• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / من روائع الماضي


علامة باركود

أحبولة يعقوب

أحبولة يعقوب
أيمن الشافعي


تاريخ الإضافة: 21/5/2018 ميلادي - 7/9/1439 هجري

الزيارات: 4041

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أحبولة يعقوب

 

شمس الدين أحد قضاة "الشافعية" في مصر إبَّان حكم المماليك، كان الناس يثقون بحُكْمه؛ لوَرَعه ورجاحة عقله، فقد كان يُقيم الحُجَّة على مَنْ يُنْكِر، ويردع كلَّ مَنْ تجبَّر، وكعادته يجتمع بالناس كلَّ يومٍ بعد صلاة العصر للنظر في شكاواهم، والحُكْم في قضاياهم.

 

جاءه رجلان: أحدهما يُدعى إبراهيم العطَّار، والآخر يعقوب التاجر، فأذِن القاضي للأول بالكلام، فحيَّاه بتحية الإسلام: سيدي القاضي، لقد استدان مني يعقوب مبلغًا من المال، وعندما حان موعد السَّداد راوغ، ولم يُرجعه حتى الآن.

 

شمس الدين: يعقوب، ماذا تقول في كلام العطَّار، وصَكِّ الدَّيْن المذكور فيه اسمُك؟

التاجر يعقوب: أُقِرُّ بدَيْني للعطَّار، ولكن أمهِلوني بعض الوقت؛ لأعوِّض الخسارة التي لحِقتني من التجارة، وأرد عليه مالَه.

 

التفت القاضي للعطار: هل في مقدورك الانتظار والصبر على التاجر يعقوب؛ لكي يتمكَّن من إرجاع مالك.

العطار: سيدي القاضي، إنني في احتياج شديد للمال، فحالي ليس عن حاله ببعيد، وكلما كان هناك تأخير، فالضررُ الواقع عليَّ كثيرٌ.

 

فأخذ يُفكِّر شمس الدين بَرْهةً لكي ينطق بالحكم، وقال لهما: كما تعلمان "العَقْدُ شريعةُ المتعاقدين"، وهذا صَكُّ الدَّيْن عقدًا بينكما؛ لذا لا مفرَّ من بيع بيت التاجر يعقوب لإيفاء دَيْن إبراهيم العطَّار، فوقع الحكمُ على سمْعِ يعقوب كالصاعقة، فحُبِسَت أنفاسُه، واغرَورقَتْ عيناه، وأخذ يُتمتم: «أضعتني بحُكْمك الظالم ... حسبي الله ونعم الوكيل»، وغادَر مجلس القاضي وهو حانقٌ عليه، فبيعُه لبيته سيضرُّ كثيرًا بسُمْعَته بوصفه تاجرًا، وأخذ يفكِّر في الانتقام، وقام بتدبير أُحْبُولةٍ تُقصيه عن منصبه، وتقطَع عنه راتبَه.

 

وذات يوم اشتكت امرأة للقاضي شمس الدين عن غياب زوجها ما يُقارب خمسة الأعوام، وانقطاع أخباره عنها، وأنها لم تعد تحتمل أعباء الحياة بمفردها، وقد جاءها مَنْ يُريد الزواج بها.

 

شمس الدين: خمسة أعوام، مدة طويلة حقًّا، فلنسمع الشهود على صِدْقِ كلامك.

وبعد الشهادة والقسم حكَم شمس الدين باعتبار زوجها مفقودًا، وأعطاها الحقَّ في الزواج بغيره.

مرت أيام قليلة وكان القاضي شمس الدين في مجلسه، فدخل عليه رسولٌ من قاضي القضاة يُلِحُّ في طلبه والقدوم إليه.

 

شمس الدين: السلام عليكم سيدي قاضي القضاة، لقد استدعيتني، فما الخَطْبُ؟

قاضـي القضاة: لا تستعجل، سترى ما ورَّطَّنا فيه يا شمس الدين، ثم نادى: "أدخِلوا المرأة وزوجيها!"

 

شمس الدين (مستغربًا): (زوجيها!)، وما إن رآها حتى تذكَّرها، فهي من اشتَكَتْه فَقْدَ زوجها.

قاضي القضاة: لقد أجزت للمرأة الزواج بآخر، وما زال زوجها على قيد الحياة.

 

شمس الدين (مدافعًا عن نفسه): لقد أخبرتني بانقطاع أخباره، وأتَتْ بالشهود.

قاضي القضاة: لن يفيدَ الكلامُ، فقد "سَبَقَ السيفُ العَذَلَ"... سامَحك الله؛ لقد وضعتنا جميعًا في مِحْنة شديدة لم تحدُث من قبلُ، وقد علِم الوالي الأمر، وأقرَّ بإقصاء شمس الدين من القضاء، والله أعلم بالسرائر والأهواء.

 

حزن القاضي شمسُ الدين حُزْنًا شديدًا ألْزَمَه بيتَه، لا يُريد أن يرى أحدًا أو يتحدَّث مع أحد، وظل أيامًا هكذا، وزوجته تُواسيه، وتُخفِّف عنه، وهو يهمس إليها: "لقد حكمْتَ بشرع الله، وبما ترآى لي من اجتهاد، ولكن ظهور زوجها المفقود ليس ذنبي...".

 

وفي الصباح التالي وهو متكئ على نافذة منزله، سمِع المنادي ينادي بين الناس: "... يا أهالي القاهرة ... يا أهالي القاهرة ..."، إنه المنادي يُعلِم الناسَ عن عطية الوالي لكل رضيع لم يُفْطَم بعدُ، ستحمل كلُّ أُمٍّ طفلها وستذهب لقصر الوالي غدًا بعد صلاة الظهر لتأخذ هبة الوالي.

 

قام شمس الدين مسرعًا مرتديًا حذاءه وعباءته، وتهيَّأ للخروج من المنزل.

الزوجة: إلى أين؟

شمس الدين: سأذهب لبيت قاضي القضاة، لعل اللهَ يجعل لي مخرجًا.

 

في اليوم التالي، حملت كلُّ أُمٍّ رضيعها، وذهبت لقصر الوالي؛ حيث كان قاضي القضاة جالسًا يُسجِّل أسماء الأطفال الرُّضَّع وأمهاتهم، وكان بجواره رجل مُلثَّم يُديمُ النظر في الأمهات، فكشف عن وجه وصاح: "إنها المرأة يا سيدي القاضي حاملة طفلها الرضيع".

 

قاضي القضاة: يا حُرَّاس، اقْبِضُوا عليها.

المرأة: ماذا فعلتُ؟

شمس الدين: من أين لك بهذا الطفل يا زوجة الرجلين؟

المرأة: إنه طفلي؟!

شمس الدين: كيف يكون لك طفل، وقد أخبرتِني بأن زوجك كان غائبًا عنك خمسة أعوام، وطفلك لم يكتمل العامين، فتلعثَمت المرأة، وأجهشَت بالبكاء: نعم زوجي قد سافر منذ عامين، وكنتُ على علمٍ بمكانه، ولكنه التاجر يعقوب...

 

شمس الدين: التاجر يعقوب المدين للعطَّار.

المرأة: لقد أعطاني مالًا؛ لأقف أمامك، وأُخْبِرك بقصة زوجي المكذوبة.

شمس الدين: يا لها من أُحْبُولة! ... كدتُ أموت كبدًا، ولكن الله أظهَر الحقَّ.

وقُبِضَ على التاجر يعقوب، ووُضِع في السجن، وصارت قصته مع القاضي شمس الدين مَضْرِب الأمثال في المكر والدهاء، يتحاكى بها عِليةُ القوم والدَّهْماء.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة