• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبد الله آل جار اللهالشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله شعار موقع الشيخ عبد الله آل جار الله
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله / مقالات


علامة باركود

أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله


تاريخ الإضافة: 9/7/2025 ميلادي - 14/1/1447 هجري

الزيارات: 153

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أولياء الرحمن وأولياء الشيطان

 

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيميَّة - رحمه الله -:

الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، أرسله بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

 

فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغي، وفتح به أعينًا عُميًا، وآذانًا صمًّا، وقلوبًا غلفًا، وفرَّق به بين الحق والباطل، والهدى والضلالة، والرشاد والغي، والمؤمنين والكفار، والسعداء أهل الجنة والأشقياء أهل النار، وبين أولياء الله وأعداء الله، فمن شهد له محمد صلى الله عليه وسلم بأنه من أولياء الله فهو من أولياء الرحمن، ومن شهد له بأنه من أعداء الله فهو من أعداء الله وأولياء الشيطان.

 

وقد بيَّن - سبحانه وتعالى - في كتابه وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم أنَّ لله أولياء من الناس وللشيطان أولياء، ففرَّق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ فقال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63]، وقال تعالى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257]، وقال تعالى: ﴿ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف/44].

 

وذَكَرَ أولياء الشيطان فقال: ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [النساء: 119، 120]، وقال: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 27]، وقال: ﴿ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 30].

 

وإذا عرف أن الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فيجب أن يفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما فرق الله ورسوله بينهما، فأولياء الله هم المؤمنون المتَّقون؛ كما قال تعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63]، وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يقول الله تعالى: مَن عادى لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة - أو فقد آذنته بالحرب... الحديث)).

 

وهذا أصح حديث يُروى في ذكر الأولياء، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من عادى وليًّا لله فقد بارز الله بالمحاربة، وذلك لأن أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه، فأحبُّوا ما يحب، وأبغضوا ما يبغض، ورضوا بما يرضى، وسخطوا ما يسخط، وأمروا بما يأمر، ونهوا عما ينهى، وأعطوا لمن يحب أن يعطى، ومنعوا من يحب أن يمنع؛ كما في الترمذي وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أوثق عُرى الإيمان الحب في الله والبُغض في الله))، وفي حديث آخر رواه أبو داود: ((مَنْ أحَبَّ لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))، والولاية ضد العداوة.

 

وأصل الولاية: المحبة والقرب، وأصل العداوة: البغض والبعد، فإذا كان ولي الله هو الموافق لما يحبه ويرضاه، ويَبْغَضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه، كان المعادي لوليه معاديًا له، فمَن عادى وليًّا لله فقد عاداه، ومَن عاداه حاربه، ولهذا قال: ((مَن عادي لي وليًّا فقد بارزني بالمحاربة)).

 

وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولو العزم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد - صلى الله وسلم عليهم أجمعين - وأفضل أولو العزم: محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وإمام المتقين، وسيد ولد آدم إمام الأنبياء إذا اجتمعوا، وخطيبهم إذا وفدوا، صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، وصاحب لواء الحمد، وصاحب الحوض الموْرُود، وشفيع الخلائق يوم القيامة، وصاحب الوسيلة والفضيلة الذي بعَثَه الله بأفضل كتبه، وشرع له أفضل شرائع دينه، وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، وجمع لأمته من الفضائل والمحاسن ما فرقه فيمن قبلهم، وهم آخر الأمم خلقًا، وأول الأمم بعثًا، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة))[1]، وفضائله صلى الله عليه وسلم وفضائل أمته كثيرة، ومن حين بعثه الله جعله الفارق بين أوليائه وأعدائه، فلا يكون وليًّا لله إلا من آمن به، وبما جاء به، وتبعه باطنًا وظاهرًا، ومن ادَّعى محبة الله وولايته وهو لم يتَّبع رسوله، فليس هو من أولياء الله، بل من خالفه كان من أعداء الله ومن أولياء الشيطان؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31].

 

قال الحسن البصري - رحمه الله -: ادعى قوم أنهم يحبُّون الله، فأنزل الله هذه الآية محنة لهم، وقد بيَّن الله فيها أن مَن اتبع الرسول فإن الله يحبه، ومن ادِّعى محبة الله ولم يتبع الرسول، فليس من أولياء الله، وفي الحديث: ((إن أوليائي المتقون أيًّا كانوا وحيث كانوا))[2].

 

والكفرة من اليهود والنصارى والمشركين يدَّعون أنهم أولياء لله وليس كذلك، بل هم أعداء الله، وكذلك المنافقون الذين يظهرون الإسلام، ويُضْمرون الكُفْر.

 

وإنما أولياء الله الذين وصفهم الله تعالى بولايته بقوله: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس: 62، 63]، فكل مؤمن تقي فهو لله ولي، ولا بد في الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر، والإيمان بكل رسول أرسله الله، وبكلِّ كتاب أنزله الله؛ كما قال تعالى: ﴿ قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 136، 137]، ولا بد في الإيمان أن تؤمن أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا نبي بعده، وأن الله أرسله إلى جميع الثقلَيْن الجن والإنس، فكل مَن لَم يؤمن بما جاء به فليس بمؤمن، فضلاً عن أن يكون من أولياء الله المتقين، ومن آمن ببعض ما جاء به وكفر ببعض، فهو كافر ليس بمؤمن، ومن الإيمان به: الإيمان بأنه هو الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمْرِه ونَهْيه، ووَعْده ووعيده، وحلاله وحرامِه.

 

فالحلالُ ما أحَلَّه الله ورسوله، والحرام ما حرّمه الله ورسوله، والدِّين ما شرعه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فمَن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريقًا إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان، وأما خلق الله تعالى للخلق، ورزقه إياهم وإجابته لدُعائهم، وهدايته لقلوبهم، ونصرهم على أعدائهم، وغير ذلك من جلب المنافع، ودفع المضار، فهذا لله وحده، يفعله بما يشاء من الأسباب لا يدخل في مثل هذا وساطة رسل، ثم لو بلغ الرجل من الزهد والعبادة ما بلغ، ولم يؤمن بجميع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فليس بمؤمن ولا ولي لله تعالى؛ كالأحبار والرهبان من علماء اليهود والنصارى وعُبَّادهم، وكذلك المنتسبين إلى العلم والعبادة من المشركين، فمن له عبادة في دينه وعلم وزهد وليس مؤمنًا بجميع ما جاء به الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، عدو لله، ولهذا نزلتْ عليهم الشياطين، واقترنت بهم، فصاروا من أولياء الشيطان، لا من أولياء الرحمن؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف: 36]، وذكر الرحمن هو الذكر الذي بعث به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم مثل القرآن، فمن لم يؤمن بالقرآن ويصدق خبره، ويعتقد وجوب أمره، فقد أعرض عنه، فيُقَيَّض له شيطان فيقترن به، ويصده عن الطريق السوي؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]، فدلَّ ذلك على أن ذكره هو آياته التي أنزلها، ولهذا لو ذكر العبد الله تعالى دائمًا ليلاً ونهارًا، مع غاية الزهد، وعبده مجتهدًا في عبادته، ولم يكن متبعًا لذكره الذي أنزله، وهو القرآن، كان من أولياء الشيطان، ولو طار في الهواء، ومشى على الماء، فإن الشيطان يحمله في الهواء، وإذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين، فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله، فمَن كان أكثر إيمانًا وتقوى كان أكمل ولاية لله، والناس متفاضلون في ولاية الله - عزَّ وجلَّ - بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.

 

وكذلك متفاضلون في عداوة الله بحسب تفاضلهم في الكفر والنفاق، وأولياء الله على طبقتَيْن: سابقون مقربون، وأصحاب يمين مقتصدون، ذكرهم الله في عدة مواضع من كتابه العزيز في أول سورة الواقعة وآخرها، وفي سورة الإنسان والمطففين، وفي سورة فاطر.

 

فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إلى الله بالفرائض، يفعلون ما أوْجَب الله عليهم، ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات، ولا الكف عن فُضُول المباحات، وأما السابقون المقرَّبون فتقرَّبوا إليه بالنوافل بعد الفرائض، ففعلوا الواجبات والمستحبات، وتركوا المحرَّمات والمكروهات، فلما تقربوا إليه بجميع ما يقدرون عليه من محبوباته أحبهم الرب حبًّا تامًّا؛ كما قال تعالى في الحديث القدسي: ((ولا يزال عبدي يتقرَّب إلي بالنوافل حتى أحبه))، فهؤلاءِ المقربون صارت المباحات في حقِّهم طاعات، يتقرَّبون بها إلى الله - عز وجل - فكانتْ أعمالهم كلها عبادات لله، فشربوا صرفًا كما عملوا له صرفًا، والمقتصدون كان في أعمالهم ما فعلوا لنفوسهم، فلا يعاقبون عليه ولا يثابون، فلم يشربوا صرفًا بل مزج لهم من شراب المقربين بحسب ما مزجوه في الدنيا، فالمقربون السابقون أفضل من الأبرار أصحاب اليمين، وإذا كان أولياء الله هم المؤمنين المتقين، والناس يتفاضلون في الإيمان والتقوى، فهم يتفاضَلون في ولاية الله بحسب ذلك، كما أنهم لما كانوا متفاضلين في الكفر والفسوق والمعاصي والنفاق، كانوا متفاضلين في عداوة الله بحسب ذلك، وأصل الإيمان والتقوى الإيمان برسل الله، وجماع ذلك الإيمان بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم فالإيمان به يتضمن الإيمان بجميع كتب الله ورسله، وأصل الكفر والنفاق هو الكفر بالرسل وبما جاؤوا به، فإن هذا هو الكفر الذي يستحق صاحبه العذاب في الآخرة، فإن الله تعالى أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد بلوغ الرسالة؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، وإذا كان العبدُ لا يكون وليًّا لله حتى يكون مؤمنًا تقيًّا، ولا يكون مؤمنًا تقيًّا حتى يتقرب إلى الله بالفرائض، فيكون من الأبرار أهل اليمين، ثم بعد ذلك لا يزال يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يكون من السابقين المقربين، ومعلوم أن أحدًا من الكفار والمنافقين لا يكون وليًّا لله، فمن لَم يتقرب إلى الله بفعل الحسنات ولا بترك السيئات لَم يكن من أولياء الله، وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأموال إذا كان مباحًا كما قيل: كم من صديق في قباء! وكم من زنديق في عباء!

 

وقد دلَّ الكتابُ والسنة على أن أكرم الناس عند الله أتقاهم، وليس من شرط ولي الله أن يكون معصومًا لا يغلط ولا يخطئ، بل يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين، حتى يظن بعض أمور الدين مما أمر الله به ومما نهى عنه وليس كذلك، ولم يخرج بذلك عن ولاية الله تعالى؛ فإنَّ الله تعالى تجاوَزَ لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه.

 

والواجب على الناس اتِّباع ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم وتقوى الله حق تقاته، بأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، كما فسر التقوى بذلك عبدالله بن مسعود رضي الله عنه والحقيقة حقيقة الدين، دين رب العالمين هي ما اتفق عليها الأنبياء والمرسلون، وإن كان لكل منهم شرعة ومنهاجٌ، فالشريعة هي الشريعة، والمنهاج هو الطريق، والغاية المقصودة هي حقيقة الدين، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، وهي حقيقة دين الإسلام، وهي أن يستسلم العبد لله رب العالمين، لا يستسلم لغيره، فمَن يستسلم لغيره كان مشركًا؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ [النساء: 48]، ومن لم يستسلم لله بل استكبر عن عبادته كان ممن قال الله فيهم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، ودين الإسلام هو دين الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين.

 

وقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [آل عمران: 85] عام في كل زمان ومكان، فنوح وإبراهيم ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى والحواريون كلهم دينهم الإسلام، الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، فدين الأنبياء واحد، وإن تنوعتْ شرائعهم.

 

وأولياء الله المؤمنون المتقون هم الذين فعلوا المأمور، وتركوا المحظور، وصبروا على المقدور فأحبهم وأحبوه، ورضي عنهم ورضوا عنه.

 

وأعداؤه أولياء الشيطان، وإن كانوا تحت قدرته، فهو يبغضهم ويغضب عليهم، ويلعنهم ويعاديهم، وبسط هذه الجمل له مَوْضع آخر، وإنما كتبت هذا تنبيهًا على مجامع الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.

 

فأولياء الله المتقون هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم فيفعلون ما أمر به، وينتهون عما نهى عنه، ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه.

 

ومن أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية: سماع الغناء والملاهي، وهو سماع المشركين، ومما يجب أن يعلم أن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الإنس والجن، فلم يبق أنسي ولا جني إلا وجب عليه الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباعه، فعليه أن يُصدِّقه فيما أخبر، ويطيعه فيما أمر، ومَن قامتْ عليه الحجة برسالته فلم يؤمن به، فهو كافر، سواء كان إنسيًّا أو جنيًّا.

 

والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

 

وصلى الله على محمد سيد رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه وأنصاره وأتباعه وخلفائه، صلاة وسلامًا تستوجب بهما شفاعته؛ آمين.

 

مختصر من كتاب: "الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"؛ لشيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى.



[1] رواه مسلم وغيره.

[2] رواه الطبراني بلفظ: ((أوليائي المتقون يوم القيامة)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة