• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / بوابة النثر / كُتاب الألوكة


علامة باركود

وللسوط أحيانا بريق

عادل مناع


تاريخ الإضافة: 7/3/2017 ميلادي - 9/6/1438 هجري

الزيارات: 4061

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وللسوط أحيانا بريق


منذ أن بدأ إدراكي يشقُّ طريقه في الحياة، علمتُ أنني لست كسائر البشر، وأنه ينبغي عليَّ ألَّا أخرج عن إطارِ هذه الحقيقة حتى أستطيع العيش في أمان.

 

كان سيد القصرِ هو الآمرَ الناهي، ننتظر فُتات طعامه، ونكدُّ ونكدح في أرضه على ملء بطوننا، وأقصى أمانينا أن نجدَ في أحلامنا ما يمسح عن جباهِنا غبار العناء، غير أن الواقع المرَّ لم يتركنا لأحلامنا فيداهمنا ليقرع آذاننا: إنما أنتم عبيد!

 

عشتُ وصاحبي نتقاسم معًا جرعات المرِّ، نختلس أن تسدل أستار النهار ويكتنفنا الظلام؛ حتى نطلق العنان لأفراح الطفولة.

كل منا قد ألِف مشهدَ أبيه وقد غُلَّت يداه إلى نخلةٍ عتيقة، وسوط سيِّد القصر يشقُّ الهواء إلى ظهره العاري؛ ليمتزج ذلك الصوت المرعب بأنَّاتٍ مكتومة؛ ليتمدَّد على بطنه بعدها تضمده الزوجة المكلومة.

 

اشتدَّت العيدان، وكأن كلًّا منا قد ورِث عن أبيه ظهرَه العاري في مرمى السوط، وكم مِن مرة شد وثاقي وصاحبي، وكلانا ينظر إلى الآخر والسوط يهوي على ظهره.

 

كبِرنا وكبر الخوف في أعماقنا، فالسوط يطاردنا حيث وضعنا أقدامنا، غير أني قد نشأ معي حلمي الصغير وترعرع في الخفاء: أن أكون حرًّا!

 

كثيرًا ما أفضيت به إلى صاحبي، فكانت الفكرة تروقه وتفزعه في آنٍ واحد، يتلفَّت رغم همسي ذعرًا، ويُخِيفه المستقبل المجهول، فاق في حسِّه ألم السوط الذي اعتاده.

تحوَّل حُلمي على مرِّ الأيام إلى همٍّ وعزم، أقنعتُ صاحبي أن هذه الحظائرَ ليست مكاننا، وأننا بشر ينبغي أن نحيا كالبشر.

 

انطلَقْنا نتنسَّم عبير الحرية، وعدَوْنا بأنفاسنا المتلاحقة ومِن خلفنا رجال سيد القصر ليردُّونا إلى القَيد والرقِّ، ولم أكن أعبأ بذلك الجرح الغائر في قدمي ونزفه.

غِبْنا عن الأنظار، وآوانا بطنُ الجبل إلى أن تهدأ الأمور، ثم نبدأ في بناء حياتنا الجديدة في ظل الحرية.

 

مرَّ يوم كامل علينا ندافع الهواجس ونفرغ توتُّرنا بضحكات متعاقبة، نرسم بالكلمات معالم حياتنا في عهد الحرية، غيرَ أننا أفقنا من تلك الأحلام على لهيبِ الظمأ وزئير الجوع، فلم يكن بحوزتنا زادٌ لتلك الرحلة المجهولة.

 

كفاني صاحبي همَّ التفكير في النزول من الجبل، وهو يرى الدماء تغرق تلك الضمادة التي شققتها من ثيابي.

ساعات قضيتُها في انتظار صاحبي، وساورَتْني الشكوك التي قارَبْت حدَّ اليقين من أنه وقع في قبضة سيد القصر من جديد، وحدَّثت نفسي بالنزول، غير أنني أرجأتُ الأمر لساعة أخرى.

 

أسبلت عينيَّ في إعياء مطلِقًا عنان خيالي ليسبح في عالم الحرية، لم يقطع ذلك الاسترسال سوى تلك الجَلَبة التي جعلتني أنتفض لأرى المشهد الأكثر قسوةً في حياتي.

 

هو ذاته سيد القصر بملامحه القاسية قد انتفخَتْ أوداجه غضبًا، ومن حوله رجاله يتأهَّبون للانقضاض عليَّ، لكن ما زاد الأمر شدة عليَّ، صاحبي ذاك الذي يقف مرتجفًا مُطرِق الرأس لا تطاوعه عيناه على النظر إليَّ.

 

حينها أدركتُ أن صاحبي قد استسلم لهواجسه، ورأى أن يقنع بحياة العبودية التي ألِفها واعتاد مشهد السوط فيها، وأبت نفسه دفع ضريبة الحرية.

أُوثِقت يداي إلى النخلة، وظهري العاري يترقب أن يجد السوطُ طريقَه إليه، وبجانبي كان صاحبي الذي لم تشفع له الوِشاية بي لدى سيد القصر!

 

التقَتْ عينانَا لحظات، قرأتُ في عينيه كلمات صريحة: سامحني، فعلتُها رغمًا عني، لا أستطيع، تلك حياتي التي ألفتُها.

أما أنا، فلم تحمل نظراتي إليه سوى الشفقة على إنسان لم يعِ بعدُ معنى الحرية واستسلم للمألوف، غير أن السوط الذي علا في الهواء ليرتدَّ إلى ظهري لن يقتل حلمي، ولن أفقد الأمل في صاحبي أن يشاركني آمال الحرية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة