• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / من روائع الماضي


علامة باركود

وظيفة علماء الدين (2)

وظيفة علماء الدين
الإمام محمد البشير الإبراهيمي


تاريخ الإضافة: 23/6/2014 ميلادي - 25/8/1435 هجري

الزيارات: 6728

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وظيفة علماء الدين (2)[1]

 

• المؤلف: محمد بن بشير بن عمر الإبراهيمي (المتوفى: 1385هـ).

• جمع وتقديم: نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي.

• الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1997.

• اختيار: شبكة الألوكة.

 

كان العلماء يردُّون كلَّ ما اختلفوا فيه من كل شيء إلى كتاب الله وسنَّة رسوله، لا إلى قول فلان، ورأي فلان، فإذا هم متَّفقون على الحقِّ الذي لا يتعدَّد، ولقد أنكر مالكٌ على ابن مهدي - وهو قرينُه في العِلم والإمامة - عَزْمَه على الإحرام من المسجد النبوي، فقال ابن مهدي: إنما هي بضعة أميال أزيدُها، فقال مالك: أوَما قرأت قوله تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]؟ وأية فتنة أعظم من أن تسوِّل لك نفسُك أنك جئت بأكملَ مما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟! أو كلامًا هذا معناه... ثم تلا قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ﴾ [المائدة: 3] الآية، وقال كلمته الجامعة التي كأنَّ عليها لألاءَ الوحيِ، وهي قوله: "فما لم يكُنْ يومئذٍ دينًا، فليس اليوم بدِينٍ".

 

وكانوا يحكِّمون دِينَهم في عقولهم، ويحكِّمون عقولَهم في ألسنتهم، فلا تصدر الألسنةُ إلا بعد مؤامرة العقل، ويعُدُّون العقل مع النص أداةً للفهم معزولةً عن التصرُّف، ومع المجملات ميزانًا للترجيح، يدخل في حسابه المصلحة والضرورة، والزمان والمكان والحال، ويميز بين الخير والشر، وبين خير الخَيْرين، وشر الشَّرَّين؛ لذلك غلب صوابُهم على خطئِهم في الفهم وفي الاجتهاد؛ ولذلك أصبحت فُهومُهم للدِّين وسائلَ للوصول إلى الحق، وآراؤهم في الدنيا موازين للمصلحة، وما هم بالمعصومين، ولكنهم لوقوفهم عند الحدود وارتياض نفوسِهم على إيثار رضا الله وشعورِهم بثقل عهده - وفَّقَهم اللهُ لإصابة الصواب.

 

وكانوا يَزِنون الشدائد التي تصيبهم في الطريقِ إلى إقامة دِين الله بأجرِها عنده، ومثوبتِها في الدار الآخرة، لا بما يفُوتهم من أعراض الدنيا، وسلامة البدن، وخفض العيش، وراحة البال، فكل ما أصابهم من ذلك يعُدُّونه طريقًا إلى الجنة، ووسيلةً إلى رضا الله.

 

وكانوا ملوكًا على الملوك، واقفين لهم بالمرصاد، لا يقرُّونهم على باطل ولا منكَرٍ، ولا يسكتون لهم على مخالفةٍ صريحة للدِّين، ولا يتساهلون معهم في حق الله، ولا يترضَّونهم فيما يُسخِط الله.

 

بتلك الخلال التي دللْنا القارئ عليها باللمحة المنبِّهة قادوا الأمَّةَ المحمَّديةَ إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة، وبسَيْر الأمراءِ المصلِحين على هداهم سادوا أغلبَ الجزء المعمور من هذه الأرض بالعدل والإحسان؛ إذ كان الأميرُ في السِّلم لا يصدُرُ إلا عن رأيهم، والقائد في الحرب لا يسكِّنُ ولا يحرِّكُ إلا بإشارتهم في كل ما يرجع إلى الدِّين؛ فجِماع أمر العلماء إذ ذاك أنهم كانوا "يقودون القادة"، وما رفعهم إلى تلك المنزلةِ - بعد العِلم والإخلاص - إلا أنهم كانوا "حاضرين" غيرَ "غائبين"...، كانوا يحضرون مجالسَ الرأي مبشِّرين شاهدين، وميادينَ الحرب مُغِيرين مجاهدين، طبَعهم الإسلام على الشجاعة بقسميها: شجاعة الرأي وشجاعة اللقاء، فكانوا يلقون الرأي شجاعًا فيقهر الآراء، ويخوضون الميادين شُجعانًا فيقهرون الأعداء... وللآراء اقتتال يظفَرُ فيه الشجاع القوي، كما للأناسيِّ اقتتال يظفَرُ فيه الشُّجاع القوي، والعالِم الجبان في أمَّة عضوٌ أشلُّ، يَؤُود ولا يَذُود، ولعمري إنَّ في اتحاد صفِّ الصلاة وصفِّ القتال في الاسم والاتجاه والشَّرائط: لَمَوقفَ عِبرةٍ للمتوسِّمين.

 

صدَق أولئك العلماءُ ما عاهدوا الله عليه، وفهِموا الجهاد الواسع؛ فجاهدوا في جميع ميادينه، فوضع الله القَبول في كلامهم عند الخاصة والعامة، وإن القَبول جزاءٌ من الله على الإخلاص يعجِّلُه لعباده المخلِصين، وهو السرُّ الإلهيُّ في نفع العالِم والانتفاع به، وهو السائق الذي يَدُعُّ النفوسَ المدبِرةَ عن الحقِّ إلى الإقبال عليه، ونفوذُ الرأي وقَبول الكلام من العالِم الديني الذي لا يملِكُ إلا السلاح الرُّوحيَّ، هو الفارق الأكبر بين صَولة العِلم وصولة المُلْك، وهو الذي أخضع صولةَ الخلافة في عنفوانها لأحمدَ بن حنبل، وأخضع صولة المُلك في رعونتها للعز بن عبدالسلام... وإن موقف هذين الإمامين من الباطل لعبرةً للعلماء لو كانوا يعتبرون، وإن في عاقبتهما الحميدةِ لآيةً من الله على تحقيق وعدِه بالنصر لمن ينصُرُه.

 

نصَر اللهُ أولئك الرجال الذين كانوا يوم الرأي صدورَ محافلَ، ويوم الرَّوع قادةَ جَحَافلَ، وفي التاريخ محققين لنقطة الاقتراب، بين الحرب والمحراب؛ فلقد كانوا يقذِفون بكلمة الحق مجلجلةً على الباطل، فإذا الحقُّ ظاهرٌ، وإذا الباطل نافر، ويقذفون بعزائمهم في مزدحم الإيمان والكفر، فإذا الإيمان منصور، وإذا الكفر مكسور، ووصل الله ما انقطع منَّا بهم، بإحياء تلك الخلال، فما لنا من فائت نتمنَّى ارتجاعه أعظم من بعثِ تلك الشَّجاعة؛ فهي أعظمُ ما أضَعْنا من خِصالهم، وحُرِمناه - بسوء تربيتنا - من خلالهم... ولَعَمْري إن تلك القوى لم تمُتْ، وإنما هي كامنة، وإن تلك الشُّعَل لم تنطفِئْ؛ فهي في كنَفِ القرآن آمنةٌ، وما دامت نفحات القرآن تلامس العقول الصافية، وتلابس النفوس الزكية، فلا بد من يومٍ يتحرَّكُ فيه العلماء فيأتون بالأعاجيب.

 

وما زِلْنا نلمح وراء كل داجيةٍ في تاريخ الإسلام نجمًا يُشرِق، ونسمع بعد كلِّ خفتةٍ فيه صوتًا يخرق، من عالِمٍ يعيش شاهدًا، ويموت شهيدًا، ويترك بعده ما تتركه الشمسُ من شَفَقٍ يَهدي السَّارِينَ المُدلِجِين إلى حين.

 

وما علِمنا فيمن قرأنا أخبارهم، وتقَفَّيْنا آثارَهم من علماء الإسلام، مَثلاً شَرودًا في شجاعة النِّزال بعد الحافظ (الربيع بن سالم) عالِم الأندلس، بل أعلم علمائها في فقه السنَّة لعصره؛ فقد شهد وقعةً تُعَد من حوامد الأعمار، فبَذَّ الأبطالَ المساعير، وتقدَّم الصفوف مجلِّيًا ومحرِّضًا، والحرب تقذف تيارًا بتيار، حتى لقي ربَّه من أقرب طريق... ولا علمنا فيهم مِثالاً في شجاعة الرأي العامِّ أكملَ من الإمام أحمد ابن تيمية - وعصراهما متقاربانِ - فقد شنَّها حربًا شعواء على البِدَع والضلالات، أقوى ما كانت رسوخًا وشموخًا، وأكثرَ أتباعًا وشيوخًا، يُظاهِرُها الولاة القاسطون، ويؤازِرُها العلماء المتساهلون المتأوِّلون!



[1] مجلة "المنهل"، صفر 1372هـ / نوفمبر 1952م، جدة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة