• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

ذكريات

ذكريات
محمود الحسن


تاريخ الإضافة: 1/4/2013 ميلادي - 21/5/1434 هجري

الزيارات: 5234

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذكريات


حين نتأمَّل الطبيعة تخبرنا بأن كلّ زهرة ينتظرها الذبول، وأن كلَّ نجمة سيداهمها الأُفول، وأن ضجة الحياة سوف يبتلعها - لا محالة - صمتٌ رهيب طويل؟

 

وحين تتشابك الدروب أمام الفِكر، ويختنق القلب في أعماق الحيرة، يقف الإنسان أمام عظمة الكون، موقنًا بأن لكلِّ بقاء أجلا، ولكلّ طريق نهاية؟

 

ويتحسَّس الإنسان نبض قلبه فيُدرك أنه حيٌّ، ويتساءَل ربَّما عن معنى الحياة، ولكن لا يدري أهي سطور كُتِبَت بدماء القلوب، أم بُردة نُسِجَت بخيوط الألم، أم وحش لا يرتوي إلا من الدموع؟

 

في تلك اللحظات يلتجئ الإنسان إلى الأمل، ويهرب إلى مشاهد الأحلام، ولكن بعد كلِّ أمل يقظة ساخرة، وخلف كلِّ حلم صحوة مرّة، وفي كلّ أفق طائر جبّار يقتلع عيون السعادة، ثم يختفي وراء السحاب.

 

وهأنذا قد التجأت إلى الأمل والحلم، وركبت في سفينة الرجاء، فإذا بها تُعيدني إلى الوراء، وتنـزلني على شاطئ قيل لي إنه شاطئ الذكريات.

 

وهناك قابلني عجوز عابس وألقى بين يدي كتابًا ثقيلاً، ثم جلس أمامي على صخرة مرتفعة، وأمرني أن أتصفَّح وأقرأ.

 

فتحت الكتابَ وأنا أنظر إلى الشيخ من طرف خفيّ، نظرة ارتياب ورهبة، إذ أخشى أن تقع عينه عليّ، كما أرجو أن تمتدّ إلى تجاعيد وجهه مسحة من الرضا، أو صفعة من صفعات القدر.

 

وأخيرًا نظرت في الكتاب، فرأيت مشاهد يرتجف لها القلب، وقرأتُ سطورًا كأنها اغتسلت بدموع كاتبها، ولمحتُ صورًا كنتُ أظنني لن أشاهدها يومًا في كتاب.

 

آه أيها الكتاب، أما زِلت تُلاحقني؟

كنتُ في طفولتي أجدك صغيرًا خفيفًا فأحملك في جيبي وأنت مبتلّ، ولم أكن أسأل أمِن حبات مطر، أم من قطرات دموع؟

 

وفي شبابي حملتك بيدي وأحيانًا على رأسي، ولم أكن أحسّ بثقلك، لأني كنت أستحي أن أشكوَ من التعب.

 

أما اليوم، فأراكَ ابتلعت الأرض وصخورها، والصحارى ورمالها، والمقابر وأشباحها، والمآتم ونحيبها، والمآسي وصراخها؟

فهل أستطيع أن أحملك على ظهري؟

 

ثم ما لك ملتصقًا بي في كلّ مواقفي، وحاضرًا في كلّ زوايا حياتي، ومنبسطًا على امتداد أيام عمري؟

 

هل ستبقى ترافقني في غربتي، وتصاحبني في سفري، وتنقضّ علي في وحدتي، وتُثقلني في شقائي؟

 

هل ستبقى تحجب عن شفاهي بسمة السعادة، وعن سمعي كلمات الحبّ، وعن عيوني مشاهد الصفاء، وعن صوتي تغريدة الفرح؟

 

ظلامك لم يزحزحه نور، ويأسي فيك لم يُخالطْه أمل، وغربتي في صفحاتك لم يُداهمها أنس، وتيهي بأرضك لم يُبارزه هدى، وسُكْري بسمومك لم تقطعْه صحوة، وذنوبي تحت كلّ صورة ما تزال تنتظر الغفران. فماذا أنتظر أن أجد فيك؟

 

وأنت أيها العابس فوق الصخر، إن كنت ملكًا فقد أرهبتني وكُفيت حربي، وإن كنت شيطانًا فقد أغويتني وكُفِيت أمري، فخذ كتابَك وارحل عنِّي.

 

فرأيت الشيخ في تلك اللحظة يتبسم، فيكتسي وجهه بياضًا وحمرة، وإذا به يعود كهلاً في عمري، ويبرح الصخرة، ويتقدم نحوي، ويُناوِلُني بضعَ وُرَيقات...

 

تأملتها فإذا فيها صورة لي مع أخي، ومعنا قطعة سكّر، كان كلٌّ منّا يمصها قليلاً ثم يُناوِلها للآخر.

 

وفيها صورة لي مع أمِّي، وهي تغني لي قبل أن أنام، وصورة مع أبي وهو يبتسم لي بعد أن أخبره أني أتممتُ واجباتي، وكتبتُ وظائفي.

 

وفيها لقاء مع أصدقاء ما أزال أحمل لهم الود، وذكرى مع حبيب ما أزال أحمل له الوفاء، وأحلم أن ألتقيه في الجنة.

 

وفيها مشهد لرجال كانوا ينظرون إليّ بإعجاب وأنا أتحدَّث، وموقف بين يدي ربِّي وأنا أصلِّي.

 

وفي تلك اللحظة ابتسم إليَّ ثانية، وأخذ الكتابَ الثقيل، ورماه في البحر، وترك لي تلك الوريقات، ثم ودعني ومضى.

 

أحسست في ذلك اليوم أن الوريقات أخذت تملأ السماء فوقي، والأرض حولي، وأخذت أجني من رحيقها قوتًا لقلبي، وعزيمة لفكري.

 

نعم غادرني ذاك الكهل اللطيف، ولم أصادفْه مرة أخرى. ولكني على ثقة أنه سيأتي إليّ مرة، في صورة شيخ، ولكن لن يكون عابسًا بعد اليوم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة