• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / أدبنا / المرأة الأديبة / كاتبات الألوكة


علامة باركود

كفرس جموح

كفرس جموح
أم وفاء خناثة قوادري


تاريخ الإضافة: 8/12/2016 ميلادي - 9/3/1438 هجري

الزيارات: 5226

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

كفرس جموح

 

التفتت إلى والدتها المُتفجِّعة عليها، وقد غادرت البيت مساءً رفقةَ شابَّين منحرفين، وقالت لها:

• انصرفي عني، قلتُ لك أكثر من مرة: خارج حدود باب الدار، لا أنا ابنتك ولا أنت أمي، خارج حدود باب الدار، لا أعرفك ولا تعرفينني!

هكذا كانت تتردَّى أمام أعين الجميع، وقد أحجم الكلُّ عن انتشالها من حَمْأَةِ الوسط العفِنِ الذي غرِقت فيه؛ فالكلُّ خائف على عِرضه ونفسه من شِلَّة المنحرفين.

رجَّني ذات يوم حزين أنْ قالت لي:

• إي والله، أعرف أن هذا الطريق نهايته إما السَّجن، أو الجنون.

• • •


وقفتْ إلى المكتب بجانبي، ألحَّتْ أن تُحضِرَ حقيبتَها معها، مما يعطي علامةَ تعجُّب ظاهرة؛ إذ إنها متَّهمة ببيع "الممنوعات" لزملائها من صغار الطلاب.

 

طمأنتُها إلى أن حِواري معها جاء من باب الرحمة، لا الفُضُول أو التجسس - كما قد يبدو لها - وأن كل كلمة تلفِظها سوف تُردم في هذا المكان.

 

قالت: "لا والله ما فَرَرْتُ من البيت، وقد كنت ذهبت عند جَدَّتي، وبقيت هناك - وقد تأكد لي فيما بعد أنها تكذب - ولمَّا خافت أمي عليَّ، اتصلت بالشرطة التي حضرت إلى المؤسسة، ومن ثم أُشيع الخبرُ بين زملائي.

 

والدتي كثيرة التَّشكِّي مني، وقد أمرتني أن أعدِل عن مرافقة شابٍّ أحبَّني، وهو راغب حقًّا في الزواج بي، إنه يحبني ولا يرضى بغيري بديلًا".

راحت تدافع عن فتاها، وتتهجم على المُراقِب، الذي حاول انتشالها من رِفاق السوء.

 

قلت: "كم عمرك؟ وماذا يعمل هذا الفتى؟".

ولك - قارئي الكريم - أن تتساءل: أيُعقل أن يبنيَ ولد وبنت في المرحلة الثانوية بيتًا، ويتحمَّلا مسؤولية التربية والإنجاب؟ مع العلم أن فاقد الشيء لا يعطيه.

شعَرتْ أنها تقول كلامًا أكبر منها بجُرأةٍ وحَذْلقةِ لسان؛ فعمرها لا يتجاوز الخامسة عشرة.

بَدَتْ كمن تريد أن تُريَني أنها تفهم وتعرِف كلَّ شيء، ولم تنتبه إلى أن محدِّثتَها تكبُرها بضِعفي سنِّها، وأنها تقرأ ما بين الأسطر، وتُجيد قنصَ فلتات اللسان، وما ذاك لشطارة ولا لذكاء؛ بل هو راجع لعامل السنِّ والتجرِبة.

• • •


أدرتُ الكلام معها عن والدتها، التي قالت بأنها عاملة نظافة بإحدى المؤسسات الحكومية، ثم بَدَا عليها التأثر فجأة، وانهارت باكية:

"أيُرضيك - سيدتي - أن تَريْ أمَّك تكُدُّ وتشقى، تعمل طيلة النهار، تنفُض الغبار عن المكاتب والنوافذ، تنظِّف الأرضية وتلمِّعها، ليأتيَ صُعلوكٌ من هناك، ويرميَ بفضلة دخينته على هذه الأرضية، ثم يسحقها برِجله غير مبالٍ، لتُسارعَ هي لانتشالها من المكان وتلميعه؛ مخافةَ توبيخ المسؤولين لها؟".

 

اغرورقت عيناها، وأجهشت بالبكاء...

قلت: "تُكنِّين لها كلَّ هذا القدر من المحبة، وتُحرجينها أمام الناس كل يوم؟ احرصي على رضاها، واستوصي بها خيرًا".

أنهيتُ معها الحوار....

وختمتْ سنتَها الدراسية بعراكٍ مع أستاذة المادة الرئيسية، شتمت الأستاذةَ على الملأ أمام التلاميذ، وكان ذلك كفيلًا لإعادتها السنة مع رفقائها من الراسبين.

• • •


كان ذلك منذ سنتين، ونحن الآن في نهاية عامها الدراسي للثانية ثانوي، بدت أكثر نشاطًا طيلة العام، ولم تتسبب في أية مشاكل، باستثناء الشبهة إياها، التي ظلت تلاحقها...!

أثناء الحِصَّة الحِوارية، كانت تقاطعني بين الحين والآخر، ولم تمنعْها جِديَّتي من غُنْجٍ ودَلالٍ تُبديهما للزميلين خلفها، فكلَّما قاطعتني، التفتتْ نحوهما لتضحكَ ببلاهة محفوفة بزَهْوٍ غريب.

• آهٍ لو تعلمين قصتي، إنها تُدمي القلوب، لعلك ترينني صغيرة؟ بلى أنا كذلك، لكن تجارِبي القاسية في الحياة، جعلت مني عجوزًا في السبعين.

 

يا لي من مسكينة يتيمة! ومن عساه يلتفت بعين الرحمة إلى يتيمة مثلي؟

اقترحتْ عليَّ أن تكتب لي، وبالفعل أودعتْني همومَها في رسالة مُطوَّلة، ضمَّنتْها شِكايتها من اليُتْمِ، وفقدان الدفء العائلي.

 

• • •

وبعدُ - قارئي الكريم - أتُرانا نُلام في محبَّتنا لهؤلاء المشرَّدين الغارقين في الأوحال؟!

اللهم لا، فما ذاك إلا تعبير راقٍ عن مشاعر الرأفة والإحسان.

أوَلسْنا في كثير من الأحيان نحب الشخص ونكره أفعاله؟ بلى.

فهذه اليتيمة كنتُ أرى فيها بذرةَ خير، فأشفقت عليها، وانبثق عن رحمتي بها حبٌّ جارف؛ لكنها كانت كفرس جَمُوح، في كَرٍّ وفَرٍّ، تُقبِل أحيانًا على النصيحة، فتدفعني إلى مجالستها والاستماع لمرارة معاناتها، وتُدبِر أخرى فلا تُرى إلا ضاحكة مستهترة بالقيم والأخلاق.

واأسفي عليها! فالإعصار المارِق كان أقوى مني ومن الأحداث.

• • •


ما الجديد؟ اجتماع طارئ، وأنا واحدة من المدعوِّين.

الأستاذة ترفض التنازل عن حقها في تقديم إحدى طالبات القسم النهائي إلى المجلس التأديبي، الذي سيؤول - حسب طبيعة الموقف - إلى طرد الطالبة وفصلها نهائيًّا عن المؤسسة.

طال الجدل واحتدَّ النقاش حول سلوك هذه البنت، التي بلغ انحرافها حدًّا لا تُحمد عُقباه؛ فالبعض رأى بعينه، والبعض الآخر حدثتْه هي بما آل إليه حالها راجيةً العطفَ والمساندة.

لم تكن صدمتي كبيرةً فيها، فقد كنت أتوقع السوء؛ لكنني لم أكن أدري بأنها عديمةُ النسب، ولا تحمل اسمًا عائليًّا.

 

• • •


في يوم قائظٍ من أيام مدينة (الجلفة) ذات المناخ القاري، كنتُ برفقة عائلتي في السيارة، وكان المكان خاويًا خاليًا من المارَّة، لمحتُ شبحَ فتاة تتسكَّع وحدها، مفاتنُها صارخة بالشُّبُهات، وقد تعلَّقت بتلابيب فتنتِها ظنونُ السوء.

اقتربت قليلًا فعرفتُها، أطللْتُ برأسي وناديتها، فأقبلتْ مسرعة وقبَّلتني قائلة:

• أمَا زلت تحبينني؟

قلت: "أجل، وأحبُّ لك التستُّر والعفاف".

ضحِكت المسكينة، سألتها عن أحوالها.

دسسْتُ بعض الكلمات في أذنيها، راجية من الله أن توقظ فيها بعضَ ضمير، أو تحييَ بعض شرف مات في بُرعُمة يتيمة، تتقاذفها السِّككُ، وتتجرَّع في غضاضة سمومَ الضحكات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة