• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

ورد يذهب

ناصر الحلواني


تاريخ الإضافة: 13/4/2010 ميلادي - 29/4/1431 هجري

الزيارات: 5413

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشمس في كبد السماء ناصعة، تمتد خيوط نورها الفارّة إلى جنبات الأرض، تسكب حرارتها الصيفيَّة على أجساد ماضية إلى رزقها، يلوذون ببقايا ظلال ذابت على وهج الأرصفة الضيِّقة، يخوضون في كثافة الغبار الراكد على أنفاسهم، يحمله الصهد الصاعد من الطُّرقات، ويمرُّون إلى جوار السور الحديدي المطرَّز بتشاكيل "أرابيسك" صلْبة، يرون الحديقة الشاسعة خلفه، منظومة في أبهة ملكيَّة، وفي صدرها ينهض المبنى الفخم، تكسو واجهتَه ألواح من زجاج داكن، يحول بين النهار الناصع وحرارة الشمس الفائرة، وبين التسلل إلى فضاء الداخل، فيسيلا على ملاسته اللامعة مزاجًا من صهد ونور، يسقطان إلى أرضيَّة المدخل الفخم، تردهما بلاطات الرُّخام الصقيلة، ببرودة حجريَّة، عن المدخل الفسيح، تزيِّن جنباته نخلات عقيم، لا يطولها الغبار المتسكِّع، وصَفَّان من أعلام هامدة من حرِّ اليوم لا هواء يرفعها، ولا تقدر على الرفرفة، فسكنت أنسجتها الملونة مستسلمة، كلٌّ على ساريته المنتصبة إلى السماء، كرمح خشبي مصقول القناة لا نصل له.

 

وفي الداخل كانت الستائر القطيفيَّة الرهيفة تنسدل خلف الزجاج المنصوب للشمس، تحول بين ما تسرَّب من نور أو حرارة، وبين المروق إلى فضاء القاعة الدائرية الشاسعة، كقبَّة سماويَّة تتماوج الستائر متمتعة بطراوة الهواء المبرَّد، ينساب عليها من فتحات دقيقة مستورة في جنبات القاعة العالية، وبضوء المصابيح الصاخبة المنثورة في الأنحاء، فلا يعود في المكان ظل.

 

وعلى المقاعد المخمليَّة الوثيرة المرصوصة بعناية خلف المنصَّة الدائريَّة، كانت وجوه ناصعة ناعمة الوجنات، لبشرٍ خرجوا توًّا من غُرف راحتهم الباردة، يمدُّون أَكُفًّا رقيقة الحركة بأسلوب دبلوماسي رائق، يتصافحون بأناقة تعلَّموها، ويلتقطون حبَّات الفاكهة الشهيَّة الألوان، وزجاجات المياه المعدنيَّة، وأوراقًا مسودة بتقارير عن أرض وبَشَر، وحصار وحطام بيوت، وأطفال صَرْعى وجدار، يقلبونها بتأنٍّ ملحوظ، ويتبادلون التحايا بابتسامات منمَّقة.

 

وأمام كلٍّ منهم كانت سارية قزمة، تحمل علمه المصنوع من معدن جامد، لا يحركه شيءٌ، وباقة زهور مقطوفة توًّا، منسقة بعناية فائقة، تنثر ورداتها الزاهية آخر لحظات حياتها في وجوههم الشمعيَّة، وتسكن محتضرة في جمال يغري بعضهم بالالتفات إليها ولا يلبث أن ينصرف عنها، لتزيِّن بموتها الصامت مقامَ حضورهم.

 

ويكونون إلى كلامهم، وحماسهم الإيقاعي، وتنديدهم الأبدي وتصفيق عابر، لخطاب ثائر عن أرضٍ هناك، لا تجد مَن يرفع عن وجعها الألم.

 

وهناك في الأرض غير البعيدة تحت حرارة شمس اليوم ذاته، يهرول صبيٌّ يافعٌ، متنفسًا الغبار الساخن، يتعثَّر فوق حطام البيوت المفرودة في الطُّرقات، يركض، لا تُدهشه آثار الدم على الحيطان والأبواب وتراب الطريق، يهرع إلى الخوذات المتترسة بخوفها، يقعد تحت جدار منقوش بآثار طلقات، يُخرج مقلاعه، يضع في قلبه قطعة حجر يجيش بالقوة، وينتصب كنصل رمح حادٍّ، يرفع المقلاع فوق رأسه، يحوم به سريعًا، ويطلقه صارمًا.

 

وينطلق تصفيق حارٌّ، في القاعة المخمليَّة المبردة، لا يحرك غبارًا؛ فلا غبار، ولا تأبه له الستائر المنسدلة على خمولها، ولا الوردات الذاهبة في موتها.

 

ويخرج الجميع هادئًا في وقار، وعبر الباب الفخم يمرق كل منهم سريعًا إلى رحم سيارته الداكنة، يحاذر أن تدركه لفحةٌ من قيظ النهار، أو يدركه الغبار السابح في النور الحار لشمس اليوم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- بوركتم
سعدون - السعودية 15/04/2010 02:29 PM

بارك الله فيكم
أحسنتم وأجدتم.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة