• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
صفحة الكاتب  
شبكة الألوكة / موقع حضارة الكلمة / اللغة .. والقلم / الوعي اللغوي


علامة باركود

حين تهان اللغة باسم الفهم: المثقف والأخطاء المغتفرة

حين تهان اللغة باسم الفهم: المثقف والأخطاء المغتفرة
عبدالخالق الزهراوي


تاريخ الإضافة: 17/8/2025 ميلادي - 23/2/1447 هجري

الزيارات: 242

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حين تُهان اللغة باسم الفهم

المثقف والأخطاء المغتفَرة


اللغة ليست مجرد "وسيلة" بل كائن حي، ومن يستخف بها يطفئ نور المعنى.


كثيرًا ما تقع العين على مقالات أو منشورات أو مواد مرئية يكتبها أو يلقيها من يُحسبون على النخبة الثقافية، فنُفاجأ بأخطاء لغوية لا تليق، لا في النحو ولا الإملاء ولا حتى في بنية التراكيب. والمفارقة ليست في وقوع الخطأ، فهذا مما يعذر فيه البشر، بل في التبرير الذي يليه، وهو أن «المعنى واضح، فلا ضير».

 

هذا المنطق، الذي يبدو في ظاهره رحيمًا، ينطوي على استهانة خطيرة بأحد أركان الثقافة وأدواتها: اللغة. والتمادي في هذا التساهل لا يُضعف النص فحسب، بل يطعن في وعي المتلقي، ويقوض الذوق اللغوي العام، خصوصًا في عصرٍ يتشكل فيه الوعي من خلال الكلمة السريعة والمحتوى الرقمي المتداول.

 

ما أبخس الموازين حين يُقايَض المعنى بالصحة اللغوية، ويُقال إن وضوح الفكرة يعوض ما عداها من خلل! أي منطق هذا الذي يجعل من المعنى طاغية يُلغي بنية الجملة، وينكل بالتركيب، ويُقصي النحو والصرف والإملاء كما يُقصى الهامش الباهت؟ إن اللغة العربية، بكل جلالها وهيبتها، ليست مجرد قناة تمرر الأفكار كأنها أنابيب ماء، بل هي نسيجٌ دقيق، تنمو فيه المعاني، وتتشكل على أكتافه الدلالات، وتُصاغ على أوزانه الحقائق.

 

حين يقال: "المعنى واضح فلا بأس"، فكأنما يُقال: "إن الثوب يؤدي الغرض وإن كان ممزقًا"، أو "إن العمارة صامدة وإن انهارت بعض جدرانها". اللغة ليست عربةً لأفكار خام، بل مصنعٌ يُنتج المعنى في أجمل صورة، وإن مسها العبث، تشوه وجه الحقيقة، وسقطت الهيبة.

 

أليست اللغة هي التي ميز الله بها الإنسان؟ أفنُسقط عنها قدسيتها من أجل رخصة تساهل؟!

أولًا: المثقف الذي يجهل اللغة، كحارس لا يعرف مفاتيح أبوابه:

القول بأن اللغة مجرد وسيلة لنقل المعنى، قول فيه تقزيم لدورها وتبسيط مخل لطبيعتها. فالعربية، بما تمتلكه من نظام نحوي وصرفي وبلاغي، ليست مجرد أنبوب تمر فيه الأفكار كيفما اتفق. إن لكل حركة فيها وزنًا، ولكل تركيب أثرًا، وللخطأ – مهما بدا بسيطًا – عواقب تتسلل إلى المعنى وتُربكه، أو تُفرغه من دقته.

 

الفكرة لا تقف وحدها، بل تنهض بثوبها، واللغة هي هذا الثوب. فإن تشقق البناء، ضعُف المعنى، وإن تساهل الكاتب، تساهل القارئ، ثم لا نلبث أن نجد أنفسنا أمام لغة تُقرأ وتُفهم، لكنها لا تُحترم.

 

المثقف لا يُقاس بعدد الكتب التي يقرؤها، ولا بالشهادات التي يعلقها على جدران مكتبه، بل بمدى إتقانه لأداته الأولى: اللغة. هي مجده وسلاحه، وهي معوله وهُويته. فإذا انكفأ عنها، أو استهان بها، أصبح كعازفٍ لا يُجيد النوتة، أو كرسامٍ يخبط بريشته في الظلام.

 

نحن لا نطلب من المثقف أن يكون سيبويه، ولا أن يتحدث بإعراب كامل في المجالس، ولكن ألا يخطئ في كتابة "إن" مكان "أن"، أو يخلط بين "إلا" و"إن لم"، ثم يُجاهر بأن الفهم أهم! هذا ليس مجرد خطأ، بل إهانة خفية للثقافة ذاتها.

 

الخطأ مغفورٌ إن وقع، والاعتراف به خلقٌ نبيل. أما المكابرة عليه، وتبريره بالاستهانة، فهي جريمة معرفية. لأن المثقف ليس شخصًا عاديًا يُخطئ ويمضي، بل هو نموذج يقتدي به كثيرون، ومتى اعتادت الألسنة لحنَه، غدت الأذن لا تنكر الخلل، ولا تستسيغ الصواب.

 

ثانيا: في زمن التلقي السريع، خطأ المثقف لا يُمحى... بل يتكاثر:

المثقف ليس فقط من يملك فكرة، بل من يُحسن التعبير عنها بلغة سليمة. والخلل في الصياغة لا يُبرر بأنه مجرد خطأ عابر، لا سيما إذا تكرر أو نُسج منه منهج. فكيف بمن يتصدر المشهد الثقافي، أو يُعد مرجعًا في مجاله، ثم يقع في لحن ظاهر أو إملاء مشوه، ولا يعتذر، بل يُقلل من أهمية اللغة ذاتها؟!

 

إن في هذا السلوك نزوعًا إلى الفردانية المعرفية، وخروجًا عن روح المسؤولية الثقافية التي تفرض على الكاتب والمثقف أن يكون قدوة لا مجرد ناقل معلومة.

 

نحن نعيش زمنًا رقميا تُولد فيه الكلمة وتنتشر كالنار في هشيم الهواتف، وسرعة التلقي تجعل الخطأ أكثر عدوى من الصواب، لأن الناس – للأسف – تتبع الأسهل، وتُقلد دون تمحيص. ولذا، حين يكتب المثقف جملةً سقيمة، ثم يُبررها بأن "الناس تفهم"، فهو في الحقيقة يُطلق سهمًا في قلب اللغة، ولن يعود وحده من يجر اللحن، بل سيتبعه جيلٌ بأكمله.

 

المثقف، في هذا الزمن، ليس مجرد كاتب، بل هو منصة. منشوره الصباحي قد يطلع عليه الآلاف، ومقاله المملوء بالأخطاء قد يصبح مرجعًا لمن لم تُصقل لغته بعد. وهنا تصبح مسؤوليته مضاعفة، لا سيما حين يكون في موضع تأثير لا ملاحظة فقط.

 

لغة المثقف ليست له وحده، بل يُحاسَب عليها كما يُحاسَب الطبيب على وصفته، والقاضي على حكمه.

 

لقد تغير شكل القراءة، وتسارعت وتيرة التلقي. أصبحت الجملة تنتشر كوميض برق، ولا تعود محصورة بين دفتي كتاب. ومع هذا التحول، لم تعد الأخطاء محصورة بأثر محدود، بل صارت تُكرر وتُقلد، وتترسخ في ذهن القارئ على أنها الصواب.

 

هنا تظهر خطورة تساهل المثقف مع اللغة، إذ يتحول الخطأ إلى قاعدة، والتجاوز إلى عرف. وكلما قل احترام اللغة، زادت الفجوة بيننا وبين ذائقتها، حتى تُصبح الأذن لا تستنكر الخلل، ولا تميز بين السليم والمعطوب.

 

ثالثا: ليس بين الدقة والمعنى خصومة، بل بين الاستسهال والاحترام:

ثمة مغالطة شائعة تروج، مفادها أن الالتزام بقواعد اللغة يقيد التعبير ويعقد المعنى. والحق أن الصياغة الدقيقة هي التي تُبرز الفكرة وتحميها من اللبس. فليست البلاغة في زخرفة القول، بل في إحكامه. وكلما اقتربت اللغة من النظام، اقترب المعنى من النور.

 

لم يكن الجاحظ ولا ابن المقفع، أو الرافعي، أو المنفلوطي، ولا طه حسين ولا نازك الملائكة يكتبون ليُعقدوا الفهم، بل ليُعلوا من مقام الفكرة بحسن بنائها. إن احترام اللغة لا يعني التصنع، بل يعني الانضباط، ولا يتعارض مع الفهم، بل يضمنه.

 

إن من أكبر المغالطات أن نُصور العناية باللغة على أنها "تعقيد" أو "تكلف"، وكأن وضوح المعنى لا يتحقق إلا بالتساهل، أو كأن الدقة تُعطل الفهم! والحقيقة أن الجمال اللغوي لا يُعارض الفكرة، بل يُعليها، ويسمو بها، ويُثبتها في الذهن.

 

ولك أن تتأمل النصوص الباقية، من خطب العرب، وأشعار الجاهلية، ورسائل الأدباء، وقِطع المتصوفة والفلاسفة، تجدها تفيض بالبيان، وتحمل من المعنى ما يُبهر، ومن الدقة ما يُدهش، دون أن تخدش الفهم أو تتعالى على القارئ. فكيف صارت الدقة اليوم تُتهم بالتصنع، والركاكة تُبرأ لأنها "مفهومة"؟

 

إن احترام اللغة لا يعني التشدق، بل الانضباط، والتمييز بين "الخطأ المقبول" و"الخطأ المؤسس". لأننا إن سامحنا أنفسنا باسم الفهم، سرعان ما نصل إلى زمن لا يُفهم فيه شيء.

 

اللغة ليست لباسا يزين المعنى، بل هي روحه. ومن يفرط في لغته، فقد فرط في فكرته، وأسهم في إضعاف وعي قرائه. والمثقف الذي يستهين بالخطأ اللغوي بحجة أن «المعنى واضح» إنما يخون مسؤولية الكلمة، ويضعف الثقة في أدواته.

 

فحذارِ أن نُهين اللغة باسم التسهيل، أو نعتذر عن الخطأ بحجة «الوضوح». فالبداية من الحرف... والنهاية قد تكون في الفكر.

 

اللغة لا تطلب منا سوى الاحترام، ومتى خناها بالتبرير والتبرؤ، خانتنا في التعبير والتأثير.

 

فيا من تحسب نفسك على الثقافة، لا تُسقِط مجدك في أول امتحان بسيط: إملاءً أو تركيبًا.

 

واذكر أن المثقف يُوزن بلسانه كما يُوزن بفكره.

 

فلا تكن من الذين قال فيهم شيخ البلاغيين، عبد القاهر الجرجاني: "يُفسد المعنى من حيث أراد إصلاحه."





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • اللغة .. والقلم
  • أدبنا
  • من روائع الماضي
  • روافد
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة