• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع شعار موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
شبكة الألوكة / موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة


علامة باركود

تأملات في قول الله تعالى: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم)

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع


تاريخ الإضافة: 11/2/2015 ميلادي - 21/4/1436 هجري

الزيارات: 34559

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في قول الله تعالى

﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ ﴾ [النحل: 45]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فإن المؤمن إذا تدبر في كتاب الله الكريم وتأمل ما جاء من مواعظ الرحمن جل وعلا وتذكيره لعباده وحثهم على طاعته وتخويفهم من عصيانه والإعراض عن سبيله يجد أن هذه المواعظ والذكرى متكررة متكاثرة في الكتاب العزيز، وذلك من رأفة الله جل وعلا وإحسانه لعباده؛ حيث إنه جل وعلا بيَّن لهم السبيل وحذَّرهم من الضلال، فما من خير إلا ودلنا ربنا عليه بعد أن بينه أتم البيان، وما من شر إلا وحذرنا ربنا منه بعد أن بينه أتم البيان، ولما كانت الغفلة قد تطرأ على كثير من الناس، فإن الله سبحانه قد جعل في كتابه الكريم من الزواجر العظيمة التي تبين سوء عواقب إقدام الناس على المعاصي وإلفهم لها، ومن جملة ما جاء في هذا الباب آيات كريمات في سورة النحل حيث قال ربنا جل وعلا: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 45 - 47].

 

ففي هذه الآيات الكريمات يَعِظ الله عباده، ويحذرهم مخبرًا لهم عن حلمه وإمهاله وإنظاره العصاة الذين يعملون السيئات، ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياها وحملهم عليها، فقوله جل وعلا: ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ ﴾ مكروا السيئات؛ بمعنى: اقترفوا الخطايا والذنوب، أو أن المعنى: مكروا السيئات؛ يعني: مكروا المكر السيئ، مكروا المكرات السيئات، كما قال جل وعلا: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43].

 

والحقيقة أن اقتراف الذنب والخطيئة هو نوع من المكر، مكر الإنسان بنفسه؛ ذلك أن نعم الله العظيمة عليه توجب عليه الطاعة، لكنه حينما يلتوي ويلتف ويتوجه إلى مبارزة المنعم المتفضِّل فقد مكر بنفسه، وأتاها من حيث لا يشعر، أتاها في مقتل عظيم؛ لأنه بَعُد عن ربه المتفضل المنعم، وبارز القوي العزيز الذي لا يعجزه شيء.

 

والناس يتفاوتون في هذا الأمر سواء في من يمكرون السيئات مكرًا محدودًا على أنفسهم وذلك بما يكون منهم من اقتراف الذنوب والخطايا، أو ما يكون من بعض الناس، وهذا نوع آخر: وهو أن يكون داعية ضلال والعياذ بالله، فهذا بالمحل الأشقى والدرجة السفلى، حيث إنه لم يكتفِ بأن يحمل خطايا نفسه بل يحمل من أوزار الذين يضلونهم.

 

فهذه الآيات الكريمات فيها التخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب، ولأهل المعاصي من أن يأخذهم العذاب، وبخاصة إذا كانت المعصية على حال استخفاف بنظر الرب جل وعلا، فمن الناس مَن يطرأ عليه الذنب والعصيان ثم يبادر بالتوبة والأَوْبَة للرحمن، ومنهم من يكون مُصرًّا على الذنوب والخطايا، وتتوالى نُذُر الله له، ولكنه لا يَأْبَهُ بذلك، ومثل هذا عاقبته السوء ومنقلبه إلى العقوبة الوخيمة - عياذًا بالله - فيُحذِّر الله جل وعلا أولئك من أن يأخذهم بالعذاب على غِرة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، فالله عليهم مقتدر، فهو على كل شيء قدير لا تخفى عليه الأمور، فربنا جل وعلا يُخوِّف عباده في هذه الآيات، ويَعِظهم وهو القادر على كل شيء.

 

وبين الله شيئًا من العقوبات التي قد تحل بهم - إن هم لم يرجعوا ولم يتوبوا - كما وقع بمن سلف من الأمم، فهو جل وعلا القادر على أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون؛ أي: من حيث لا يعلمون مجيئه، كما قال تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17].

 

والخسف عقوبة تكررت في تاريخ البشرية، الخسف وهو انفتاح الأرض وانشقاقها وبلعها للمخسوف به، حتى يكون في قعرها إلى أسفل، كما فعل الله بقارون قال الله تعالى فيه: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81].

 

وكما وقع في أحوال أمم أخرى؛ قوم لوط لا زالت آثار عقوبة الله فيهم ماثلة، وهناك عند البحر الميت حيث وقع بهم العذاب وهي نقطة من أسفل نقاط ومواقع الأرض، وكما هو أيضا - كما تقدم - في شأن أهل بابل ولا زال حالهم ولا زالت آثار هذا الخسف باقية معروفا خسف ديار بابل، وهذا المعنى تكرر في مواضع من القرآن الكريم كما تقدم في سورة الملك ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ﴾ [الملك: 16]، وكما قال جل وعلا في كتابه الكريم في سورة الإسراء: ﴿ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 68].

 

والله جل وعلا يُذكِّر العباد بأنهم حتى في حال تقلبهم وهو ذهابهم في معايشهم واشتغالهم بها، وفي أعمالهم مما يكون من أمور الحياة اليومية، أو في حال الأسفار ونحوها، فقد يحل العذاب وتنزل العقوبة، ولذا فقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الذين تقوم عليهم الساعة آخر الزمان حينما يُنفخ في الصور يكون ذلك على حال والناس في مشاغلهم، حتى إن الرجل ليلوط حوضه حوض إبله يعني يصلحه، والرجل مادٌّ سلعته يتبايع ويشتري، ثم ما هي إلا الصيحة التي يكون معها قيام الساعة.

 

فهذا يكون معه - والمقصود هنا أن هذا يكون معه في بعض الأحوال - نزول العذاب والناس في معايشهم، يظنون أن العقوبة بعيدة عنهم؛ ولذا قال ربنا جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿ أفأمن أهل القرى ﴾ يعني إن هم كذبوا وأعرضوا وأقاموا على الذنوب وبارزوا الله بالعصيان ﴿ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 97 - 99].

 

ولو تأملت في تاريخ الناس وأحوال البشرية في القديم والحديث، فإنه لم تتبدل أحوالهم، فينزل بينهم القحط والخوف والجوع والمرض إلا بسبب أنفسهم، إلا بسبب أنفسهم حينما يعرضون عن ربهم جل وعلا، وبخاصة إذا وجدت الذنوب التي تشهر وتظهر ولا يوجد لها نكير بين الناس، كما أخبر الله جل وعلا في أحوال أمم من قبلنا، كما في شأن بني إسرائيل وكما في غيرهم؛ ولذا أخبر ربنا جل وعلا أن الناس لو أنهم أطاعوه لأغدق عليهم النعم، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل لأكلوا من تحتهم ومن فوقهم، وأخبر جل وعلا أنه ما كان ليغير حال قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

 

لا يغير ما بقوم من حال الرخاء والأمن إلا إذا غيروا الذنوب والعصيان، بُدِّل لهم بضد ذلك، كما أنه إذا حل بهم عقوبة الله جل وعلا فإنها لا تنزع وترفع عنهم إلا إذا بدلوا كفرانهم وعصيانهم فأطاعوا الله وآبوا إليه، بدَّل الله حال خوفهم وحال شدتهم إلى أمن واستقرار ورخاء، فالله جل وعلا في هذه الآيات الكريمات يذكر عباده وهو المقتدر وهو القوي العزيز ذو البطش الشديد؛ ولذا قال: ﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ﴾ [النحل: 47]، فقد يأتيهم العذاب وهم على حال آمِن كما تقدم، ﴿ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ ﴾، والمعنى في ذلك: أنهم يشاهدون أمارات العذاب ومقدمات قربه وحلوله، وهذا يجمع عليهم فيه ما بين الترقب والحذر، وما بين الخوف، كما أنذرت أمة من قبلنا، قال ربنا: ﴿ فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ ﴾ [هود: 65].

 

لما عقر قوم صالح الناقة قال: إن العذاب نازل بكم فانتظروا ثلاثة أيام، وكان ذلك كذلك جاءت العلامات تَتْرَى، رأوا من ألوان السماء، ورأوا من تبدُّل أحوال وجوههم، رأوا العلامة في اليوم الأول فأيقنوا بقرب العذاب، ورأوها كذلك في اليوم الثاني فأيقنوا بذلك، فلما أصبحوا في اليوم الثالث وهم يترقبون كيف يحل بهم العذاب، وكيف تنزل بهم نقمة رب الأرباب، فكان ذلك موتًا مُقدَّمًا للموت ولحلول العذاب، عياذًا بالله من كل ذلك.

 

ثم إن الله ليذكر عباده بأنه مع وجود هذه النذر ولكن ﴿ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 47].

 

حيث لم يعاجلكم بالعقوبة ولكن أمهلكم، وأقام بين أيديكم النذر؛ ولذا ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا أحد أصبر على أذًى سَمِعه من الله؛ إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم))، تأمل يا عبدَ الله ((لا أحد أصبر على أذًى سَمِعه من الله))، ومن عجيب الأمر أن ربنا الكريم الحليم يُعصَى بما يُعطِي من النعم، فلم يعصِ عبدٌ ربَّه إلا وهو مستند على نعمة أنعم بها الرب جل وعلا، وهذا يوجب على الإنسان أن يستحي من ربه؛ فإنه إنما يبارزه ويعصيه بنعمة تفضل بها، وثبت في الصحيحين أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الله ليملي للظالم)) يمهل ويؤخر ((إن الله لُيملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلتْه، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

 

وهذا يكون حينما يتواطأ الناس على الذنوب والمعاصي ولا يوجد بينهم مَن ينكرها ولا يوجد بينهم من ينهى عنها ﴿ فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا ﴾ [هود: 116].

 

إذا وُجِد الدعاة إلى الله والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر لم ينزل - بأمر الله - بالمجتمع العذاب؛ ولذا جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، أوشك الله أن يُعمَّهم بعقاب من عنده)).

 

((إن الناس إذا رأوا الظالم)): الظالم في الذنوب والعصيان، أو الظالم للناس، ثم لم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب؛ يعني: قربت العقوبة والسخط من الله حينما ينتشر هذا الظلم، والظلم الأعظم هو الذنوب والعصيان.

 

وهكذا الظلم الذي يكون بين الناس حينما يظلم العباد فيما بين أظهر الناس ولا يقوم من ينتصر لهم فحينئذ قل أن تتأخر عقوبة الله جل وعلا؛ قال ربنا سبحانه: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [الحج: 48].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

♦♦♦♦


الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها الأخوة الكرام، هذه الآية الكريمة وهذه الآيات الكريمات التي وعظنا الله جل وعلا فيها وأنذرنا وحذرنا ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 45 - 47].

 

هذه الآيات الكريمات فيها تخويف من الله جل وعلا - كما تقدم - لأهل الكفر والتكذيب، وتخويف - أيضًا - لأهل المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غِرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلبهم وفي حال شغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب؛ فليسوا بمعجزين لله في كل تلك الأحوال، فإن الله عليهم قدير، وليسوا بمنأى عن عقوبته، ولكن ربنا جل وعلا رؤوف رحيم، لا يُعاجِل العاصين بالعقوبة، بل يمهلهم ويعافيهم ويرزقهم، وهم يؤذونه ويؤذون أولياءه، ومع هذا يفتح لهم أبواب التوبة، ويدعوهم إلى الإقلاع من السيئات التي تضرهم، ويعدهم بذلك أفضل الكرامات، ومغفرة لما صدر منهم من الذنوب والعصيان، كل ذلك يوجب على المؤمن أن يستحي من ربه من أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع اللحظات ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات، وليُعلم أن الله جل وعلا يُمهِل ولا يُهْمِلُ، وأنه سبحانه وتعالى إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر، وأنه جل وعلا إذا حلت ساعة العذاب فلا ينفع حينها الندم، ولا يستجاب في طلب الرجعى؛ ولذلك فإن المتعين على المؤمن أن يكون مُستحيًا من ربه، متذللاً له، مستغفرًا في كل لحظة وحين، تائبًا راجعًا، فالبَدارَ البدارَ إلى رحمة الله الواسعة وبره العميم وسلوك الطرق الموصلة إلى فضله جل وعلا، ألا وهو تقواه سبحانه، والتقرب إليه بما يحبه ويرضاه، ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمرنا الله جل وعلا بذلك فقال في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

 

اللهم، صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم، وارض عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم، أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، اللهم، أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم، اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين، اللهم، أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفقهم لطاعتك ولما فيه صلاح العباد والبلاد برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم، وفق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه خير العباد والبلاد، اللهم، أيده بنائبيه واجعلهم موفقين لكل خير يا رب العالمين، اللهم، ولِّ على المسلمين خيارهم واكفهم شرارَهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم، مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء، اللهم، عجِّل بالفرج للمكروبين، اللهم، عجل بالفرج لإخواننا المبتلين بالشام، اللهم، احقن دماءهم، اللهم، احمِ أعراضهم، اللهم، انتصر لهم ممن ظلمهم، اللهم، عجل بموت طاغية الشام، اللهم، أهلكه وأهلك جنده وأعوانه، اللهم، أهلكه وأهلك جنده وأعوانه، ومَن تواطأ معه على حرب عبادك المستضعفين يا قوي يا عزيز، اللهم، احقن دماء إخواننا في اليمن وفي مصر وليبيا وفي العراق وفي غيرها من البلاد، اللهم، إن بأمة نبيك محمد عليه الصلاة والسلام من الضر والبلاء ومن الفرقة والخلاف ما لا يعلمه إلا أنت، ولا يقدر على كشفه إلا أنت، فنضرع لك يا ربنا، يا ذا الجلال والإكرام أن تفرج همومهم، وأن تنفس كروبهم، وأن تيسر أمورهم برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم، اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارًا، اللهم، بمنك وفضلك لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا كربًا إلا نفسته، ولا دَيْنًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم، آتِنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر
عبد الصمد - المغرب 28-06-2021 02:20 AM

بارك الله لنا ولكم في القرآن الكريم ونفعنا وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وشكرا على هذه الخطبة

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بطاقات دعوية
  • كتب
  • صوتيات
  • ردود وتعقيبات
  • بلغات أخرى
  • أنشطة وندوات
  • خطب منبرية صوتية
  • خطب منبرية مفرغة
  • مقاطع مصورة قصيرة
  • مرئيات
  • تفسير القرآن الكريم
  • المصحف المرتل
  • مرافئ البِرّ ...
  • تلاوات مختارة
  • Mercy 4 all ...
  • أخبار متعلقة ...
  • الإعجاز في القرآن ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة