• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / روافد / مجلة أعاريب اللغوية / بلسان عربي مبين


علامة باركود

الثمر الداني في حديث ( ما من وال إلا وله بطانتان )

د. إبراهيم سعيد السيد


تاريخ الإضافة: 21/1/2014 ميلادي - 20/3/1435 هجري

الزيارات: 13753

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أفصح العرب صلى الله عليه وسلم

الثمر الداني في حديث: (ما من وال إلا وله بطانتان)


الحمدُ للهِ الذي منحَ نبيَّهُ من بديعِ الأقوالِ، وجميلِ الشمائلِ والخصالِ، مَا أيَّدَ به نبوتَهُ، وعضَّدَ به دعوَتَهُ، فمن ذلك اختصاصُهُ بتلك البلاغةِ العاليةِ؛ فهوَ أَفْصَحُ الناسِ قوْلاً، وأعلاهُمْ بلاغةً، حيث نراه "قد استعملَ المبسوطَ في موضعِ البسطِ، والمقصورَ في موضعِ القصرِ، وهجرَ الغريبَ الوحشيَّ، ورَغِبَ عن الهجينِ السوقيِّ، فلمْ ينطقْ إلا عنْ ميراثِ الحكمةِ، ولم يتكلمْ إلا بكلامٍ قد حُفَّ بالعصمةِ، وشُيد بالتأييدِ، ويُسِّرَ بالتوفيقِ، وهو الكلامُ الذي ألقى اللهُ عليه المحبةَ، وغشَّاه بالقبولِ، وجمعَ له بينَ المهابة والحلاوة، وبين حسن الإفهام وقلة عدد الكلام"[1].

 

وها نحنُ نعرضُ قبَسًا من نورِ النبوةِ، وجُزءًا من ميراثِ الحكمةِ التي ذكرَهَا ربُّ العزةِ في قولِهِ لأمهاتِ المؤمنينَ: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ والحِكْمَة ﴾ [الأحزاب: 34]، نقطفُ مع عبيرِ ذلكَ النصِّ النبويِّ أزهارًا متفرقةً من البلاغةِ، وثمارًا يانعةً من جَوامِعِ الكَلِمِ.

 

وحَقِيقٌ بمنْ يَتَعَرَّضُ لتَحْلِيلِ خِطَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْتفتَ إلى قِيمةِ ذلكَ المضمونِ النبويِّ الذي يُرَسِّخُ في النفوسِ تلكَ المبادِئَ الإِنْسَانيةَ العاليةَ، والقيمَ الأخلاقيةَ الرفيعةَ، ويَضَعُ المِبْضَعَ على موضعِ الجُرحِ في المجتمعاتِ الإنسانيةِ، فلا يخلُو حديثٌ من أحادِيثِهِ صلى الله عليه وسلم من أَنْ يَرْفَعَ شَكًّا، أو يدْفَعَ زَيْغًا، أو يجلوَ غَامِضًا، أو يَدلُّ الناسَ على جَادَّةِ الطَّريقِ.

 

وهاكم حديثًا رواه أبو هريرةَ -رضيَ اللهُ عنهُ-، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيثُ قَالَ: "مَا مِنْ وَالٍ إِلا وَلَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُ عَن المُنْكَرِ، وبَطَانَةٌ لا تَأْلُوهُ خَبَالاً، فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ، وَهُوَ مِن الَّتِي تَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا"[2].

 

تَتَجَلَّى قيمةُ المضمونِ الخِطابيِّ النبويِّ في (التحذيرِ منْ بطانةِ السوءِ)، وكأَنَّ وليَّ الأمرِ إذَا عُصِمَ من شَرِّهَا فقد عُصِمَ من الشرِّ كلِّه، ثمَّ في بيانِ طريقِ وليِّ الأمرِ في الاستقامةِ أو الزيغِ، بناءً على استجابَتِهِ لأيٍّ من الفريقَيْنِ. وقد ساقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تلكَ الحقائقَ الجليلةَ بأسلوبٍ بديعٍ موجزٍ، فيه ثُلَّةٌ من الحَقَائِقِ هي:

أولاً: كُلُّ ولي أَمْرٍ حَوْلَهُ -ولابد- نوعانِ من البِطَانةِ، وقَدْ بَرَزَتْ هذِهِ الحقيقةُ من خلالِ أسلوبِ القصرِ والحصرِ في قولِهِ: "ما من والٍ إلا وله بطانتان"، فالحصرُ هنا بالنفيِ والاستثناءِ؛ وذلك للدلالةِ على أنَّ من سننِ اللهِ الكونيةِ أن يكون حول الأمراءِ وولاةِ الأمور بطانةُ خيرٍ، وبطانةُ سوءٍ، وعلى كُلِّ والٍ أن يحذرَ من هذه الطغمةِ الفاسدةِ التي تأمرُهُ بما يخالفُ مرادَ اللهِ تعالى من حفظ حقوق العباد، التي من أهمها: حفظُ الدِّينِ، وحفظُ النَّفْسِ وصِيانةُ الدِّمَاءِ، وحِفْظُ العِرْضِ...الخ، فالوالي "زمام الأمور، ونظام الحقوق، وقوام الحدود، والقطب الذي عليه مدار الدين والدنيا"[3].

 

ثانيًا: أنَّ نجاةَ الولاةِ مرهونةٌ بنجاتهم من بطانةِ السوءِ، فخطرُ مشورتهم مؤثرٌ، ليس على مصير الوالي فحسب وإنما على مصيرِ البلادِ ومآلاتِ العبادِ، وقد تجلَّتْ هذه الحقيقةُ في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهَا فَقَدْ وُقِيَ"، فذلك نوع من الإيجاز بالحذف، وهو حذف بليغ، فقوله: "فمن وقي شرها فقد وُقِي" تقديره: وقي الشرَّ كلَّه، ويكون التفصيل: وقي من الشر كيت وكيت...الخ، لكن النصَّ النبوي اتكأ على أسلوب الحذف؛ للدلالة على العموم والشمول.

 

وقد ذكر "الشعبي عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال لي أبي: أرى هذا الرجل -يعني عمر بن الخطاب- يستفهمك ويقدمك على الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإني موصيك بخلال أربع: لا تفشينَّ له سرًّا، ولا يجربنَّ عليك كذبًا، ولا تطوِ عنْهُ نصيحةً، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، قال الشعبي: فقلت لابن عباس: كل واحد خير من ألف، قال: إي والله، ومن عشرة آلاف"[4].

 

ثالثًا: السلطان من نوع بطانته، ومن جنسهم، فإن غلَّبَ بطانة الخير ورفعهم كان منهم، وحفظ بهم مصائر البلاد والعباد، وإن مكَّن لبطانة السوء وقربهم كان منهم، وأضاع ما طالبه الله بحفظه من حرمة الدماء والأعراض والأنفس؛ "فحق على من قلده الله أَزِمَّةَ حكمه، ومَلَّكَهُ أمورَ خلقِه، واخْتَصَّهُ بإِحْسَانِه، ومكن له في سلطانه، أن يكون من الاهتمام بمصالح رعيته، والاعتناء بمرافق أهل طاعته"[5].

 

فمن الملاحظ هنا ربط آخر الحديث بأوله، فالحديث بدءًا يقرر حتمية وجود البطانتين، وانتهاءً يقرر حتمية تغلب إحدى البطانتين على الوالي، وهو المراد، وبتأمل التفاصيل الواردة بين أول الحديث وآخره ندرك براعة الربط والانتقال.

 

ومن القلائد الجياد في نظم هذا النص النبوي تطريزه بذلك الاقتباس القرآني في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وبطانة لا تألوه خبالاً"، فهذا تناص مع قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾ [آل عمران: 118] ومن عبقرية هذا الاقتباس البديع اتحاد السياقين، فسياق الآية التنبيه إلى ضرورة الحذر من اتخاذ بطانة من غير المؤمنين، وسياق الحديث التحذير من بطانة السوء التي تأمر به، وتدل الإمام عليه، فكأنه قد اقتبس اللفظ واقتبس معه روحه التي هي جزء من المضمون.

 

ومن سبل حشد المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة في هذا النص النبوي: استعمال (أل) الجنسية للدلالة باللفظ الواحد على جميع أفراده، وذلك في قوله (تأمره بالمعروف) الذي هو كذا وكذا، و(تنهاه عن المنكر) الذي هو كذا وكذا. ولا شك أن ثنائية المعروف والمنكر حاصلة في النفوس والمجتمعات إلى قيام الساعة، فالله لم يكتب العصمة لأحد من البشر إلا لأنبيائه ورسله، وإذا كان الأمر كذلك وجب على الناس أن يُحَكِّمُوا الأغلب الأعم من الأفعال، وأن يَدَعُوا الحكم على النوايا لولي أمرها وهو الله تعالى، "فمن حق الإمام على رعيته أن تقضي عليه بالأغلب من فعله، والأعم من حكمه، ومن حق الرعية على إمامها حسن القبول لظاهر طاعتها، وإضرابه صفحًا عن مكاشفتها، كما قال زياد لما قدم العراق واليًا عليها: "أيها الناس، قد كانت بيني وبينكم إحن، فجعلت ذلك دبر أذني، وتحت قدمي، فمن كان محسنًا فليزد في إحسانه، ومن كان مسيئًا فلينزع عن إساءته. إني والله لو علمت أن أحدكم قد قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعًا، ولم أهتك له سترًا، حتى يبدي صفحته لي"[6].

 

ثم إن صلاح أمر الناس مرهون بصلاح السلطان، وصلاحه هو مرهون بصلاح بطانته، فكأن صلاح الناس والدنيا مرهون بصلاح البطانة، ألا فليتق الله كل من جعله الله مستشارًا لوالٍ، ومفوَّضًا للتحدث عن الناس باسمهم أمام ولاة أمورهم، فالناس لا يصلحون إلا بإمام من شِيَمِهِ العلمُ، وتقريبُ أهلِهِ ورفعُهُمْ:

لا يصلح الناس فوضى لا سراةَ لهم
ولا سراةَ إذا جُهَّالُهم سادُوا
والبيتُ لا يبتنى إلا له عمدٌ
ولا عِمادَ إذا لم تُرْسَ أوتادُ

 

ومن جميل ما ورد في هذا، ما روي أنه لما فتح عبدالله بن علي العباس دمشق، قتل في ساعة واحدة ستة وثلاثين ألفاً من المسلمين، وأدخل بغاله وخيوله في المسجد الأموي الجامع الكبير، ثم جلس للناس وقال للوزراء: هل يعارضني أحد؟ قالوا: لا. قال: هل ترون أحداً سوف يعترض عليّ؟ قالوا: إن كان فـالأوزاعي، قال: فأتوني به، فذهب الجنود للأوزاعي، قالوا: يُريدك عبدالله بن علي، قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، انتظروني قليلاً، فذهب فاغتسل، ولبس أكفانه تحت الثياب؛ لأنه يعرف أن المسألة موت أحمر، ثم قال لنفسه: الآن آن لك يا أوزاعي أن تقول كلمة الحق، لا تخشى في الله لومة لائم، قال الأوزاعي: فدخلت فإذا أساطين من الجنود، قد سلُّوا السيوف، قال: فدخلت من تحتها؛ حتى بلغت إليه، وقد جلس على سرير، وبيده خيزران، وقد انعقد جبينه عقدة من الغضب، قال: فلما رأيته، والله الذي لا إله إلا هو؛ كأنه أمامي ذباب، قال: فما تذكرت أحداً لا أهلاً، ولا مالاً، ولا زوجة، وإنما تذكرت عرش الرحمن إذا برز للناس يوم الحساب، قال: فرفع بصره وبه غضب عليّ، قال: يا أوزاعي، ما تقول في الدماء التي أرقناها؟ قال الأوزاعي: حدّثنا فلان، قال: حدثنا ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ"، فإن كان من قتلتهم من هؤلاء فقد أصبت، وإن لم يكونوا منهم فدماؤهم في عنقك. قال: فنكتَ بالخيزران ورفعت عمامتي أنتظر السيف، ورأيت الوزراء يستجمعون ثيابهم ويرفعونها عن الدم. قال: وما رأيك في الأموال التي أخذناها؟ قال الأوزاعي: إن كانت حلالاً فحساب، وإن كانت حرامًا فعقاب!! قال: خذ هذه البدرة - كيس مملوء من الذهب – قال الأوزاعي: لا أريد المال، قال: فغمزني أحد الوزراء، يعني خذها، لأنه يريد أدنى علة ليقتل، قال: فأخذ الكيس ووزَّعه على الجنود وهو يخرج، حتى بقي الكيس فارغًا، فرمى به وخرج، فلما خرج قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قلناها يوم دخلنا وقلناها يوم خرجنا".

 

والحمد لله رب العالمين..

 

تُنشر بالتعاون مع مجلة (أعاريب)

العدد الأول: ربيع الأول 1435هـ - يناير 2014م



[1] البيان والتبيين، 2/17-18.

[2] سنن النسائي، ك/البيعة، 4201.

[3] العقد الفريد 1/9.

[4] السابق.

[5] العقد الفريد 1/9.

[6] العقد الفريد 1/10.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة