• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب موقع الأستاذ الدكتور محمود بن أحمد بن صالح الدوسريد. محمود بن أحمد الدوسري شعار موقع الأستاذ الدكتور محمود بن أحمد بن صالح الدوسري
شبكة الألوكة / موقع د. محمود بن أحمد الدوسري / خطب


علامة باركود

أدب التثبت في الأخبار (خطبة)

أدب التثبت في الأخبار (خطبة)
د. محمود بن أحمد الدوسري


تاريخ الإضافة: 18/11/2025 ميلادي - 28/5/1447 هجري

الزيارات: 62

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أدب التثبت في الأخبار

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْكَرِيمِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ: فَمِنَ الْآدَابِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي أَكَّدَ عَلَيْهَا الشَّرْعُ الْحَكِيمُ أَدَبُ التَّثَبُّتِ فِي الْأَخْبَارِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَحْدَاثِ؛ وَقَدْ تَهَاوَنَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ؛ فَأَصْبَحُوا يَنْقُلُونَ كُلَّ مَا يَسْمَعُونَ أَوْ يَقْرَؤُونَ، أَيًّا كَانَ مَصْدَرُهُ، أَوْ يَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِلَا تَثَبُّتٍ وَلَا بَيِّنَةٍ، ثُمَّ يَبْنُونَ قَرَارَاتِهِمْ وَتَصَوُّرَاتِهِمْ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْمَقْرُوءِ - وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ صِدْقُهُ.

 

وَنَحْنُ الْيَوْمَ نُشَاهِدُ كَيْفَ انْخَدَعَ النَّاسُ بِمُشَاهَدَةِ الْمَقَاطِعِ الْمُصَوَّرَةِ فِيمَا يُعْرَفُ بِمُصْطَلَحِ "الذَّكَاءِ الِاصْطِنَاعِيِّ"؛ وَهُوَ "خِدَاعٌ اصْطِنَاعِيٌّ" يَنْخَدِعُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ؛ بِسَبَبِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ وَالتَّفَحُّصِ.

 

وَيُضَافُ إِلَى ذَلِكَ: تَسَرُّعُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي نَشْرِ كُلِّ مَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ دُونَ تَثَبُّتٍ مِنْ صِحَّتِهِ، وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ مَجْهُولَةُ الْمَصْدَرِ لَا خِطَامَ لَهَا وَلَا زِمَامَ، أَوْ تَكُونُ أَخْبَارًا مُزَوَّرَةً، وَرُبَّمَا تَكُونُ مُصْطَنَعَةً فِي دَهَالِيزِ الْمُخَابَرَاتِ الْمُعَادِيَةِ لِلْعَرَبِ وَالْمُسْلِمِينَ، أَوْ تَنْشُرُهَا مَجَامِيعُ مُتَطَرِّفَةٌ تُرِيدُ شَرًّا بِالْبِلَادِ وَالْعِبَادِ.

 

فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ: التُّؤَدَةُ وَعَدَمُ الْاسْتِعْجَالِ فِي نَشْرِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ، وَتَرْكُ تَمْرِيرِ هَذِهِ الرَّسَائِلِ وَالْمَقَاطِعِ؛ رَغْبَةً فِي السَّبْقِ، وَنَشْرِ الْخَيْرِ، وَطَمَعًا فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ، فَفِي التَّأَنِّي وَالتَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ السَّلَامَةُ وَالْعَافِيَةُ، وَلْيَحْذَرِ الْمُسْلِمُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ الْخَادِعَةِ: "انْشُرْ تُؤْجَرْ"، "لَا تَقِفْ عِنْدَكَ الرِّسَالَةُ"، "لَا تَدْرِي كَمْ سَيَسْتَفِيدُ مِنْهَا"!

 

وَالتَّثَبُّتُ فِي الِاصْطِلَاحِ: هُوَ التَّوَقُّفُ فِي الشَّيْءِ[1]؛ بِحَيْثُ يَقِفُ الْمَرْءُ دُونَ الْحُكْمِ عَلَى الْخَبَرِ، أَوِ الْحَالِ بِصِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ، أَوْ تَخْطِئَةٍ أَوْ تَصْوِيبٍ، حَتَّى يَظْهَرَ وَيَتَبَيَّنَ لَهُ.

 

وَمِنَ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي تَأْصِيلِ أَدَبِ التَّثَبُّتِ وَالتَّبَيُّنِ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ:

1- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الْحُجُرَاتِ: 5]، فَهُنَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَثَبَّتُوا مِنْ أَيِّ خَبَرٍ؛ لِئَلَّا يُصِيبُوا قَوْمًا بُرَآءَ بِأَذًى وَضَرَرٍ؛ بِسَبَبِ التَّعَجُّلِ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَتَرْكِ التَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ[2].

 

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (قَرَأَ الْجُمْهُورُ: ﴿ فَتَبَيَّنُوا ﴾ مِنَ التَّبَيُّنِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: ﴿ فَتَثَبَّتُوا ﴾ مِنَ التَّثَبُّتِ، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّبَيُّنِ: ‌التَّعَرُّفُ ‌وَالتَّفَحُّصُ، وَمِنَ التَّثَبُّتِ: الْأَنَاةُ وَعَدَمُ الْعَجَلَةِ، وَالتَّبَصُّرُ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ، وَالْخَبَرِ الْوَارِدِ حَتَّى يَتَّضِحَ وَيَظْهَرَ)[3].

 

2- قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [النِّسَاءِ: 94]. فَلَا بُدَّ لِلْمُؤْمِنِينَ - إِذَا كَانُوا فِي حَالِ جِهَادِ أَعْدَائِهِمْ – أَنْ يَتَأَنَّوْا فِي قَتْلِ مَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، فَلَمْ يَعْلَمُوا حَقِيقَةَ إِسْلَامِهِ وَلَا كُفْرِهِ، وَإِنَّمَا الْتَبَسَ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمُوهُ يَقِينًا حَرْبًا لَهُمْ، وَلِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ[4].

 

3- قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النِّسَاءِ: 83]. فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ (إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يُبَادِرُ إِلَى ‌الْأُمُورِ ‌قَبْلَ ‌تَحَقُّقِهَا، فَيُخْبِرُ بِهَا وَيُفْشِيهَا وَيَنْشُرُهَا، وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهَا صِحَّةٌ)[5]. فَفِي السَّابِقِ كَانُوا يُذِيعُونَهُ بِالتَّحَدُّثِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْمُنْتَدَيَاتِ، وَأَمَّا فِي عَصْرِنَا فَيُذَاعُ وَيُنْشَرُ عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ – الْعَابِرَةِ لِلْقَارَّاتِ – وَعَبْرَ وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ وَهَذَا أَخْطَرُ مِنَ السَّابِقِ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَهُ كَبِيرٌ، وَشَرَّهُ مُسْتَطِيرٌ – إِنْ كَانَ كَذِبًا.

 

قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ عَنْ فِعْلِهِمْ هَذَا غَيْرِ اللَّائِقِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمْ - إِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَالْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ؛ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْنِ وَسُرُورِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ بِالْخَوْفِ الَّذِي فِيهِ مُصِيبَةٌ - عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَثَبَّتُوا، وَلَا يَسْتَعْجِلُوا بِإِشَاعَةِ ذَلِكَ الْخَبَرِ؛ بَلْ يَرُدُّونَهُ إِلَى الرَّسُولِ، وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ؛ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ وَالنُّصْحِ وَالْعَقْلِ وَالرَّزَانَةِ، الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْأُمُورَ، وَيَعْرِفُونَ الْمَصَالِحَ وَضِدَّهَا)[6].

 

4- تَثَبُّتُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ خَبَرِ الْهُدْهُدِ: حِينَ قَالَ لَهُ الْهُدْهُدُ: ﴿ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ﴾ [النَّمْلِ: 22، 23]، فَلَمْ يَتَسَرَّعْ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي شَأْنِ هَذَا الْخَبَرِ؛ بَلْ أَرَادَ التَّأَكُّدَ مِنْ صِحَّتِهِ: ﴿ قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴾ [النَّمْلِ: 27، 28].

 

وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تُؤَكِّدُ عَلَى أَدَبِ التَّثَبُّتِ، وَتُحَذِّرُ مِنْ ضِدِّهِ،وَمِنْ ذَلِكَ:

1- تَثَبُّتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انْتِقَالِ بَنِي سَلِمَةَ إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ: فَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ» قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ: «يَا بَنِي سَلِمَةَ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ، دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ[7]» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

2- تَثَبُّتُهُ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: حِينَ أُخْبِرَ أَنَّهُ يَقُولُ: لَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ، وَلَأَصُومَنَّ النَّهَارَ مَا عِشْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آنْتَ الَّذِي تَقُولُ ذَلِكَ؟» فَقَالَ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

3- تَثَبُّتُهُ فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: وَقَدْ كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، وَجَاءَ الْخَبَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْوَحْيِ، فَلَمْ يَعْجَلْ بِالْحُكْمِ عَلَيْهِ حَتَّى اسْتَدْعَاهُ، وَسَأَلَهُ: «يَا حَاطِبُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

 

4- تَثَبُّتُهُ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ: حَيْثُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَثَبَّتَ مِنْ أَصْلِ خَبَرِهِ، فَقَالَ: «أَحَقٌّ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ؟» قَالَ: وَمَا بَلَغَكَ عَنِّي؟ قَالَ: «بَلَغَنِي أَنَّكَ وَقَعْتَ بِجَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ» قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَتَثَبَّتَ مِنْ قَوْمِهِ فَسَأَلَهُمْ عَنْهُ: «أَبِهِ جُنُونٌ؟» فَأُخْبِرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْنُونٍ. فَقَالَ: «أَشَرِبَ خَمْرًا؟» فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ[8]؛ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ رِيحَ خَمْرٍ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. ثُمَّ رَجَمَهُ بَعْدَ هَذَا التَّثَبُّتِ وَالتَّأَكُّدِ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ.. أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ.. هُنَاكَ نُصُوصٌ شَرْعِيَّةٌ تَنْهَى عَنِ الْعَجَلَةِ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ، وَإِصْدَارِ الْأَحْكَامِ بِدُونِ تَثَبُّتٍ:

1- قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الْإِسْرَاءِ: 36]. (أَيْ: وَلَا تَتَّبِعْ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ؛ بَلْ تَثَبَّتْ فِي كُلِّ مَا تَقُولُهُ وَتَفْعَلُهُ، فَلَا تَظُنَّ ذَلِكَ يَذْهَبُ لَا لَكَ، وَلَا عَلَيْكَ)[9].

 

2- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا؛ أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: «وَكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ». (أَيِ: الَّذِي يُكْثِرُ مِنَ الْحَدِيثِ عَمَّا يَقُولُ النَّاسُ ‌مِنْ ‌غَيْرِ ‌تَثَبُّتٍ، وَلَا تَدَبُّرٍ، وَلَا تَبَيُّنٍ)[10].

 

3- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِئْسَ مَطِيَّةُ[11] الرَّجُلِ: زَعَمُوا» صَحِيحٌ – رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. أَيْ: أَسْوَأُ عَادَةٍ لِلرَّجُلِ؛ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَعْلَمُ صِحَّتَهُ، أَوْ يَخْتَرِعُ قَوْلًا وَيُسْنِدُهُ إِلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ، فَيَقُولُ: "زَعَمُوا" أَنَّهُ قَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا! فَيَتَّخِذُ قَوْلَهُ "زَعَمُوا" مَطِيَّةً، وَيُجَرَّبُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ[12].

 

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ التَّهَاوُنَ فِي امْتِثَالِ أَدَبِ التَّثَبُّتِ يُوقِعُ الْإِنْسَانَ فِي النَّدَامَةِ، فَيَجِبُ التَّثَبُّتُ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْدَاثِ، أَوْ فِيمَا يُنْسَبُ إِلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْفَتَاوَى الَّتِي لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهَا إِطْلَاقًا، وَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ تَصْدِيقِ كُلِّ شَيْءٍ، أَوْ مِنَ الِاسْتِعْجَالِ قَبْلَ التَّأَكُّدِ مِنْ صِحَّةِ الْمَعْلُومَاتِ.

 

فَيَتَبَيَّنُ لَنَا؛ أَنَّ مِنْ أُصُولِ التَّثَبُّتِ: الِاعْتِمَادَ عَلَى إِقْرَارِ الْمُتَّهَمِ، وَلَيْسَ عَلَى الْقَرَائِنِ. وَالِاسْتِمَاعَ إِلَى طَرَفَيِ النِّزَاعِ. وَاسْتِشَارَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْخِبْرَةِ فِي كُلِّ شَأْنٍ. وَعَدَمَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ. وَعَدَمَ التَّسَرُّعِ فِي نَقْلِ الْأَخْبَارِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ ثُبُوتُهَا وَصِدْقُهَا. وَلَا يَجُوزُ التَّحَدُّثُ عَنْ شَخْصٍ مَا بِتُهْمَةٍ لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ. وَأَنَّ الِاتِّهَامَ بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ سَبَبُ كَثِيرٍ مِنَ الْمَظَالِمِ. وَأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – رَغْمَ عَدَالَتِهِمْ – كَانُوا مُطَالَبِينَ بِالشُّهُودِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَالتَّثَبُّتِ فِي الْأَخْبَارِ. وَمِنَ التَّثَبُّتِ عَدَمُ الِاسْتِمَاعِ إِلَى النَّمَّامِ.

 

وَمِنَ مَفَاسِدِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ: سُوءُ الظَّنِّ بِالنَّاسِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَانْتِشَارُ الْإِشَاعَاتِ الْكَاذِبَةِ، وَالْحُكْمُ عَلَى الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَعَدَمُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ خَبَرِ الْفَاسِقِ وَخَبَرِ الْعَادِلِ، وَإِحْسَانُ الظَّنِّ فِيمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ.



[1] انظر: الكليات، للكفوي (ص303).

[2] انظر: تفسر الطبري، (21/ 353)؛ تفسير القرطبي، (16/ 312)؛ تفسير ابن عاشور، (26/ 232).

[3] فتح القدير، (5/ 71).

[4] انظر: تفسير الطبري، (7/ 351).

[5] تفسير ابن كثير، (2/ 365).

[6] تفسير السعدي، (ص190).

[7] دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ: أي: الْزَمُوا دِيَارَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِذَا لَزِمْتُمُوهَا؛ كُتِبَتْ آثَارُكُمْ، وَخُطَاكُمُ الْكَثِيرَةُ إِلَى الْمَسْجِدِ. انظر: شرح النووي على مسلم، (5/ 196).

[8] فَاسْتَنْكَهَهُ: أي: شَمَّ رائِحَةَ فَمِه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (5/ 117).

[9] تفسير السعدي، (ص457).

[10] تفسير ابن كثير، (2/ 366).

[11] المَطِيَّةٍ: هِيَ الناقةُ الَّتِي ‌يُرْكَبُ ‌مَطَاها: أَيْ ظَهْرُها. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، (4/ 340).

[12] انظر: فيض القدير، للمناوي (3/ 214)؛ عون المعبود، (13/ 251).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • كتب وبحوث
  • خطب
  • مقالات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة