• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / الشيخ دبيان محمد الدبيان / مقالات / قضايا مالية فقهية


علامة باركود

المصرفية الإسلامية ملهمة للنظام المصرفي العالمي (WORD)

الشيخ دبيان محمد الدبيان


تاريخ الإضافة: 17/9/2011 ميلادي - 18/10/1432 هجري

الزيارات: 23419

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حوار الفقيه دبيان الدبيان

البنوك تستخدم أسماء اللجان الشرعية لأغراض دعائية

والمصرفية الإسلامية أصبحت ملهمة للنظام المصرفي العالمي

 

يبرز الفقيه دبيان بن محمد الدبيان من بين قِلَّةٍ من الفُقَهاء المهتمِّين بالجوانب الماليَّة والاقتصاديَّة الحديثة، وقد توَّج اشتِغاله في هذا المجال بالانتِهاء من مشروع: "الموسوعة المالية"، الذي يعتبرُه محاولةً جادَّة لصِياغة الفقه الإسلامي؛ تُراثًا ومُعاصَرة بلغةٍ عصريَّة على طريقة البحوث الأكاديميَّة، مُعتمِدًا في ذلك على الفقه المقارَن، ومُتابَعة البُحوث المنشورة في المجلات المتخصِّصة، والإفادة من بُحُوث المجامع الفقهيَّة، ومُتابَعة فتاوى اللِّجان الشرعيَّة في المصارف ونَدوات البركة.

 

ويُبدِي الفقيه الدبيان في هذا الحوار ترحيبَه بالجدَلِ والحوار في المسائل الفقهيَّة المختَلَف فيها، مُنتقدًا مشاركة الصحفيين غير المختصِّين في الحديث؛ تحليلاً وتحريمًا، في أمورٍ دقيقة من العلم دُون تأصيلٍ علمي، كما يتناوَلُ الفقيه دبيان الدبيان جملةً من القضايا المرتبِطة بالمصرفيَّة الإسلاميَّة.

 

دَعني أبدأ مِن آخِر إصدارتك الفقهيَّة، وأعني: الموسوعة المالية التي ستكونُ متاحةً في الفترة القريبة، ما الذي يميِّز هذه الموسوعة؟ وما الجديدُ الذي تتضمَّنُه؟ وهل ثَمَّت آراء واجتهادات تعتقدُ أنها تُشكِّل إضافةً جديدة فيما يتعلَّق بالمعاملات الماليَّة الحديثة؟

• أشكُر مجلة "تجارة عنيزة" على دَعوتها لي، وإعطائي هذه المساحة لأتَواصَل من خِلالها مع القُرَّاء الكِرام في هذه المنطقة العزيزة علينا.

 

أمَّا الجديد في هذه الموسوعةِ، فالمشروعُ من حيث الشَّكلُ يُعتَبرُ محاولةً جادَّة لصِياغة الفقه الإسلامي تُراثًا ومُعاصَرة، بلغةٍ عصريَّة على طريقة البحوث الأكاديميَّة، مُقسمًا إلى أبوابٍ وفصول ومباحث، وفُروع ومسائل كما هو مُتَّبَعٌ في شُروط البحث العِلمي، وقد بلَغ خمسة عشر مجلدًا، وقرَّظ له كلٌّ من معالي الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن التركي الأمين العالم لرابطة العالم الإسلامي، ومعالي الشيخ صالح بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى، ومعالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي.

 

وأمَّا المشروع من حيث المضمون، فهو يعتمدُ على الفقه المقارن فيما يخصُّ المعاملات الماليَّة القديمة، وأمَّا المعاملات المعاصرة فهو يعرض في هذا الباب كلَّ ما يمكن عرضُه من تلك المسائل، مستفيدًا من كلِّ ما كُتِبَ في هذه النَّوازِل؛ كالرُّجوع إلى الرسائل العلميَّة الجادَّة، ومتابعة البحوث المنشورة في المجلات المتخصِّصة، والإفادة من بحوث المجامع الفقهيَّة، ومتابعة فتاوى اللجان الشرعيَّة في المصارف وندوات البركة، مع مناقشة كلِّ ذلك قبولاً واعتراضًا.

 

كما أنَّ فيه إضافةً أخرى وهي الدِّراسات الحديثيَّةللأدلَّة الفقهيَّة بما تقتَضِيه قواعد هذا الفن، والله الموفِّق.

 

والموسوعة منذُ أكثر من ثلاثة أشهر وهي في المطبعة، وأشكُر حُكومةَ خادم الحرمين الشريفين ممثَّلة في وزارةِ الشُّؤون الإسلاميَّة، وعلى رأسها معالي وزيرها/ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، والذي تكرَّم بمبادرةٍ منه إلى طلب طباعة ألفي نسخةٍ من المشروع، وهي مبادرةٌ تُحسَب لمعالِيه في دعْم المشاريع العِلميَّة، وإن كان عدد النسخ قد لا يُلبِّي الطموح ولا يسدُّ الحاجة، ولعلَّ في المستقبل - إنْ شاء الله - ما يُتِيحُ طباعةَ أكثر من هذا العدد، خاصَّة أنَّ المشاريع الكبيرة تُكلِّف جهدًا ومالاً قد لا يكون بوسْع الأفراد وحدَهم تحمُّل تبعات ذلك، والله المستعان وحدَه.

 

س: تصاعَد الجدل مُؤخَّرًا حول المصرفيَّة الإسلاميَّة، وبرزَتْ أصواتٌ تنتقدُ بشدة آليَّات وصِيَغَ معاملات هذه المصرفيَّة، وتُركِّز الانتقاد في القُروض السائدة المسمَّاة: "التورُّق"، مُعتبِرين أنَّها حيلةٌ لا تنتَفِي معها "علة الربا"، مُستَدِلِّين بتحريم عددٍ من الأسماء الفقهيَّة المعتَبَرة لهذه الصِّيغة!

بصِفتك أحد المهتمِّين بهذا الحقل، أين تقفُ من هذا الجدل؟ وهل ثمت ما يمنَعُ من فتح الحوار والنقاش حول صِيَغِ وأساليب البنوك التقليديَّة ذات المنشأ الغربي وإعادة فحْص ومُراجعة تحريمها، خاصَّة إذا ما استحضَرْنا الرأي الذي يُنسَبُ إلى مفتي الدِّيار الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - من أنْ القول بربويَّة الفلوس المعاصِرة هو من باب الاحتياط؟ وما تقولُه أنت أيضًا في سياقٍ مماثِل من "أنَّ القول بإباحة التأمين التِّجاري هو عين الصَّواب، خاصةً أنَّ تحريمه من باب تحريم الغرر، والغرر أمرٌ نسبي تُبيحه الحاجة"؟

• هذا السؤال حمَل أسئلةً كثيرةً؛ الموقف من الجدَل الفقهي، والموقف من المصارف الإسلاميَّة، والموقف من التورُّق، والموقف من الخِلاف في ربا الفلوس، وهي مسائلُ التعمُّق فيها يحتاجُ إلى مساحةٍ أكبر من هذه المساحة، ولكن مع ذلك دَعْنا نقفُ عليها واحدًا واحدًا.

 

موقفي منَ الجدَل الفقهي حول بعض المعاملات الماليَّة خاصَّة فيما يتعلَّق بالربا:

أقول: الجدل في المسائل الفقهيَّة المختَلف فيها ظاهرة صحيَّة مُرحَّب بها، إلا أنَّه كغيره من الحوارات، حتى يكون مثمرًا يجب أنْ يتوفَّر فيه المقومات التالية:

أهمها: أنْ يقومَ بهذا الحوار أهل الاختصاص، وهذا شرطٌ مهم لا في الحوار الفقهي فقط، بل في جميع الحوارات المختلفة سياسيَّة كانت أو اجتماعيَّة أو علميَّة، بله في جميع شُؤون الحياة، والملاحظ اليوم أنَّ أكثر الكتابات يقومُ بها مجموعةٌ من الصحفيين غير المختصِّين، فيَخُوضون تحليلاً وتحريمًا في أمورٍ دقيقة من العلم دُون تأصيلٍ علمي فيَضِلُّون ويُضِلون!

 

الثاني: ألا يخرق الحوارُ إجماع أهل العلم، فاحترام الإجماع شرطٌ ضروري لكل حوار، وقد كثُرت في هذا العصر دون غيره المحاولات لإباحة الربا تحت ضغْط الحاجة وطلب التيسير على الناس، واستِغلال الخلاف كمُرجِّح، وكان ذلك نتيجة سَيْطرة الهيمنة الغربيَّة الرأسماليَّة على اقتصاد المسلمين غير مُنتَبِهين إلى ما يُنتِجُه هذا التساهُل وعدم الانضِباط على الأمَّة من شرٍّ كبير وخطر جلَل، فبابُ الربا بابٌ خطير، والوعيدُ فيه شديد، وهو مقامُ زللٍ زلَّ فيه كثيرٌ من الكُتَّاب المتأخِّرين تقصيرًا وقُصورًا.

 

موقفي من الجدَل حول المصارف الإسلاميَّة وطبيعة رسالتها:

البنوك الإسلاميَّة مظلومةٌ من حيث التشريعات، فالمنافَسة بين البنوك التقليديَّة والإسلاميَّة ليست عادلةً؛ فالبنوك التقليديَّة تُزاحِم المصارف الإسلاميَّة في جميع عمليَّاتها الإسلاميَّة، في الوقت الذي لا تستطيعُ فيه المصارف الإسلاميَّة ضَمان الوَدائع الاستثماريَّة خشية الوُقوع في الربا، ولا تستطيعُ أنْ تقتَرِضَ من البنوك الربويَّة لتغطية نقْص السيولة كما تفعَلُه البنوك الربويَّة، وقِسْ على هذه غيرها.

 

ومع ذلك نستطيعُ أنْ نقول: إنَّ الذي ينتقدُ المصارف الإسلاميَّة فريقان:

أحدهما: ينطَلِقُ من باب الغيرة على هذه التَّجربة، ويُريدُ لها أنْ تبلُغ الكمال في عَمليَّاتها، ويتمنَّى أنْ تكون عمليَّات البنك قائمةً على المشاركة في الرِّبح والخسارة؛ كعقود الشَّركة والمُضاربة وعُقود السَّلَمِ والاستِصناع، وهذه العقود لا تَزال ضعيفةً لدى المصارف الإسلاميَّة؛ بحجَّة أنَّ الاستثمار فيها ينبَنِي على مخاطر عالية.

 

كما ينتقدُ هذا الفريق لُجوء المصارف إلى العمليَّات المعتمِدة على الديون الاستهلاكيَّة، الأمر الذي أوقع هذه البنوك الإسلامية في بعض المحاذير الشرعيَّة؛ كبيع السلع قبل تملُّكها، والإلزام بالوعد، وإحداث صِيَغٍ تمويليَّة عليها إشكالاتٌ كثيرة؛ كالتورُّق المصرفي المنظَّم، وأنا مع هذا الفريق في توجُّهه وانتِقاده.

 

والفريق الآخَر ينتقدُ المصارف الإسلاميَّة، زاعمًا أنَّه لا فرْق بينها وبين البنوك التقليديَّة، وهذا لا شَكَّ عندي في خطأ منهجه، ولن يُكتَب له النَّجاح، فالمصارف الإسلاميَّة اليوم خرجت إلى العالميَّة، وصارت تُلهِم الأنظمة المصرفيَّة الدوليَّة؛ باعتبار أنَّ المعاملات الماليَّة هي حاجةٌ إنسانيَّة تسعى لتحقيق الرفاه والنموِّ الاقتصادي للإنسان، والتدخُّلُ الشَّرعي فيها إنما جاء ليُحقِّق العدل ويمنع الظُّلم والاحتِكار والاستغلال، وهذه قيمٌ إنسانيَّة يشتركُ فيها العُقَلاء.

 

ويتمثَّل الفارق بين البنوك الربويَّة والمصارف الإسلاميَّة في أمرين مهمَّيْن:

الأول: الديون التي يُقدِّمها المصرف الإسلامي محلها السلع، وليست النقود، كما هي في البنوك الربويَّة، ولا شكَّ أنَّ المعاملات في السلع يعودُ نفعها على المجتمع كله؛ سواء كانت هذه السلع زراعيَّة أو صناعيَّة، محليَّة أو مستوردة، بينما التعامُل في النُّقود يقتصرُ نفعُه على البنك والعميل فقط.

 

الفارق الثاني: أنَّه في حالِ أعسر المدين عن السَّداد، فإنَّ قيمة الدَّيْنِ لا يتَضاعَفُ، بل يُؤجَّل الثمن إلى ميسرة في إرفاقٍ يشبه القرض، بخلافالبنوك الربويَّة التي تُضاعِف الفائدة إذا تأخَّر في السَّداد، وهذا فارِقٌ آخَر مهم.

 

هذا فيما يتعلَّق بموقفي من الجدَل حول المصارف الإسلاميَّة.

 

الموقف من صِيغة التورُّق:

حقيقة التورُّق: أنْ يشتري العميل السِّلعة من البنك بعد تملُّك البنك لها بثمنٍ مُؤجَّل، وهذا العقد يُثمِرُ تملُّك المشتري للسِّلعة، وهذه الملكيَّة تُعطِيه حقَّ استعمال السِّلعة، فإنْ باعَها المشتري لغير البنك بثمنٍ حالٍّ؛ فقد توصَّل العميل إلى الورق (النقود) عن طريق شِراء هذه السِّلعة.

 

فالأطراف ثلاثةٌ:

أحدها: البنك، وهو لا يملك أنْ يحجر على المشتري ألا يبيع السلعة إلاَّ بعدَ تملُّكها، فالعلاقةُ بين البنك والمتورِّق تنتَهِي عند استِلام المتورِّق للسِّلعة، والبنكُ لا يعلم نيَّة العَمِيل، هل يريدُ السِّلعة أو يريد قِيمَتها، وفعل البنك جائزٌ بنصٍّ القُرآن؛ لقوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282].

 

الطَّرَفُ الثاني: المشتري الجديد من المتورِّق يشتري السِّلعة منه، وهو لا يعلَمُ كيف تملَّك السِّلعة، ولا يعلم نيَّته هل باعَها بنيَّة التورُّق أو باعَها بنيَّة التخلُّص؟ وهل اشتراها بثمنٍ حالٍّ أو بثمنٍ مُؤجَّل، وقد اشترى السِّلعة من مالِكها بثمنٍ حالٍّ، فالعقدُ صحيحٌ أيضًا.

 

بَقِيَ الطَّرَفُ الثالث: وهو المتورِّق، فالمتورِّق قد باع سلعةً قد ثبَت عليه ملكُها بعقدٍ صحيح، ومَن ملَك عينًا ملَك التصرُّف فيها ومنه البيع، فالقياس صحَّة فعلِه، وكون العميل قد اشتَرَى السِّلعةَ وهو يريدُ النُّقود فليس ذلك مُوجِبًا لتحريمها ولا لكَراهتها؛ لأنَّ مقصود التجَّار غالبًا من المعاملات هو تحصيلُ نقودٍ أكثر بنقودٍ أقل عن طريق التجارة بالسِّلَعِ.

 

وإذا جاز بنصِّ الشرع بَيْعُ التمر الرَّدِيء ليشتَرِي بثمَنِه تمرًا جيِّدًا مع التَّفاوُت في المقدار، ولم يكنْ قصده الدراهم وإنما قصَد بذلك استبدال الرَّديء بجيِّد مع التفاوُت في المِقدار، ولو أرادَ الاستِبدال مباشرةً دُون حيلة البيع لكان ذلك حَرامًا، فكذلك يجوزُ أنْ يشتري السِّلعة وهو لا يريدُها وإنما يريدُ الدَّراهم، ومَن فرَّق بين المعاملتين فقد تكلَّف الفرْق.

 

وصِيغة التورُّق هي إحدى أهمِّ صِيَغِ التمويل للمصارف الإسلاميَّة المعتمِدة على الديون والبديلة عن صِيغة الإقراض بالفائدة.

 

والذي ينتقدُ هذه الصِّيغة مُعتَمدًا على الخِلاف الفقهي أقول له:

أولاً: إذا كان منْع التورُّق لكونه مظنَّة الوقوع في الربا، فإنَّه يلزَمُكم القول بتحريم الإقراض بفائدةٍ من باب أولى؛ لأنَّه صريح الربا.

 

ثانيًا: القول بجواز التورُّق هو قولُ أكثر أهلِ العلم، بينما الإقراض بفائدةٍ مُجمَعٌ على تحريمه، فهو كحالِ مَن يريدُ استِغلال الخلاف في كشْف الوجْه ليقول بجواز كشف العَوْرة.

 

ثالثًا: يَكفِي أنَّ عمليَّة التورُّق تقومُ بتدوير المال، فشِراءُ القمْح بنيَّة التورُّق ينتفع منها:

أولاً: بائع البذور.

ثانيًا: المزارع الذي قام بزراعة هذه البذور.

ثالثًا: التاجر المشتري من المزارع.

الرابع: البنك مشتري القمح من التاجر.

الخامس: المتورق.

السادس: المشتري من المتورق، وقد يكون تاجرًا.

السابع: المستهلك المشتري من التاجر، بينما الإقراض بفائدةٍ يقتصرُ على العميل والبنك.

 

رابعًا: ابن تيميَّة الذي حرَّم التورُّق حرَّمَه على المحتاج وأباحَه للتاجر، وهذا يُضعِّف القولَ؛ فقد سُئِلَ ابنُ تيميَّة عن رجلٍ اشترى فرسًا بمائة وثمانين درهمًا، فطلبه منه إنسانٌ بثلاثمائة درهم إلى مدَّة ثلاثة أشهر، فهل يحلُّ ذلك؟

فأجاب: الحمد لله، إنْ كان الذي يشتريه لينتفع به أو يتَّجر به، فلا بأس في بيعه إلى أَجَلٍ، وأمَّا إذا كان محتاجًا إلى دراهم فاشتراه ليبيعه في الحال ويأخُذ ثمنه، فهذا مكروه في أظهر قولي العلماء، اهـ.

فهل يجوز للتاجر التورُّق لتكثير الدراهم ولا يجوز للمحتاج شِراء السِّلعة لدفْع حاجته؟!

 

الموقف من الخلاف في ربا الفلوس:

دعا بعضُ الناس إلى إباحة ربا القُروض النقديَّة التي تُجرِيها البنوك اعتمادًا على مقدمتين ونتيجة:

المقدمة الأولى: العلماء قد اختلفوا في الفلوس هل هي مال ربوي أو لا؟

المقدمة الثانية: النقود لها حكم الفلوس.

 

النتيجة: إباحة ربا القروض التي تُجرِيها البنوك الربويَّة قياسًا على الفلوس.

 

وقد أخطأ أصحابُ هذا القول مقدمةً ونتيجةً، ولتوضيح ذلك أقول:

أولاً: لا يُوجَد تقسيمٌ لمال القرْض إلى قسمين: مال ربوي إذا أقرَضَه الإنسان لا يجوز له أنْ يأخُذ فائدة عليه، ومال غير ربوي يجوز إذا أقرَضَه الإنسانُ أنْ يأخُذ فائدةً عليه، حتى يُقال: إنَّ الفلوس قد اختُلِفَ في جريان الربا فيها، هل هي مالٌ ربوي أو ليس مالاً ربويًّا، فالتقسيم هذا جرَى في ربا البيوع عندما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَبِيعُوا الذَّهبَ بالذَّهبِ إلا مِثْلاً بمِثْلٍ)).

 

فأيُّ فائدةٍ يَأخُذها الإنسانُ من قرض أيِّ مال كان، فهو ربا، سواء كان هذا القرض ذهبًا أو فلوسًا أو حديدًا، بل لو كان ترابًا، وهذا بالإجماع.

 

يقول ابنُ حزم: والربا لا يجوزُ في البيع والسَّلَمِ إلا في ستَّة أشياء، وهو في القَرْضِ في كلِّ شيء، فلا يحلُّ إقراضُ شيءٍ ليردَّ إليك أقل ولا أكثر من نوعٍ آخَر أصلاً، ولكن مثْل ما أقرض في نوعه ومِقداره... وهذا إجماعٌ مقطوعٌ به.

وقال ابنُ عبدالبر في "الاستذكار": كلُّ زيادةٍ من عينٍ أو منفعةٍ يشتَرِطُها المسلف على المستسلِف فهي ربا، لا خِلافَ في ذلك.

 

فإذا كانت البنوك تُقدِّم قُروضًا، فلا يسوغ لها أنْ تأخُذ أيَّ فائدة على ذلك؛ بصرْف النَّظَرِ هل النُّقود مال ربوي أو ليس مالاً ربويًّا؛ لأنَّ تقسيم المال إلى ربويٍّ وغيره يجري في البيوع دُون القروض.

 

ثانيًا: الخلاف القديم في الفلوس هل هي مال ربوي أو لا، لا يعني تطبيقه على النقود؛ فالفلوس قديمة ووجدت في عصر الصحابة، والنقود لم تُعرَف إلا في هذه العصور المتأخِّرة، ولم تتطوَّر إلى شَكلِها الحالي إلا في هذا العصر، والتعامُل كان في الفلوس في المقدار التافه الذي لا يبلُغ قيمةَ الدرهم؛ ولهذا جاء في اللغة: أفلس الرجل صار مُفلِسًا، كأنما صارتْ دَراهمه فلوسًا وزيوفًا بعد أنْ كانت ذهبًا وفضةً، بخلاف النقود؛ فهي حلَّت محلَّ الذهب والفضَّة، وتستطيعُ الدول والأفراد عن طريق تلك النُّقود إقامةَ المشاريع الكبيرة؛ كبناء المصانع من طائرات وقطارات وجسور وغيرها.

 

ثالثًا: على التنزُّل أنَّ النُّقود بمنزلة الفلوس، فهل الخلاف دليلٌ شرعيٌّ يسوغُ للإنسان أنْ يعتمدَه كدليلٍ على الإباحة، فلا يُعرَف في أصول الفقه أنَّ الخلاف من أدلَّة الشرع، لا المتَّفق عليها، ولا المختلف فيها، ولو تجاهَلْنا كلَّ ذلك وأرَدْنا أنْ نضَع هذا الدَّليل على شكل نصٍّ يحتجُّ به لجاءَ بهذا الشكل:

الدليلُ على جواز ربا القروض الخلافُ في ربا البيوع في الفلوس.

فأين القرض من البيع؟! فهو دليلٌ هزيلٌ لا يستقيمُ شكلاً ولا مَضمونًا.

 

س: يرى البعض أنَّ التوجُّس والارتيابَ اللَّذَيْن استَقبَلَ بهما العلماء والمتخصِّصون في العلوم الشرعيَّة النِّظام المالي للبنوك في بِداياته يعودُ في مُجمَله إلى محاولتهم إسقاطَ الحالات أو الوقائع الجديدة في النِّظام البنكي على صِيَغِ ونماذج قديمة، دُون إدراكٍ لدرجة الاختلاف في حركيَّة - إنْ صَحَّ التعبير - دَوَران المال، وتبايُن الإطار العام للمَصلَحة العامَّة، وقد نتَج عن ذلك ارتباكٌ في الفتاوى ما بين التحريم المطلق في البداية إلى الإباحة المشروطة، ثم إلى الإباحة الكاملة لبعض المعاملات، ما تعليقك على هذا القول؟ وفي رأيك هل يمكن القول بأنَّ جزءًا من المشكلة يرجعُ إلى أنَّ المشتغِلين بالفتوى الشرعيَّة بجانبها المالي والاقتصادي تنقصهم المعرفة العلميَّة الدقيقة بالنظريَّة الاقتصاديَّة والماليَّة الحديثة؟

• في كلِّ المحاورات تجد أنَّ المُحاوِر إذا كان يملك حجَّة واضحة، فإنَّه يعتمدُ عليها، بينما المحاوِر الآخَر إذا وجَد أنَّ حجَّته ضعيفة، فإنَّه يلجأ إلى رمْي المخالف بأنَّه تنقصه المعرفة العلميَّة، وأنَّه يحاول فهْم المعاملات البنكيَّة من خِلال المعاملات القديمة... إلخ.

 

لِيَعلَمِ القارئ أنَّ إسقاط الحالات والوقائع الجديدة في النظام البنكي على صِيَغٍ ونماذج قديمة يُعتَبر عملاً فقهيًّا لا يُحسِنه إلا مَن تمكَّن من الفقه، وهو ما يُسمَّى بالتوصيف والتخريج الفقهي،

 

والقول بأنَّ المعاملات البنكيَّة هي معاملاتٌ مُستَحدثة غير مُسلَّم به، وإنْ سُلِّمَ في بعضها فهو لا يعني إباحتها المطلَقة لكونها مستجدَّة، بل لا بُدَّ من عَرْضِها على الضَّوابط والقواعد الفقهيَّة في الحلِّ والتحريم.

 

س: يأخُذ البعض على اللجان الشرعيَّة في البنوك تبعيَّتها للبنوك المستفيدة، وحُصول أعضائها على مبالغ ماليَّة كبيرة من هذه البنوك، ما يجعل مواقفهم الفقهيَّة عُرضةً للتأثُّر بالمصلحة الشخصيَّة، وبرزت مُؤخَّرًا أصواتٌ تُنادِي باستقلاليَّة هذه اللِّجان، وحُصولها على مُكافَآتها من جهةٍ محايدة؛ ما تعليقك على هذا الكلام؟

• اتِّهام اللِّجان الشرعيَّة بتقديمهم المصالح الشخصيَّة وإرضاء البنوك على حِساب الموقف الشرعي - اتهامٌ خطيرٌ لا يليقُ بأهل العلم، خاصَّة أنَّ كثيرًا من أعضاء هذه اللجان هم أعضاءٌ في هيئة كبار العلماء أو في المجامع الفقهيَّة، وربما جاء انتقادُهم من إنسانٍ ينزع للتشدُّد، وهم لا يُشبِعون نزعتَه، أو ممَّن يجهَلُ مَأخَذهم في التحليل والتحريم، فيكون الناقد قد أُتِيَ من قِبَلِ فهْمه، ومع ذلك، فإنَّ الهيئات الشرعيَّة في البنوك بحاجةٍ إلى تشريعاتٍ لتقوم بدورها على أحسن وجْه، فلا توجد مرجعيَّة عُليا للهيئات الشرعيَّة تُمارِس دورها من خِلال مُراجَعة قَرارات الهيئات الشرعيَّة لكلِّ بنك، والوصول إلى معايير مُوحَّدة، وأتمنى لو كانت هذه المرجعيَّة مرتبطة بهيئة كبار العلماء أو ملتزمة بقَرارات المجامع الفقهيَّة الدوليَّة؛ باعتبار أنَّ المجامع الفقهية تُناقِش المعاملات الماليَّة بعيدًا عن ضُغوط البنك وحاجاتها الاستثماريَّة، وتكون رسالة هذه المرجعيَّة: العمل على تطوير العمل المصرفي الإسلامي، من خِلال إقامة النَّدوات والمؤتمرات الاقتصاديَّة الشرعيَّة، وتقديم الاقتراحات والدراسات، ولا بُدَّ أنْ تكون جميع الهيئات الشرعيَّة لها دورٌ رقابي يتعدَّى حُدود الاستشارات الشرعيَّة، بل إنَّ الأمل أنْ يتعدَّى دورها الدور الرِّقابي؛ ليَقُود عمليَّات الإبداع والتطوير في المنتجات والآليَّات المصرفيَّة.

 

وربما تسرَّعتْ بعضُ الهيئات الشرعيَّة في إعطاء فتوى حول بعض المعاملات الماليَّة قبل أنْ ينضج البحث فيها، وقبل أنْ يَصِلَ الأمر فيها إلى قَرارٍ واضح، مع أنَّك تجدُ المجامع الفقهيَّة تعقد أكثرَ من دورةٍ لمناقشتها، دُون الوصول إلى قرارٍ فيها! فبطاقات الائتِمان ناقَشَها مجمع الفقه الإسلامي في ثلاث دورات مختلفةٍ حتى تمكَّن من صِياغة قَرارٍ في شأنها، بينما كانت الهيئات الشرعيَّة قد سبَقتْ هذه المجامع في قَراراتها، مع قُصورٍ كبير في توصيفها الفقهي وتقصيرٍ في حُكمها الشرعي، وهذا حسَب اجتهادي الشخصي.

 

وكنتُ أتمنى لو كان العضوُ في الهيئة الشرعيَّة لا يحقُّ له أنْ يمثِّل إلا مصرفًا واحدًا، وهذا يُحقِّق فوائد كثيرةً، أقلها: تنوُّع الاجتهاد لاختلاف الأعضاء، وتلاقح الأفكار، وتبادُل الخبرات، وحتى يتمكَّن العضوُ من القيام بأعماله بكلِّ مهنيَّة؛ لأنَّ كثْرة الأعمال تُبَعثِرُ الجهد، وتُقلِّل من الكَفاءة، وحتى لا يكون البنك حريصًا على أشخاصٍ بأعيانهم قد يُعرَف عنهم التساهُل، وعدم الانضِباط، أو عدم الجديَّة في المراقبة والمحاسبة الدَّقيقة؛ ولذلك تستغرب عندما تجدُ أعضاءَ الهيئات الشرعيَّة في المصارف لأسماء مُتكرِّرة، الغاية منها توفير الدعاية للعمليَّة المصرفيَّة لا أكثر.

 

س: أعودُ إلى نظام التمويل في المصرفيَّة الإسلاميَّة، والمسمَّى بـ: التورُّق، وأشيرُ إلى أنَّ المقارنة بينه وبين القُروض المقدَّمة بالصِّيغة الربويَّة تأتي دائمًا لصالح الأخيرة، فالمقترِض في النِّظام الإسلامي يخضَعُ في حساب نسبة المرابحة إلى ما يُسمَّى بـ: الفائدة المركبة، بينما المقترِض في الصِّيغة التقليدية يُحاسَب وفْق الفائدة البسيطة، ويبدو الفارق بين الطريقتين في زيادة المبالغ المأخوذة على القرْض بالطريقة الإسلاميَّة، كيف لنا أنْ نفهم تحرِّي المقاصد الشرعيَّة، ودفع الظُّلم عن المقترِض؟

• هذا الكلام تُروِّجه البنوك الربويَّة لمن لا يفهَمُ طبيعةَ النِّظام المصرفي؛ فهامش الرِّبح في التَّمويل المصرفي والقرض البنكي يخضَعُ لنسبةٍ واحدةٍ يُحدِّدها البنك المركزي، وهو عندنا ما يُسمَّى بـ: مؤسسة النَّقد، فالمؤسسة تقومُ بوظائف؛ منها: تحديد سقْف التمويل والقرض وهامش الربح، وجميع البنوك عندنا تُطبِّق تلك السياسة، وهي خاضعةٌ للإشراف والمراقبة، وعلى فرْض أنْ يكونَ هامش الرِّبح مختلفًا - وهذا على سبيل الافتراض - فإنَّه لا يستوي الخبيث والطيِّب، فدرهم ربا مُجمَعٌ على تحريمه؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن زادَ أو استَزادَ فقد أَرْبَى))، أمَّا هامش الربح في البيع الحلال فلم يُحدَّد؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فإذا اختَلفَتْ هذه الأصناف فبِيعُوا كيف شِئتُم...)) الحديث.

 

س: أدَّى تحريمُ التأمين بصِيَغِه وأنواعه المختلفة في مرحلةٍ مُبكِّرة إلى تأخُّر هذه الصِّناعة في مجتمعنا، وربما فوَّت الكثيرَ من المصالح، الآنَ ومع ظُهور فَتاوى تقولُ بجواز التأمين التجاري، كيف تستَشرِفُ مستقبلَ هذه الصناعة في المملكة؟ وإلى أيِّ مدًى يُمكِن إخضاع الأنواع الأخرى من التأمين للفحْص والمراجعة؟

• ليس السبب في تأخُّر صِناعة التأمين هو الاختلاف في حُكمِه فيما أعتقدُ؛ لأنَّ الخِلاف سيكونُ قائمًا حتى بعد توجُّه الدولة إلى اختيار القول بالجواز، وإنما التأخُّر ربما كان سببُه يَرجِعُ لعاملين:

أحدهما: أنَّ التأمين كان فيما سبَق عَقْدًا غيرَ إلزامي، فلمَّا توجَّهتِ الدولة إلى إلزام الناس بالتأمين دعَّم هذا تطوُّر هذه الصناعة.

الثاني: عدم إدراك الناس المنفَعة العائِدة من التأمين في جبْر الأضرار، فالناس ينظُرون أنَّ الخطَر قد لا يقَعُ إلا لقلَّةٍ من المشترِكين، في الوقت الذي يدفَعُ كلُّ المشترِكين في التأمين قسط التأمين!

 

هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، فإنَّ سوق الممارسة في سوق السعوديَّة لا يَزال يتطوَّر في تشريعاته، ودُخول مُؤسَّسة النقد كضامنٍ لهذه الشركات أعطى ثقةً للمُؤمَّن، ومع ذلك لا تزال هناك شُروط إذعانيَّة يجب مُراجَعتها، خاصَّة تلك الإجراءات التي تحمَّل المؤمَّن القيام بإثباتها حتى يستحقَّ التعويض، والله أعلم.

 

وأخيرًا أشكُر "تجارة عنيزة" على إتاحة الفُرصة، وأرجو أنْ أكون قد وُفِّقتُ في الإجابة على الاستِفسارات والإشكالات المطروحة، وفَّق الله الجميع لما يحبُّ ويَرضَى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مواقع المشرفين
  • مواقع المشايخ ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة