• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب موقع الأستاذ الدكتور محمود بن أحمد بن صالح الدوسريد. محمود بن أحمد الدوسري شعار موقع الأستاذ الدكتور محمود بن أحمد بن صالح الدوسري
شبكة الألوكة / موقع د. محمود بن أحمد الدوسري / خطب


علامة باركود

الصاحب الأمين.. قامع المرتدين (خطبة)

الصاحب الأمين.. قامع المرتدين (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري


تاريخ الإضافة: 23/12/2025 ميلادي - 4/7/1447 هجري

الزيارات: 75

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الصاحِبُ الأمين.. قامِعُ المرتدين


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَمَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلَا غَرَبَتْ - بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ - عَلَى خَيْرٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ فَلَيْسَ فِي صَحَابَةِ الْمُصْطَفَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ، وَلَا أَزْكَى، وَلَا أَعْظَمُ مِنْهُ، صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَفِيقُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، وَوَزِيرُهُ وَمُسْتَشَارُهُ، ثَانِي اثْنَيْنِ فِي الْغَارِ، نَصَرَ الرَّسُولَ يَوْمَ خَذَلَهُ النَّاسُ، وَآمَنَ بِهِ حِينَ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَهُ حِينَ كَذَّبَهُ النَّاسُ، لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهُ كَذَبَ فِي الْحَدِيثِ، أَوْ سَجَدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ، أَوْ تَعَامَلَ بِالرِّبَا؛ فَكَانَ حَقِيقًا أَنْ يَخْتَارَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِصُحْبَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَأَنْ يَكُونَ رَفِيقَهُ فِي الْهِجْرَةِ، وَأَنْ يَعِيشَ مَعَهُ حَيَاتَهُ كُلَّهَا؛ بَلْ وَيُدْفَنَ بِجِوَارِهِ.

 

وَكَانَ إِسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ فِيهِ نَفْعٌ عَظِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَقَدْ أَسْلَمَ بِإِسْلَامِهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ، وَعَلَى رَأْسِهِمْ سِتَّةٌ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ[1]، وَيَكْفِيهِ شَرَفًا وَرِفْعَةً قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ، لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابُ أَبِي بَكْرٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ، مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ» صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

 

وَكَانَ مُصَدِّقًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا يَقُولُ؛ بَلْ كَانَ شِعَارُهُ: «إِنْ كَانَ قَالَ؛ فَقَدْ صَدَقَ»، وَكَانَ أَوَّلُ لَقَبٍ لَهُ بِالصِّدِّيقِ بَعْدَ حَادِثَةِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ: فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَكَانَ شَدِيدَ الْمُدَافَعَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنُّصْرَةِ لَهُ؛ احْتَمَلَ عَنْهُ أَذًى كَثِيرًا، وَدَافَعَ عَنْهُ بِبَدَنِهِ وَمَالِهِ، وَجَاهَدَ مَعَهُ بِسَيْفِهِ وَسِنَانِهِ؛ وَمَوَاقِفُهُ فِي هَذَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ.

 

يَقُولُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ؛ أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غَافِرٍ: 28]» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَكَانَ أَجْوَدَ الصَّحَابَةِ، وَأَعْبَدَهُمْ، وَأَسْبَقَهُمْ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ؛ فَكَانَ يَجْمَعُ – فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ – بَيْنَ الصِّيَامِ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ، وَإِطْعَامِ الْمِسْكِينِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ؛ حَتَّى قَالَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

يَقُولُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ، إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا! قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ! فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ! قُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. صَحِيحٌ – رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

 

وَأَمَّا مَوَاقِفُهُ فِي الْهِجْرَةِ فَهِيَ الْمَوَاقِفُ الَّتِي لَا يَنْقَضِي مِنْهَا الْعَجَبُ، وَلَا تَنْتَهِي مِنْهَا الدُّرُوسُ وَالْعِبَرُ؛ مِنْهَا: رَغْبَتُهُ الْمُلِحَّةُ فِي الصُّحْبَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِعْدَادُهُ لِهَذِهِ الرِّحْلَةِ، وَتَجْنِيدُ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ لِخِدْمَةِ النَّبِيِّ وَدَعْوَتِهِ - فِي حَادِثَةِ الْهِجْرَةِ، وَمِنْهَا: بُكَاؤُهُ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ حِينَمَا أَذِنَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ، وَأَنْ يَكُونَ رَفِيقُهُ فِيهَا أَبَا بَكْرٍ، وَمِنْهَا: مُحَافَظَتُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَوَالَ الرِّحْلَةِ؛ فَمَرَّةً يَمْشِي أَمَامَهُ، وَتَارَةً خَلْفَهُ، ثُمَّ يَذْهَبُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَسْأَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ؛ فَيَقُولُ: إِذَا تَذَكَّرْتُ الرَّصَدَ تَقَدَّمْتُ، وَإِذَا تَذَكَّرْتُ الطَّلَبَ تَأَخَّرْتُ، وَمِنْهَا: دُخُولُهُ الْغَارَ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِيَتَفَقَّدَهُ؛ وَيَسُدَّ خُرُوقَهُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ؛ حِفَاظًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَقَدْ بَشَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ مِرَارًا؛ فَذَكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ يَوْمًا، وَسَمَّى مَنْ يُدْعَى مِنْهَا؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ؛ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ...

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ..

وَلَمَّا انْتَقَلَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَقُبِضَ؛ كَانَ مَوْتُهُ فَاجِعَةً عَظِيمَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى فُتِنَ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ، وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ مَاتَ؛ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ».

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلِّمُ النَّاسَ؛ فَقَالَ: «اجْلِسْ، فَأَبَى. فَقَالَ: اجْلِسْ، فَأَبَى. فَتَشَهَّدَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَتَرَكُوا عُمَرَ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 144]. وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْآيَةَ؛ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. فَثَبَتَ النَّاسُ وَزَالَتِ الْغِشَاوَةُ عَنْهُمْ، وَعَادُوا إِلَى رُشْدِهِمْ، وَصَدَّقُوا بِمَوْعُودِ رَبِّهِمْ، بِبَرَكَةِ هَذَا الْإِمَامِ الْعَظِيمِ.

 

وَلَمَّا تَيَقَّنَ الصَّحَابَةُ بِوَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَبَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ بِالْخِلَافَةِ، بِمَشُورَةٍ مِنْ عُمَرَ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِأَيَّامٍ أَلْمَحَ إِلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَكَّدَ عَلَى فَضْلِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، وَفِي هَذَا إِشَارَاتٌ قَوِيَّةٌ يَفْهَمُهَا كُلُّ ذِي لُبٍّ، إِلَى اخْتِيَارِ الصِّدِّيقِ مِنْ بَعْدِهِ خَلِيفَةً لِلْمُسْلِمِينَ.

 

وَمَا أَنْ تَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ الْخِلَافَةَ، حَتَّى تَحَمَّلَ الْمَسْئُولِيَّاتِ الْعِظَامَ عَلَى عَاتِقِهِ؛ وَبُلِيَ بِالْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ؛ وَلَكِنَّهُ وَقَفَ وُقُوفَ الْأَبْطَالِ، وَثَبَتَ ثُبُوتَ الرِّجَالِ الشُّجْعَانِ حَتَّى نَصَرَ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ، وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ، وَقُمِعَتِ الْفِتْنَةُ فِي عُقْرِ دَارِهَا.

 

وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَهَّزَ بَعْثًا لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَى نَحْوِ تُخُومِ الْبَلْقَاءِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، ثُمَّ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ انْطِلَاقِ جَيْشِ أُسَامَةَ - وَخَرَجَ الْمُنَافِقُونَ، وَارْتَدَّتْ بَعْضُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَمَنَعَ آخَرُونَ الزَّكَاةَ؛ فَاشْتَدَّ الْحَالُ بِالصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، حَتَّى أَشَارُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَلَّا يُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَأَنْ يُوَجِّهَهُ لِقِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ، وَالدِّفَاعِ عَنِ الْمَدِينَةِ، مَأْرِزِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ.

 

فَامْتَنَعَ الصِّدِّيقُ مِنْ ذَلِكَ، وَأَبَى أَشَدَّ الْإِبَاءِ، إِلَّا أَنْ يُنْفِذَ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَقَالَ: «وَاللَّهِ لَا أَحُلُّ عُقْدَةً عَقَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ أَنَّ الطَّيْرَ وَالسِّبَاعَ تَخَطَّفَنَا مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْكِلَابَ جَرَّتْ بِأَرْجُلِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ».

 

فَأَرْهَبَ بِهَذَا الْفِعْلِ الْحَكِيمِ قَبَائِلَ الْعَرَبِ الْمُرْتَدَّةَ؛ فَعَادَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَأَيْقَنُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ وَرَاءَهُ رِجَالًا شُجْعَانًا لَا يَهَابُونَ الْمَوْتَ، وَلَا يُخَالِفُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَأَمْرَ رَسُولِهِ، وَلَا يَرْضَوْنَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْكُفْرِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ.

 

ثُمَّ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِجَمْعِ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ مَنَعُوا الزَّكَاةَ، فَثَبَتَ لِقِتَالِهِمْ؛ وَهُوَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا[2] كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

 

وَقَيَّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِجَمْعِ الْقُرْآنِ؛ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْقَتْلِ بِالْقُرَّاءِ بَعْدَ حُرُوبِ الرِّدَّةِ، فَخَشِيَ ذَهَابَ الْقُرْآنِ بِمَوْتِهِمْ، فَأَمَرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَاتِبَ وَحْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَتَبَّعَ الْقُرْآنَ فَيَجْمَعَهُ، فَجَمَعَهُ زَيْدٌ مِنَ اللِّخَافِ، وَالْعُسُبِ، وَصُدُورِ الرِّجَالِ[3].

 

رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَرْضَاهُ، وَجَزَاهُ خَيْرَ مَا جَزَى الصِّدِّيقِينَ الْأَبْرَارَ، وَالشُّهَدَاءَ وَالصَّالِحِينَ، وَالصَّحَابَةَ الْكِرَامَ، وَجَمَعَنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.



[1] منهم: عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله - رضي الله عنهم.

[2] عَنَاقًا: هِيَ ‌الأُنثى ‌مِنْ ‌أَولاد ‌الْمَعَزِ، مَا لَمْ يَتِمَّ لَهُ سَنَةٌ انظر: لسان العرب، (10/ 275).

[3] انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد (3/ 169-213)؛ تاريخ الأمم والملوك، للطبري، (2/ 244-352)؛ الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر (ص963-978)؛ البداية والنهاية، لابن كثير (9/ 414-571)؛ سير أعلام النبلاء، للذهبي (ص5-67)؛ الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (4/ 144-150).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب وبحوث
  • خطب
  • مقالات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة