• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ فيصل آل مباركالشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك شعار موقع الشيخ فيصل آل مبارك
شبكة الألوكة / موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك / بحوث ودراسات / المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع


علامة باركود

القدرة على تسليم المعقود عليه في البيع

القدرة على تسليم المعقود عليه في البيع
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك


تاريخ الإضافة: 31/3/2015 ميلادي - 10/6/1436 هجري

الزيارات: 36761

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القدرة على تسليم المعقود عليه في البيع

المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع


قوله: وأن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه... إلى آخره[1].


قال في «المقنع»: «الخامس: أن يكون مقدوراً على تسليمه، فلا يجوز بيع الآبِق ولا الشَّارد، ولا الطير في الهواء، ولا السمك في الماء، ولا المغصوب إلا مِن غاصبه أو مَن يقدر على أخذه»[2].


وقال في «الإفصاح»: «واتفقوا على أن بيع الغرر: كالضالة، والآبق، والطير في الهواء، السمك في الماء، واللبن في الضر باطل[3]»[4].


وقال ابن رشد في باب البيوع المنهي عنها من قِبَل الغَبْن الذي سببه الغَرَر: «والغَرَر يوجد في المبيعات من جهة الجهل على أوجه:

إما من جهة الجهل بتعيين المعقود عليه، أو تعيين العقد، أو من جهة الجهل بوصف الثمن أو المثمون المبيع، أو بقدره، أو بأجله إن كان هنالك أجل، وإما من جهة الجهل بوجوده، أو تعذر القدرة عليه، وهذا راجع إلى تعذر التسليم، وإما من جهة الجهل بسلامته - أعني: بقاءه - وههُنا بيوعٌ [326أ] تجمع أكثر هذه أو بعضها»[5]...


إلى أن قال: «وأما المسائل المسكوت عنها في هذا الباب المختلف فيها بين فقهاء الأمصار فكثيرة، لكن نذكر منها أشهرها لتكون كالقانون للمجتهد النظار، مسألة المبيعات على نوعين:

مبيع حاضر مرئي، فهذا لا خِلاف في بيعه، ومبيع غائب أو متعذِّر الرؤية فهُنا اختلف العلماء »[6]...


إلى أن قال: «ومن هذا الباب بيع السمك في الغَدير وفي البِرْكَة، اختلفوا فيه أيضاً.

فقال أبو حنيفة[7]: يجوز.

ومنعه مالك[8] والشافعي[9] - فيما أحسب - وهو الذي تقتضي أصوله.

ومن ذلك: بيع الآبق، وأجازه قومٌ بإطلاق، ومَنَعه قومٌ بإطلاق، ومنهم الشافعي[10].


وقال مالك[11]: إذا كان معلوم الصفة معلوم الموضع عند البائع والمشتري جاز، وأظنه اشترط أن يكون معلوم الإباق، ويتواضعان الثمن - أعني: أنه لا يقبضه البائع حتى يقبضه المشتري - لأنه يتردَّد عند العقد بين بيع وسلف، وهذا أصل من أصوله يمنع به النقد في بيع المواضعة، وفي بيع الغائب غير المأمون وفيما كان من هذا الجنس، وممن قال بحواز بيع الآبق والبعير الشارد: عثمان البتِّي.


والحُجَّة للشافعي: حديث شَهْر بن حَوْشب، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن شراء العبد الآبق، وعن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن شراء ما في ضُروعها، وعن شراء الغنائم حتى تُقسم[12].


وأجاز مالك[13] بيع لبن الغنم أياماً معدودة إذا كان ما يحلب منها معروفاً في العادة، ولم يُجِز ذلك في الشاة الواحدة.


وقال سائر الفقهاء[14]: لا يجوز ذلك إلا بكيل معلوم بعد الحلب[15]».

وقال في «الفروع»: «الرابع: القدرة على تسليمه فلا يصح بيع السمك في الماء، والطير في الهواء، وقيل: لا يألف الرجوع، واختاره في الفُنون»، وأنه قول الجماعة، وأنكره من لم يُحقِّق.


فإن أمكن أخذه ومكانه مغلَق أو أخذ سمك في ماء من مكان له وطالت المدة فلم يسهل أخذه لم يجز؛ لعجزه في الحال، والجهل بوقت تسليمه.


وظاهر «الواضح» وغيره: بلى، وهو ظاهر تعليل أحمد بجهالته، وإلا فوجهان، وصحَّحه بعضهم في الأُولى لقصر المدَّة، ولا بيع مغصوب إلا لغاصبه وفاقاً[16]، وعلى الأصح أو قادر عليه؛ وفاقاً لأبي حنيفة[17]، وكذا آبق، اختاره الشيخ وغيره، وذكره القاضي في موضع وفاقاً لأبي حنيفة[18] ومالك[19]، والأشهر: المنع، وإن عجز فله الفسخ.


ويصح بيع النحل بكُورَاه أو فيها مفرداً [326ب] في الأصح فيهما، والأكثر إذا شوهد داخلاً، قال جماعة: لا، بما فيها من نحل وعسل، وظاهر كلام بعضهم: صحته»[20].


وقال ابن رجب: «القاعدة الخامسة والستون، وهي: من تَصَرَّف في شيء يظن أنه لا يملكه فتبين أنه كان يملكه، وفيها الخلاف، ويندرج تحتها صور...


إلى أن قال: ومنها: لو اشترى آبقاً يظن أنه لا يقدر على تحصيله فبان بخلافه، ففي صحة العقد وجهان، اعتقاده فَقْدَ شرط الصحة وهو موجود في الباطن.


وفي «المغني»: بالفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع فيفسد البيع في حقِّه؛ لأنه متلاعب، وبين من لا يعلم ذلك فيصح؛ لأنه لم يقدم على ما يعتقده باطلاً، وقد تبيَّن وجود شرط صحته[21]، وهذا يبين أن للمسألة التفاتاً إلى مسألة بيع الهازِل، والمشهور: بطلانه، وهو قول القاضي[22].


وقال أبو الخطاب في «انتصاره»: هو صحيح[23] »[24].

وقال البخاري: «باب: بيع الغَرَر وحَبَلِ الحَبَلَةِ.


حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بيع حَبَلِ الحَبَلَةِ، وكان بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة ثم نتنج التي في بطنها[25] ».


قال الحافظ: «قوله: (باب: بيع الغرر وبيع حَبَلِ الحَبَلَةِ)، وهو مصدر: حَبَلَتْ تحبل، والحَبَلة: جمع حابل...


إلى أن قال: ثم إن عطف بيع حَبَل الحَبَلة على بيع الغرر من عطف الخاص على العام، ولم يذكر في الباب بيع الغَرَر صريحاً، وكأنه أشار إلى ما أخرجه أحمد من طريق ابن إسحاق، حدَّثني نافع، وابن حبان من طريق سليمان التيمي، عن نافع، عن ابن عمر، قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر[26].


وقد أخرج مسلم النهي عن بيع الغرر من حديث أبي هريرة[27].

وابن ماجه من حديث ابن عباس[28].

والطبراني من حديث سهل بن سعد[29].


ولأحمد من حديث ابن مسعود رفعه: (لا تشتروا السمك في الماء، فإنه غَرَر)[30]، وشراء السمك في الماء نوع من أنواع الغرر [327أ]، ويلتحق به الطير في الهواء، والمعدوم والمجهول والآبق، ونحو ذلك.


قال النووي[31]: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول البيع، فيدخل تحته مسائل كثيرة جدّاً، ويستثنى من بيع الغرر أمران:

أحدهما: يدخل في المبيع تبعاً فلو أُفرد لم يصح بيعه.

والثاني: ما يتسامح بمثله إما لحقارته، أو للمشقَّة في تمييزه وتعيينه.


فمن الأول: بيع أساس الدار والدابة التي في ضرعها اللبن والحامل.


ومن الثاني: الجُبَّة المحْشُوَّة والشرب من السِّقَاء، قال: وما اختلف العلماء فيه مبني على اختلافهم في كونه حقيراً، أو يشق تمييزه أو تعيينه، فيكون الغرر فيه كالمعدوم، فيصح البيع وبالعكس.


قال الحافظ: وروى الطبري، عن ابن سيرين - بإسناد صحيح - قال: لا أعلم ببيع الغرر بأساً[32].

قال ابن بطَّال[33]: لعله لم يبلغه النهي، وإلا فكل ما يمكن أن يوجد وألّا يوجد لم يصح، وكذلك إذا كان لا يصح غالباً، فإن كان يصح غالباً كالثمرة في أول بُدُوِّ صلاحها، أو كان مستتراً تبعاً - كالحمل مع الحامل - جاز لقِلَّة الغَرَر.


ولعل هذا هو الذي أراده ابن سيرين، لكن مَنَعَ من ذلك ما رواه ابن المنذر[34] عنه: أنه قال: لا بأس ببيع العبد الآبق إذا كان علمهما فيه واحداً، فهذا يدلُّ على أنه يرى بيع الغَرَر إن سلم في المآل، والله أعلم.


قوله: (وكان)، أي: بيع حَبَل الحَبَلَةِ، بيعاً يتبايعه أهل الجاهلية، في رواية عن ابن عمر، قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون أهل لحم الجَزُور إلى حَبَل الحَبَلة، وحَبَل الحَبَلة أن تنتج الناقة ما في بطنها، ثم تحمل التي نتجت، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك[35].


وقوله: (ثم تنتج التي في بطنها)، أي: تعيش المولودة حتى تكبر ثم تلد، وهذا القدر زائد على رواية عبيد الله بن عمر، فإنه اقتصر على قوله: ثم تحمل التي في بطنها[36]، ورواية جويرية أخصر منها، ولفظه: أن تنتج الناقة ما في بطنها[37]، وبظاهر هذه الرواية قال سعيد بن المسيب فيما رواه عنه مالك[38]، وقال به مالك[39] والشافعي[40] وجماعة، وهو: أن يبيع بثمن إلى أن يلد ولد الناقة.


وقال بعضهم: أن يبيع بثمن إلى أن تحمل الدابة وتلد ويحمل ولدها، وبه جزم أبو إسحاق في «التنبيه»[41]، فلم يشترط وضع حمل الولد كرواية مالك، ولم أرَ صرَّح بما اقتضته رواية جويرية وهو الوضع فقط، وهو[42] في الحكم مثل الذي قبله، والمنع في الصور الثلاث للجهالة في الأجل [327ب]، ومن حقِّه على هذا التفسير أن يُذكر في السَّلَم.


وقال أبو عبيدةَ وأبو عبيدٍ وأحمد[43] وإسحاق وابن حبيب المالكي[44] وأكثر أهل اللغة، وبه جزم الترمذي: هو بيع ولد نتاج الدابة، والمنع[45] في هذا من جهة أنه بيع معدوم ومجهول وغير مقدور على تسليمه، فيدخل في بيوع الغَرَر؛ ولذلك صدَّر البخاري بذكر الغَرَر في الترجمة، لكنه أشار إلى التفسير الأول بإيراد الحديث في كتاب السَّلَم أيضاً، ورجَّح الأول؛ لكونه موافقاً للحديث، وإن كان[46] كلام أهل اللغة موافقاً للثاني، لكن قد روى الإمام أحمد من طريق ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر ما يوافق الثاني، ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، قال: إن أهل الجاهلية كانوا يتبايعون ذلك البيع، يبتاع الرجل بالشَّارِف حَبَل الحَبَلَة، فنُهوا عن ذلك[47].


وقال ابن التين: مُحَصَّل الخلاف: هل المراد البيع إلى أجل، أو بيع الجنين؟

وعلى الأول: هل المراد بالأجل ولادة الأم، أو ولادة ولدها؟

وعلى الثاني: هل المراد بيع الجنين الأول، أو بيع جنين الجنين؟

فصارت أربعة أقوال.


قال الحافظ: وحكى صاحب «المحكم»[48] قولاً آخر: أنه بيع ما في بطون الأنعام، وهو أيضاً من بيوع الغرر، لكن هذا إنما فسر به سعيد بن المسيب - كما رواه مالك في «الموطأ» - بيع المضامين، وفسر به غيره بيع المَلَاقِيح[49] »[50].


وقال الشيخ ابن سعدي:

«القاعدة الثانية: تحريم المعاملات التي فيها غرر وخطر، وذلك أنه ثبت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين تحريم الميسر[51]، وهو نوعان:

نوع في المغالبات والرهان، فهذا كله محرم لم يبح الشارع منه إلا ما كان مُعِيناً على طاعته والجهاد في سبيله: كأخذ العوض في مسابقة الخيل و الركاب والسهام.


والنوع الثاني: من الميسر في المعاملات، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغَرَر، وهذا شامل للبيع بأنواعه والإجارات، فالشيء الذي يشك في حصوله أو تجهل حاله وصفاته المقصودة دَاخِل في الغرر؛ [لأن أحد المتعاقدين إما أن يغنم أو يغرم، فهو مُخَاطِر كالرهان.


ولأجل هذه القاعدة اشترط الفقهاء في البيع: أن يكون الثمن معلوماً والمثمن معلوماً؛ لأن جهالة أحدهما تدخله في الغَرَر، وقد ذكروا من أمثلة الجهالة في أحدهما شيئاً كثيراً، لكن منها ما جهالته ظاهرة لا يختلف أهل العلم في منعه وتحريمه كبيع الحمل في البطن، وحَبَل الحَبَلَة، وبيع الملامة، والمُنّابَذة، والحَصَاة، ونحوها.


ومنها: ما تكون جهالته يسيرة قد يدخلها بعضهم في الغَرَر ويمنعها، ولا يدخلها آخرون فيبيحونها، مثل: البيع بما باع به زيد، أو بما باع به الناس، وبما ينقطع به السعر، وبيع المَقَاثِي في الأرض التي المقصود منها مستتر، ونحوهما مما تختلف فيه أنظار العلماء مع اتفاقهم على أصل القاعدة.


لكن الخلاف في الصور المعينة: هل تنطبق عليها القاعدة أم لا؟

وأولاهم بالصواب فيها: من وافق الواقع التي هي عليه في عُرف الناس ومعارفهم، ولأجل هذه القاعدة ذكروا من شروط البيع بأنواعه: القدرة على تسليمه، فمنعوا بيع الآبق والشارد ونحوهما مما يُشك في حصوله.


وكذلك في الإجارة اشترطوا العلم بالعين المؤجرة والقدرة على تسليمها، والعلم بالأجرة؛ لأنه إذا لم يحصل العلم بذلك دخل في الغرر.


وأدخلوا فيه استثناء المجهول من المعلوم، قالوا: لأنه يصيره مجهولاً، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الثُّنْيَا إلا أن تعلم[52]، فدخل فيه استثناء جزء من المبيع غير مشَاع ولا مُعَين، واشتراط حلول الثمن أو المثمن بمدة غير معلومة لهما، كما وَرَدَ في الحديث الصحيح: (من أسلمَ في شيء فليُسْلِم في كيلٍ معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم)[53].


فجهالة ذلك يدخله في الغرر، ومثله بيع الشيء واستثناء بعض منافعه، فلا بد أن تكون معلومة إلى مدة معلومة، كأن يبيع البعير ويستثني ظهره، أو الدار ويستثني سكناها، أو الآنية ويستثني الانتفاع بها، أو العبد ويستثني خدمته، فكلها لا بد أن تكون معلومة لهذا الأصل.


والفرق بين أبواب البيوع حيث لم تجز في هذه إلا تحرير النفع والمدة، وبين باب الهبة[54] والوصية والوقف، حيث جاز استثناء بعض المنافع المجهولة: أن باب التبرعات أوسع من باب المعاوضات؛ لكون حصل للمنتقل إليه بلا عوض، فلا ضير عليه ولا ضرر في ذلك، بخلاف المعاوضة، فإنه أخذه ودفع عوضه، فلا بد من العلم.


وهل من هذا الباب: استثناء معلوم غير مشاع من مبيع مجهول القدر كاستثناء صاع، أو عدة أوزان من هذه الشجرة، أو قَفِيز من هذه الصُّبْرَة؟

فمنعه الأصحاب المتأخرون، وقالوا: استثناء المعلوم من المجهول القدر يُصَير الباقي مجهولاً، والصحيح جوازه، وهو أحد القولين في المذهب[55]؛ لأنه لا جهالة فيه، وليس أعظم جهالة من استثناء المشاع المعلوم؛ بل هذا داخل في مفهوم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الثُّنْيَا إلا أن تعلم، وهذا معلوم.


ومن الغرر في باب المشاركات والمُسَاقاة والمزارعة ونحوها: أن يشترط لأحدهما ربح أحد السلعتين أو السَّفْرَتَين، أو دراهم معينة من الربح، أو زرع ناحيةٍ مُعَيَّنة، أو شجراً معيناً، ويقتسما الباقي على شرطهما، فإن فيه من الغَرَر المنافي لمقصود المشاركة ما هو ظاهر، ومبنى هذه المشاركات على استواء المتشاركين فيما يحصل لهما من غُنْم وما عليهما من غُرْم.


ومن أنواع الغرر: أن يكون له في ذمته أَصْوَاع مقدرة، أو أوزان مقدرة؛ فيعطيه عن ذلك جِزافاً؛ لأنه قد يكون قدر حقِّه، وقد يكون أكثر أو أقل ففيه خطر.


فإن أعطاه عن جميع حقِّه شيئاً مجهولاً، وهو أقل منه يقيناً، وهو من جنسه ونوعه فلا بأس؛ لأنه لا يحتمل أنه أكثر من حقه؛ بل قد علم أنه دون حقه ولكنه سمح له بالباقي المجهول، وكثيراً ما تدعو الحاجة إلى مثل هذه الحالة، وأنواع الغرر كثيرة جدّاً، وقد حصل المقصود بهذه الأمثلة.


فأما الحكمة في تحريم بيع الغرر ومعاملات الغرر: فهي بعينها الحكمة التي ذكرها في الميسر، حيث شارك الخمر في مفاسده، حيث قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90]، فأخبر أنها رجس - أي: خبيثة - وأنها من أعمال الشيطان، وكل أعماله شر لا خير فيه بوجه، وما كان شرّاً وجب اجتنابه، ورتَّب الفالح على اجتنابه، وأخبر أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس؛ وذلك لأن المتخاطرين في المغالبات والمعاملات لا بد أن يغلب أحدهما الآخر ويَغبنه، ويكون الآخر مغلوباً مغبوناً ويشاهد مظلمته بعينها عند من قهره، فلا تسأل عمَّا يحدث له من الهمِّ والبُغض له، وإرادة الشرِّ والعدواة؛ لأنه ظلم واضح.


إلا أن الظلم في باب الربا قد تعيَّن المظلوم فيه، وهو المأخوذ منه الزيادة، وهنا لم يتعيِّن، قد يدون الغني، وقد يكون المحتاج، وقد يكون هذا تارة وهذا أخرى، فمن رحمة الشارع وحكمته النهي عن هذا النوع الذي قد تبيَّن وظهر شرُّه وزال خيره، وصار سبباً لأضرار كثيرة، وأنه لا تصلح دنيا الخلق إلا بالتزام أحكام الشرع، كما لا يصلح دينهم إلا بذلك.


وإذا كانت الجهالة يسيرة، ودعت الحاجة إليها، فقد جوَّزها الأصحاب مع تشديدهم في هذا النوع.

وكذلك شدَّدوا جدّاً في السَّلَم واشتراط صفات المُسْلَم فيه، مع أنه خلاف ما نصَّ عليه الإمام أحمد، وخلاف ما عليه عمل الناس، والميزان في هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (من أسلم في شيءٍ فليُسْلِف في كيلٍ معلوم، ووزنٍ معلوم، إلى أجلٍ معلوم)، متفق عليه[56]، ونهيه عن الغَرَر، فحيث كان المُسْلَم فيه معلوماً عند الناس لا يَعُدُّونه مخاطرة فهو جائز.


ومما يدخل في الغَرَر والمخاطرة نهيُ الشارع عن بيع الثمر قبل بُدُوِّ صلاحها، والزرع قبل اشتداد حبِّه لكثرة الآفات؛ ولهذا إذا عُدِمت هذه العِلَّة، وشرط قطعه في الحال، وكان مما يُنتفع به جاز، وإذا كان تابعاً للأرض والشجر جاز لدخوله بالتبعية، وقد يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.


وأما بيع مالك الزرع لمالك الأرض، أو بيع مالك الثمر لمالك الشجر، فقد أجازه الأصحاب، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد[57]، والرواية الثانية أصح، وهو: أنه لا يجوز[58]؛ لأنه داخل في عموم اللفظ وعموم المعنى، فلا معنى لتخصيصه.


وحقق الشارع هذا المقصود فأسقط من مشتري الثمار بعد بُدُوٍّ صلاحها الجَائِحة، وقال: (بِمَ يَستحِلُّ أحدُكم مالَ أخيه؟)[59]، فعلَّلَ ذلك بأنه يأخذه بغير حق.


ولا يفيد في هذا شرط الجائحة على المشتري؛ لأنه شرط يخالف حكم الله، وكل شرط يخالف حكمه فهو باطل.


ولأن الخطر والضرر فيه ظاهر جدّاً، فقد يبيع ثمراً بمئة درهم ويشرط الجائحة على المشتري ثم يجتاح، ولا يساوي بعد الجائحة إلا ثمناً قليلاً جدّاً، وهو إنما رضي بالاشتراط إحسان ظن أنها لا تجتاح، فلا يحل إلزامه بالجائحة ولو اشترطها، وهذا ظاهر النصوص، وظاهر كلام الأصحاب المتقدمين والمتأخرين؛ لأنهم ذكروا الجائحة على البائع، ولم يستثنوا حالة من الأحوال، ولو كان في المذهب قول آخر، وأنه ينفع فيه شرك لنبَّهُوا عليه.


وقد ظن بعض المتأخِّرين أن اشتراط وضع الجائحة بعد انعقاد البيع أنه نافع - مثل: لو اشترى حيوناً، أو غيره من المعيبات، ثم بعد العقد أسقط خيار العيب وهو يجهله - وهذا وهمٌ ظاهر، فإن الفرق بين جوائح الثمار وبين عيوب السلع ظاهر، فإن السلعة من حيث تدخل في ملك المشتري ثم يحدث فيها عيب فإن العيب على المشتري، شرط أو لم يشرط بالاتفاق، وليس له إلا ردّ العيب الموجود قبل الشراء إذا كان يجهله.


فإذا أسقطه بعد العقد فقد أسقط عيباً موجوداً، وحقّاً له ثابتاً مع الخلاف فيه.


وأما عيوب الثمار الحادثة بعد العقد: فقد دَلَّ النصُّ على أنه على البائع، وإذا أسقطه المشتري فقد أسقط الحق قبل ثبوته.


وأيضاً فالحق للشارع، فلا يحل تراضي المتبايعين على ما نهى الشارع عنه، أرأيت لو تراضيا على مسائل الغَرَر والمخاطرة كبيع الآبق ونحوه، فهل يكون رضاهما مُسَوِّغاً لصحة البيع؟!


كلا؛ فإنه لا يسقط إلا الحق الثابت المتمحض للآدمي، وأما حق الله تعالى فلا يحل التراضي على إسقاطه » [60] انتهى كلام الشيخ ابن سعدي.


وقال ابن هبيرة في «الإفصاح»: «واختلفوا فيما إذا أصابت الثمار جائحة:

فقال أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه[61] - وهو أظهرهما -: جميع ذلك من ضمان المشتري، ولا يجب له وضع شيء منها.


وقال مالك[62]: توضع الجائحة إذا أتت على ثلث الثمرة فأكثر فهو من ضمان البائع وتوضع عن المشتري، وإن كان دون ذلك فهو في ضمان المشتري ولا يوضع عنه.


واختُلف عن أحمد، فروي عنه[63]: أنها من ضمان البائع فيما قلَّ أو كثر ويوضع عن المشتري، ورُوي عنه[64] كمذهب مالك » [65].


وقال ابن رشد: «فسببُ الخلاف في هذه المسألة: هل تعارض الآثار فيها، وتعارض مقاييس الشَّبَه...


إلى أن قال: ولا خلاف بينهم في القضاء بالجائحة بالعطش » [66] انتهى ملخَّصاً.


وقال البخاري: «باب: إذا باع الثمار قبل أن يبدوا صلاحها ثم أصابته عاهة فهو من البائع»[67] انتهى.


وسيأتي الكلام على هذه المسألة مبسوطاً في (باب: بيع الأصول والثمار) إن شاء الله تعالى][68].



[1] الروض المربع ص236.

[2] المقنع 2/10و 11.

[3] فتح القدير 5/191و 192، وحاشية ابن عابدين 5/63 - 66. والشرح الصغير 2/31، وحاشية الدسوقي 3/11. وتحفة المحتاج 4/250، ونهاية المحتاج 3/405. وشرح منتهى الإرادات 3/135و 136، وكشاف القناع 7/331و 332.

[4] الإفصاح 2/60.

[5] بداية المجتهد 2/137.

[6] بداية المجتهد 2/144.

[7] فتح القدير 5/191، وحاشية ابن عابدين 5/63و 64.

[8] الفواكه الدواني 2/137، وحاشية العدوي 2/135.

[9] تحفة المحتاج 4/242، ونهاية المحتاج 3/399.

[10] تحفة المحتاج 4/242، ونهاية المحتاج 3/399.

[11] الشرح الصغير 2/7، وحاشية الدسوقي 3/11.

[12] أخرجه الترمذي (1563)، وابن ماجه (2196)، وأحمد 3/42، والدارقطني 3/15، والبيهقي 5/338، من طريق جهضم بن عبد الله اليماني، عن محمد بن إبراهيم الباهلي، عن محمد بن زيد العبدي، عن شهر بن حوشب، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، به.

قال الترمذي: هذا حديث غريب.

وقال البيهقي: إسناده غير قوي.

وقال ابن حجر في بلوغ المرام ص152: إسناده ضعيف.

[13] منح الجليل 3/778.

[14] فتح القدير 5/192، وحاشية ابن عابدين 4/538. وحاشية تحفة المحتاج 4/270، ونهاية المحتاج 3/421. وشرح منتهى الإرادات 3/139، وكشاف القناع 7/341.

[15] بداية المجتهد 2/146و 147.

[16] شرح منتهى الإرادات 3/136,وكشاف القناع 7/334.

[17] بدائع الصنائع 5/147، وفتح القدير 5/322.

[18] بدائع الصنائع 5/147، وفتح القدير 5/322.

[19] الشرح الصغير 2/7، وحاشية الدسوقي 3/11.

[20] الفروع 4/20و 21.

[21] المغني 7/10و 11.

[22] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 11/17.

[23] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 11/18.

[24] تقرير القواعد وتحرير الفوائد 1/522و 525و 526.

[25] البخاري (2143).

[26] أحمد 2/144، وابن حبان 11/346 (4972).

قال ابن حجر في التلخيص الحبير 3/6 (1129): إسناده حسن.

[27] مسلم (1513).

[28] ابن ماجه (2195).

قال صاحب مصباح الزجاجة 3/15: إسناده ضعيف؛ لضعف أيوب بن عتبة قاضي اليمامة.

[29] الطبراني في الأوسط 5/348 (5515).

قال الهيثمي في المجمع 4/80: رجاله رجال الصحيح، خلا إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي، وثقه أبو حاتم، ولم يتكلم فيه أحد.

[30] أحمد 1/388.

قال الهيثمي في المجمع 4/80: رواه أحمد موقوفاً ومرفوعاً، ورجال الموقوف رجال الصحيح، وفي رجال المرفوع شيخ أحمد: محمد بن السماك، ولم أجد من ترجمه، وبقيتهم ثقات.

[31] انظر: المجموع 9/311، وشرح مسلم 10/156.

[32] ابن أبي شيبة 6/134 (20511).

[33] شرح صحيح البخاري 6/272.

[34] ينظر: الإشراف 6/19 (3414).

[35] أخرجه مسلم (1514).

[36] البخاري (3843)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[37] البخاري (2256)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

[38] مالك في الموطأ 2/655.

[39] الشرح الصغير 2/36، وحاشية الدسوقي 3/57.

[40] تحفة المحتاج 4/293، ونهاية المحتاج 3/448.

[41] ص55.

[42] ليست في الأصل، واستدركت من الفتح.

[43] شرح منتهى الإرادات 3/139، وكشاف القناع 7/341.

[44] شرح مختصر خليل 5/71.

[45] في الأصل: والمبيع، والمثبت من «فتح الباري».

[46] ليست في الأصل، واستدركت من الفتح.

[47] أحمد 2/144.

[48] 3/360.

[49] الموطأ 2/654.

[50] فتح الباري 4/357 - 358.

[51] فتح القدير 5/191و 192، وحاشية ابن عابدين 5/63 - 66. والشرح الصغير 2/31، وحاشية الدسوقي 3/11. وتحفة المحتاج 4/250، ونهاية المحتاج 3/405. وشرح منتهى الإرادات 3/135و 136، وكشاف القناع 7/331و 332.

[52] أخرجه الترمذي (1290)، وقال: حسن صحيح، والنسائي 7/37. وأخرجه مسلم دون قوله: «إلا أن تعلم»، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

[53] البخاري (2241)، ومسلم (1604)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

[54] ليست في الأصل، واستدركت من الإرشاد.

[55] شرح منتهى الإرادات 3/143، وكشاف القناع 7/346.

[56] البخاري (2241)، ومسلم (1604)، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

[57] شرح منتهى الإرادات 3/288و 289، وكشاف القناع 8/72.

[58] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 12/171.

[59] البخاري (2199)، ,مسلم (1555)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

[60] الإرشاد ص490 - 494.

[61] تحفة المحتاج 4/467و 468، ونهاية المحتاج 4/153و 154.

[62] الفواكه الدواني 2/184و 185، وحاشية الدسوقي 3/183و 184.

[63] شرح منتهى الإرادات 3/292و 293، وكشاف القناع 8/78و 79.

[64] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 12/194و 195.

[65] الإفصاح 2/108و 109.

[66] بداية المجتهد 2/173.

[67] فتح الباري 4/398.

[68] ما بين المعقوفين ملحق بكتاب البيع، وقد ذكره الشارح بعد كتاب العتق.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • السيرة الذاتية
  • مراسلات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة