• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع المواقع الشخصية / مواقع المشايخ والعلماء / د. محمد بن لطفي الصباغ / مقالات


علامة باركود

أبو محمود الحارس (قصة من دمشق)

أبو محمود الحارس (قصة من دمشق)
د. محمد بن لطفي الصباغ


تاريخ الإضافة: 10/11/2014 ميلادي - 17/1/1436 هجري

الزيارات: 9740

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حلقة من مذكراتي

(قصة من دمشق)


كان أبو محمود رجلاً طُوالاً، له لحية خفيفة، ويَلمِس المرءُ في لهجته مخالفة للهجة البلد، وكان فقيرًا اضطرته الأيام أن يعمل حارسًا ليليًّا، وكان لحسن حظِّنا يعمل في حيِّنا، ولقد بقي في حينا ما يزيد على عشرين عامًا؛ ذلك لأن النظام كان يقضي أن يبقى الحارس في المنطقة التي يعمل بها، ولا يُنقَل منها إلى غيرها إلا في ظروف استثنائية؛ ليتيح له بقاؤه فيها معرفة أبناء الحي، واكتشاف الغرباء، ومعرفة مستويات التدين والخلق في أبناء الحي.

 

وأبو محمود من المغاربة الذين حلوا في بلاد الشام، سِحنته تذكِّر بأبناء المغرب الأشدَّاء، كان يبدأ عمله قبيل المغرب؛ حيث يذهب إلى مخفر الشرطة؛ ليتلقَّى التعليمات الأمنية، ثم يأتي إلى مركز عمله ويبقى إلى طلوع الشمس، ولكل حارس كوخ صغير جدًّا من الخشب فيه منقل يُوقد فيه النار في أيام البرد، وكرسي، وعصا، وبعض أمتعته الخاصة، ومهمَّتُه السهر على أمن الناس؛ فهو يراقب الداخل والخارج، ومعه سلاح فردي بسيط، وهو مسدس، وكان معه عصا وصافرة يستدعي بها النجدة عند الحاجة؛ إذ كان الحراس متقاربين، فيصفر كل واحد منهم لجاره حتى يبلغ الخبر مخفر الشرطة، وعلى الرغم من كونه واحدًا، لكنه كان يهابه اللصوص والسفهاء، وهناك دوريات لرجال الشرطة تمرُّ عليه مرة أو مرتين في كل ليلة تفتش عليه وتنظر إن كان بحاجة إلى معونة أو استدعاء قوة من رجال الشرطة لحفظ الأمن ومطاردة المجرمين، وتسأله عن الأخبار التي تهم الدولة، وكان وجوده أنسًا وطمأنينة تشمل الحي كله.

 

كان أبو محمود حافظًا لكتاب الله تعالى، وكان يمضي ليله الطويل بتلاوة آيات القرآن، يقرأ القرآن وهو جالس في كوخه، ويقرأ القرآن وهو يتجوَّل في جنبات الحيِّ، وهذا واجب عليه.

 

وكان مركزه مقابل جامع بلوزة[1]، فكان يؤدي الصلاة ويصلي مع الجماعة، ولقد أصبح - بسبب طول بقائه في الحي - قريبًا من قلوب الناس، يُحبُّونه ويكرمونه ويأنسون به، ويشعر كل واحد منهم كأنه فرد من أفراد أسرته وعشيرته، حتى إن الشباب السفهاء العابثين كانوا يحبونه ويحترمونه ويهابونه لحسن معاملته إياهم.

 

وكان لتديُّنه يحب الشباب الصالحين، ويهش للقائهم، ويهتم بهم.

 

وكان هناك في الحي فتى نشأ في بيت مسلم كريم، فطلب العلم ووفقه الله في مسعاه، درس على المشايخ في المساجد، ودرس في الجامعة على الطريقة الحديثة، وكان متفوقًا في الدراستين.

 

وأراد نفرٌ مِن أولي الشأن أن يُقيموا تمثالاً ليوسف العظمة[2]، فعارضهم أهل العلم والمتديِّنون، فكفوا عن هذه الفكرة، ولكنَّ المُتسلِّطين من الضباط الذين لا يقيمون وزنًا للدين تحدَّوا إرادة الأمة، وأقاموا هذا الصنم عند نادي الضباط.

 

فقام ذلك الفتى خطيبًا على منبر مسجد الجامعة، يُنكر هذا المنكر، ويقول: إن سيوف محمد عندما فتحت هذا البلد وأخرجته من ظلمة الشرك الوثنية والمظالم الاجتماعية إلى نور التوحيد والعدالة - حطَّمت كل الأصنام، ومِن العار على الناس أن يشهدوا هذه النكسة دون أن يقولوا كلمة الحق، لا بد أن يعلم هؤلاء الذين أقاموا هذا الصنم أنهم لن يستطيعوا أن يتحدوا رجال الأمة ودينها وعلماءها وسوادها الأعظم، وإن تلك السيوف التي حطَّمت الأصنام أوَّل مرة ما زالت مسلولة، وسيأتي اليوم الذي تُحطِّم فيه تلك الأصنام.

 

وعندما علمت السلطة بتلك الخطبة، قررت اعتقاله، وكان من التقاليد الأمنية أن يُبلَّغ الحارس بما تعزم على فعله السلطة؛ ليكون مستعدًّا لمساعدتهم، وليدلهم على البيت والرجل المطلوب.

 

فأُخبر أبو محمود وقيل له: ستأتي قوة من الجواسيس لإلقاء القبض على ذاك الفتى، فاستعِد للأمر وخذ له أُهبتَه.

 

يبدو أنه تألَّم أن يصيب ذاك الفتى أذى أو ضر، وخاف أن يقوم بنفسه بإبلاغ الفتى ليأخذ حذره ولكيلا ينام في البيت، فعمد إلى بيت ابن عم الفتى وقال: اذهب إلى دار عمِّك وأبلغهم أن ابنهم في هذه الليلة سيُعتقَل.

 

ووقع هذا النبأ على قريب الفتى وقع الصاعقة، فذهب إلى دار عمِّه واجتهد وكان مخطئًا في اجتهاده، فقال لوالد الفتى: إن أبا محمود الحارس جاءني وذكر لي أن الدولة ستلقي القبض في هذه الليلة على محمد، ولكن ما ندري: أيُّ محمَّدٍ من المحمدين من أولادنا هو المطلوب؟

 

كان هذا الإخبار سببًا في ألَّا يأخذ القوم حذرهم، وكان الفتى محمد يصلي الصلوات كلها في المسجد، بل لم يكن ليغادر المسجد إلا للطعام والنوم، ولكنه في تلك الليلة أصيب بإسهال شديد وارتفعت حرارته، فما استطاع الصلاة في المسجد.

 

وكان له أصدقاء يأتون داره أحيانًا بعد الفجر يقرؤون شيئًا من القرآن أو كتابًا من كتب العلم.

 

وكتم الأب الخبر على عادته في كثير من الأمور، فلم يخبر الفتى ولا أمه ولا إخوته ولا أخواته.

 

وذهب رجال الأمن إلى المسجد وصلوا فيه صلاة الفجر؛ ليعتقلوا صاحبنا عند خروجه من المسجد، ولكنَّهم عندما لم يجدوا الفتى أُسقط في أيديهم، وفرح أبو محمود فرحًا شديدًا، وظنَّ أن تحذيرَه هو الذي جعل الفتى يتخلَّف عن الحضور إلى المسجد، غير أن الحقيقة غير ذلك، والتحذير لم يصل إلى الفتى كما أشرنا.

 

صلَّى الفتى المريض الفجر في بيته على خلاف عادته، ثم أوى إلى فراشه ويبدو أن النوم غلبه فاستغرق فيه، بعد أن استعصى عليه طوال الليل، فقرع هؤلاء القوم الباب، ونادوا الفتى بلفظ يدل على التوقير والاحترام، فقالوا: أين الأستاذ؟ كانت أخته قد استيقظت على قرع الباب، واستغربت أن يُنادى أخوها بذلك وهو ما يزال طالبًا، ولم يسبق أن سمعت أصدقاءه الذين يأتونه ينادونه بذلك، ولكنها قالت: لعلهم يمزحون، وجاءت إلى غرفة أخيها وأيقظته قائلة: إن أصدقاءك ينادونك، فقام يريد أن يُطل على الشارع من خلال طاقة في السطح يتبيَّن من هم هؤلاء الأصدقاء؛ إذ لم يكن بينه وبين أحد موعد، ومضى ولم يبق له إلا أن يفتح باب الطاقة حتى رأى أباه مسرعًا يطلب منه أن يرجع، فامتثل الفتى وأقبل نحو أبيه يسأله عن الأمر.

 

قال: إنهم يريدون إلقاء القبض عليك، فارجع، ونزل الأب إليهم وأنكر وجود الولد في الدار.

 

قالوا له: إن هناك رجلاً له مشكلة يعرف الأستاذ، ونحن وسطاء خير، جئنا من أجل مشكلة ذاك الرجل.

 

قال لهم أبوه: إنه غير موجود ولا أعرف أين هو؟ فانصرفوا.

 

ثم عادوا بعد قليل وقالوا: إن الرجل يطلبك أنت، فتفضَّل معنا.

 

فذهب الشيخ الجليل معهم، وإذا هم يقتادونه إلى مخفر الشرطة.

 

وهناك صارحوه بأنهم يريدون ابنه، وقالوا له: لن تخرج من هنا إلا إذا قلت لنا أين ابنك.

 

قال: لكم ما تشاؤون وأنا لا أعرف عنه شيئًا.

 

قالوا: احلف بالطلاق أنك لا تعرف مكان وجوده.

فقال: هذا يمين المنافقين، وأنا لا أحلف به.

 

فأمسكوا به وعادوا مرة أخرى إلى النساء يسألونهن عن الفتى، وكانت أمه على درجة عالية من الذكاء والنباهة، فلم يفيدوا من محاولاتهم شيئًا.

 

أما الفتى، فقد قفز من سطح إلى سطح، وذهب خارج المدينة مع صديق له شهم[3]، ترك أعماله ورافقه، وكان نعم المؤنس له في هذه الغيبة.

 

ثم تركوا والده الشيخ الجليل، وبعد أيام انتهت الأزمة بأن توسَّط ناس لهم وزنهم في الدولة.

 

وللقصة تفصيلات تخرج بنا عن موضوع هذا الحارس النبيل.

 

أما أبو محمود - ولا أعرف إلا كنيته - فعندما تقدمت به السن وخرج من الخدمة، أمسك به أبناء الحي وجعلوه مؤذن المسجد، وبقي في هذا الحي الذي أضحى جزءًا منه.

 

رحم الله أبا محمود وأكرم نزله، وسقى الله هاتيك الأيام؛ ما أحلاها وما أطيب أحوال الناس فيها!



[1] وهو مسجدٌ جامع، وكان إمامه شيخنا/ القارئ الشيخ سليم اللبني، الذي كان أتقن قارئ لقراءة حفص في دمشق، وكان يخطب الجمعة، وقد خطبت فيه أحيانًا، وكان أمام المسجد سبيل ماء وشجرة ضخمة، وكان موقعه في مدخل حي الحقلة من الميدان.

[2] هو يوسف بن إبراهيم العظمة، ولد في دمشق سنة 1884 (1301)، البطل وزير الحربية أيام الملك فيصل الهاشمي، استشهد مقاومًا الفرنسيين في ميسلون، وكان ذلك في 7 ذي القعدة سنة 1338 الموافق لـ4 من تموز سنة 1920 - رحمه الله رحمة واسعة.

[3] هو الأخ الحبيب، والصديق الوفي، السيد محمد موسى أبو راشد، الذي كان جارنا، وكان رجل المروءة والكرم والوفاء - رحمه الله وغفر له.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مواقع المشرفين
  • مواقع المشايخ ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة