• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ مصطفى حلميأ. د. مصطفى حلمي شعار موقع الأستاذ مصطفى حلمي
شبكة الألوكة / موقع أ. د. مصطفى حلمي / مقالات


علامة باركود

مقدمة حول نظام الخلافة في الفكر الإسلامي

مقدمة حول نظام الخلافة في الفكر الإسلامي
أ. د. مصطفى حلمي


تاريخ الإضافة: 21/7/2016 ميلادي - 15/10/1437 هجري

الزيارات: 42228

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مقدمة حول نظام الخلافة في الفكر الإسلامي

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

أما بعد: فإن الحديث عن نظام الخلافة في الإسلام حديث متشعب، ممتد الأطراف، متعدد الجوانب، إذ يشمل مكانة الخلافة من الشرع، وصلتها بأحداث التاريخ ومكانتها في الفكر السياسي، ودورها في الحفاظ على وحدة المسلمين، وتفردها بخصائص تتميز بها عن سائر أنظمة الحكم الأخرى، وهناك أبحاث ودراسات ومؤلفات، عنيت ببعض هذه الجوانب أو معظمها، شغلت علماء المسلمين وغيرهم منذ خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى أن استطاع اليهود - بواسطة مصطفى كمال أتاتورك - إلغاءها، فاختفى النظام إلى حين.

 

ووقفت أقلب صفحات هذا التراث الضخم من كتب التاريخ، ومؤلفات الفقهاء والمتكلمين وعلماء أهل السنة والجماعة قديمًا وحديثًا لأتساءل: كيف أبدأ، وماذا أقدم من جديد؟


وتحددت خطة الكتاب منذ البداية لنقد آراء الشيعة وتقديم نظرية أهل السنة والجماعة، وإذا بالمسائل تتفتق، والحقائق تظهر، ويتطرق البحث إلى فروع أخرى تتصل بالخلافة من قريب، ولعل أولها وأهمها، محاولة الإجابة على هذا السؤال: كيف نسيت هذه الأمة تاريخها؟

 

إن النسيان للفرد بعد نعمة؟ لأنه يخفف من وقع مصائبه، ويعيد حياته إلى سيرتها الأولى؟ أما النسيان بالنسبة للأمم فهو آفة من آفاتها، فإذا نسيت تاريخها، فلن تقدر على النهوض من كبوتها بغير دراسة لاستخلاص العظات والعبر، وعلاج أسباب النكبات والكوارث.

 

والظاهر أن الأمة الإسلامية قد نسيت مفهوم الخلافة كنظام للحكم القائم على تنفيذ التشريع الإلهي، وتحقيق المناخ الاجتماعي الذي تتحقق فيه العدالة، ويعم الأمن، ويحقق كرامة الإنسان، ويوفر له طرق الحياة وفقا لتعاليم الشرع، فإن الغاية الجوهرية من قيام الدولة الإسلامية هي إيجاد الجهاز السياسي الذي يحقق وحدة الأمة الإسلامية وتعاون أفرادها.

 

يقول الله عز وجل: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 103، 104].

 

ويتضح من هاتين الآيتين أن المجتمع الإسلامي ليس في ذاته غاية، ولكنه وسيلة إلى غاية. أما الغاية فهي إيجاد أمة تقف نفسها على الخير والعدل، تحق الحق، وتبطل الباطل، أمة تعمل- بمعنى آخر - على خلق بيئة اجتماعية تتيح لأكبر عدد ممكن من أفرادها أن يعيشوا روحيًا وماديًا في توافق القانون الفطري الذي جاء من الله وهو الإسلام[1].

 

ولكن الأمة شغلت بعد تقسيمها إلى دول ودويلات بأيديولوجيات مختلفة، فأخذت تتناحر ويناصب بعضها البعض العداء، ونسيت أن (الإسلام) وحده - وليس غيره من النظريات والأفكار والمذاهب - كان لي سيظل الرباط الجامع بينهما.

 

قال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 92].

 

فاقتضت وحدة الأمة أن يجمعها نظام واحد وهو الخلافة دام نحو أربعة عشر قرنًا من الزمان، أي منذ تولي أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - لأنه الخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا النظام- أي نظام الخلافة فضلًا عن كونه يجسد وحدة الأمة فإنه ينفرد عن باقي أنظمة السياسة والحكم في العالم كله بأنه (خلافة النبوة)، ولكي تظل هذه الأمة- في مجموعها - حاملة رسالتها: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [البقرة: 143].

 

ويتصل بالإجابة على السؤال السابق، محاولة تشخيص أحوال أمتنا بعد انفراط عقد وحدتها ممثلًا في الخلافة، فيظهر غرض ثان للكتاب فيما يأتي بحيث نعالج من خلاله تشخيص داء رئيسي من أدواء المسلمين:

تشخيص داء رئيسي من أدواء المسلمين:

يظن البعض أن الحديث عن الخلافة انقضى زمنه ومحيت آثاره فهو ذو صبغة تاريخية فحسب، ونحن نخالف هذا الرأي إجمالًا وتفصيلًا فنرى أن تناول هذه القضية بعد من صميم العلاج لما يعتبر قطب الرحى لمشاكلنا الحالية أي احتلال فلسطين منذ عام 1948م بشكل عام، واحتلال القدس عام 1967م بشكل خاص، إذ لم يعد هناك شك في أننا أمام صراع عقائدي، وخصومنا من اليهود لا يخفون دوافعهم الدينية. فإن تصريحاتهم وبياناتهم تعضد تصرفاتهم في احتلال القدس ونحن نعيش الآن في ضوء تفسير الآية: ﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾ [آل عمران: 120].

 

قال أحد المفسرين: إن تحصلوا على تقدم أو انتصارات يسؤهم ذلك، وإن تصابوا بمصيبة يفرحوا ويرقصوا كما فعل الغرب كله حين خرج الناس يرقصون في شوارع العواصم كلها عندما انهزمنا عام 1967، ووقف ابن تشرشل يقول: وافرحتاه، لقد سقطت القدس ولن تعود إلى المسلمين أبدًا. واجتمع اليهود والنصارى لأول مرة في التاريخ في صلاة واحدة في ألمانيا الغربية فرحًا بهزيمتنا[2].

 

كذلك لا نجد صعوبة في إثبات أن إسرائيل هي التجسيد الحي والغاية النهائية (مع الأخذ في الاعتبار تنفيذ خريطة إسرائيل الكبرى) التي تحققت من وراء المؤثرات السرية والعلنية ضد الإسلام ووحدة المسلمين ومازالت تقوم بدورها اليقظ في مقاومة أي بادرة ترى منها بداية لحركة توحيد جهود الأمة؛ لأنها تعلم أن القوة المنبثقة من الوحدة ستوجه تيار المقاومة التوجيه الصحيح وستجد إسرائيل نفسها حينئذ أمام قوة بشرية عسكرية واقتصادية وسياسية لا قبل لها بها. وآية ذلك أنه بعد حرب عام 1967 التي حققت لها نتائج تم تكن تحلم بها إذ أوقعت بنا هزيمة عسكرية تم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب لم تغفل في ذروة انتصارها عن مراقبة القوى التي ربما تصبح في المستقبل ذات خطر عليها، وها هو بن جوريون أحد قادتها المعاصرين يحذر من صيحة الانتقام التي ارتفعت من أصوات المسلمين بالباكستان على إثر احتلالهم للمسجد الأقصى نتيجة لهذه الحروب، فوقف في جامعة السوربون بباريس يقول بالحرف الواحد: "على الصهيونية العالمية أن لا يساورها أدق شك بالنسبة إلى باكستان، من أنها في الواقع خصمنا الحقيقي والأصل من الوجهة الأيديولوجية. أن إرث باكستان الفكري والقومي (يريد الإسلام) وقوتها العسكرية وظروفها قد تصبح سبب شقائنا في أي وقت من الأوقات، وعلينا أن نفكر بإيجاد حل".

 

ثم يكمل حديثه مقترحًا هذا الحل "إن صداقتنا للهند لامست فقط مهمة لنا بل بالأحرى يجب أن نستفيد من هذا العداء التاريخي الذي يكنه الهندوس لباكستان وشعبها المسلم، إن هذا العداء التاريخي المستحكم هو رأسمالنا"[3].

 

ولا يحتاج الباحث إلى كثير عناء ليستخلص مدى تنفيذ الصهيونية العالية لمشورة أحد أقطابها بافتعال حرب 1972م باسم حركة الاستقلال البنغالية، حيث فصل الجناح الشرقي من باكستان عنها.

 

على أننا لا نغفل أيضًا المغزى المستفاد من هذه الكلمة تفيدنا فيما نحن بصدده، منها:

أ- فهم الأعداء لخطورة وحدة المسلمين وشعورهم بأنهم أمة واحدة ينبغي أن تتألم كلها إذا أصاب بعض أجزاءها المرض، عما ورد في الحديث[4]، ومن هنا كان حرص الاستعمار على تفتيت كيان الأمة الإسلامية وحرص القضاء على الشكل الذي أبقاها طوال أربعة عشر قرنًا من الزمان، ونعني به الخلافة.

ب- اعتماد اليهود للعناصر المناوئة للإسلام واستخدامها، فهي بمثابة رأس مال للاستثمار بلا عناء في تكوينه منذ البداية.

ج- لفت النظر إلى أن الخصومة أيديولوجية - أي عقائدية - وتأتي العوامل السياسية والاقتصادية في المرتبة التالية. فما أبعد الباكستان عن إسرائيل؟ فليس النزاع إذن حول حدود نختلف عليها أو مشكلة لاجئين، عما يزعمون في تصريحاتهم المعلنة، ولكن الأساس عقائدي.

 

ومن هذه التصريحات أيضا قول ديان عقب حرب يونيو حيث أرجع (الانتصار) اليهودي إلى ما أسماه بمحاربة اليهود للعرب بنفسية هي (مزيج من الحب والإيمان والوطنية) وإلى (تمسك اليهود بالعقيدة التي صهرتها آلاف السنين من التشرد والاضطهاد)[5].

 

وإذا نادينا بضرورة إعادة نظام الخلافة، فلا يظن البعض بنا التحليق في الخيال، فقد تعلمنا من سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف نتفاءل ونواجه الأزمات بروح مشرقة آملين في تحقيق نصر الله عز وجل بعد الأخذ بأسبابه.

 

يروي الإمام أحمد عن المقداد بن الأسود - رضي الله عنه - أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:

"لا يبقى على وجه الأرض بيت مدر ولا وبر إلا دخلته كلمة الإسلام يعز عزيزًا ويذل ذليلًا إما يعزهم الله فيجعلهم من أهلها، وإذا يذلهم فيدينون لها"[6].

 

ومهما كانت الأحوال مثبطة للعزائم؛ فإنها لا تصل إلى الظروف التي بشر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سراقة بحلي كسرى، وقد تحققت النبوءة في خلافة عمر - رضي الله عنه - عندما سقطت فارس في أيدي المسلمين واستدعى سراقة ليحلي بها معصمه.

 

إننا نقول مع الأمير شكيب أرسلان - رحمه الله -: "ولقد سار الشرق الإسلامي في مدة وجيزة عقبات جيادًا واجتاز أزمات شدادًا، وهو ماض في سيره إلى الأمام، لا سبيل بعد اليوم إلى تعويقه، ولا حاجز يمكن أن يقف في طريقه بدسائس تلقى ومبالغ سرية تنفق، وأخلاق تفسد، وذمم تشري، وإشراك تبث، وأسياف تسل، ولا المحلقات في الجو تقدر على كم الأفواه، ولا الغازات السامة تقوى على إطفاء نور الله، وما تزيد هذه الوسائل تلك الأمم المستضعفة إلا شوقًا إلى الحرية، ونداء إلى الثارات، وإصرارًا على الضغائن، ومهما يكن من حيل العباد، فللكون سنن هو سائره ولله أمر هو بالغه"[7].

 

أما هؤلاء الذين لا يكتفون بالشواهد والأدلة المستمدة من عقيدتنا وتاريخنا فنسوق إليهم خيالات أمثال: هرتزل وجولدمان وحاييم وايزمن وبن جوريون في إنشاء إسرائيل، مع الفارق الكبير بين وصفهم الكتاب بالإفساد في الأرض وبين معرفتنا المؤكدة لأحد السنن الإلهية في قوله تعالى: ﴿ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128].

 

إننا لا نحلق مع أوهام فلاسفة اليوتوبيا كأفلاطون والفارابي وتوماس مور، الذين أجهدوا أنفسهم وأقاموا في خيالاتهم صروح دول وأنظمة حكم، بينما تحققت الوحدة الإسلامية في ظل الخلافة قرونًا طويلة، إن أصابها الوهن أحيانًا فقد أثبتت ضرورتها وأهميتها، لا سيما بعد أن أصابنا ما أصابنا بفعل الاستعمار اليهودي والصليبي.

 

فما استطاع أبناء صهيون النفاذ إلى القدس إلا على أشلاء الخلافة العثمانية، كما أثبتت ذلك الوثائق التي نشرت حديثًا، وأهمها مذكرات عبد الحميد، السلطان المظلوم، وقد حرصنا على إثبات إحدى هذه الوثائق في الفصل الأخير من الكتاب[8].

 

ويظهر لنا أن إحياء الخلافة من جديد أصبح ضرورة ملحة لتجميع القوى المتفرقة للمسلمين توطئة لمجابهة التحديات التي تحيط يهم من كل جانب، هذه التحديات العقائدية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.

 

قال مالك بن نبي: "ويجب من الآن أن نعمل على ظهور سلطة روحية تجمع الرأي وتوحد الصف بالنسبة للمسلمين في العالم كله، وإننا يجب من الآن أن نعيد النظر في قضية الخلافة الإسلامية.. فقد باتت ضرورة عالمية وحيوية.. وليكن لها أي اسم، ولكن ليكن هدفها توحيد الصف الإسلامي والرأي الإسلامي في كل مكان على ظهر الأرض.. وإن كنت أتفاءل بكلمة (مجلس الخلافة) وليشترك فيها كل العالم الإسلامي، ولكن لنبدأ في إعلان وجودها من الآن"[9].

 

ولمَ نذهب بعيدًا بينما تدل الأحداث المعاصرة على وحدة المسلمين وتضامنهم الوجداني بالرغم من التقسيم الظاهر لبلادهم؟ إن الأمثلة على ذلك كثيرة: منها موقف المسلمين العدائي في الهند ضد بريطانيا في الحروب العالية بعد احتلالها تركيا، فانفجرت الثورة وقوطعت بضائع الحكومة وأحرقت حمولات البواخر في المواني، وأغلقت المحلات التجارية، وقامت حركة الخلافة في الهند بعد إلغائها في تركيا.

 

وقام المسلمون في الهند أيضًا بمظاهرات عنيفة عندما احتلت إيطاليا ليبيا، وعندما حلت النكبة بفلسطين علت الأصوات تبغي الجهاد في سبيل الله في كل مكان، وعندما انتصرت ثورة الجزائر بعد الكفاح الطويل للإمام عبد الحميد بن باديس - رحمه الله - أحدثت البهجة في قلوب المسلمين. وتحمس الشباب في العالم الإسلامي للتطوع عندما اعتدت إنجلترا وفرنسا واليهود على مصر عام 1965م وتكررت هذه المظاهرات عندما قام اليهود بإحراق المسجد الأقصى[10] ولكن ستبقى هذه الجهود مشتتة ما لم تتجمع وتتحدد.

 

وقد يظن المعارض لنا أنه يستطيع إفحامنا، متخذًا من ظروف العصر وتشابك مشاكله، وظهور أنماط الحكم الجديدة في عالم اليوم، يتخذ من كل هذا ذريعة لإسكات الصوت الإسلامي المطالب بإحياء منصب الخلافة من جديد.

 

وأما هذه الحجة التي تبدو في مظاهرها وجيهة، لا تنقصنا الأدلة على بطلانها من أساسها، وهي:

أ- كانت الخلافة نظامًا حيًا واقعًا لم يختف من الحياة السياسية إلا منذ نحو نصف قرن فقط، وكان يضم شعوبًا متعددة الأجناس والألوان والألسنة والقوميات في عصور لم تتميز بما يمتاز به عصرنا الحاضر من وسائل الاتصال التي جعلت العالم كله وكأنه رقعة واحدة متصلة الأجزاء والأركان.

 

ب- الإسلام نظام عالمي. قال تعالى: ﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ﴾ [المؤمنون: 52]، وقد بدأ كذلك وسيظل، فلا تؤثر فيه الانشقاقات التي حدثت.

 

وعلى العكس فإن التدرج الحادث في بلدان العالم الآن يتجه به إلى ما يشبه النظام الإسلامي في عالميته، فقد اتجه التدرج بالنظام السياسي من الوطنية إلى القومية إلى العالمية.

 

وبهذا المنطق، فإن حركة إلغاء الخلافة كانت مضادة للتصور الإسلامي ذاته، ومضادة في الوقت نفسه لحركة تطبع الشعوب إلى الوحدة، وها نحن نرى أن أهل أوروبا قد لفظوا القومية وبدأوا في تجاوزها - إذ تسعى للوحدة في خطوات تدريجية كالسوق الأوروبية المشتركة والأحلاف السياسية والعسكرية، وأيضا فإن فكرة العالمية بارزة في كلا النظامين: الأمريكي والروسي.

 

فلمَ يراد لنا وحدنا أن ينفصل بعضنا عن بعض متفرقين منعزلين؟

لا إجابة مقنعة إلا الرغبة في استعبادنا ثم القضاء علينا فرادى!!

ومن أغراضنا أيضًا توضيح المنهج الإسلامي الذي اتبعه علماء المسلمين من أهل السنة والجماعة، فقد أغلقوا الباب في وجه مثيري الحق ودعاة التجديد الزائف، الذين اتخذوا من تاريخنا مادة لخدمة أهداف مريبة كما سنرى عند عرضنا لهذا المنهج في الصفحات القادمة.

 

منهج علماء السنة في بحث موضوع الخلافة:

إننا نرى أن المنهج الذي اتبعه علماء أهل السنة والجماعة في هذا الموضوع، اعتمدوا فيه على تحليل وقائع التاريخ والمقارنة بين أجزائه، وربط الأسباب بالنتائج فكانوا بذلك أقرب إلى منهج فلاسفة التاريخ المحدثين حيث قاموا بتفسير الأحداث التاريخية الكبرى المختلف حولها: كاجتماع السقيفة، وموقعة الجمل، وحرب صفين، وأسباب الانشقاقات التي ظهرت في صفوف المسلمين.

 

ونتج عن كل هذا قواعد أساسية يمكن من خلالها النظر وتقويم الأحداث والإمساك بالموازين الصحيحة، بدلًا من الغرق في طوفان تفاصيل المعارك التاريخية كالتساؤل: لمَ وقع النزاع؟ ومن المسئول عنه؟ وما الذي أسفر عنه من نتائج؟ ثم الحكم على أطراف النزاع؟

 

وهكذا أصبحت أبحاثهم واجتهاداتهم ذخيرة حية للمهتمين بمباحث السياسة الشرعية للاستفادة منها في تكييف أوضاع الخلافة الإسلامية وما يتعلق بها في كافة النواحي المتصلة بنظام الحكم في الإسلام. ومثل هذا التقويم الشامل أغلق الباب - وينبغي أن يظل كذلك في وجه مثيري الفتن على صفحات الكتب بلا مبرر. إنه موضوع قد انتهى منه علماء أهل السنة - وبقي على المسلمين العمل على إحياء الخلافة مع الاستفادة باجتهادات شيوخ السلف في الدراسات النظرية.

 

إن الاقتصار على الحديث عن الخصومات والفتن وحدهما، وتجاهل المواقف الحاسمة لعلمائنا ومفكرينا من هذه القضايا - حديث ذو نوايا خبيثة في الغالب؛ لأنه يؤدي إلى إثارة أسباب الفرقة مرة أخرى، وكأنه مشرط جراح يفتح جرحًا اندمل، فهو يؤدي إلى شغل الأمة بإثارة الجدل والخلافات بينها- بينما جذورها التاريخية قد انتهت بانقضاء عوامل ظهورها - كذلك يوقع في ظن الأجيال الجديدة أن تاريخ أمتها لم يكن إلا حروبًا وقلاقل، فيلقي اليأس والقنوط في القلوب الشابة المليئة بالأمل.

 

ثم إن هذا المنهج الجزئي الذي يقتطع جانبًا واحدًا من التاريخ فيعرضه بإفاضة ويعني بالدقائق ليضخمها وينفث فيها الأحقاد، إنه منهج خبيث النية سيئ الطوية لا سيما إذا اعتمد على الخيال وأفرغ الحوادث التاريخية في شكل أعمال أدبية، أو كان اقتباسًا من فكر أجنبي معاد، أو خضوعًا لمفاهيم مدارس الاستشراق في نظرتها لتاريخ المسلمين، أو تكييف التاريخ الإسلامي وإخضاعه لأنماط فلسفية معينة موضوعة مسبقًا.

 

فالأصوب إذن اتباع النهج الشامل، لأن تاريخ المسلمين - كغيره من تاريخ الأمم والشعوب - قد سارت فيه مظاهر النهضة العلمية والارتقاء الحضاري جنبًا إلى جنب مع القلائل والسلبيات.

 

أما المتبعون لطريقة التجزئة والتقسيم، فهم كمن يستخدم آلة تصوير يصور بها زوايا جانبية يصوب إليها العدسة، ولا يسمح لعدسة التصوير بالتقاط الصورة بأبعادها كلها.

 

وتزداد الصورة وضوحًا أمامنا إذا عرفنا أنه في الوقت الذي حدثت فيه الخلافات والفتن، كانت رقعة العالم الإسلامي قد بلغت أقصى اتساعها في العالم القديم، وكانت هناك جهود لمئات من علماء المسلمين في الفقه والحديث وعلوم الدين والعلوم التجريبية، كالطب والعقاقير، والكيمياء إلى جانب الرياضيات والطبيعة وغيرها مما يشكل إنتاجًا ضخمًا من ألوف الكتب والرسائل والمؤلفات التي تجل عن الحصر.

 

وأخيرًا، تصل بنا فصول الكتاب إلى وقفة قصيرة أمام الخلافة العثمانية التي جرحتها بعض الأقلام، ونفث فيها أعداء الإسلام سموم الأحقاد المتوارثة منذ موقعة خيبر والحروب الصليبية.

 

الخلافة العثمانية أمام خصومها:

عندما ينتهي القارئ من فصول الكتاب الحادي عشر، سيستخلص لنفسه تفاصيل كثيرة تتناول الخلافة كنظام للحكم لا سيما من الوجهتين:

الإسلامية المتصلة بالسياسة الشرعية. والتاريخية المجسدة لنظامها الحي خلال القرون الطويلة، فكأنها مرآة يشاهد فيها الأمة.

 

ولذا لا يصبح الحديث إذن عن الخلافة العثمانية في الفصل الأخير وكأنه خاتمة المطاف، ولكن بدافع إنارة الطريق أمام المسلمين لمعرفة حقيقة ما دار حولها واستبعاد التاريخ المزيف المصنوع بأيدي علماء الغرب. وجدير بنا أن نعتبر الحديث الدائر حول الخلافة في العصر الحاضر، حديثًا موصولًا لإثارة الحاجة لبعثها من جديد، تأكيدًا للثقة في النفس، وتجديدًا للدماء التي جفت في العروق بعد تقطيع الأوصال، وتاصيلًا لكيان أمتنا.

 

أما تلقين النشء المعلومات التي ملأت صفحات أغلب الكتب المدرسية والجامعية المتداولة، فهي في جوهرها ترديد لآراء المستشرقين من اليهود والنصارى موضوعة في قوالب مزورة للتاريخ ومشوهة لحقائقه، وهي تدل في مجموعها على خطأ علمي وتاريخي فاضح.

 

ومهما يكن من أمر، فإن مؤلفي هذه الكتب يتجاهلون - أو يجهلون - وقائع بارزة تشكل معالم رئيسية لابد أن تلفت نظر الباحث عن الحق بنزاهة وتجرد، وهذه الوقائع هي:

1- رفض السلطان عبد الحميد قبول الرشوة من اليهود مقابل السماح لهم بأرض فلسطين فكان جزاؤه التنحية والإقصاء عن الخلافة بحركة من الحركات (الثورية) التي صارت طابعًا لحركاتهم السياسية بعدها وصولًا إلى أغراضهم، وستظل - كما يعترف أحد زعمائهم، وهو الدكتور أوسكار ليفي "نحن اليهود لا نزال هنا، فكلمتنا الأخيرة لم ننطق يهم بعد، وعملنا الأخير لم يكمل بعد وثورتنا الأخيرة لم تقم بعد"[11].

 

ولم يكن عبد الحميد جاهلًا للأسباب الرئيسية التي أدت إلى خلعه، فقد واجه هرتزل برفضه الحاسم، قال: "لا أستطيع أبدًا أن أعطي أحدًا أي جزء منها - أي فلسطين - ليحتفظ اليهود ببلايينهم، فإذا قسمت الإمبراطورية فقد يحصل اليهود على فلسطين بدون مقابل، إنما لن تقسم إلا جثثًا ولن أقبل بتشريحها لأي غرض كان"[12].

 

كان الغرض إذن مبيتًا، والنية متجهة - كما صرح بعد ذلك حاييم وايزمن، أول رئيس للدولة اليهودية، بأن فتح أبواب الشرق لاستقرار اليهود يتوقف بالدرجة الأولى على تدمير الإمبراطورية العثمانية، وبتدميرها تزول الحواجز والعقبات التي تعترض المسيرة إلى أرض الميعاد"[13].

 

وجاء تقرير آخر مؤيدًا لسياسة التكاتف على تحقيق غرض مبيت عمل له الأعداء سرًا وجهرًا، إذ التحمت النوايا بين اليهود والإنجليز لتفتيت الوحدة الإسلامية. وهذا التشبيه ورد بنصه بأحد الوثائق السرية التي سمح بنشرها حديثًا، فقد كتب لورنس في تقرير له بعنوان (سياسات قلة) مؤرخ كانون الثاني 1916م (يناير) فقال:

"أهدافنا الرئيسية تفتيت الوحدة الإسلامية ودحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها، وإذا عرفنا كيف نعامل العرب، وهم الأقل وعيًا للاستقرار من الأتراك، فسيبقون في دوامة من الفوضى السياسية داخل دويلات صغيرة حاقدة متنافرة، غير قابلة للتماسك، إلا أنها على استعداد دائم لتشكيل قوة موحدة ضد أية قوة خارجية"[14].

 

ويأتي فضح هذا السر المهم مفسرًا للدوافع وراء الخطوات السياسية التي تبدو على السطح متفرقة، بينما هي في الحقيقة تنفذ استراتيجية ثابتة متفق عليها مسبقًا وراء الكواليس وفي أروقة وزارات الخارجية للدول الاستعمارية.

 

وتبقى وثيقة لورنس مفتاحًا لفهم التغييرات التي انتابت عالمنا العربي والإسلامي في العصر الحديث، وحتى الآن!!

 

2- خضوع مصطفى كمال لشروط كرزن (الوزير البريطاني) الأربعة وهي:

أ- إلغاء الخلافة الإسلامية نهائيًا من تركيا.

ب- أن تقطع تركيا كل صلة مع الإسلام.

ج- أن تضمن تركيا تجميد وشل حركة جميع العناصر الإسلامية الباقية في تركيا.

د- أن يستبدلوا الدستور العثماني القائم على الإسلام بدستور مدني بحت[15].

 

وكان أتاتورك مخلصًا في تنفيذ هذه الشروط، بل ذهب إلى أبعد منها، كما يظهر للقارئ في حديثنا عنه في الفصل الأخير من الكتاب.

 

ولم لا؟ فقد ثبت أنه كان من يهود الدونمة الذين اعتمدت عليهم الماسونية في تحقيق مآربها للنيل من خلافة المسلمين لكسر شوكتهم توطئة لاقتحام أراضيهم والنفاذ منها إلى القدس!!

 

3- لا تكتمل الرؤية الصحيحة للخلافة العثمانية إلا. بمنظاري الإيجاب والسلب، إننا نسلم - إقرارًا للواقع - بحدوث سلبيات عانت منها الشعوب الإسلامية في ظل هذه الخلافة، كانتشار الرشوة، وشيوع المفاسد في القصور، وفساد الجيش ونظار الإنكشارية فيه وترف السلاطين، وإكثارهم من الزواج من غربيات، والصور العديدة من المظالم والاغتيالات والمؤامرات التي هدت كيان الدولة، إلى غير ذلك من عوامل سطرتها صفحات التاريخ مما لا يمكن إنكاره.

 

نحن نسلم بها ونبحث - في الوقت نفسه - عمن يدلنا على دولة مشابهة لها في المساحة الشاسعة ومدد السكان وما تعرضت له من مؤامرات داخلية وخارجية وطال بها العمر فبلغ عدد قرون ثم يثبت لنا بعد ذلك خلوها مما عرفناه عنها من سلبيات.

 

لقد واجهت الخلافة العثمانية أزمات متعددة تسبيب في إيجادها خصومها، فيها الأزمات المالية والارتباك الإداري وكثير من الاضطرابات التي عملت الماسونية العالمية على توسيع رقعتها. كما واجهت صراعات قومية في الداخل، وعلى الأخص من نصارى الشام والشريف حسين والي الحجاز الذي شجعه الإنجليز ليحارب الخليفة، ودخل لورنس الجاسوس البريطاني المعروف ليحرك الثورة العربية خدمة لبلاده.

 

ولكننا لا نريد مشاركة الساخرين سخريتهم عندما يتساءلون: وهل خلت دولة معاصرة - صغرت أم كبرت - من بعض أو كل هذه المظاهر؟

 

إننا نقرأ الكثير - لا سيما في السنوات الأخيرة - عن فضائح سياسية ومالية وأخلاقية في دول عالم اليوم الكبرى، فهل أصبحت ذريعة للمطالبة بحلها وزوالها؟

 

الأقرب إلى بديهة العقول تبديل الأشخاص وإصلاح المفاسد لا اجتثاث النظام كله، وهذا ما طالب به بالفعل غالبية شباب المسلمين الراغبين في الإبقاء على نظام الخلافة حينذاك، مع معالجة مساوئها لأنهم على علم بمآثر العثمانيين المسلمين الذي قاموا أكثر من ستة قرون في تاريخ الإسلام بمهمة الجهاد في سبيل الله، وكان أعظم ملوك أوروبا يتقدم صاغرًا يطلب ود الخليفة[16].

 

فإن المسلمين الآن في موازين القوى السياسية الدولية بعد تفككهم وزوال مظهر قوتهم ومنعتهم بعد أن خلعوا ثوب الوحدة؟

 

لقد قطعت أوصال بلادهم إربًا إربًا، فاحتلت إنجلترا مصر والسودان، فضلًا عن الهند وبلدان أخرى في أفريقيا وآسيا، واحتلت فرنسا تونس والجزائر ومراكش، واستولت إيطاليا على ليبيا والحبشة، وافترست روسيا المسلمين بعد الثورة الماركسية ونكلت يهم وشردتمم ومزقتهم كل ممزق، بعد أن خدعتهم في البداية لتضمن تأييدهم، فكان جزاؤهم جزاء سنمار!!

 

وكم من المآسي حدثت في ظل القوات العسكرية المحتلة لأراضي المسلمين؟

وكم من المشانق نصبت، وكم من الأحرار عذبوا وشردوا واستشهدوا؟

 

وأمام آلاف الصفحات المخضبة بدماء الشهداء، نجتزئ سطورًا من رسالة لأحد مسلمي سوريا يصف فيها ما عاناه الناس هناك على أيدي سلطات الاحتلال الفرنسية، وهي مثال لما عاناه المسلمون في كل البلاد:

"ثرنا على الترك من سنة 1914 إلى 1918 فكان موقفنا والحالة هذه موقف الثوار لأن بلادنا كانت جزءًا من أجزاء السلطنة العثمانية. ومع ذلك لم يشنق الترك منا إلا بضع عشرات، وقد كانوا قادرين أن ينزلوا أشد العقوبة بالألوف، أما فرنسا فنحن لسنا من رعاياها، وقد كان مقضيًا عليها أن تكون ملاذنا، ومع ذلك قتلت ولا تزال تقتل من سنة 1619 ألوفًا من ذوينا ابتغاء توطيد أركان سيادتها فمن من الاثنين أشد همجية من الآخر؟! لنرجع إلى التمرس بالترك"[17].

 

وبعد: فإن أصل هذا الكتاب كان رسالة جامعية لنيل درجة الماجستير في الآداب من جامعة الإسكندرية (1386- 1387هـ، 1966- 1967م) تحت عنوان: (نظرية الإمامة عند أهل السنة والجماعة)، ثم أدخلت عليها بعض التعديلات منها:

أ- المقدمة لتتناسب مع كتاب صادر لعامة القراء وليست متعلقة برسالة جامعية لا يقرأها إلا المتخصصون. كذلك رأيت من الأنسب تعديل العنوان حتى لا يلتبس على القراء مفهوم (الإمامة) في الصلاة مع نظرية (الإمامة الكبرى) أي الخلافة، وهي موضوعها الرئيسي كنظام الحكم في الإسلام.

 

ب- حذفت بعض النصوص المتعلقة بموضوع الخوارج إذ لا تهم القارئ من غير المتخصصين.. وقد صدر كتاب منفصل باسم (الخوارج) في سلسلة (.. ولا تتبعوا السبل).

 

ج- أجريت تعديلات على الفصل الأخير (الخلافة العثمانية) إذ ظهرت بعض الوثائق التي لم تكن تحت يدي وقت كتابة الرسالة.

 

كما ينبغي الإشارة إلى الكتب التي صدرت في نفس الموضوع في مجالات الدراسات الدستورية والفقه الإسلامي، فمن الأبحاث الفقهية دراسة الدكتور محمد رأفت عثمان عن (الإمامة العظمى في الفقه الإسلامى)، وكانت بدورها موضوعًا لرسالة للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر، كما ظهرت دراسة أخرى بنفس الجامعة وهي رسالة الدكتور فؤاد النادي عن (رئيس الدولة في الفقه الإسلامي).

 

وفي حقل الدراسات الدستورية المقارنة بالشريعة الإسلامية ظهر كتاب (الخليفة: توليته وعزله) ليعالج الموضوع في النظرية الدستورية الإسلامية مع دراسة مقارنة بالنظم الدستورية الغربية، للدكتور صلاح دبوس، وكان موضوعًا لرسالة للحصول على درجة الدكتوراه من كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية.

 

كما ظهرت عدة رسائل أخرى لم تعرض للموضوع نفسه مباشرة وإن اتصلت ببعض مباحثه الرئيسية: منها رسالة الدكتور فؤاد عبد المنعم عن (المساواة في الإسلام)، ورسالة الدكتور يعقوب المليجي في (مبدأ الشورى في الإسلام). وكذلك رسالة الدكتور فتحي أحمد عبدالكريم عن (مبدأ السيادة في الفقه الإسلامي)، ورسالة الدكتور عبدالحكيم البعلي عن (الحريات العامة في الفقه الإسلامي)، وكذلك ظهر كتاب للدكتور محمد سليم العوا عن (النظام السياسي في الإسلام).

 

ولا ينبغي أن نغفل بصفة خاصة كتاب الدكتور محمد ضياء الدين الريس، الجديد (الخلافة الإسلامية في العصر الحديث) نقد كتاب الإسلام وأصول الحكم، حيث أضاف إلى بيان الأخطاء الفادحة التي وقع فيها الشيخ علي عبد الرازق؛ أضاف أدلة أخرى تثبت صلة أفكار الكتاب بمصدر أجنبي، وبذلك لم يعد هناك فرصة أخرى لنفخ الروح في الكتاب المنبوذ، وهي المحاولة التي قام بها البعض لأغراض معروفة.

 

ويسعدني أن أسجل هنا تقديري وشكري إلى كل من: أستاذي الدكتور علي سامي النشار الذي أشرف على الرسالة واختار موضوعها وخط لي منهجها، وأستاذي الدكتور محمد علي أبوريان الذي شارك في مناقشتها.

 

وأدعو الله تعالى بالرحمة والمغفرة للأستاذ الدكتور محمود قاسم وكان أحد أعضاء لجنة المناقشة.

 

كما أسجل شكري لكل من أعانني في إخراج هذا الكتاب إلى الوجود وأخص بالذكر الأستاذ محمد عبد الحكيم خيال الذي أشرفَ على طبعه ومراجعة بروفاته فتجشم بذلك العناء الشديد. جزاهُ الله عني خيرًا، ولا يمكن أن أنسى معاونة الأستاذ محمد رشاد غانم الذي وضع مكتبته العامرة تحت تصرفي ولم يبخل علي بكتاب من كتبها النادرة الثمينة.

 

وأدعو الله عز وجل أن يوفقني في العودة لبحث موضوع (الخلافة العثمانية) بتوسع أثناء إعادة الدراسة لكتاب الشيخ مصطفى صبري (النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة) وأوصي علماء المسلمين أن تحتل حركة الانقلاب اليهودية ضد هذه الخلافة مكانًا في أبحاثهم ودراساتهم لتعرف الأجيال الجديدة ما أريد بأسلافها.

 

إن مسئوليتنا كبيرة لتوضيح الحقائق أمام أجيال المسلمين وهذا عملنا، فإن قصرنا في تنفيذ عمل آخر مثمر لتحقيق عودة الخلافة الإسلامية، فلا أقل من أن نخدم التاريخ الحقيقي بأمانة لكي نضمن أن تظل شعلة الحق مضيئة لا تنطفئ، لتنير الطريق أمام أبنائنا القادمين، فعسى أن يحققوا كل أو بعض ما عجزنا نحن عن تحقيقه.

 

اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين!!

 

الرياض في 17 جمادى الأولى سنة 1397هـ

5 مايو سنة 1977م.



[1] محمد أسد: منهاج الإسلام في الحكم، ص 69، 70.

[2] عبد الودود يوسف: تفسير المؤمنين (مؤسسة علوم القرآن، دمشق)، 1305هـ- 1975م.

[3] من مقال مولانا كوثر نيازي (دور باكستان في القضايا الإسلامية) من كتاب (العوامل التي تنخر في العالم الإسلامي)، ط وزارة الحج والأوقاف، المملكة العربية السعودية، 1392هـ، 1972م.

[4] "ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" رواه البخاري.

[5] زهدي الفاتح: المسلمون والحرب الرابعة، ص 113، ط 1388هـ، 1969م.

[6] وينظر كتاب المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين. لمالك بن نبي، و د. رشاد سالم: المدخل إلى الثقافة الإسلامية، ص 162.

[7] حاضر العالم الإسلامي: المقدمة، ص. ط.

[8] ينظر: ص 441.

[9] مجلة (الوعي الإسلامي) بالعدد 63 ربيع أول. 1930هـ- 6 مايو سنة 1970م، ص75، المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.

[10] محمود شاكر، سكان العالم الإسلامي، ص 70، 71.

[11] شيريت سبير يدوفيتش: حكومة العالم الخفية، ص 92، ط دار النفائس، بيروت، 1394هـ، 1974م.

[12] المصدر نفسه، ص 20، 21.

[13] زهدي الفاتح، المسلمون والحرب الرابعة، ص 35، ط 1388هـ، 1961م.

[14] مجلة (الدارة) مجلة ربع سنوية تصدر عن دائرة اللك عبد العزيز، الرياض جمادى الثانية 1395هـ، يونيو 1975م. مقال بقلم زهدي الفاتح، لورنس في الوثائق السرية، ص 146.

[15] محمد محمود الصواف، المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام، ص 174، ط مكة المكرمة، 1384هـ، 1965م.

[16] محمود شاكر: تركية ص 6، ط مؤسسة الرسالة، بيروت، 1394هـ، 1974م.

[17] أوحيد يونج، الإسلام وآسيا أمام المطامع الأوروبية، ص 85، 86- مطبعة النهضة بمصر 1928م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • صوتيات
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة