• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ فيصل آل مباركالشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك شعار موقع الشيخ فيصل آل مبارك
شبكة الألوكة / موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك / بحوث ودراسات / أقوال العلماء الأعلام على أحاديث عمدة الأحكام


علامة باركود

حديث: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد

حديث: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك


تاريخ الإضافة: 12/3/2022 ميلادي - 8/8/1443 هجري

الزيارات: 12529

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حديث: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد

 

عن عائشة - رضي الله عنه - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وفي لفظ: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

 

الأصل في القضاء ومشروعيته: الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26]، وقال عز وجل: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

وروى عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"؛ متفق عليه.

 

وعن عبدالله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار وكله إلى نفسه"؛ رواه ابن ماجه، وفي لفظ: "فإذا جار تخفى عنه ولزمه الشيطان"؛ رواه الترمذي.

 

وعن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار؛ فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار"؛ رواه ابن ماجه وأبو داود.

 

قال مالك: لا بد أن يكون القاضي عالِمًا عاقلًا[1].

وقال البخاري: يستحب للكاتب أن يكون أمينًا عاقلًا[2]؛ اهـ.

 

وعن معاذ بن جبل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه قاضيًا إلى اليمن، قال له: "بم تحكم؟"، قال: بكتاب الله تعالى قال: "فإن لم تجد"، قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن لم تجد"، قال: أجتهد رأيي، قال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله"؛ رواه أحمد.

 

وكتب عمر إلى معاذ بن جبل وأبي عبيدة حين بعثهما إلى الشام: أن انظرا رجالًا من صالحي من قبلكم فاستعملوهم على القضاء، وأوسعوا عليهم وارزقوهم واكفوهم من مال الله، وقال علي: لا ينبغي أن يكون القاضي قاضيًا حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستثير ذوي الألباب، لا يخاف في الله لومة لائم.

 

قال الموفق: وله أن ينتهر الخصم إذا التوى ويصيح عليه، وإن استحق التعزير عزره بما يرى من أدب أو حبس[3].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى، وبقول أو وجه من غير نظر في الترجيح، قال: وأكثر من يميز في العلم من المتوسطين إذا نظر وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن ونظر تام، ترجَّح عنده أحدهما، قال: ولا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقًا، قال: ويتوجه أن يصح قضاء الأعمى مطلقًا، ويعرف بأعيان الشهود والخصوم كما يعرف بمعاني كلامهم في الترجمة؛ إذ معرفة كلامه وعينه سواء، وكما يجوز أن يقض على غائب باسمه ونسبه[4].

 

قوله: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

 

قال الحافظ: (وقد رويناه في كتاب السنة لأبي الحسين بن حامد من طريق محمد بن إسحاق عن عبد الواحد، وفيه قصة، قال: عن سعد بن إبراهيم قال: كان الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب أوصى بوصية، فجعل بعضها صدقة وبعضها ميراثًا وخلط فيها، وأنا يومئذ على القضاء، فما دريت كيف أقضي فيها، فصليت بجنب القاسم بن محمد، فسألته فقال: أجز من ماله الثلث وصية، ورد سائر ذلك ميراثًا، فإن عائشة حدثتني فذكره، وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده، فإن معناه من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله، فلا يلتفت إليه، قال النووي: هذا الحديث مما ينبغي أن يعتنى بحفظه واستعماله في إبطال المنكرات وإشاعة الاستدلال به كذلك، وقال الطرقي: هذا الحديث يصلح أن يسمى نصف أدلة الشرع،

قال الحافظ: وقوله: رد معناه مردود، وكأنه قال فهو باطل غير معتد به.

 

قوله: (وفي لفظ: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد").

قال الحافظ: هذا أعم من اللفظ الأول، فيحتج به في إبطال جميع العقود المنهية، وعدم وجود ثمراتها المرتبة عليها، وفيه رد المحدثات، وأن النهي يقتضي الفساد؛ لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها، ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر؛ لقوله: "ليس عليه أمرنا"، والمراد به أمر الدين، وفيه أن الصلح الفاسد منتقض والمأخوذ عليه مستحق الرد)[5]؛ اهـ.

 

قال البخاري: باب إذا اجتهد العامل أو الحاكم، فأخطأ خلاف الرسول مِن غير علم، فحكمُه مردود، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد".

 

قال الحافظ: وقد تقدم في كتاب الأحكام ترجمة إذا قضى الحاكم بجور أو خلاف أهل العلم، فهو مردود، وهي معقودة لمخالفة الإجماع، وهذه معقودة لمخالفة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال ابن بطال: مراده أن من حكم بغير السنة جهلًا أو غلطًا، يجب عليه الرجوع إلى حكم السنة، وترك ما خالفها؛ امتثالًا لأمر الله تعالى بإيجاب طاعة رسوله، وهذا هو نفس الاعتصام بالسنة، وقال الكرماني: المراد بالعامل عامل الزكاة وبالحاكم القاضي، وقوله: فأخطأ، أي في أخذ واجب الزكاة، أو في قضائه)[6].

 

تتمة:

قال ابن تيمية: وقد أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، فهو تنبيهٌ على أنواع الاجتماع والواجب اتخاذه ولاية القضاء دينًا وقربة، فإنها من أفضل القربات، وإنما فسد حال الأكثر لطلب الرئاسة والمال بها، ومن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجِز عنه، وما يستفيده المتولي بالولاية لأحد له شرعًا، بل يتلقى من اللفظ والأحوال والعرف، وأجمع العلماء على تحريم الحكم والفتيا بالهوى، ويقول: أو وجه من غير نظر في الترجيح، ويجب العمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه إجماعًا، والولاية لها ركنان القوة والأمانة، فالقوة في الحكم ترجع إلى العلم بالعدل، وتنفيذ الحكم والأمانة ترجع إلى خشية الله تعالى، ويشترط في القاضي أن يكون ورعًا، والحاكم فيه صفات ثلاث، فمن جهة الإثبات هو شاهد، ومن جهة الأمر والنهي فهو مُفت، ومن جهة الإلزام بذلك هو ذو سلطان، وأقل ما يشترط فيه صفات الشاهد؛ لأنه لا بد أن يحكم بعدل، ولا يجوز الاستفتاء إلا ممن يفتي بعلم وعدل، وشروط القضاء تعتبر حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل، وعلى هذا يدل كلام أحمد وغيره، فيولي لعدمه أنفع الفاسقين وأقلهما شرًّا، وأعدل المقلدين، وأعرفهما بالتقليد، وإن كان أحدهما أعلم والآخر أورع قدِّم فيما قد يظهر حكمه، ويخاف الهوى فيه الأورع، وفيما ندر حكمه، ويخاف فيه الاشتباه ألا علم، وأكثرُ مَن يميز في العلم من المتوسطين إذا نظر وتأمل أدلة الفريقين بقصد حسن ونظر تام، ترجح عنده أحدهما، لكن قد لا يثق بنظره، بل يحتمل أن عنده ما لا يعرف جوابه، فالواجب على مثل هذا موافقته للقول الذي ترجَّح عنده بلا دعوى منه للاجتهاد؛ كالمجتهدين في أعيان المفتين والأئمة إذا ترجَّح عنده أحدهما قلَّده، والدليل الخاص الذي يرجح به قول على قول أولى بالاتباع من دليل عام على أن أحدهما أعلم وأدين، وعلم أكثر الناس بترجيح قول على قول أيسر من علم أحدهم بأن أحدهما أعلم وأدين؛ لأن الحق واحد ولا بد، ويجب أن ينصب على الحكم دليلًا، وأدلة الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع وتكلم الصحابة فيها وإلى اليوم بقصد حسن بخلاف الإمامية.

 

وقال أبو العباس: النبيه الذي سمع اختلاف العلماء وأداءهم في الجملة، وعنده ما يعرف به رجحان القول، وليس للحاكم وغيره أن يبتدئ الناس بقهرهم على ترك ما يسوغ وإلزامهم برأيه اتفاقًا، ولو جاز هذا لجاز لغيره مثله، وأفضى إلى التفرق والاختلاف، وفي لزوم التمذهب بمذهب، وامتناع الانتقال إلى غيره وجهان في مذهب أحمد وغيره، وفي القول بلزوم طاعة غير النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أمره ونهيه، وهو خلاف الإجماع، وجوازه فيه ما فيه، ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتاب، فإن تاب وإلا قتل ومن قال: ينبغي كان جاهلًا ضالًّا، ومن كان متبعًا لإمام، فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل، أو لكون أحدهما أعلم وأتقى، فقد أحسن، وقال أبو العباس في موضع آخر: بل يجب عليه، وإن أحمد نص عليه، ولم يقدح ذلك في عدالته بلا نزاع، وكره العلماء الأخذ بالرُّخَص، ولا يجوز التقليد مع معرفة الحكم اتفاقًا وقبله، لا يجوز على المشهور إلا أن يضيق الوقت، ففيه وجهان، أو يعجِز عن معرفة الحق بتعارض الأدلة، ففيه وجهان، فهذه أربع مسائل، والعجز قد يعني به العجز الحقيقي، وقد يعني به المشقة العظيمة، والصحيح الجواز في هذين الموضعين، والقضاء نوعان: أخبار هو إظهار وإبداء، وأمر هو إنشاء وابتداء، فالخبر ثبت عندي، ويدخل فيه خبره عن حكمة وعن عدالة الشهود، وعن الإقرار والشهادة، والآخر وهو حقيقة الحكم أمر ونهي وإباحة، ويحصل بقوله: أعطه ولا تكلمه أو ألزِمْه، وبقوله: حكمت وألزمتُ.

 

وإذا قال الحاكم: ثبت عندي بشهادتهما، فهذا فيه وجهان، أحدهما: أن ذلك حكم كما قاله ابن عقيل وغيره، وفعل الحاكم حكم في أصح الوجهين في مذهب أحمد وغيره، والوكالة يصح قبولها على الفور والتراخي بالقول والفعل والولاية نوع منها، قال القاضي في "التعليق": إذا استأذن امرأة في غير عمله ليزوجها، فأذنت له فزوجها في عمله، لم يصح العقد؛ لأن إذنها يتعلق بالحكم، وحكمه في غير عمله لا ينفذ، فإن قالت: إذا حصلت في عملك فقد أذنت لك، فزوجها في عمله، صح بناءً على جواز تعليق الوكالة بالشرط، ومن شرط جواز العقد عليها أن تكون في عمله حين العقد عليها، فإن كانت في غير محله لم يصح عقده؛ لأنه حكم على من ليس في عمله.

 

قال أبو العباس: لا فرق بين أن تقول: زوجني إذا صرت في عملك، أو إذا صرت في عملك فزوجني؛ لأن تقييد الوكالة أحسن حالًا من تعليقها، نعم لو قالت: زوجني الآن أو فهم ذلك من أذنها، فهنا أذنت لغير قاض، وهذا هو مقصود القاضي.

 

قال في المحرر: ويجوز أن يولي قاضيين في بلد واحد، وقيل: إن ولاهما فيه عملًا واحدة لم يجز.

 

قال أبو العباس: تولية قاضيين في بلد واحد؛ إما أن يكون على سبيل الاجتماع بحيث ليس لأحدهما الانفراد كالوصيين والوكيلين، وإما على طريق الانفراد، أما الأول فليس هو مسألة الكتاب، ولا مانع منه إذا كان فوقهما من يرد مواضع تنازعهما، وأما الثاني فهو مسألة الكتاب، وتثبت ولاية القضاء بالأخبار وقصة ولاية عمر بن عبدالعزيز هكذا كانت، وإذا استناب الحاكم في الحكم من غير مذهبه إن كان لكونه أرجح، فقد أحسن، وإلا لم تجز الاستنابة، وإذا حكم أحد الخصمين خصمه، جاز لقصة ابن مسعود، وكذا مفت في مسألة اجتهادية، وهل يفتقر ذلك إلى تعيين الخصمين أو حضورهما، أو يكفي وصف القصة له الأشبه أنه لا يفتقر، بل إذا تراضيَا بقوله في قضية موصوفة مطابقة لقضيتهم، فقد لزمه، فإن أراد أحدهما الامتناع، فإن كان قبل الشروع، فينبغي جوازه، وإن كان بعد الشروع لم يملك الامتناع؛ لأنه إذا استشعر بالغلبة امتنع فلا يحصل المقصود.

 

قال القاضي في "التعليق": وعلى أن الحدود تدخل في ولاية القضاء، فمن لا يصلح لبعض ما تتضمنه الولاية، لا يصلح لشيء منها، ولا تنعقد الولاية له.

 

قال أبو العباس: وكلام أحمد في تزويج الدهقان وتزويج الوالي صاحب الحسير، يخالف هذا ولاية القضاء، يجوز تبعيضها، ولا يجب أن يكون عالِمًا بما في ولايته، فإن منصب الاجتهاد ينقسم حتى لو ولَّاه في المواريث، لم يجب أن يعرف إلا الفرائض والوصايا وما يتعلق بذلك، وإن ولاه عقد الأنكحة وفسخها، لم يجب أن يعرف إلا ذلك، وعلى هذا فقضاة الأطراف يجوز ألا يقضي في الأمور الكبار والدماء والقضايا المشكلة، وعلى هذا فلو قال: اقض فيما تعلم كما يقول له: أفت فيما تعلم، جاز ويبقى ما لا يعلم خارجًا عن ولايته؛ كما يقول في الحاكم الذي ينزل على حكمه الكفار، وفي الحاكم في جزاء الصيد، قال في "المحرر" وغيره: ويشترط في القاضي عشر صفات قال أبو العباس: هذا الكلام إنما اشترطت هذه الصفات فيمن يولي لا فيمن يحكمه الخصمان، وذكر القاضي أن الأعمى لا يجوز قضاؤه، وذكره محل وفاق، قال: وعلى أنه لا يمتنع أن يقول إذا تحاكما إليه ورضيا به، جاز حكمه؛ قال أبو العباس: هذا الوجه قياس المذهب، كما يجوز شهادة الأعمى؛ إذ لا يعوزه إلا معرفة عين الخصم، ولا يحتاج إلى ذلك، بل يقضي على موصوف كما قضى داود بين الملكين، ويتوجه أن يصح مطلقًا، ويعرف بأعيان الشهود والخصوم، كما يعرف بمعاني كلامهم في الترجمة؛ إذ معرفة كلامه وعينه سواء، وكما يجوز أن يقضي على غائب باسمه ونسبه، وأصحابنا قاسوا شهادة الأعمى على الشهادة على الغائب والميت، وأكثر ما في الموضعين عند الرواية والحكم لا يفتقر إلى الرؤية، بل هذا في الحاكم أوسع منه في الشاهد، بدليل الترجمة والتعريف بالحكم دون الشهادة، وما به يحكم أوسع مما به يشهد، ولا تشترط الحرية في الحاكم، واختاره أبو الخطاب وابن عقيل قال: وفي "المحرر": وفي العزل حيث قلنا به قبل العلم وجهان كالوكيل.

 

قال أبو العباس: الأصوب أنه لا ينعزل هنا، وإن قلنا ينعزل الوكيل؛ لأن الحق في الولاية لله، وإن قلنا: هو وكيل، والنسخ في حقوق الله لا يثبت قبل العلم؛ كما قلنا على المشهور أن نسخ الحكم لا يثبت في حق مَن لم يبلغه، وفرَّقوا بينه وبين الوكيل بأن أكثر ما في الوكيل ثبوت الضمان، وذلك لا ينافي الجهل بخلاف الحكم، فإن فيه الإثم، وذلك ينافي الجهل، كذلك الأمر والنهي، وهذا هو المنصوص عن أحمد، ونص الإمام أحمد على أن للقاضي أن يستخلف من غير إذن الإمام، فرَّقا بينه وبين الوكيل، وجعلا له كالوصي، إلا أنه لا يكره للحاكم شراء ما يحتاجه في مظنة المحاباة والاستغلال والتبدل؛ قال القاضي في "التعليق": قاسه المخالف على الوصي في مباشرة البيع، فإنه لا يُحابى في العادة، والقاضي بخلافه، ولا يُكره له البيع في مجلس فتياه، ولا يكره له قبول الهدية بخلاف القاضي.

 

قال أبو العباس: هذا فيه نظرٌ وتفصيلٌ، فإن العالم في هديته ومعاملته شبيه بالقاضي، وفيه حكايات عن أحمد، والعالم لا يعتاض على تعليمه، والقضاة ثلاثة: من يصلح ومن لا يصلح، والمجهول، فلا يرد من أحكام من يصلح إلا ما عُلم أنه باطل، ولا ينفَّذ من أحكام من لا يصلح إلا ما عُلم أنه حق، واختار صاحب "المغني" وغيره إن كان توليته ابتداءً، وأما المجهول فينظر فيمن ولَّاه، وإن كان يولي هذا تارةً وهذا تارةً، نفِّذ ما كان حقًّا، ورُدَّ الباطل، والباقي موقوف، وبيِّنٌ لا يصلح إذًا للضرورة، ففيه مسألتان: إحداهما: على القول بأن من لا يصلح تنقض جميع أحكامه، هل ترد أحكام هذا كلها، أم يرد ما لم يكن صوابًا، والثاني المختار؛ لأنها ولاية شرعية، والثانية: هل تنفذ المجتهدات من أحكامه، أم يتعقبها العالم العادل، هذا فيه نظر، وإن أمكن القاضي أن يرسل إلى الغائب رسولًا، ويكتب إليه الكتاب والدعوى، ويجاب عن الدعوى بالكتاب والرسول، فهذا هو الذي ينبغي؛ كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكاتبة اليهود لما ادعى الأنصاري عليهم قتل صاحبهم وكاتبهم، ولم يحضروه، وهكذا ينبغي أن في كل غائب طلب إقراره أو إنكاره إذا لم يقُم الطالب بيِّنة، وإن أقام بينة فمن الممكن أيضًا أن يقال: إذا كان الخصم في البلد لم يجب عليه حضور مجلس الحاكم، بل يقول: أرسلوا إلى من يعلمني بما يدعي به عليَّ، وإذا كان لا بد للقاضي من رسول إلى الخصم يبلغه الدعوى بحضوره، فيجوز أن يقوم مقامه رسول، فإن المقصود من حضور الخصم سماع الدعوى ورد الجواب بإقرار أو إنكار، وهذا نظير ما نص عليه الإمام أحمد من أن النكاح يصح بالمراسلة، مع أنه في الحضور لا يجوز تراخي القبول عن الإيجاب تراخيًا كثيرًا، ففي الدعوى يجوز أن يكون واحدًا؛ لأنه نائب الحاكم كما كان أنيس نائب النبي - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الحد بعد سماع الاعتراف، أو يخرج على المراسلة من الحاكم إلى الحاكم، وفيه روايتنا، فينظر في قضيته خبيرًا، قال أبو العباس: فما وجدت إلا واحدًا ثم وجدت هذا منصوصًا عن الإمام أحمد في رواية أبي طالب، فإنه نص فيها على أنه أقام بينة بالعين المودعة عند رجل سلمت إليه، وقضى على الغائب قال: ومن قال بغير هذا يقول: له أن ينتظر بقدر ما يذهب للكتاب ويجيء، فإن جاء وإلا أخذ الغلام المودع، وكلامه محتمل تخيير الحاكم بين أن يقضي على الغائب، وبين أن يكاتبه في الجواب[7].



[1] فتح الباري: (13/ 146).

[2] صحيح البخاري: (9/ 92).

[3] الشرح الكبير: (11/ 394).

[4] الفتاوى الكبرى: (5/ 555).

[5] فتح الباري: (5/ 302).

[6] فتح الباري: (13/ 317).

[7] الاختيارات الفقهية: (1/ 624-629).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • السيرة الذاتية
  • مراسلات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة