنسان: أعطني مالي، قنعت أن آخذ الذي قلت لي من قبل، قال: انظر في هذا الوادي، فإن كل ما فيه من النعم من ماشية هو لك وحقك، إنه أصل مالك وهذا نماؤه، قال: أتهزأ بي؟ أتسخر بي؟ قال: لا والله لا أسخر ولا أهزأ، هذا مالك نما وهو حقك، فأعطاه إياه وذهب به يسوقه كله، قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرُج عنا ما نحن فيه، فأجاب الله دعاءه وفرَّج عنه وعمن معه بدعواتهم الثلاثة، والشاهد هنا هذه المراقبة لمال هذا الإنسان مع أنه غاب عنه، ومع أنه أيضًا كان ضعيفًا مستأجرًا، وأيضًا مع أنه كان قد أخطأ حينما ذهب وترك الحق، كان بإمكان صاحب المال وصاحب العمل أن يقول: إنه نكص واستكبر وذهب وترك المال، وتأوَّل في التأوُّلات التي تقع من بعض الناس في زماننا في استحلال أموال الآخرين، لكنه مع ذلك راقَب الله جل وعلا.

 

(المؤمن من أمِنه الناس على أموالهم وأنفسهم)، وهذه القضية الكبرى إنما ذكر المال قبلها قبل النفوس؛ لأن الأكثر في أحوال الناس أن يكونوا ظالمين لبعضهم في شأن الأموال، الظلم فيما بينهم منتشر وكثير، وذلك بما تُزينه لهم النفوس الأمَّارة بالسوء، ثم جاء العطف على شأن الأنفس والأرواح؛ لأنها معظمة في دين الإسلام، ولا يُقبَل من أحد أي تأوُّلٍ في استحلال أرواح الآخرين مهما كان المبرر، ولذا عظَّم الله شأن الدماء، وجاء فيها من الآيات الوعيد الشديد، فإن الله جل وعلا توعَّد القاتل ظلمًا بأنه غضِب عليه ولعَنه، وأنه في نار الجحيم.

 

نعم أيها الإخوة الكرام، هذه القضية حينما أبدى فيها كتاب الله وأعاد، وأبدى فيها نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وأعاد؛ لأنه وُجِد من التساهل بها ما هو مشاهد في زماننا اليوم، وللأسف الشديد ومن نظر في التاريخ يجد أن أولئك الذين يستحلون الأرواح بمبررات شرعية، هم أخطر من أولئك الذين يُجرمون بمبررات دنيوية؛ لأن الذين يقتلون الناس ظنًّا منهم أنهم مُحقون في ذلك، أو بناءً على شبهات معينة - بتكفير أو تفسيق، أو تبديع وإضلال - شرُّهم عظيم، وخطرهم كبير، وهم الذين حذَّر منهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووُصِفوا بأنهم الخوارج بخروجهم على شريعة الإسلام وأمة الإسلام.

 

(المؤمن مِن أمِنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم مَن سلم الناس من لسانه ويده).

إن المسلم الحق الذي بلغ في درجات وصف الإسلام منزلة عالية، هو مَن أتبع أداء حقوق ربه بأداء حقوق خلقه، فالناس منه في سلامة من لسانه ويده، إنه قد يوجد من المسلمين من يكون محافظًا على فرائض الإسلام؛ صلوات في أوقاتها، ونوافل كريمة، وزكاة وصيام وحج، وأنواع من الطاعات، بل ربما بادَر إلى عون المحتاجين، لكنه مع ذلك لا يَسلَم من أن يُطلق لسانه في أعراض عباد الله - غيبة ونميمة، كذبًا وزورًا وفجورًا، وتوسُّعًا في أعراضهم - وهذا ذنب عظيم قد يؤدي بالإنسان إلى حتفه، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر أن أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج، يعني بذلك اللسان وحديث الإنسان به، مع أنه قد عُلِم في دين الإسلام أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، وهذا يوجب على المسلم أن يكون مراجعًا لنفسه قبل أن ينطق بالكلام، وأن ينظر هل هذا الكلام الذي يتفوَّه به خيرٌ ومصلحة وبر، فلينطق به، أما إن كان سوءًا فواجبٌ عليه أن يكف عنه، أما إن لم يتبيَّن هل هو خير أو شر، فإن من حُسن إسلام المرء ومن دواعي ومقتضيات إيمانه بالله واليوم الآخر - أن يقول خيرًا أو يصمت؛ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت).

 

ما لم يترجح لديه الخير في قوله، فإنه يجب عليه أن يصمت ولا يتحدث، إن الكلام يورد الإنسان موارد الهلكة في الدنيا والآخرة، ولذا كما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه لَمَّا حدَّث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأن أصول الإسلام العظيمة، ثم قال: (ألا أُخبرك بملاك ذلك كله - الصلاة والجهاد)، وقيام الليل وعبادات عظمى - قال: بلى يا رسول الله، قال: (كُفَّ عنك هذا)، وأشار إلى لسان نفسه عليه الصلاة والسلام، قال معاذ رضي الله عنه: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله، قال ذلك لما كان العلم ليس كثيرًا لديه رضي الله عنه، وكان يتعلم من النبي عليه الصلاة والسلام، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: (ثكلتك أمك معاذ، وهل يُكب الناس في النار على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم).

 

هل يؤدي بالناس إلى النار إلا ما يكون من حصاد الألسن، حينما تتحدث بكذب أو غيبة أو نميمة، أو غير ذلك من البهتان؟! فكم من كلمة أوردت الإنسان هلكة أدخلته النار! نعوذ بالله من ذلك! ولذا كما ثبت في الصحيحين لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فأوحى الله إليه، وأتاح له أن يسمع ما يصدر من هذين القبرين، قال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير؛ أما أحدهما فكان يمشي بين الناس بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)، وفي رواية: (لا يَستنزه من بوله).

 

وهذان القبران صاحباهما مسلمان، بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب من بعض الصحابة رضي الله عنهم أن يجعل على قبريهما جريدة نخل شقَّها بينهما، قال: (لعله أن يخفف عنهما ما لم يَيبسا)، إنما خفَّف عنهما؛ لأنهما مسلمان بشفاعة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والشاهد: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) في نظرهما، أو فيما يشق عليهما الاحتراز منه، (بلى إنه كبير عند الله، أما أحدهما فيمشي بين الناس بالنميمة)، فالمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وتأمَّل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الناس وليس المسلمون فحسب كما في رواية أخرى، والقاعدة في هذا الباب أن هذا النص وهذا الحق محفوظ ومحترم لكل أحد له حق - مسلمًا كان أو كافرًا - والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده.

 

وهكذا أيضًا ما قد يكون من أذيَّة الآخرين، وهنا عبَّر باليد، وقد تكون الأذية معنوية بأن يأمر هو أو يتسبب على أحد بالشر والضر، فالمسلم لا يبلغ درجة الإسلام العالية، حتى يكون محافظًا على حقوق الخلق كما أدى حقوق الحق جل وعلا.

 

(والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله)، إن الجهاد الذي هو ذِروة سَنام الإسلام، والذي له من الفضل في دين الإسلام ما لا يخفى - إنما يتحقق ويكون مرضيًّا عند الله إذا كان الإنسان قبل ذلك مجاهدًا نفسه في طاعة الله؛ لأن الطاعة ليست شيئًا سهلًا هينًا، بل لا بد من مجاهدة، ولا بد من صبر ومصابرة؛ لأن فيها مخالفة الهوى، فمن استقام على هذه الجادة، فهو المجاهد على الحقيقة.

 

(والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب)، نعم إن الهجرة شأنها عظيم في دين الإسلام، وحقيقتها كما يقول العلماء هي مغادرة الإنسان ومفارقته لدار الكفر التي لا يستطيع فيها إقامة دينه إلى دار الإسلام التي يستطيع فيها إقامة شعائر دينه، فقد يوجد في بعض الأحوال أن المسلم يكون في دار يُحارَب فيها في دينه، ولا يستطيع إظهار الشعائر، فالواجب عليه أن يذهب إلى بلد يتمكن فيها من إقامة شعائر الله الظاهرة، وهناك نوع آخر، وهو الذي يشير إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنا، وهو هجرة الحال، فثمة هجرة المكان، وهي التي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها).

 

ثمة نوع آخر من الهجرة، وهو هجرة الحال السيئة - حال الذنوب والعصيان - فالمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، ولذلك لَما وجَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الخطاب للمهاجرين وللأنصار، ولأهل الإسلام في كل زمان ومكان أن يهجروا الخطايا والذنوب، فهذه أعظم هجرة يترحل بها المؤمن من حال الذنب والعصيان إلى حال طاعة الرحمن!

 

فهذه القضايا الكبرى حين نبَّه إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يتحقق بها الخير للمؤمن ولمن حوله، هكذا أخبرنا فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع: (ألا أُخبركم بالمؤمن: مَن أمِنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب).

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحْبه، ومَن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ:

أيها الإخوة الكرام، إن هذه القضايا الكبرى التي تقدَّمت الإشارة إليها، والتي تدور حول حقوق الآخرين ورعايتها، والحذر من الإخلال بها - أمرٌ كما تقدَّم قد أبدت فيه نصوص القرآن والسنة وأعادت، جاء الترغيب في الإحسان إلى الآخرين، وتعظيم الأجور لمن بادر في ذلك، كما جاء التحذير الشديد والوعيد الأكيد في شأن من أخَلَّ بحقوق الآخرين، وتأمَّلوا إن شئتم في هذا الحديث الذي ينبغي أن يكون حاضرًا بين ناظري المسلم في كل صباح يوم وكل مساء ليلة، قال عليه الصلاة والسلام مخاطبًا الصحابة رضي الله عنهم، ومخاطبًا أُمَّته إلى أن يَرِثَ الله الأرض ومَن عليها: (ما تعدون المفلس فيكم؟)، ما هي حقيقة الإفلاس؟ والإفلاس كما يعرفه عامة الناس ويؤكده المختصون هو أن يكون الإنسان بين عشية وضحاها ليس في يده شيء من مال، هكذا قال الصحابة: المفلس فينا من لا درهم له ولا دينار، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لكن المفلس من أُمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام)، يأتي بعبادات عظمى وشعائر كبرى، لكن قال: (ويأتي وقد ضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، ولهذا من حسناته)، يكون القصاص بالعملة الدارجة، وهي أن يؤخذ من حسنات هذا المصلي المزكي الصائم الحاج لأولئك الذين انتهك حقوقهم، (فإن فَنِيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخِذ من سيئاتهم، ثم طُرحت عليه، ثم طُرح في النار).

 

هذا هو الإفلاس الحقيقي حينما يظن الإنسان أنه إن أقام الشعائر التعبدية للخالق جل وعلا، لكنه أهدر حقوق الخلق - أنه سالم يوم القيامة، فيقال له: لا إن ثمة حقوقًا للخلق كما أمر الله بالصلاة أمر بحفظ حقوق الآخرين؛ بر الوالدين، صلة الأرحام، الإحسان إلى الجار، إلى غير ذلك من حقوق الخلق التي مَن راعاها عظَّم الله له الأجور، ولذلك فإن المتعين على المسلم أن يكون مراجعًا لنفسه: هل ظلم أحدًا؟ هل أخل بحق أحد؟ فينبغي أن تكون المحاصصة والمقاصة هنا في الدنيا قبل الآخرة، وهذا ما نبه إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: (من كان له على أخيه مظلمة، فليَتحلله اليوم)، من كانت عليه مظلمة لأخيه، فليَتحلله اليوم؛ إما بأن يطلب السماح منه، أو يرد هذا الحق، لماذا؟ قال عليه الصلاة والسلام: (فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم)؛ يعني: إنما هي الحسنات التي يحصل بها القصاص.

 

وينبغي للمؤمن كما تقدم أن يكون مراجعًا لنفسه في هذه الحقوق قبل أن يندمَ ولا ساعة مندم، وما أحسن ما قاله الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله: "رحم الله امرأً أقبل على شأنه، وقصَّر من لسانه، وأقبل على تلاوة قرآنه، وبكى على زمانه، وعبد الله قبل أن يبغته الأجل".

 

فنسأل الله جل وعلا أن يُثبتنا على الحق، وأن يُعيذنا من ظلم الخلق إن ربي سميع قريب مجيب.

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا ربُّنا بذلك فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم وارض على خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.

ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قرَّة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا.

اللهم بمنِّك وفضلك لا تدَع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّسته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مذنبًا إلا إليك ردَدته برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم إن بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام من الفرقة والخلاف، ومن الضعف وتسلُّط الأعداء، ومِن سفك الدماء وأنواع الأدواء - ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يقدِر على كشفه إلا أنت، فنسألك اللهم فرجًا للمسلمين في كل مكان.

اللهم إنا نسألك فرجًا عاجلًا قريبًا للمسلمين في كل مكان.

اللهم فرِّج همَّ المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين.

اللهم إنا نسألك الأمن والطمأنينة في بلادنا.

اللهم أدم علينا الخيرات، واكفنا الشرور والفتن والملمات.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اللهم وفِّق ولي أمرنا ونائبيه لما فيه خير العباد والبلاد يا رب العالمين.

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شرارهم يا رب العالمين.

اللهم عجِّل بالفرج وحسن الحال لإخواننا في سوريا.

اللهم احقن دماءهم، اللهم احمِ أعراضهم، اللهم بدِّل خوفهم أمنًا، وفُرقتهم اجتماعًا، اللهم عجِّل لهم بهلاك طاغية الشام وأعوانه وجنده يا قوي يا عزيز.

اللهم احقن دماء المسلمين في ليبيا ومصر والعراق وفي اليمن، وغيرها من البلاد يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مواقع المشرفين
  • مواقع المشايخ ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة