• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

متلازمة (قصة قصيرة)

متلازمة (قصة قصيرة)
وليد سميح عبدالعال


تاريخ الإضافة: 22/11/2015 ميلادي - 10/2/1437 هجري

الزيارات: 4265

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

متلازمة

 

(لا حول ولا قوة إلا بالله)..

قالها وهو يَنظر لطفلِه ذي السَّنوات السَّبع يتحرَّك ببطءٍ في فراشه، ولم يتمالَك ابتسامَة تسلَّلَت إلى وجهه، لم يكن من الغريب أن يبتسِم وهو يتطلَّع لولده النَّائم، ولكن الغريب أنَّ الابتسامة لم تكن صافِية، لقد خالَطَها بعضُ الألَم فلم تبدُ كما كانت دومًا، ابتسامة لا تستطيع أن ترى مثلَها كثيرًا، كأنَّها ابتسامة مذنِب جنَى على حبيبٍ له وهو نادِم على ذلك أشد ما يكون النَّدم!

 

استرجَع الموقِف الذي لم يكن يفكِّر في سواه منذ أيام، ذلك الموقف الذي ما ظنَّ يومًا أن يوضَع في مثله.

 

لقد أخبره أبواه أنَّه كان يَحمل نفس المرَض الذي أصاب ولدَه حين كان صغيرًا!

 

تذكَّر صدمتَه حين سمع هذا الكلام مِنهما وتساءل في غضبٍ: لماذا لم يُخبراه بذلك مبكِّرًا؟ لماذا لم يحذِّراه قبل أن يتزوَّج؟ وتساءل في نفسه حين لَفظ هذا الكلام: هل كان سَيمنعك ذلك من الزواج؟

 

صمت أبواه، ونظر كلٌّ منهما إلى الآخر وأطرَقا.. تساءل في نفسه: وكيف لا يَذكر هو ذلك؟!

 

لقد كان في السَّادسة أو السابعة ولم يستمرَّ الأمر طويلاً، لكنَّه عانى مِنه في المدرسة ومع أصحابِه كما أخبره أبواه.

 

كان يطالِع في وجه ابنه الصَّغير ويشعر بالعَجز والحيرة والغضَب، هل يَلوم أبويه على ما حدث؟ وكيف يفعل؟! هل يحاول نِسيان الأمر والمضيَّ قدمًا؟

 

قالا له لمَّا هدأ: كنتَ صغيرًا وأخذنا في علاجِك من هذا المرض الغريب (متلازمة توريت) (tourette syndrom) الذي له أعراض غرِيبة: حركات لا إراديَّة وتشنُّجات وألفاظ نابِية تخرج بدون تحكُّم.

 

بكَت أمُّه وهي تتذكَّر تلك الأيام وقالت: كانت أيامًا لم نرَ مثلَها في حياتنا، وكنتَ وحيدًا، وخفنا أن نَفقدك، كِدنا نيئس من جدوى العِلاج؛ أدوية وجلسات ومصحَّات، ولكن بعدها ومع كبرك شيئًا فشيئًا بدأَت الأعراضُ تخفُّ، وبدأتَ في الشِّفاء بفضل الله.

 

قال أبوه: لم نرِد أن نتكلَّم عن هذه الفترة البائسة من حياتِنا، ولا أن نتذكَّرها أصلاً، فضلاً عن أن نخبِرك بتفاصيلها لمَّا تكبر، ولم نكن واثقين هل ستذكر تلك الأيام أو لا؟ ثمَّ آثرنا أن نتركَ الأمرَ دون كلامٍ ولا خوض في تفاصيل؛ لِما في ذلك من الألَم والحزن، ولأنَّنا ظننَّا أنَّ الأمر انتهى ولن يكون له أثر؛ ولكن يبدو أنَّنا أخطأنا في ذلك.

 

يا بني، لم نكن نَعلم أنَّ الأمر قد يكون له أثر وراثيٌّ، لقد قال الأطباء: إنَّ ذلك نادر جدًّا، ولمَّا رأيناك تحسَّنتَ ورجعتَ لحياتك الطبيعيَّة نسينا وتناسينا.

 

صمتَ أبوه، تذكَّر لمحاتٍ كانت تراوده أحيانًا وأحلامًا مهشمَّة كان يراها عن نفسه؛ زملاؤه يَضحكون مِنه لحركاته الغرِيبة، والمعلِّمة تعاقبه لأنَّه قال كلمةً بذيئة، ثمَّ يختفي كلُّ ذلك في الصَّباح ويعود لحياته ولا يظن هو أنَّها ذكريات لفترة حالِكة كانت في حياته حين كان بعدُ طفلاً.

 

نظر في ساعته وهو ما زال واقفًا يتأمَّل في ولده النَّائم، كانت السَّابعة صباحًا وزوجته نامَت منهكَة بعد يومٍ طويل مع الولَد تعتني به وتحاوِل أن تتواءم مع النَّوبات التي تعتريه، وأن تذاكِر معه بعضَ المواد الدراسيَّة، أمَّا هو فلَم يَذق طعمَ النوم هذه الليلة.

 

كان عليه أن يَذهب إلى عملِه، وفكَّر في أن يأخذ اليوم إجازة، لكنَّه وجد نفسَه يَلتقط الجاكت الملقى على الكرسيِّ الذي كان يَجلس عليه وينطلِق إلى الشارع.

 

تنفَّس هواء الصَّباح الجديد بعمقٍ وأخذ يمشي على مهل محاولاً أن يصفِّي ذهنَه وقلبَه من كلِّ ما فيه من دَغل، كان يَنظر إلى النَّاس من حوله؛ الذاهب لعملِه مسرعًا ناظرًا في ساعته، الرَّاكب درَّاجته ليذهَب لمدرسته، الذي يَفتح دكانَه باكرًا ليدرك رِزق يومه.

 

لكن شيئًا استوقَفه لم يرَ مثله من قبل: ذلك الفتى ما بين الخامِسةَ عشْرةَ والسَّابعة عشرة وهو جالِس على الأرض في شارع جانبيٍّ، مُجلِسًا سيدةً عجوزًا على كرسيٍّ صغير، ممسِكًا في يده طبقًا ومِلعقة يطعِمها في فمها المرَّة تِلو المرَّة! توقف مبهوتًا أمام المشهد الذي أمامَه، لم يدرِ ما الذي حرَّكه في هذا المشهد ولمسَ مشاعرَه العميقة؛ فتًى صغير في سنِّ الانطلاق والفوران لكنَّه بارٌّ بأمِّه العجوز يطعِمها كما كانت تطعِمه وهو صَغير، لا يستطيع لنفسه ضرًّا ولا نفعًا.

 

مشهدٌ ربَّما رأى مثلَه على الإنترنت أو قرأه في جريدة، حقًّا يظنُّ أنَّه رأى ذلك مِن قبل لكن أن تراه حقيقةً أمامك بأشخاص أَحياء يتحرَّكون في الشارع الذي تَمشي فيه - شيء آخر.

 

لَم يَنتبه أنه ظلَّ يحدِّق في الفتى والعجوز لوَهلة حتى لاحظَه الفتى ولاحَظ نظراته، ورَفع رأسَه ناظرًا إليه بطرف عينه دون أن يتوقَّف عن إطعام العجوز، وكأنَّ كلَّ ما يحدث في هذا العالَم لا يستطيع أن يوقِفه عن هذا الأمر الذي يفعله بعناية.

 

رأى أنَّه أطالَ الوقوف والنظرَ وشعرَ بعينَي الفتى تَلمحانِه وهو يتابِع مشيه مبتعدًا عنهما.

 

وجد نفسَه يُخرج جوَّاله ويتَّصل بالعمل ليعتذرَ عن الحضور اليوم، ووجد قدمَيه تحملانه دون تفكير لبيتِ والدَيه من دون اتِّصال أو تنبيه.. قطع المسافةَ مسرعًا.. طرقَ البابَ وسمع وقْعَ أقدامٍ أنثويَّة ما زالت رشيقة رغم سنِّ السادسة والخمسين.. ابتسمَ في نفسه، وتذكَّر مشهدَ الفتى الصَّغير وهو يَرفع الملعقةَ لفم أمِّه.

 

احتشدَت في رأسه أفكار كثيرة.. لقد ابتُلي بمرض ابنِه كما ابتُلي أبواه بمرضه من قبل.. لقد أحبَّاه كما لم يحبَّا أحدًا من قبل ولم يريدا له أن يتألَّم ولو لحظةً واحدة.. لعلَّهم الآن في ألَمٍ أشد من ألَمه هو..

 

وتذكَّر وجهَ طِفلِه وهو في فراشه بينما أمُّه تَفتح البابَ وتبتسم مندهِشة بطريقة مميزةٍ لطالما أَعجبته وهو صغير.

 

انتهت بحمد الله





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة