• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الأستاذ حنافي جوادأ. حنافي جواد شعار موقع الأستاذ حنافي جواد
شبكة الألوكة / موقع أ. حنافي جواد / قصص ومسرحيات


علامة باركود

وجاء الراعي (قصة)

أ. حنافي جواد


تاريخ الإضافة: 28/5/2009 ميلادي - 3/6/1430 هجري

الزيارات: 19863

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وجاء الراعي (قصة)
(مادة مرشحة للفوز في مسابقة كاتب الألوكة)



وجاء الراعِي في حالةٍ تُبكي المرءَ دموعَ الدَّم، أسمالُه مُمزقةٌ، ورجلاهُ حافيتانِ، وساقاهُ تنضحان دمًا من جرَّاءِ الأشواكِ، ورأسٌ حليقٌ تَشُوبُه بقعٌ، وأذنان زرْقاوان، وأنْفٌ منكمشٌ خجولٌ، وفمٌ صغيرٌ أحمرُ كالجمرِ متَّقِدٌ، قال له ربُّ الغنم بصوتٍ شرسٍ خشنٍ، وما هو بصوت أسدٍ شُجاعٍ: لماذا تأخرت؟ وقبلَ أن يلفظَ الإجابة صَفعَهُ صفعةً لو صُفِعْتَها - أيها القارئ - لقُضِيَ عليكَ.

أجابَهُ بصوتٍ مُهْتَرِئٍ: ضاعت منِّي شاةٌ كنتُ أبحثُ عنها، ظننتُ الذئبَ تغذَّى بها، عفوًا يا سيدي فإنِّي لم أقصدْ. 

وما اهتمَّ بكلامِه، فأخذَ طريقه رأسًا إلى شجرٍ، فكَسَّرَ مِنْهُ غُصنًا عصًا سُمِع له صدًى في الأرجاء، فأزال غَُصَيْنَاتِها وفروعَها بعنفٍ، وهو يُزمْجرُ، يُرْغي ويُزْبِدُ، وأقبلَ إلى الطفلِ الرَّاعِي، ضَربهُ الأولَى إلى رأسِهِ، والثانيةَ إلى ظهرهِ، والأخيرَةَ إلى بطْنِه، فأغمِيَ على الطفل، ثم بصَقَ في وجهِهِ بُصَاقَة سبَحَ فيها مُحيَّاهُ، وكادت تخنقهُ، وقال له: أفٍّ لكَ أيُّهَا الراعي. 

وفي أثناءِ ذلك أقبل ابنُ السيد في غَطْرسةٍ يلوكُ شيئًا في فمهِ، وينفخُ نفخَ الثَّورِ الهائج في حلبته، قال متسائلاً سؤالاً مِلْؤُهُ العَجَبُ: هلْ فعلتها مرَّة أخرى؟ أجابَ الطِّفلُ الطَّريحُ، وما يكاد يُبِينُ، إنها المرةُ الأولَى والأخيرةُ، فضربَه برجلهِ إلى بطنهِ، فَسُمِعَ لذلكَ دَوِيٌّ كدَويِّ المِدْفَعِ، فانتابني خَوْفٌ، فَلَمْ أقتربْ منهُ لأعرفَ هلْ هوَ على قيْدِ الحَيَاةِ أو لاَ؟ 

فأقبل كُليْبُ الراعي بخُطًى ثابتةٍ إلى وجهه، واضعًا أرنبةَ أنفِه السوداء على خدِّه المزهر من البراءةِ، يتفرَّس في مُحيَّاه، ويقرأُ ما رسمِ عليه من حُروفٍ؛ مما يعجز أهلُ القلوب القاسية عن قراءته، فأخرجَ لسانه يلحسه ويقبِّلهُ، يلقِّن بني البشر درسًا في المودَّةِ والمحبةِ، فاستلقى بجانب صاحبهِ، جاعلاً رجلهُ الأماميَّة اليُمنى على رأسه، يتألم ويفكر في مصير صاحِبِه، وما سيؤولُ إليه الأمْرُ، إن مات الرَّاعي، راعِيهِ. 

وقد قرأتُ في وجه الكُلَيْبِ الصغيرِ وتصرُّفاتِه عباراتٍ ومعانِيَ أترجمها لك أيها المتلقي، فخذها واعتبر بها:
"ما أقساكم - أيُّها البشر - قلوبكم كالفُولاذ والحَجرِ، تهينون بعضكمْ، وتحتقِرونَهم؛ إذ هم فقراء ضعافٌ، تزعمون أنكمُ الأرقى وأنتم الأرَاذِلُ، تسبُّون بعضكم فتقولون: يا كلب، ويا وجه الكلب، وتنسَوْنَ أنَّكم أشرُّ من الكلاب، ومن أحقر الدوابِّ، إنكمْ تتحمَّلونَ مسؤوليةَ فسادِ البراري والسَّمواتِ والبحارِ؛ فقد خرَّبْتُمُ العالم عندما فسدت أخلاقكم، واسودَّت قلوبكم، عذابكم يوم الحساب شديدٌ، نحنُ بُرآءُ من صنيعكم، وإن كانت نهايتنا تراب.

لماذا تفعلون المنكرات وحياتنا قصيرة؟! 

أتظنون أنكم ستعيشون حياةً سرمديةً؟!


فقد غرَّتكم الأماني".

سمعتْ جمعيةٌ من جمعياتِ حُقُوق الإنسان بالخبر، فأقبلتْ تجري إلى الضَّيعةِ، فاستقبلها ربُّها استقبالاً حسنًا، فنادى خادِمَهُ؛ ليذبح كبشًا من أكباشهِ، قال له: اخترْ منها الأقْرَنَ الأملحَ الفَتِيَّ، الذي لم يَحُلْ عليه الحولُ، فيسهلُ مضغُهُ وهضمُهُ، ففعل، ثم قدَّمه للفرن فَشُويَ، فأكلوا جميعًا وتلذَّذوا، وتحدثوا في كلِّ المواضيع إلاَّ موضوعَ الحقوق والإنسان. 

تبادلَ القومُ شكاواهم، ومما اشتكى منه فريقُ حقوقِ الإنسان قلةُ الدَّعمِ المادي المقدَّم لهم، فَفَهِمَ ربُّ الضيعةِ ما فهمهُ، فأمر لهمْ بمالٍ، فقسَّموه بينهم بالسويَّةِ، ففرحوا وجالوا وصالوا في رحاب المكانِ، وعند مُغادرتِهم مُلئت سياراتهمْ بالتفاحِ والرُّمانِ والعنبِ، وما تشتهيه الأنفسُ، وقد حكى لي من لا أشكُّ في خبره أنَّ لذةَ الأعينِ كانت حاضرة كذلك. 

هذه الأحداث المرويَّة وقعت في المستقبل في مكان ليس كسائر الأمكنة، وفي زمن لا كَسَائِر الأزمنة، شَهِدْتُها بقلبي وفكري ووجداني، ولم تشاهدها عيني قطُّ. 

وفي تلك الليلة، أخذ الرَّاعي متاعَهُ في كيسٍ حمله على ظهره، فنادَى كلبهُ، ثم انطلق يَمشي، كالسُّلحفاةِ يجرُّ ذيولَهُ مُتوجِّهًا رأسًا إلى القمة، ولَمْ يلتفتْ ميمنةً ولا ميسرةً، مطأطِأَ الرأسِ، أو يرفعه في أحايينَ ينظرُ إلى السماءِ، سمعته يقول:  
"دوام الحال من المحالِ، وظلمةُ الليلِ لن تستمرَّ، وإن كُنَّا في أرض ليلها طويل، ونهارها قصيرٌ، شَابَ فيهَا الصِّغارُ قبل الكبارِ، وصبغ الكبار رؤوسهم بالسَّواد، فاختلط سوادُ الشعور بسوادٍ في الليلِ، فأصبح بهيمًا كلَيْلِ تِهامَةَ سَوَادًا. 

فرغم حداثة سِنِّي، فإن لي من التجارب الكثير، علمتني إيَّاهَا الطبيعة، فدرسٌ تلقيتُه في السُّهول، وآخر في الجبالِ، وثالثٌ تحتَ الشجر، وآخر في بركِ الماء، وآخر مع خرافي وكلبي، كلُّ من سمع كلامي، ولم يطَّلع على ميلادِي أو لم يحذق في وجهي، حكم لي بأكثر من سنِّي. 

ولو كنت في أرضٍ غيرِ هذه الأرض، وفي زمن غيرِ هذا الزمن، لعِشْتُ عِيشَةَ الكبراء؛ ولكني للأسفِ المريرِ، وُجِدْتُ بين قوم لا يقدِّرون الرِّجال حقَّ قَدْرهم، قوم همُّهم وشغلهم وموتهم وحياتهم في بطونهم وفروجهم، يَصنعونَ آلهتهم، فيأكلونَها قبل أن تجفَّ. 

لي طاقات جَمَّة، لكني لا أجدُ المجالَ كي أُفجِّرَها، مثلي كمثل بركانٍ سُدَّت فوهته فاحترق بما فيه، فأضْطر لأنضحَ بما يَملؤُنِي، فأُهْدِي الجواهرَ للدَّجاجِ، فيتجرأ عليَّ فينقرُني في وجهِي وأذُني وعينِي؛ كنقرِ البازِ فريستَهُ في الفَلاة، يراني طعْمًا شَهيًّا وغذاءً ثريًّا، فأفِرُّ منه ولات حينَ مناص...". 

المجال مغْلَقٌ والطريقُ مسدودٌ، ومن قال لك: مفتوحٌ، قل له: مُرَّ منه سالمًا، وستخبرك الأيام بما كنتَ جاهلاً، كل الأبواب موصدةٌ، رأيتها من بعيدٍ، إنها مُقبلة، ربَّما هي سيارةٌ أو شاحنةٌ استَوْقَفْتُهَا فوقفتْ، فإذا بي أجِدُها مُكْتَظَّة يركبها صنفٌ أشبهُ بالبشرِ، وما همْ ببشرٍ، ثم قال لي سائقها، وفي فَمِه قطعةٌ من سيجارة يستنشقها بشراهةٍ وعنفٍ، يكاد أنْ يأكلَها، قال لي: اركب، قلت: ما أنا براكبٍ، فقال: لماذا؟ قلت: لأنِّي بشرٌ، فقال مُتهكِّمًا: أأنت من البشر، ونحن بقر؟! انتظرني سأعود، فانتظرته طويلاً أظنهُ سيعودُ؛ لكنهُ لم يعدْ، ثم واصلتُ سيري أُغنِّي:

ما  أنا   إلا   بشر        عندي قلبٌ ونظر
هَمَلُونِي  ترَكُونِي        فرُّوا عَنِّى وخَلَّوْني

فغنتْ معي الطبيعةُ، شاركتني الفرحَ المغموسَ في التَّرح، وذلك كله من فضلِ ربي، خالقِي ورازقي، حافظِي من الجِنَّة والنَّاس. 

أدعوك يا ربِّي أن تفتحَ لهذا الطفل الذي أصبح اليومَ شابًّا، وقريبًا كهلاً، وبعد غدٍ شيخًا، وبعده طريحًا في القبر - أبوابَ رحمتكَ ما ظهرَ منها وما بَطَنَ، وأن تهِبهُ الجنةَ مَسكنًا دارًا يَخلد فيها أبدَ الآبدين، وزمنَ الزَّامنين، ودهر الدَّاهِرين... آمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
3- سطور غنية بالوقائع
زينب فالح - المغرب 14-03-2010 06:58 PM
و انا كدلك يا استادي لا اجد التعابير و الكلمات لكي اشكرك و اقدرك على حسن كتابتك لهده القصة المؤثرة في نفوس القراء يكفي انك قد استغليت جزءا من وقتك لتنقل بعض معارفك و معلوماتك لتفيد الآخرين بها
2- قصة جميلة من أستادي الجميل
اسماعيل بزواني - المغرب 11-03-2010 07:51 PM
أنا لست بكاتب لكي أقيم ماكتبته يا أستادي لكن سأقول لك انك تبلغ رسائلك بالبند العريض
1- قصة جميلة
ابن الإسلام - مصر 29-05-2009 12:08 PM
نشكر الكاتب على هذه القصة الجيدة ونتمنى لكم الفوز بإذن الله
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • ملف التربية
  • ملف ثقافة وفكر
  • ملف القيم
  • مقالات علمية
  • قصص ومسرحيات
  • نظرات وخواطر
  • دروس وملخصات
  • مواد مترجمة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة