• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن اللويحقالشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق شعار موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن اللويحق
شبكة الألوكة / موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق / محاضرات علمية مكتوبة


علامة باركود

النبي الكريم

الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق


تاريخ الإضافة: 2/2/2016 ميلادي - 22/4/1437 هجري

الزيارات: 16835

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النبي الكريم

 

الحمد لله وحده وأفضل الصلاة والسلام على نبينا الخاتم وعلى صحبه أجمعين.

 

أما بعد:

يقول العلماء - رحمهم الله -: " حكمك على الشيء فرع عن تصورك له "وهذا حق، فحتى تعطي حكماً صحيحاً على أمر ما، فلابد أن تُكَوِنَ تصوراً موضوعياً تاماً لهذا الشيء حتى تحكم عليه حكماً عادلاً صحيحاً، وإلا فحكمك خاطئ بعيدٌ عن الصواب لا شك فيه.

 

وهذا ما وقع فيه كثير ممن كتب عن رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم من كتاب الغرب ومفكريهم، تعمداً أو جهلاً، وكلاهما في منظار العدل والعلم خاطئ متجني؛ لعدم تحريه التحري العلمي الموضوعي في معرفة شخص النبي صلى الله عليه وسلم للحكم عليه بعد ذلك الحكم الذي يستحقه صلى الله عليه وسلم.

 

إنني أنبه إلى أن معرفة شخصية النبي صلى الله عليه وسلم معرفة حقيقية صحيحة بكل أبعادها أمر متيسر، لمن أراد ذلك، وهو أمر يحتاج إلى بذل وقت وجهد وإنصاف، على أن شخصيته الكريمة لها أبعاد كمال في كل المجالات، لذا فإن الوقت هنا لا يسمح لنا أن نغطي جميع تلك الجوانب، إلا أننا سنلقي الضوء بشكل عام على الجانب الخُلقي، والجانب الخَلقي من شخصيته صلى الله عليه وسلم.

 

وابتداءً أقول: أننا نعتقد كمسلمين بأن محمداً صلى الله عليه وسلم إنسان بشر، لكن له الكمال من بني البشر، وأكد صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى نفسه، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل ترعد فرائصه، فقال له: " هون عليك، فإنما أنا ابن امرأة من قريش، كانت تأكل القديد في هذه البطحاء " [الحاكم: المستدرك].

 

وقال أيضاً: " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله" [صحيح البخاري].

 

فمن هو هذا النبي الكريم الذي سخروا منه، وقالوا فيه ما قالوا، إن الناس أعداء ما جهلوا، وشفاء الجهل كما هو مقرر العلم بسؤال أهل العدل والعلم.

 

لو عرفوا محمداً صلى الله عليه وسلم حق المعرفة، كما هو بلا زيادة ولا نقصان، وخلت قلوبهم من الأغراض والأهواء، لأحبوه وأكرموه.

 

إنه أعظم رجل في التاريخ بلا شك، ونستأنس هنا بما كتبه بعض المفكرين والأدباء من غير المسلمين:

يقول ما يكل هارت: (إن اختياري محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون الأول في أهم وأعظم رجال التاريخ، قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين: الديني، والدنيوي.

 

فهناك رُسل وأنبياء وحكماء بدءوا رسالات عظيمة، ولكنهم ماتوا دون إتمامها كالمسيح في المسيحية، أو شاركهم فيها غيرهم، أو سبقهم إليهم سواهم، كموسى في اليهودية، ولكن محمداً هو الوحيد الذي أتم رسالته الدينية، وتحددت أحكامها، وآمنت بها شعوب بأسرها في حياته.

 

ولأنه أقام جانب الدين دولة جديدة، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً، وحّد القبائل في شعـب، والشعوب في أمة، ووضع لها كل أسس حياتها، ورسم أمور دنياها، ووضعها في موضع الانطلاق إلى العالم.

 

أيضاً في حياته، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية، وأتمها) [كتابه: مائة رجل من التاريخ ].

 

ويقول تولستوي الأديب العالمي المشهور: (يكفي محمداً صلى الله عليه وسلم فخراً أنّه خلّص أمةً ذليلةً دمويةً من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريقَ الرُّقي والتقدم، وإنّ شريعةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ستسودُ العالم؛ لانسجامها مع العقل والحكمة ).

 

ويقول المفكر الفرنسي لامرتين: (إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة، فمن ذا الذي يجرؤ أن يقارن أيا من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات. فلم يجنوا إلا أمجادا بالية لم تلبث أن تحطمت بين ظهرانَيْهم.

 

لكن هذا الرجل - محمدا صلى الله عليه وسلم لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الإمبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط، وإنما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ. ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأديان والأفكار والمعتقدات الباطلة.

 

لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر - من الله -.

كان طموح النبي صلى الله عليه وسلم موجها بالكلية إلى هدف واحد، فلم يطمح إلى تكوين إمبراطورية أو ما إلى ذلك. حتى صلاة النبي الدائمة ومناجاته لربه ووفاته صلى الله عليه وسلم وانتصاره حتى بعد موته، كل ذلك لا يدل على الغش والخداع بل يدل على اليقين الصادق الذي أعطى النبي الطاقة والقوة لإرساء عقيدة ذات شقين: الإيمان بوحدانية الله، والإيمان بمخالفته تعالى للحوادث. فالشق الأول يبين صفة الله - ألا وهي الوحدانية - بينما الآخر يوضح ما لا يتصف به الله تعالى - وهو المادية والمماثلة للحوادث - لتحقيق الأول كان لا بد من القضاء على الآلهة المدعاة من دون الله بالسيف، أما الثاني فقد تطلّب ترسيخ العقيدة بالكلمة - بالحكمة والموعظة الحسنة -.

 

هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم الفيلسوف، الخطيب، النبي، المشرع، المحارب، قاهر الأهواء، مؤسس المذاهب الفكرية التي تدعو إلى عبادة حقة، بلا أنصاب ولا أزلام. هو المؤسس لعشرين إمبراطورية في الأرض، وإمبراطورية روحانية واحدة. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم.

 

بالنظر لكل مقاييس العظمة البشرية، أود أن أتساءل: هل هناك من هو أعظم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ ).

 

ويقول مونتجومري: (إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدا وقائدا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدا مدع افتراض يثير مشاكل أكثر ولا يحلها. بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد).

 

ويقول المهاتما غاندي: ( أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة ).

 

لقد منح الله سبحانه وتعالى هذه الأمة هبة ومنحة لا تعادلها منح وهبات الدنيا كلها، بأن جعل محمداً صلى الله عليه وسلم رسولها ونبيها وهاديها إلى الله، لكن مما يدعوا إلى الأسف أن من الناس - خاصة أبناء هذه الأمة - من لا يستشعر شرف الانتماء لهذا النبي، فتجده غير مكترث ولا مبالي بحقوقه صلى الله عليه وسلم من: محبة، واتباع، وأدب، وأقله معرفة بأحواله وأخباره، وصفاته الخَلقية، والخُلقية، وسيرته العطرة، فتكاد معرفته منحصرة باسمه صلى الله عليه وسلم وشيئاً من نسبه، وهجرته من مكة إلى المدينة!!.

 

إننا بحاجة ماسة وملحة لمعرفة جميع جوانب حياته من لدن مولده إلى وفاته، لتكوين صورة كاملة صادقة عنه صلى الله عليه وسلم فهو قدوتنا وهادينا إلى الله تعالى وهذا أقل حقوقه علينا تجاه ما قدمه لنا من تضحيات، وتحمله المشاق؛ لتبليغ رسالة الله إلينا لنصل بالتالي إلى بر الأمان.

 

ولأداء بعض هذا الحق، نقدم هنا صورة مبسطة عن بعض شمائله وصفاته الخُلقية صلى الله عليه وسلم:

فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف من ذرية نبينا إسماعيل بن إبراهيم - عليهما الصلاة والسلام - ولد في مكة عام الفيل، وتوفي والده وهو في الحمل، وماتت أمه عنه ولم يستكمل سبع سنين، ليكفله جده عبد المطلب ويموت عنه لثمان سنين، ثم يكفله عمه أبو طالب.

 

ومعنى اسمه (محمد) المحمود في كل الصفات، فهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره من البشر، وبه سمي في التوراة صريحاً [انظر: ابن القيم: زاد المعاد: (1 /85)].

 

وقد ورد تسميته محمداً في القرآن، لأن ربه حمده قبل أن يحمده الناس، وفي الآخرة يحمد ربه فيشفعه، فيحمده الناس، ولأنه خص بسورة الحمد، وبلواء الحمد، وبالمقام المحمود، كما شرع له الحمد بعد الأكل و الشرب، والدعاء، وبعد القدوم من السفر وعند كل نعمة.

 

وله من الأسماء سوى ذلك، فهو: أحمد كما سماه المسيح - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، وهو الماحي، وهو الحاشر، وهو العاقِب كما جاء في الحديث عن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لي أسماء أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي: الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر: الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب: الذي ليس بعدي نبي " [البخاري، والترمذي واللفظ له ].

 

وأسماؤه صلى الله عليه وسلم كلها نعوت، ليست أعلاماً محضة، لمجرد التعريف، بل أسماء مشتقة من صفات قائمة به، توجب له المدح والكمال.

 

وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان:

1 - خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل كمحمد وأحمد.

 

2 - ما يشاركه في معناها غيره من الرسل، إلا أن له منه الكمال، فهو مختص بكماله دون أصله، كرسول الله، ونبيه، وعبده.

 

إن محمداً صلى الله عليه وسلم كما نعتقد وكما ثبت، هو الذي ابتعثه ربه ليحمل الخير للعالم أجمع: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

هو الذي نقل الأمة من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]

 

هو دعوة أبيه إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - حين قال: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]

 

وهو بشارة أخيه عيسى - عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]

 

مدحه ربه فقال: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] فتعالوا نتأمل شيئاً من أخلاقه التي ليست إلا شيئاً مما يحب من أجله:

لقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كلها ذوقاً رفيعاً، وأدباً عالياً، يقول الله - عز وجل -: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]

 

ويقول تعالى أيضاً: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].

 

لقد جاء صلى الله عليه وسلم ليحيي الأخلاق الحميدة المندرسة ويقوم بإتمامها وإكمالها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "[سنن البيهقي الكبرى].

 

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أنه سئل عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة فقال: (أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن ﴿ يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45] وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله؛حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً) [صحيح البخاري].

 

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم:

أجود الناس، فكان أجود بالخير من الريح المرسلة، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) [صحيح البخاري ].

 

قال ابن حجر - رحمه الله -: (والمرسلة أي: المطلقة، يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح، وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجودة كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث لا يسأل شيئا إلا أعطاه وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث جابر: ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً، فقال: لا) [فتح الباري:1/31].

 

ما عرض عليه أمران إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً، وما كان غضبه إلا لله أن تنتهك محارمه، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً، كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله، فينتقم لله بها) [صحيح البخاري].

 

قال ابن حجر - رحمه الله - في فوائد هذا الحديث: (وفي الحديث: الحث على ترك الأخذ بالشيء العسر والاقتناع باليسر، وترك الإلحاح فيما لا يضطر إليه، ويؤخذ من ذلك الندب إلى الأخذ بالرخص ما لم يظهر الخطأ، والحث على العفو إلا في حقوق الله تعالى، والندب إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحل ذلك ما لم يفض إلى ما هو أشد منه) [فتح الباري:6 /576].

 

يحب الرفق واللين ويأمر ويحث عليه، فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله " فقلت: يا رسول أو لم تسمع ما قالوا؟ قال رسول صلى الله عليه وسلم: " قد قلت: وعليكم "[صحيح البخاري].

 

ويقول أيضاً: " من يحرم الرفق يحرم الخير" [صحيح مسلم].

 

وقال: " يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطى على الرفق ما لا يعطى على العنف، وما لا يعطى على ما سواه " [صحيح مسلم].

 

وقال: " إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه" [صحيح مسلم].

 

وكان يحب التخفيف واليسر على الناس، فعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا "[صحيح البخاري].

 

قال النووي رحمه الله: (إنما جمع في هذه الألفاظ بين الشيء وضده؛ لأنه قد يفعلهما في وقتين فلو اقتصر على يسروا لصدق ذلك على من يسر مرة أو مرات وعسر في معظم الحالات، فإذا قال: " ولا تعسروا " انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في يسرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا لأنهما قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت وقد يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء.

 

وفي هذا الحديث الأمر بالتبشير بفضل الله وعظيم ثوابه وجزيل عطائه وسعة رحمته والنهي عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير) [النووي على مسلم:12/41].

 

أما تواضعه، وتركه التنعم بالدنيا وقد حازت له، فهو معروف مشهور ومن ذلك حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه: (تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه لعلي حصير ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من آدم حشوها ليف، وإن عند رجليه قرظاً مصبوباً وعند رأسه أهب معلقة، فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال: "ما يبكيك " فقلت:يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هما فيه، وأنت رسول الله فقال: " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة " [صحيح البخاري].

 

وكان صلى الله عليه وسلم حيياً، فكان أشد حياءً من العذراء في خدرها، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئاً عرف في وجهه) [صحيح البخاري].

 

ومحل وجود الحياء منه صلى الله عليه وسلم في غير حدود الله، ولهذا قال للذي اعترف بالزنا: " أنكتها، لا يكني ".

 

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من وراء الحجرات، وما رأى أحد عورته قط) وإسناده حسن.

 

وقوله: (عرف في وجهه) إشارة إلى أنه لم يكن يواجه أحداً بما يكرهه. بل يتغير وجهه فيفهم أصحابه كراهيته لذلك. [انظر: ابن حجر: فتح الباري:6 /577].

 

وما عاب طعاماً مباحاً قط، إن اشتهاه آكله، وإلا تركه، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه) [صحيح البخاري].

 

قال ابن حجر رحمه الله: (أي: مباحاً أما الحرام، فكان يعيبه ويذمه، وينهى عنه) [فتح الباري:9 /547].

 

وإذا تكلم، تكلم ثلاثاً بتمهل، فلا يسرع ولا يسترسل، ولو عد العاد حديثه لأحصاه؛ فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث حديثاً، لو عده العاد لأحصاه )[صحيح البخاري].

 

قال ابن حجر رحمه الله: (أي:لو عد كلماته أو مفرداته أو حروفه، لأطاق ذلك وبلغ آخرها، والمراد بذلك المبالغة في الترتيل والتفهيم) [فتح الباري:6 /578].

 

لا يحب نقل الحديث والنميمة، ويقول لأصحابه - رضي الله عنهم -: " لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئاً، فإني أحب أن أخرج إليكم، وأنا سليم الصدر " [أبو داود].

 

كان أحسن الناس تعاملاً يقول أنس - رضي الله عنه - قال:( خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف قط، وما قال لشيء صنعته: لم صنعته، ولا لشيء تركته: لم تركته، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً) [سنن الترمذي].

 

وكان أشجع الناس يثبت إذا حمي الوطيس، ويبادر إذا صرخ الصريخ، فإذا خرج الناس رأوه عائداً يقول: " لم تراعوا ".

 

فعن أنس - رضي الله عنه - قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأشجع الناس ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو يقول:" لم تراعوا، لم تراعوا " [صحيح البخاري].

 

قال النووي - رحمه الله - في بيان فوائد هذا الحديث: (صلى الله عليه وسلم من شدة عجلته في الخروج إلى العدو قبل الناس كلهم، بحيث كشف الحال ورجع قبل وصول الناس) [النووي على مسلم:15 /68].

 

قال ابن حجر رحمه الله: (وقوله: "لم تراعوا " هي كلمة تقال عند تسكين الروع تأنيساً وإظهاراً للرفق بالمخاطب) [فتح الباري:10/457].

 

وقال البراء - رضي الله عنه -: (كنا والله إذا احمر البأس، نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به يعني النبي صلى الله عليه وسلم) [صحيح مسلم].

 

يأمر بالإحسان إلى الحيوان، فكيف بالإنسان حيث قال صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته " [سنن النسائي الكبرى].

 

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته، وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: " أفلا قبل هذا أتريد أن تميتها موتات " [سنن البيهقي الكبرى].

 

وفهم الصحابة - رضوان الله عليهم - هذا الخلق فعاقبوا من خالفه، فجاء في سيرة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلاً حد شفرة وأخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر - رضي الله عنه - بالدرة، وقال: (أتعذب الروح، ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها) [سنن البيهقي الكبرى].

 

وكان يداعب الصغار، ويلاطفهم، فعن أنس قال:( كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيم وكان إذا جاء قال:" يا أبا عمير ما فعل النغير "نغر كان يلعب به - أي طير صغير - فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا )[صحيح البخاري].

 

ويمازح الكبار وينبسط إليهم فعن أبي هريرة قال: قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا!! قال: " أني لا أقول إلا حقاً " [ابن حجر: فتح الباري:10 /526].

 

ولم يكن بذيئاً ولا فاحشاً، يدعو إلى مكارم الأخلاق، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً وكان يقول: " إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً "[صحيح البخاري ].

 

ولم يأكل متكئاً ويقول: " لا آكل متكئاً "[ البخاري].

 

وعن عبد الله بن بسر قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل فقال له أعراب:ي ما هذه الجلسة فقال: " إن الله جعلني عبداً كريماً، ولم يجعلني جباراً عنيداً " إسناده حسن [ابن حجر: فتح الباري:9 /541].

 

قال ابن بطال رحمه الله: (إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعاً لله).

 

وقد أتاه صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال: أن ربك يخيرك بين أن تكون عبداً نبياً أو ملكاً نبياً. قال: فنظر إلى جبريل كالمستشير له، فأومأ إليه أن تواضع، فقال: بل عبداً نبياً ".

 

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله، لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير) [الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

 

وتقول عائشة رضي الله عنها: (ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض) [الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

 

وكان يحب صلى الله عليه وسلم الحلواء والعسل. [البخاري ].

 

وأحب الشراب لديه الحلو البارد. [الترمذي].

 

وكان يقول: " لا تطروني كما أطرت النصارى بن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله " [البخاري].

 

وجاءته امرأة كان في عقلها شيء فقالت: يا رسول الله إن لي إليك حاجة؟ فقال: "يا أم فلان، انظري أي السكك شئت، حتى أقضي لك حاجتك " فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها. [مسلم ].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • المؤلفات
  • محاضرات علمية
  • المقالات
  • صوتيات
  • مرئيات
  • الغلو والإرهاب
  • الأسرة والمجتمع
  • الأوقاف
  • الأمن الفكري
  • السياسة الشرعية
  • بحوث مترجمة بلغات ...
  • خطبة الجمعة
  • تعريف عام بدين ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة