• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

ذكرى معطرة (قصة)

ذكرى معطرة (قصة)
فاطمة بلحاج


تاريخ الإضافة: 18/12/2012 ميلادي - 5/2/1434 هجري

الزيارات: 5064

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ذكرى معطرة

(قصة)


جلستْ في الحديقة تتطلَّع إلى الأزهار المُنقَّحة، وصارت تتساءل في نفسها: "أيتذكَّر الذكرى أم ينساها مثل كلِّ مرة؟ وإن لم يتذكَّرها، فما عساي أفعل مع ذاكرته المُتموِّجة مع الفصول؟!".

 

لَمْلَمت مُخيِّلتها في سكون وهي تتطلَّع للزهور الجميلة، لكن الأفكار الخفيَّة هاجَمتها، وردَّد صوت داخلها: "لِمَ لا تُلمِّحين له؟ فقد يتذكَّر، ولكن كيف؟ فالفواتير لا تُفارق مكتبه، والأعمال تتراكم عليه يومًا بعد يوم، والأرقام تتشابَك داخل ذاكرته كخيوط العنكبوت، لا يعرف كيف يحلُّها إلا بمساعدتي، وإن نسِي ذكرى عُمرنا، فلن أتفاجَأ!".

 

أخذَتْ أنفاسًا من ماضي شَغفها، وتنهَّدت:

• آه لو نسِي الذكرى! وآه على تلك الفواتير! لقد استولَت على ذاكرته، وتَنجرف كلَّ يوم تحت رُكام شاببه، بعد أن ارتسَمت خُصلات الشَّيب خريفًا فوق رأسه!

 

وإذ بها تُفكِّر، شعَرت بيده تُربِّت على كتِفها، نظَرت إليه مبتسمة، وقالت:

• كنت أفكِّر في أمرٍ يخصُّنا!

 

فردَّ مازحًا:

• أخاف من الأفكار التي تخصُّنا!

 

ضحكت مجامِلةً إيَّاه، ثم عقَّبت صامتةً تُراقص خواطرها، اقترَب منها، ثم جلس على كرسيٍّ بجوارها، مال إلى الوراء مستقيمًا في جلسته، فإذا بالأزهار المختلفة تحاصر عيونه، ابتسَم وصار يترقَّبها في هدوء، فمالت على كتفه وأمسَكت يده، وتطلَّعت إلى زهرة الياسمين، التي تَتبخْتَر بين أنواع الزهور المُخَضَّبة، أحسَّت بأنها تُجانسها، فصارت تَرقُبها وهي تتمايَل مع النسائم، تَرتعش أوراقها، وترجُف أشواكها في رونق متَّجَلٍّ، وتَزهو بأهازيجَ مُعطَّرةٍ بأريج مُفعَم رِقَّةً، هبَّت أَهْوِية شرقيَّة خفيفة، فأوصَلت شذا الرحيق أنفاسها، استنشَقت العبير الذي لفَّ وجنتَيها وداعَب صدرها، فقالت له متسائلة بسكينة:

• أمَا زالت زهرتك تفوح عطرًا؟!

• كما عهِدتها، لقد تعوَّدت عِطرها.

• أما زال عطرُها يفوح، أم ذَبُلت مع الخريف؟!

 

تطلع إليها بنظرة متفحِّصة، واستغرَب من سؤالها وردَّ بسؤال:

• إلى أين تريدين الوصول عزيزتي؟!

 

تَمْتمَتْ تَمتماتٍ وصمَتت، ثم قالت في نفسها: "لن يَفهمَني مهما لَمَّحت له، لن يتذكَّر ذكرى عُمرنا هذه السنة، آه على الفواتير اللعينة!".

 

أمسَك كفَّها بين يديه، وأخرجها من أُنقوعة أفكارها قائلاً:

• لا يهم لو ذَبُلت كلُّ زهور الحديقة، ما دامت زهرتي تَفوح عطرًا كلَّ يوم، وتُتَمتِم من حينٍ لآخر، فسِحرُها يَكمُن في تَمتمات أَجْهَلُ سرَّها!

 

تعمَّدتْ تجاهُل كلماته بابتسامة عريضة، أضاءت ملامح وجْهها الجميل، فأطلَق ضحكة خفيفة، وطوَّقها بذراعه في حُنوٍّ، أخَذت نفَسًا بطيئًا، ثم قالت:

• آه يا عزيزي، لو تعلم ما أصاب زهور حيِّنا! أما زهرتُنا، فما زالت تُشِع رونقًا، وتعطِّر حياتنا كلَّ يوم، رغم مرور سنين على زراعتها.

 

تطلَّع إليها بنظرة غامضة، ثم قال:

• عزيزتي، لا أدري ما يجول في مُخيِّلتك، لكني أحفَظ ترانيمك، وأشعر أن هناك شيئًا ما يقضُّ مَضجعك، وتوَدَّين مني معرفته، لكني لا أُتقن فنَّ الألغاز، فقولي ما لديك.

 

داعبَت بأناملها خُصلات شعرها المتدلِّية حول رقبتها، وهمسَت له والابتسامة لا تُفارق ثَغرها:

• عزيزي، إن زهرتك في حاجة لإرواء مختلِفٍ عن كلِّ مرة، تتوقَّع منك ما وعَدتها.

 

قاطَعها قائلاً:

• فهِمت عزيزتي.

 

انشرَح صدرها، فأمسَكته من ذراعه بكِلتا يديها، وقالت والفرحة تكاد لا تَسَعها:

• ماذا فهِمت يا عزيزي؟!

• ما تريدين مني فَهْمه!

• يجب أن يكون فَهْمك قدر المناسبة.

 

حرَّك حاجبَيه، ثم نظر إليها بتمعُّنٍ، وتساءل قائلاً:

وما المناسبة؟!


تطلَّعت إليه بصمتٍ، ثم مالت على الكرسي إلى الوراء، شعَرت بأن فرحتها قد توارَت خلف ذاكرته المفقودة للذكرى، فحدَّثته بلُغة عشْعَشت بين ثنايا أمَلها بأن يُهديها ما تتمنَّى، ويَفيَ بوعدٍ قطَعه لها، ثم دخلت في حوارٍ لم ينتهِ إلاَّ بكلمة قالتها بعد أن احتقَنت غيظًا:

• انْسَ، فذاك خيرٌ.

 

نظَر إليها في هدوء، قرأ غيظَها الذي ارتسَم على مُحيَّاها، ثم قال:

• ولِمَ أنسى؟ فأنتِ تُدركين كَميَّة الأرقام التي تصطفُّ أمام ذاكرتي؛ لذا لا تلوميني إن لَم أتذكَّر، فقولي ما لديك.

 

صمَتت ولم تُعقِّب على كلامه، تمنَّت من أعماقها أن يَكتشف الرقْم الذي يُؤرِّقها، ويُزيح عن صدرها اللهيب المشتعل، ويُفاجئها بالهدية التي وعَدها بها.

 

في اليوم التالي، استيقَظت لتجد الفَطور على المائدة، لم تَستغرب؛ فهذه عادته من حينٍ إلى آخر، أبقَت على صمْتها تَرتشف القهوة وتتطلَّع في الفنجان بتأمُّلٍ كأنها تقرأ الطالع، ومن دون أن تُحرِّك رأسها أو تَرفعه من على الفنجان، فحيَّره أمرها، قام من الكرسي ودخل مكتبه يُقلِّب بين الأوراق باحثًا عن تواريخ فصول حياته، ثم غادر البيت في صمتٍ يُشبه صمْتها، فعادت إلى غرفتها وتَقوقَعت تحت الشراشف.

 

بعد ساعة، تفاجَأت به يدخل عليها الغرفة، وفي يده زهرة ويقول:

• عزيزتي هذه من أجْلك.

 

بقِيت مكانها تتطلَّع إليه في صمتٍ وقد تَهلَّل مُحيَّاها انشراحًا، وفي غَمرة دَهشتها، أخرَج من جيبه مِفتاح سيارة - الهدية التي وعَدها بها من قبلُ - قدَّمه لها، قائلاً:

• عزيزتي، هذا العام ليس ككل عام، فعيدنا هذا العام يَحسِبه قلبي بالقرون، فقد قال الكل: إن زهرتنا لن يدومَ عِطرها؛ لأن الأشواك تُحيط بها من كل جانب، والغيوم تَكتُم أنفاسها، لكنها لم تَذبُل، وبقِي عطرها يَفوح حتى صار لطيبه مثلاً.

 

عزيزتي، زواج سعيد، وكل عام وزهرتي مُعطرة!

 

نزَلت دمعة فرحٍ من مُقلتَيها، ورمَت بالشراشف، وقفَزت إليه، لكن الشراشف الْتَوَت على قدَميها، فسقَطت على رُكبتيها، وأطلَقت أُهزوجة فرحٍ رغم وجَعِها من السَّقطة! وأدرَكت في داخلها أن الذكرى راسخة في ذهنه ولم يَنْسها، مع أن ذاكرته مُعبَّأة بالتواريخ، وأن لزهرتها سحرًا يفوق أيَّ سحرٍ، فقد علِقت أشواكُها بفؤاده.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة