• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع شعار موقع الشيخ د. خالد بن عبد الرحمن بن حمد الشايع
شبكة الألوكة / موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع / خطب منبرية مفرغة


علامة باركود

لذة الطاعات وبهجة القربات وقول الله تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)

الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع


تاريخ الإضافة: 22/2/2018 ميلادي - 6/6/1439 هجري

الزيارات: 31594

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لذة الطاعات وبهجة القربات

وقول الله تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا ﴾


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذ بالله مِن شرور أنفُسنا ومِن سيِّئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

فيا أيها المؤمنون، طِيبُوا نفْسًا بشريعة الرحمن، واهْنَؤوا بما تفضَّل به جلا وعلا وأنعَم به مِن اتِّباع الإسلام، ومتابعةِ نبيِّه محمدٍ خيرِ الأنام، عليه مِن ربه أفضل الصلاة وأتم السلام.

 

طِيبُوا نفْسًا بشريعةٍ تكفُل لأهلها الاستقامةَ والخير والبِرَّ والحياة الكريمة، وحُسْن العقبى في الدنيا والآخرة.

 

أيها الإخوة المؤمنون، وأنتم تعيشون أيامَ هذا الشهر الكريم، ولحظاته الطيبة المباركة، وتتوالى عليكم نِعَم الله سبحانه؛ بالفطرة المستقيمة، والشرعة العظيمة، إنكم وأنتم تتنعَّمون بهذه النعم، وبينما تتخبَّط الأُمم الأخرى في دَيَاجير الظلام، ومسالك الغواية، ولسْنا ببعيد عما نشاهده ما يعيشه غيرُ المسلمين مِن حيرةٍ في دِينهم؛ أدَّتْ بهم إلى التخبُّط في طرقات حياتهم، إنهم وإن عاشوا ثورة صناعيةً، وعاشوا أمورًا تراتيبية في حياتهم وهو كما أخبر الله عنهم: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]؛ إلا أنهم في حيرة عظيمة في جانب الدِّين والأخلاق، وهذه أدَّتْ بهم إلى أن يَسلكوا المسالك المعوجَّة؛ فمِن قبْل تهدَّمَتْ أركانُ الأسرة لديهم، ولا يزالون في هذا الطريق المظلم، فأنتم أيها المسلمون إذ تتنعَّمون بأيام هذا الشهر الكريم ولياليه تعبُّدًا لله الحق جل وعلا، واستقامةً على فطرته، برغم ما في أمَّتنا مِن الجراح المتعددة التي أُدخلتْ عليها مِن خلال أهل الكيد والمكر، ومِن خلال أهل الضلالة والجهل، إلا أن شرعة الإسلام واضحة بيِّنة تكفُل لأهلها العيشَ الرغيد، والحياة الهنيئة. فأنتم أيها المسلمون إذ تعيشون بركات هذا الشهر، والتعبُّد للرب جل وعلا، وتتمتَّعون بما أوجب الله تعالى مِن التواصل فيما بينكم، رعايةً للحقوق بين مكوِّنات المجتمع كلها؛ مِن والدين وإخوة وأخوات وأعمام وعمَّات وأخوال وخالات وبنين وبنات، وغير هؤلاء ممن يرتبط بهم الإنسان بِرَحِم أو جِوَار، إذ تعيشون هذا الفضل مِن الله جل وعلا بهذه الشرعة السَّمحة الطاهرة، نجِد الغَرْب يتوصَّل إلى انتكاسةٍ عظيمة فوق انتكاساتهم السابقة؛ ففي هذا الأسبوع المنصَرم نجدهم يقرِّرون حقَّ الزواج الذي يُخالف الفطرة؛ زواج المثْليين؛ زواج كل جنس بجنسِه، وهذا طريق منهم نحو انهيار حضارتهم، التي وإن كانت حضارة رتَّبتْ أمورَ الحياة في الصناعة والإدارة ونحوها؛ لكنَّها أوجدتْ إنسانًا قَفْرًا مِن الأخلاق متعطِّشًا إلى الفطرة الإنسانية التي أوجدها الرب جل وعلا في نفوس عباده. فهذه الانتكاسة لا شك أنها تُورث أنواعًا مِن الضيق والحصر، الذي يُوجد في نفوس مَن ابتُلي بها؛ فلا يستمتعون بحياة، ولا يَستَطيبون نعمةً مهما توالتْ عليهم، وما أرقام الجريمة لديهم في الغرب وفي المجتمعات غير الإسلامية، وما أرقام الجريمة فيها وأنواع الإخلال التي مبدؤها انهدام كيان الأسرة إلا دليل على ذلك، نسأل الله جل وعلا السلامة مِن كل هذا، وأن يُصلح أحوالَ مجتمعاتنا للسير على صراط الله المستقيم.

 

﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]، طِيبُوا نفْسًا أيها المؤمنون بفرحكم بعبادة الرب جل وعلا، والاستقامة على شرعه، فهذا هو الفرح الحقيقي، وهذه هي الحياة الهنيئة التي هي تقْدِمةٌ للحياة الكريمة الدائمة في جنات عدن.

 

أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ المسلم الحق هو الذي يَسْتشعِر لذة الطاعات، ويَسْتطيب نعمةَ التقرُّب مِن رب البريَّات، فما مِن طاعة إلا وفيها لذة لا تُعادلها لذائذ الدنيا وشهواتها مهما بلغتْ، ولا يجد ذلك على وجه الكمال والعظمة إلا مَن ترقَّى في معارج العبودية، أنتم كل يومٍ أيها المسلمون الصائمون تستشعرون هذه النعمة، حينما ينقضي نهارُ يومِكم ويقرُب وقتُ الفِطر، هذه اللذة الإيمانية التي يجدها المؤمنون عند دنوِّ الشمس مِن المغيب، حين هذا تجتمع الفرحتان اللتان نبَّه إليهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قال فيما رواه البخاري ومسلم: ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحْهُمَا: إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))، وجاء في روايةٍ عند الإمام أحمد ومسلم قوله عليه الصلاة والسلام: ((لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرَحَه حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرَحَه حِينَ يَلْقَى رَبَّه)).

 

أما فرحُه عند الفطر فالناس يتفاوتون أيضًا في معنى هذا الفرح، أما الفرح الذي يشتركون فيه فهو الفرح الطبيعي؛ وهو الإذن لهم بالطعام والشراب بعد أن مُنعوا منه، وهو أمرٌ تجدُه النفوس جميعًا، وهو أن الإنسان إذا فَقد محبوبًا ولذةً مِن اللذائذ ومطلوبًا من المطلوبات، ثم وجدها وَجَدَ لذلك فرحًا وحبورًا.

 

وهذا هو الذي يسمِّيه أهلُ الاختصاص في تعريف الفرح؛ بأنه انشراح الصدر، وطيب القلب بحصول لذة من اللذائذ. هذا هو الفرح والانشراح والبهجة التي تكون بين المخلوقين، وهو فرحُ أحدِهم بما ينشرح به صدره، وهو وجود أحدهم لما ينشرح به صدره، ويطيب به قلبه بعد أن كان فاقدًا لهذا الأمر، فهذا يشترك فيه الناس جميعًا؛ أنهم حينما يكونون بعد العطش والجوع، أو حتى ولو لم يجدوا عطشًا ولا جوعًا، ولكنهم كُفُوا ومُنعوا فترة معينة من طعام أو شراب، فإنهم إذا وجدوه وجدوا لذلك ارتياحًا؛ لأن هذه هي طبيعة الإنسان، وفرحٌ آخر يجتمع في هذا المقام وهو الذي يستشعره مَن زاد إيمانُهم، ووُجدت التقوى في قلوبهم، وهو فرحهم بطاعة الله جل وعلا، فرح أن أدَّى في يومه طاعة لربه، ولذلك يشعر حينها أنه امتنع عن الطعام بأمر ربه، وبدأ بالطعام بأمر ربه، ولذلك أحَبُّ الناس إلى الله في هذا المقام، وهو عند دنوِّ الشمس يوم الصيام، أعجلُهم فطرًا، كما جاء بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والحكمة في هذا؛ في أنهم أحَبُّ إلى الله: أن بعض الناس يبلغ به الوسوسة والاحتياط في الدِّين، والإضافة عليه مما لم يأمر الله به، أن يزيد في وقت الصيام وسوسةً وغُلوًّا في الدِّين، ولذا كان اليهود لا يفطرون إلا إذا أظلمتِ الدنيا وظهرتِ النجوم، ولذا كان أحَبَّ عباد الله إليه مِن أهل الصيام أعجلُهم فطرًا.

 

هذا هو الفرح الذي يكون في الدنيا، وأما فرح الآخرة فهو الأعظم والأكبر، وذلك أن المؤمن يجد فيه أثر هذه الطاعة، ونتيجةَ الاستقامة، ولذا قال الله جل وعلا مخبرًا عما يكون مِن ملاقاة الإنسان لما قدَّمه في الدنيا: ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20]، ويقول سبحانه: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ﴾ [آل عمران: 30]، ويقول سبحانه: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، فأعظَم الفرحِ في ذلك اليوم حينما يواجِه المؤمن أعمال الطاعات، الأعمال التي أطاع الله فيها، فيفرح الفرح العظيم، وقد ادَّخَر في مخزونه أعمالًا صالحة يجد بها النجاة عند ربه جل وعلا.

 

ولتقفوا أيها الإخوة بأبصاركم وبصائركم على مشهد يوم القيامة، والخلائق في ذلك اليوم العظيم بأعدادهم الهائلة، والميزان منصوب بين الخلائق، والملائكة حاضرون، وغيرهم مِن المكلفين مِن الإنس والجن، وغيرهم مِن الوحش والطير، في يوم القصاص، تأملوا في هذا المشهد العظيم تلك الفرحة العارمة التي تكون لهذا المؤمن، والتي صوَّرها القرآن الكريم في قول ربنا جل وعلا: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ﴾ [الانشقاق: 7]، تأمَّل أمام هذه الأعداد التي لا يحصيها إلا الرب جل وعلا، يرفع هذا العبد المؤمن؛ مؤمن بعد مؤمن، واحدًا بعد الآخر يُعطون شهاداتِ فوزِهم، ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 9]؛ إنه الفرح الأعظم، إنها البهجة الكبرى، يفرح بفطره إذا أفطر، وبصومه إذا لقي ربه، إنه يُنادي في هذا الحشد العظيم والملأ الكبير: ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [الحاقة: 19]؛ انظروا فوزي العظيم، ففرحتُه لا يسعُها شيء من الدنيا، ولذا قال ربنا سبحانه: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

 

إنَّ فرح الإنسان الطبيعي بما يكون له في الدنيا، فرحه بالمال وبالزوجة والأولاد وبالمُلْك، لأمور الدنيا وبالوجاهة فيها وبالتصرف فيما يكون تحت يده، كل ذلك إنما فرحه فرح مؤقَّت، والعاقل الذي يحرص على أن يكون فرحُه دائمًا مستمرًّا، ولا يكون ذلك إلا إذا اتصل هذا الفرح بطاعة الرب جل وعلا؛ لأنه فرح في الدنيا معجَّل موصول بالفرح في الآخرة الأكبر، هذا هو التخطيط الحقيقي لمن أراد سعادة نفسه ونجاتها في الدنيا والآخرة.

 

ومن رحمة الله، وعظيم فضله وإحسانه، أنه جل وعلا يجعل للطاعات لذة لا توصف ولا يُقدر قدْرها، وإنما يكون ذلك إذا ألِف المؤمنُ الطاعة، فحينئذٍ يحبُّها، ولا يستطيع لها فراقًا، وهذا هو السِّرُّ في استغراب بعض الناس مِن أحوال بعض العُبَّاد؛ كيف يُطيقون استمرارهم في العبادات مع أنها شاقة، تجد بعض الناس لا يترك قيام الليل طوال العام، يترك النوم والفراش الوثير، يصفُّ قدميه بين يدي ربه ليلًا طويلًا، وتجد بعض الناس لا يفوِّت طوال العام صوم الأيام البيض والاثنين والخميس وأيام التطوع؛ برغم ما يكون في بعض الأحوال مِن طول النهار وشدة الحر والصيف، وتجد غير ذلك مما يكون شاقًّا على النفوس بصدقاتهم في أموالهم، والمالُ قَرينُ الروح، ومع ذلك يقدمونه ويبذلونه طيبةً به أنفسهم: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ [الإنسان: 9 - 11]، هذا هو السر الذي اسْتَسْهَلَتْ معه نفوسُ العُبَّاد طاعةَ الرحمن جل وعلا، وإن كانت شاقةً لأنها تحوَّلت بعد المشقة إلى فرح وحبور، وإلى لذة وسرور، أرأيتم أيها الإخوة كيف أن بعض الناس إذا جالس الوُجَهاء فرح بمجالستهم، ولا يمل مِن ذلك، وكلما عظُمَت وجاهة هذا الوجيه من الناس لم يستطِل ما يكون من جلوسه معهم، كيف والمؤمن يجلس في طاعاته وعباداته، ويأنس بالرب تبارك وتعالى، الذي يُورثه غنًى في قلبه، ويورثه فرحًا وسعادة، فلا يستطيب الحياة إلا بالطاعات، ولذلك تجده يخرج من طاعة إلى أخرى لا ينفك عن طاعة ربه سبحانه، وهذا الذي جاءت إليه الإشارة فيما ثبت في صحيح البخاري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ((ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجَدَ بهنَّ حلاوةَ الإيمان))؛ إن للإيمان حلاوة، وللطاعات لذة وفرحًا كما نجربه في هذه الأيام، نجربه في لحظات الفطر بعد الصيام، هكذا يكون في كل الطاعات تلذذ بها، وإنما يكون هذا لمن أقبل على عبادة ربه إيمانًا واحتسابًا، وأما مَن اتجه إليها وهو يتثاقلها فمثل هذا لا يستلذ هذه الطاعات، ولا تُورثه خيرًا، ولا بشْرًا، ولذا قال الله عن المنافقين: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى ﴾ [النساء: 142]، فلا تنفعهم ولا تفيدهم، مَن استَعظم واستَثقل الطاعةَ لا تُورثه لذة، ولا قُربًا مِن الرحمن، بخلاف مَن اطمأنتْ نفوسهم بطاعة ربهم؛ فإنهم لا يجدون لذة في الدنيا في كل لذائذها إلا بمباشرة هذه الطاعات.

 

ولذلك ولنا فيه المثل والقدوة والأسوة الحسنى؛ نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان يجد قرة العين، وراحة النفس، وانشراح الصدر بطاعة ربه جل وعلا، ولذا قال في شأن الصلاة: ((أَرِحْنَا بها يا بلال))، (أَرِحْنَا بها يا بلال))؛ إنما راحته فيها؛ لاتِّصالِه بربه جل وعلا، وهو القائل أيضًا: ((حُبِّبَ إِلَيَّ مِن دُنْيَاكُمْ الطِّيبُ وَالنِّسَاءُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ))، وهو القائل عليه الصلاة والسلام لمَّا رأتْ أمُّ المؤمنين كثرةَ قيامِه وطوله في الصلاة بين يدي ربه جل وعلا، أَتَفْعَلُ ذلك يا رسول الله وقد غَفر اللهُ لك ما تقدَّم مِن ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكُون عبدًا شكورًا؟))؛ هذا هو الأسْوة للمؤمن الذي يريد التلذذ بالدنيا، والفرح بها، والابتهاج بكل أحوالها، كل أحوالها بكل أصنافها فيما يفرح طبيعة أو يحزن، فيما يسرُّ طبيعة أو يكون مكدِّرًا، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: ((عجبًا لأمْر المؤمن؛ إنَّ أمره كلَّه له خير؛ إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاء صبر فكان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن)).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بهدي النبي الكريم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدِّين، وصلى الله وسلَّم على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون، إنَّ لَفْتَ الأنظار إلى لذة الطاعات قد تَكَاثَر وتكرَّر في الكتاب العزيز، وفي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي سيرته، وفي هذه الآية الكريمة، وهي قوله جل وعلا: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]؛ تأكيدًا لهذا الأمر العظيم، قل يا رسولنا، قل يا نبينا؛ مخبرًا لأمتكم الفرح بفضل الله وبرحمته هو الفرح الحقيقي، ﴿ بِفَضْلِ اللَّهِ ﴾: بالقرآن كما قال ابن عباس، ﴿ بِفَضْلِ اللَّهِ ﴾ بالقرآن، ﴿ وَبِرَحْمَتِهِ ﴾ بالإسلام، ﴿ فَبِذَلِكَ ﴾ تأكيد لهذين الكنزين العظيمين ﴿ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾؛ فالدنيا تنقضي وتزول، ولذائذها تتحول وتحول، ولذلك مَن تأمل في تاريخ البشرية فإن هذه اللذات تذهب وتتغير، لكن تبقَى المآثر، فالناس بعد تحوُّل الدنيا عنهم وانقضاء آجالهم، إما إنسان عاش لذَّته الحاضرة، ونُسي مع التاريخ، وإما إنسان إنما تلذذ بلذائذه الحاضرة الحلال، وحرص على تعظيم صلته بربه، فبقي له من الذكر وحسن العقبى ما يتفاوت فيه الناس، فأما الذين أجرموا فيبقى مِن ذكر إجرامهم وتشنيعه بحسب ما يكون مِن شدة هذا الإجرام، ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾، ثم إن الله سبحانه إنما يهدي لهذا الطريق أولئك الذين حرصوا على الطاعات، وأنِسَتْ نفوسُهم بها، والله مطَّلع على قلوب عباده، قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: إنه قد جرتْ سُنَّة الله أن لا يَعلم مِن العبد خيرًا إلا وفَّقه إليه، وثبته عليه، وختم له به.

 

إنَّ كثيرًا مِن الناس يظهر له الحق ويستبين، لكنه لا يتبعه، والحق والهداية غالية عظيمة، مَن انصرف عنها صرفه الله، ومِن الناس مَن يعرفها ويستقيم عليها فترة لكن لا يثبَّت عليها، ولذا كان حريًّا بالمؤمن سؤال الله الثبات كما قال عباد الله الراسخون: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، ومِن الناس مَن يكون مستقيمًا على الهدى والخير بعد أن عرفه لكن يكون في نفْسِه دسيسةٌ مِن دسائس السوء، فيختم له بغير الهدى، ولذلك كان كمال التوفيق أن يُهدى الإنسان للخير والعلم، ويستقيم عليه حتى يختم له به.

 

ثم إن هذه الطاعات والاستقامة عليها إنما يُهدى إليها، وتُحبب في نفوس الذين أراد الله بهم الخير، وامتنَّ عليهم بالفضل، كما قال سبحانه ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [الحجرات: 7، 8]؛ فواجب على المؤمن أن يستشعر نعمة الإسلام، وأن يستشعر آثار الطاعات، وأن يكون مقبلًا عليها حتى يثبته الله عليها، وليحذر المؤمن مِن أن يكون مُنْكَفًّا عن الخير، متباعدًا عنه، فإنه كلما لاح له هذا الخير فانصرف عنه ولم يقبله كان هذا مُؤذنًا بأن يزول عنه هذا الخير، وأن يصرف قلبه عنه عياذًا بالله من ذلك.

 

ألا وصلوا وسلموا على خير خلق الله نبينا محمد، فقد أمَرنا ربنا بهذا فقال عز من قائل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم اجعل بلدنا هذا آمنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اهدِ قلوبهم للإيمان، ووفِّقهم لما فيه خير العباد والبلاد، اللهم اجعلهم رحمة على رعاياهم يا رب العالمين.

اللهم وَلِّ على المسلمين خيارَهم، واكفِهم شرارهم يا قوي يا عزيز.

اللهم مَن أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.

اللهم بمنِّك وفضلك لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا كربًا إلا نفَّسته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم عجِّل بالفرج لكل مكروب، اللهم عجِّل بالفرح لكل محزون، اللهم يسِّر أمور المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم احقِن دماءَ عبادك المسلمين في كل مكان في الشام وفلسطين وفي مصر وليبيا وفي اليمن وميانمار وفي غيرها من البلاد، ربنا مسَّهم الضر وأنت أرحم الراحمين، اللهم أنزل عليهم الأمن والطمأنينة، ويسِّر لهم أمورهم يا رب العالمين.

اللهم واشفِ غيظ قلوب المؤمنين مِن عدوِّك طاغيةِ الشام، اللهم عجِّل بزواله، اللهم انتصر وانتقم للمؤمنين مِن سوئه وإجرامه يا قوي يا عزيز.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصِفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بطاقات دعوية
  • كتب
  • صوتيات
  • ردود وتعقيبات
  • بلغات أخرى
  • أنشطة وندوات
  • خطب منبرية صوتية
  • خطب منبرية مفرغة
  • مقاطع مصورة قصيرة
  • مرئيات
  • تفسير القرآن الكريم
  • المصحف المرتل
  • مرافئ البِرّ ...
  • تلاوات مختارة
  • Mercy 4 all ...
  • أخبار متعلقة ...
  • الإعجاز في القرآن ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة