• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / من روائع الماضي


علامة باركود

قيس بن الخطيم

مصطفى شيخ مصطفى


تاريخ الإضافة: 16/2/2010 ميلادي - 3/3/1431 هجري

الزيارات: 24437

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر
في يثرب نشأ وترعرع ليجد نفسه شابًّا يتفجَّر قوَّةً وحيويَّةً ونشاطًا، بزَّ أقرانه في كلِّ شيء، صاحِب الوجه الأجمل، والكلمة الأحلى، والسَّاعِد الأقوى، لم تعرف المدينة كلُّها شابًّا في قوَّته، غالَبَه أقرانُه فغلَبَهم، ونازعوه فقَهَرهم، وسابَقُوه فسبَقَهم، صاحِب أقوى ساعِد، وأحلى منطق، وأفصح بيان، شاعر يُكلِّم مهابة ويتكلم سحرًا، وجه جميل وحضور أجمل.

في المدينة كان الصراع بين شبابها في حينها على القوَّة، صرع بساعده فلانًا وفلانًا، قهر أحد بني الظفر، شابٌّ في مقتَبَل العمر، كان يتبختر ويختال تِيهًا وكبرًا وفخرًا على الشباب أمثاله، كانت الغلَبَة له، فملأ الغيظ قلب منافِسِه وقد شعر بضعفه أمامَه فقال له: اذهب واسأل أمَّك: مَن قتل أباك؟ ومَن قتل جدك؟

كلامٌ كان وَقْعُه عليه كالصاعقة، توجَّه إلى منزله وهو يمشي مِشْية كادت أن تشقَّ الأرض وترعد السَّماء.
• كيف مات أبي وجدِّي؟
• ماتا كما يموت النَّاس، وهذان قبراهما، ها هما في فناء المنزل.

وضع قائم السيف على الأرض وذبابه على ثديَيْه وقال: لأتحاملنَّ على سيفي حتَّى ينفذ من ظهري إن لم تخبريني: مَن قتل أبي ومَن قتل جدِّي؟
خارَتْ قُوَى المرأة وحارَتْ في أمرها، فهي لم تخبره في كلِّ هذه السنين وأخفَتْ عنه مخافةً عليه، لكنَّها في هذه اللحظة لم تجد بُدًّا من إخباره، وهذا أوان الجدِّ، فاشتدَّ الخبر.

• إنَّ قاتِل جدِّك مالك، وهو من قوم خداش بن زهير في نجد، وقاتِل أبيك رجلٌ من عبدالقيس ممَّن يسكنون هجر.
• لأخلصنَّ إليهم.
• إن كنت لا بُدَّ فاعلاً، فاذهب إلى خداش، فاسْتَشِرْه واسْتَعِنْه، فلأبيك نعمة عنده.

جهَّز الشابُّ لوازم سفره، سيفًا ورمحًا وحربة، وماء وزادًا، وعمد إلى جملٍ كان يستعمله لنضح الماء من بئر في حائطه، فقطع حبله، وصاح في قومه فاجتمعوا عليه.

• مَن يكفيني أمر هذه العجوز - يعني أمَّه - فإن متُّ أنفَقَ عليها من هذا الحائط، حتَّى إذا ماتت كان الحائط له بما فيه من نخيل وشجر، وإن عدتُ أكل وإيَّاها ما شاء من هذا الحائط ثم تعود ملكيته إليَّ.
قال قريبٌ له: أنا أكفيك إيَّاها.
مقايضة لا تخضع من قريب ولا بعيد إلى ما تعارَف عليه الناس في هذا الزمن، مقايضة لا تخضع لمبدأ الربح والخسارة، لكنَّها فورة الإرادة وثورتها تأجَّجت في جوانحه، فأراد لها الطّريق الأقصر، وأراد لنفسه الانتقام، ولا شيء غير الانتقام، بغضّ النظر عن الكلفة ولو بلغت المكسب والمال كلَّه، والرجل عربي، والعرب كانت تأخذ بالثأر وتطالب به، وتعتقد بالهامة التي تظلُّ في قبر المقتول تصيح: اسقوني، وهي لا تشرب ماءً ولا لبنًا؛ فلا بدَّ أن تُسقَى بالدماء، فلمَّا جاء الإسلام بيَّن فساد هذا المعتقد الجاهلي.
سأل عن خداش، فإذا هو بمرِّ الظهران، توجَّه إليه، وجد المسافة بينه وبين مرِّ الظهران رغم طولها قريبة جدًّا كأنَّها أمامه؛ لشدَّة رغبته في الوصول إليها، وإزاحة ثقلٍ عن كاهله.

دُلَّ على بيت خداش، ضرب طنب البيت برمحه، خرجت إليه امرأة خداش، فإذا هي أمام شابٍّ غاية في الجمال فأُعجِبت به، وكان التعب قد أخذ مأخذه منه.

• أمنزل خداش هذا؟
• نعم.
• وأين هو؟
• ذهب لبعض شأنه.
• أمَا عندك شيء للأضياف؟
• ما عندنا ما يليق بتقديمه لضيف مثلك، فما عندنا إلاَّ التمر.
• ما أبالي.

أخرجت له قباعًا من تمر، تناوَل تمرة وأخذ شقَّها ثم أعاد الشقَّ الثاني إلى القباع وانصرف لحاجاته، التفت إلى المرأة وقال: أعود بعد قليل.

عاد الشابُّ إلى منزل خداش بعد ساعات، كان خداش وزوجته يأكلان التمر، اهتزَّ طنب البيت، رفع خداش بصره ليجد ناقة عليها رجل لم يظهر منه إلاَّ أقدامه، التفت إلى امرأته قائلاً: أهذا هو ضيفك؟
نظرت المرأة إلى الخارج وقالت: نعم.
كأنني أرى قدميْ الخطيم صديقي اليثربي.

استأذن الشاب بالدُّخول فأذن له.

خداش: مَن أنت أيها الشابُّ؟
• أنا قيس بن الخطيم، جئت أستشيرك وأستعينك في قاتل أبي وجدِّي.

رحَّب خداش بقيس وأدخله منزله، وذكر له نعمة أبيه عليه وقال له: كنت أتوقَّع قدومك هذا منذ حين، أمَّا قاتل جدك فهو مالك، وهو ابن عمٍّ لي وسأعينك على قتله، تذهب برفقتي إلى نادي قومي حيث نجتمع، فإذا كان قاتل جدك موجودًا فيه جلست إلى جواره، فإذا رأيتني أضرب فخذه بيدي تثب إليه وتأخذ بثأرك.

كان برفقة مضيفه وناصحه في نادي القوم، وما أنْ ربت خداش على فخذ مجاوره حتى وثب قيس كالصقر على غريمه بضربة محكمة من سيفه قضى عليه، ثار القوم على قيس، وقف خداش في وجههم وقال لهم: دعوه، فوالله ما قتل إلاَّ قاتل جدِّه.

عاد خداش إلى منزله برفقة قيس، شكر قيس خداشًا واستأذنه قائلاً: جزيت ووفيت، بقي لي مهمَّة أخرى.
خداش: لأمضينَّ معك حتى تتمها.

طلب أن تُعَدَّ ناقة لسفره، وأن يُجَهَّز له لوازم سفره، وخرجا سويًّا يقصدان هجر، ففيها العبديُّ قاتل الخطيم أبي قيس وصديق خداش.

وصلا هجر، سأل قيس عن قاتل أبيه فدُلَّ عليه، وهناك وبالقرب من مضارب عشيرة العبديِّ بعيدًا عن البنيان دار الحوار التالي بين خداش وقيس:
خداش: أبقى هنا تحت هذه الشجرة وتذهب إلى غريمك تقف على بابه وتقول له: إن لصوصًا من قومك عارضوني فأخذوا متاعي، وسألت عن سيِّد القوم فدلوني عليك، وأريد أن تذهب برفقتي فترد لي متاعي وناقتي، فإن تبعك وحده كان لك ما أردت، وإن أخرج معه أحدًا فاضحك، فإن سألك: لِمَ تضحك؟ فقل له: إن الشريف عندنا لا يصنع كما صنعت، إذا دُعِي إلى اللص من قومه، إنّما يخرج بسوطه، فإذا رآه اللص أعطى كل شيء أخذ مهابةً له، فإنْ أمَر أصحابه بالرجوع تنفرد به، وإن أبوا إلاَّ أن يمضوا معه فأتني به، فإني أرجو أن يُقتَل ويُقتَل أصحابه.

لم يمضِ كثير وقت حتى عاد قيس وبرفقته العبدي قاتل أبيه.
قال خداش لقيس: اختر إحدى اثنتين؛ إما أن أكفيك إيَّاه، وإمَّا أن أعينك عليه.
قيس: ولا واحدة يا عم، ولكن إن قتلني فلا ينجو منك، ووثب إلى العبدي بحربته فأنفذها من الجانب الآخر فخرَّ ميتًا.
خداش: فلنختبئ بالقرب من هذا المكان؛ فإنَّ قومه إن طلبوه لم يشكُّوا أبدًا أننا قتلناه ونحن قريب منه، ننتظر أيَّامًا حتَّى يهدأ الطلب ثمَّ نعود.

مكثَا في مكانهما أيامًا ثم عادَا إلى منزل خداش، ففارقه عنها قيس وعاد إلى أهله، ذكر قيس ذلك في قصيدة طويلة أذكر منها:
ثَأَرْتُ عَدِيًّا وَالخَطِيمَ فَلَمْ أَضَعْ        وَصِيَّةَ أَشْيَاخٍ  جُعِلْتُ  إِزَاءَهَا
فضلاً عن شجاعة الرجل وقوَّته وجماله، كان قيس شاعرًا مُجِيدًا مُكثِرًا، من جميل شعره ما اختاره صاحب "ديوان الحماسة":
وَمَا  بَعْضُ   الإِقَامَةِ   فِي   دِيَارٍ        يُهَانُ   بِهَا   الفَتَى    إِلاَّ    بَلاَءُ
وَبَعْضُ   خَلاَئِقِ   الأَقْوَامِ    دَاءٌ        كَدَاءِ   البَطْنِ   لَيْسَ   لَهُ   دَوَاءُ
يُرِيدُ   المَرْءُ   أَنْ   يُعْطَى    مُنَاهُ        وَيَأْبَى    اللهُ    إِلاَّ    مَا    يَشَاءُ
وَكُلُّ   شَدِيدَةٍ   نَزَلَتْ    بِحَيٍّ        سَيَأْتِي   بَعْدَ    شِدَّتِهَا    رَخَاءُ
وَلاَ يُعْطَى الحَرِيصُ غِنًى لِحِرْصٍ        وَقَدْ  يُنْمِي  إِلَى   الجُودِ   الثَّرَاءُ
غَنِيُّ  النَّفْسِ  مَا  اسْتَغْنَى   غَنِيٌّ        وَفَقْرُ النَّفْسِ  مَا  عَمِرَتْ  شَقَاءُ
وَلَيْسَ  بِنَافِعٍ   ذَا   البُخْلِ   مَالٌ        وَلاَ   مُزْرٍ   بِصَاحِبِهِ    السَّخَاءُ
وَبَعْضُ   الدَّاءِ   مُلْتَمَسٌ   شِفَاهُ        وَدَاءُ   النَّوْكِ   لَيْسَ   لَهُ   شِفَاءُ
ولا بُدَّ من وقفة أخرى على شعر الرجل وعلى حياته، وشعر الرجل وافر كثير يصلح لأن يكون مدار بحثٍ لطلاَّب الأدب لنيل شهادة عالية.




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة