• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملةأ. د. علي بن إبراهيم النملة شعار موقع معالي الأستاذ الدكتور علي بن إبراهيم النملة
شبكة الألوكة / موقع د. علي بن إبراهيم النملة / المقالات


علامة باركود

المنهج في نقد الاستشراق (2)

المنهج في نقد الاستشراق (2)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة


تاريخ الإضافة: 20/10/2024 ميلادي - 16/4/1446 هجري

الزيارات: 1731

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المنهج في نقد الاستشراق (2)

 

ليس هذا مجالَ التفرقة بين الاستشراق التقليدي (أو الكلاسيكي) والاستشراق الجديد (أو المعاصر، أو المتجدِّد)، أو ما يعبِّر عنه بعض المفكِّرين بـ"ما بعد الاستشراق"؛ قياسًا بمصطلح "ما بعد الحداثة"، فهُناك مَيلٌ إلى أنه لا فرقَ بينهما إلا بالأدوات، فقد غيَّر الاستشراق من أدواته، ولم يتغيَّر في مفهوماته[1]، وإنْ سعى مستشرقون معاصرون إلى رمي مصطلح الاستشراق في زُبالة التاريخ[2].

 

سيتَّضح من سياق هذا البحث ميل الاستشراق الجديد إلى التركيز على البعد السياسي للاستشراق، على حساب أبعاد الاستشراق الأخرى - كالبُعد الديني، والبعد العِلمي - ما أكسبه سُمعةً غيرَ إيجابية بين المفكِّرين العرب والمسلمين، وبين بعض المستشرقين الآخرين، ظهرَت في النبرة التي يواجه بها المنتقدون الاستشراقَ الجديد، وإنْ لم يغفل بعضُ المستشرقين العناية بالمجتمعات المسلمة المعاصرة، وتغليب الدراسات الأنثروبولوجية التفصيلية لبعض المجتمعات الضيِّقة.

 

إنَّ توجُّه الاستشراق في بعض مَناحيه إلى السياسة، وطغيان هذا التوجُّه على الاستشراق الجديد - يقوِّي من نزوع الاستشراق إلى الإسهام في صناعة الكراهية بين الشرق والغرب، إذا أخَذنا في الحُسبان أنَّ السياسة هي العامل الأبرز الذي تمارَس من خلاله صناعة الكراهية بين الأمم، وأنَّه آخر عامل يمكن أنْ يفكَّر فيه على أنه من عوامل الالتقاء بينها، دون إغفال عواملَ فكريَّة وأدبيَّة تُسهم كذلك في صناعة الكراهية، على أنه لا تخلو ثقافةٌ ما من قدرٍ من المحبَّة والكراهية، حتَّى أولئك الذين يتظاهرون بالسماحة أو التسامُح، يختزنون قدرًا من الكراهية، حتَّى مع المحقِّين[3].

 

في سبيل التوكيد على ذلك؛ يقتضي الموقف من ناقدي الاستشراق أنْ يكون البُعد السياسي حاضرًا لديهم، من حيث وجودُ خلفية عِلمية سياسية كافية، ما يحتِّم القدرة على التحليل السياسي، الأمر الذي لا يتحقَّق بالضرورة لغير المتخصِّصين في العلوم السياسية، مهما أظهر بعض المفكِّرين - بمن فيهم المشتغلون بنقد الاستشراق - بعض القدرات الفكرية في الخوض في الأبعاد السياسية، وهذا يصعِّب من نقدِ مثلِ هذا البُعد من أبعاد الاستشراق، وهنا لا بُدَّ من احترام التخصُّص في زمن التخصُّصات المتفرِّعة، وإنْ كان إدوارد سعيد يرى أنه قد انتهى عصر المثقَّف الفرد[4].

 

فيما يَظهر أنَّ كتابات السياسيين السابقين في الإدارات الحكومية الغربية المتلاحقة (ريتشارد نيكسون (1913 - 1994م) في الفرصة السانحة، وزبيجنيو بريجنسكي (1928م) في رقعة الشطرنج ورؤية إستراتيجية: أمريكا وأزمة السلطة العالمية، وهنري (هاينز ألفريد) كيسنجر (1923م) في مذكراته، ومارجريت تاتشر (1925 - 2013م) في مذكراتها والطريق إلى القوة وغيرها، وجيمي إيرل كارتر (1924م) في كتابيه عن فلسطين، وعن أمته المعرَّضة للخطر، وهيلاري كلنتون (1947م) في كتابه الخيارات الصعبة، وبيل كلنتون (1946م) في كتابه حياتي... نماذج لا تُعدُّ من الطروحات الاستشراقية التي تدور هذه الدراسة حولها؛ ذلك أنَّ البُعد الاستشراقي غير حاضر في كتابات هؤلاء بوضوح، رغم أنهم جميعهم يتعرَّضون إلى منطقة القلاقل التي كانوا جزءًا فاعلًا في صنعها، ولا تظهر فيها المنهجية الاستشراقية، مهما جاءت عناوين هذه الكتب مدوِّية في طريق صناعة الكراهية، ومهما كانت منزلة كاتبيها السياسية[5].

 

وهناك بُعدٌ آخر مهمٌّ في مشروع صناعة الكراهية، ذلك البعد الذي يَسعى فيه بعض المفكرين - ومن بينهم بعض المستشرقين - إلى صناعة الكراهية داخل الثقافة الواحدة، ولتكُنِ الثقافة الإسلامية هنا مثلًا؛ حينما يعمد بعض المستشرقين إلى هذا المجال فإنَّ الأمر سيكون أشدُّ وطأة، لا سيَّما إذا جعلوا في الاختلافات بين المسلمين في الفروع مجالًا رحبًا للتفرقة بينهم.

 

وقد يكون المجال في اللغة كذلك، حينما يعمد بعض المستشرقين - من منطلَقات سياسية احتلالية، ثمَّ أنثروبولوجية وفيلولوجية، وعِرقية وقبَلية - إلى إعادة استخدام لغاتٍ محلِّية، تنمُّ عن بُعد قومي يُسهم في وجود هذه الفجوة في الثقافة الواحدة، مثل ما حصل ويحصل الآن في أقاليمَ هي ثقافيًّا مسلمة، لكنَّها لغويًّا لم تكن تتحدَّث اللغة العربية، التي هي لغة الثقافة الإسلامية، كالمنطقة الكردية في الشرق الإسلامي، والمنطقة الأمازيغية في الغرب الإسلامي، ثمَّ يقود هذا إلى العمق في اللغة نفسها الكردية أو الأمازيغية أو العربية وإيجاد الاختلافات داخلها[6].

 

هذا موضوع يحتاج إلى بحث خاص، يبين فيه مدى إسهام بعض المستشرقين في صناعة الكراهية داخل الثقافة الواحدة؛ يستنتج عبدالكريم غلَّاب أنَّ كثيرًا "من المستشرقين يعتبرون أنَّ الإسلام في المغرب له طابعٌ خاصٌّ، كما يَعتبر زملاؤهم الذين تخصَّصوا في الدراسات الإسلامية بالمشرق الإسلامي أنَّ الإسلام في كلٍّ من هذه البلاد يختلف عن الإسلام في البلاد الأخرى؛ لأنَّ كلَّ قطر إسلامي يمنح الإسلام بعضًا من معتقداته القديمة وتقاليده الاجتماعية التي ترتقي إلى درجة العقيدة، وبعض الأساطير التي تخلَّفت من الماضي فحسبها المسلمون من الإسلام، حتَّى إنَّ أحدهم كتب عن آثار الوثنية في الإسلام"[7].

 

ومع أنَّ هذا بحث مطروق، ويكاد يطغى على عدد كبير من الدراسات النقدية للاستشراق، إلا أنَّه يحتاج إلى تركيز أكثرَ في مدى الإسهام الاستشراقي في صناعة الكراهية، ليس من منطلق وضع الفرضية ثمَّ البحثِ عن مؤيِّداتها - كما هو الحال في بعض دراسات نقد الاستشراق - ولكن من منطلق تحليل الوضع الاستشراقي في مجال صناعة الكراهية؛ وصولًا إلى الحقِّ بالموضوعية العِلمية المطلوبة والمتوقَّعة، وهذا يَعني أنْ يكون هناك احتمالُ وجود طرَفين متناقضين بين المستشرِقين؛ أحدُهما يعمل على التجسير بين الثقافات، والآخر يعمل على افتعال الكراهية بين الثقافات، وهذا أمرٌ متوقَّعٌ في شأن واسعِ الاهتمامات، متشعِّب الارتباطات؛ كالشأن الاستشراقي.

 

الدارس المتعالي:

لا بُدَّ من التوكيد على أنَّ النبرةَ العامَّة لدى كثير من الباحثين العرب والمسلمين لنَقدِ الاستشراق - تتركَّز في أنَّه ظاهرةٌ لم تكُن إيجابيَّةً في انطلاقتها مع التراث العربي الإسلامي، وأنَّ هذه النبرة التي توارَثها رهطٌ من الكُتَّاب العرب والمسلمين المعنيِّين بالثقافة الإسلامية لم تكن في مُجملِها موضوعيةً في حُكمها على الاستشراق، وهم في هذا لا يَصدُرون من فراغ، بل جاء هذا الحكم التعميمي على الدراسات الاستشراقية بعد استقراءِ غالبية هذه الدراسات.

 

ويتَّفق معهم مستشرقون آخَرون؛ فهذا رودي باريت (1901 - 1982م) وقد رافق قائد الألمان رومل (1891 - 1944م) في معركة العلمين (23/ 10 - 4/ 11/ 1942م) غرب مصر أثناء الحرب العالميَّة الثانية (1939 - 1945م) مترجمًا في شمال أفريقيا، لكنه لم يستطع خدمة القائد العسكري؛ لأنه لم يكن يجيد اللهجة البدوية بأرض مصر، بالإضافة إلى أنَّ الحزب الاشتراكيَّ الألماني (النازية) بقيادة أدولف هتلر لم يكن يُعير الشعوبَ العربيةَ والإسلاميةَ مع شعوبٍ وأعراق أخرى اهتمامًا يدعو إلى استعمار أراضيها، أو جعلها جزءًا من الأطماع الألمانية النازية[8]، يعبِّر رودي بارت عن هذا الاتِّفاق بقوله: "ونحن في هذا نطبِّق على الإسلام وتاريخه، وعلى المؤلَّفات العربية التي نشتغل بها، المعيار النقديَّ الذي نطبِّقه على تاريخ الفكر عندنا، وعلى المصادر المدوَّنة لعالمنا نحن"[9].

 

ويعلِّق إسماعيل أحمد عمايرة على عبارة رودي بارت بقوله: "فالمستشرق مرتبط ارتباطًا وثيقًا بما يدور حوله من حركات عِلمية، ولعلَّ في هذا ما يفسِّر الدهشة والاستغراب اللَّذين يرتسمان على وجه المسلم وهو يقرأ كتابات المستشرقين؛ فهم يَقيسون الأمور بموازينَ مختلفة - إلى حدٍّ كبير - عن مقاييسنا؛ بل إنَّ اختلاف المقاييس هو الذي أوقع كثيرًا من المستشرقين في الخطأ وهم يزِنون بها ثقافةً أخرى مختلفة، كما أوقعَنا ذلك في خطأ مقابلٍ حين أقدمنا على تقويم أعمالهم دون معرفة كافية بطبيعة مناهجهم، ومستلزماتها والاستنتاجات المترتِّبة عليها"[10].

 

فهذا المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون يقول: إنَّ المستشرقين لا يرَون في الشرق إلا ما يريدون رؤيته فيه، فكان اهتمامهم منصبًّا على الأشياء الصغيرة والغريبة، ولم يكن من أهدافهم تطويرُ الشرق؛ ليبلغ المرحلة المتقدِّمة التي تبلغها أوربا، فكانوا يكرهون النهضة في هذا الشرق؛ ولذلك يرى رودنسون أنَّ النقد الأوربي - بما فيه النقد الاستشراقي - للعرب والمسلمين ربَّما يكون غيرَ عادل في نقاط معيَّنة، ولكنَّ تفنيد هذا النقد يستوجب دراسته أوَّلًا، فلا يمكن نقضه والردُّ عليه إلا على الأساس الذي قام عليه[11]، وأقوال المستشرقين التي تنبئ عن نقد الاستشراق نقدًا ذاتيًّا وفي هذا المجال - كثيرة.

 

ولَّد هذا النوع غيرُ العادل من النقد جدلًا حول مدى الخدمات الجليلة التي قدَّمها الاستشراق للتراث الإسلامي والثقافة الإسلامية، في مقابل تلك الخدمات التي خدَم بها الاستشراقُ المصالحَ الغربية الدينية والاحتلالية، والسياسية والاجتماعية، وكوْن الاستشراق في مجمله عونًا على بسط الهيمنة الغربية بمختلف أشكالها على العالم الآخر غير الغربي، بما فيه العالم الإسلامي، بل يمكن القول: إنَّ جُلَّ الحملة في الهيمنة إنما هي متركِّزة في العالم الإسلامي، فجاء معظم إنتاجه المعرفي متَّسمًا بالتعالي على المدروسين، وإشعار هؤلاء المدروسين بلهجة الرقيِّ والتفوُّق الذهني عليهم.

 

إنه ذلك الشعور الوسواسي الواعي أو غير الواعي بالتفوُّق، والميل إلى الهيمنة، وكما يقول محمد الدعمي: "لقد عبَّر هذا الموقف الغربي الفوقي عن نظرةٍ دونية للماضي العربي الإسلامي، من خلال الشعور بحرية استثمار تاريخنا، ليس لخدمة العرب والمسلمين؛ بل لمباشرة مشاكل غربية، وللاستجابة لمعضلات محلية لا تمُتُّ بأيَّة صلة للعرب أو للإسلام، وبهذا صادر الفكر الاستشراقي تاريخَنا - تاريخ "الآخر" - لصالح ثقافته وحضارته، مؤسِّسًا هذا الموقف المتعاليَ على شعور قويٍّ بأنَّ التاريخ إنَّما يتطوَّر على نحو خيطي وخطِّي، حيث تدفع حضارات وخبرات جميع الأمم الذروة النهائية لتاريخ العالم، تلك الذروة المتمثِّلة في الحضارة الغربية"[12].

 

وفي تعليق لأحمد رمزي يقول فيه: "كان للمستشرقين عمومًا عقدةُ التعالي المنبثقةُ عن انتمائهم إلى الحضارة الأوربِّية المتقدمة في رأيهم بقيمها وقوَّتها المادِّية، وكان الجوُّ العامُّ هو أنَّ لأوربَّا رسالةً حضاريةً يجب أن تبثَّها بين الشعوب "المتخلِّفة"، وكانت الغلبة للمستشرقين؛ نظرًا لتمكنهم من العلوم الحديثة؛ كعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا، واللغات الشرقية والتاريخ المقارن، إلى غير ذلك من العلوم العقلية"[13].

 

الإشكالية التي يثيرها نصُّ أحمد رمزي هي أن تكون عقدة التفوُّق تجاه الآخر غير الأوربي متجذِّرةً في العقلية الأوربية والأمريكية إلى حدٍّ أقلَّ، لا سيَّما لدى الرجل الأبيض الذي يرى غيرَ البِيض يعيشون معه جغرافيًّا وفي الرقعة الشمالية نفسها، لكنه لا يراهم شيئًا، سوى أنهم جاؤوا لخدمته، كما يقول تييري هنتش: "ليست النزعة العرقية نقيصةً بالإمكان التخلُّص منها، ولا هي بخطيئةٍ يتوجَّب التطهُّر منها بطلب الغفران؛ إنَّها الشرط عينُه الذي يَحكُم نظرَنا إلى الآخر"[14]، ولا عبرةَ بمن ذهب أبعدَ من هذا الشعور، فجعل الرجل الأبيض نصفَ إله، ومن غيره من العالمين أنصاف بشَر!

يؤيِّد سمير قصير الباحثَ أحمد رمزي في هذا المنحى في الاستمرار في النظرة المتعالية من الدارس للمدروس، حتى مع ظهور الاستشراق الجديد أو المتجدِّد؛ حيث يقول: "أنا أدرك بالطبع - مثلما لاحظ شتفان رايشموت - أنْ لا تكون خيارات المستشرقين السياسية متَّصلة بالضرورة مع موضوعات دراساتهم، وأن يكونوا من اليسار أو اليمين ضمن مجتمعاتهم الخاصَّة؛ لكن ما أفهمه بصعوبة هو أن يستطيعوا الادِّعاء بأنهم متخصِّصون في الشؤون الشرقية وهم ينطلقون اليوم - في عام (2004م) - من عُقدة بالتفوق إزاء الآخر الذي يقاربونه على أنه شيء، وسيكون هذا تأكيدًا أنَّ الاستشراق استحواذٌ هدفُه الهيمنةُ على الآخر، فنحن جميعًا نعرف مستشرقين من هذا الطِّراز، وهم لا يمثِّلون إلا أقليةً لحُسن الحظ، لكنَّهم لسوء الحظ أكثرُ مَن يُستمَع إليهم؛ لأنهم يتدخَّلون ربَّما أكثر من غيرهم في نقاش المجتمع"[15].

 

يؤكِّد مصطفى النيفر هذا التوجُّه أيضًا بقوله: "حفلت الكتابات (العِلمية) الاستشراقية بالصور النمطية عن الإنسان الشرقي، كما يتوقَّعه الغرب، أو كما يريده أن يكون؛ أراد الاستشراقُ - بكلِّ تيَّاراته وممثِّليه - أن يكون الدارسَ المترفِّعَ المتعاليَ المنكبَّ على دراسة الشرقي انكبابَه على أيِّ موضوع بيولوجي أو فيزيائي؛ ولذلك لم يوجد "استغرابٌ" يدرس من خلاله الشرقيُّ دارسَه الغربيَّ، ولأنَّ الطرفين غير متكافئين لم يكن ذلك بالوارد على خاطر مجتمع غربي يعتبر كلَّ الوجود (بما فيه الإنسان الآخر) موضوعًا لمعرفته العلمية، وتاليًا لسيطرته"[16].

 

ويؤيِّد هذا التوجُّهَ مقولةُ إدوارد سعيد في أنَّ الغربَ يتخيَّل الشرق كما يريده أن يكون عليه، فيرسم عنه صورةً من مخيِّلته، ويبني على هذه الصورة نظرتَه، فحُكمَه على هذا العالم الساحر[17].

 

السحر والقابلية:

ربَّما يتحقَّق هذا النوع من السحر في النظرة إلى التراث، وما شابه من إلصاقات لم تكن واقعية، وتاليًا لم تكُن حقيقية، ولكنَّها مبثوثة في بعض كتب التراث العربي الإسلامي، لا سيَّما التراث الأدبي وبعض التراث التاريخي، ممَّا جعل بعض المستشرقين "يتصيَّدون" هذا السحر الشرقي، فيبنون عليه صورتهم المتخيَّلة عن الشرق[18]؛ (كألف ليلة وليلة، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والروض العاطر في نزهة الخاطر، نماذج)، ومن ذلك تسييس أي جهد إسلامي لا علاقة له بالسياسة؛ رغبةً في التقليل من هذه الجهود، وأنها لم تكن معنيَّةً لذاتها؛ كجمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، والنهي عن التفسير بالرأي، والقرَّاء، ورواة الحديث الشريف، ورحلات علماء المسلمين، وغيرها يُتلمَّس من روائها مقاصد سياسية.

 

ذلك لأنَّ النظرة إلى الشرق العربي والإسلامي لن تكون منهجيةً وواقعية ومكتملة ما لم تتَمثَّل هذه الصورة عن العرب والمسلمين في الغرب، والأثر الخطير الذي مارَسه الاستشراق في تشكيل قوالبَ وأنماطٍ ذهنية؛ فكرية ونفسية لدى الغربيين تجاه العرب والمسلمين[19]؛ مما أعان - على رأي خلف الجراد - على صناعة الكراهية بين الغرب والشرق المتخيَّل.

 

تتكرَّر الصورة النمطية مع الاستشراق الجديد أو المتجدِّد، لكنَّها تختلف هنا من حيث التخلِّي عن تلك الصور التقليدية للعربي القديم التي صوَّرها الرحَّالة المستشرقون، (البربري المتوحِّش راكب الجمل، وساكن الخيام، وكثير الحريم) إلى صورة الشباب المسلم ذوي اللِّحى الطويلة غير المهذَّبة، واللباس القصير، والنساء المحجَّبات، المتعطِّشين للبطش، وما يكتنف ذلك كلَّه من نزوع إلى صناعة العنف والإرهاب والدماء[20]، وبهذا يجعل الاستشراقُ من المسلمين جماعةً أو جماعاتٍ يتعذَّر فَهمُها، لكن يمكن التوقُّع بفعلها[21].

 

هي حملةٌ قديمةٌ تتجدَّد وتتضافر فيها جهودٌ مختلفة؛ من تنصير واستشراق، واحتلال وهيمنة، وليبرالية غربية، وعلمانية موجَّهة، وعولمةٍ ذات اتِّجاه واحد[22]، ومع هذا فقد تعرَّض المستشرقون الأمريكيون بخاصَّة - عدا المستشرق برنارد لويس - "للإدانة من قبل الجمهوريين المحافظين، المؤيِّدين لسياسة دعم زائدٍ لإسرائيل"، كما يقول المستشرق الفرنسي أوليفييه روا[23].

 

ولا يُغفل هنا دور القناصل وأثرهم؛ فبعضهم كانوا إلى الاستشراق السياسي أقرب، وكثيرًا ما يخرجون من تجربتهم بكتاب أو مقالات، تستفيد منها الجهات السياسية، وتبني بموجبها قراراتها في علاقاتها بالشرق، دون الاقتصار على الشرق الأوسط، بل شملت الشرق الأقصى في الهند والصين واليابان وغيرها[24].

 

كان هناك سعيٌ إلى إقصاء المستشرقين عن السياسة من قبل، وتجدَّد هذا المشروع في السنوات العشر المنصرمة؛ ما يُنظر إليه على أنه تكريس لانتصار اللااستشراقيين لصالح القريبين من "أيباك" AIBAC؛ أي: اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة[25]، التي تعود فكرةُ إنشائها إلى سنة 1951م، عندما قرَّر أشعياء كيفن عضو المجلس الصِّهيَوني الأمريكي، بالتشاور مع بعض زعماء اليهود الصهاينة تكون دهلزة (لوبي) صِهيَوني لدعم الوجود اليهودي في فلسطين المحتلَّة، فتكوَّنَت اللجنة سنة 1954م[26].

 

يقول داني روبنشتاين: "في الماضي كان المستشرقون الأوربيون المسيحيون هم الذين يزوِّدون الثقافة الأوربية بالحجج اللازمة لاستعمار الإسلام وقهره، ولقهر اليهود أيضًا وتحضيرهم، أمَّا اليوم فإنَّ الحركة اليهودية هي التي تُنتج جهاز المسؤولين الاستعماريين، وطروحات اليهود الإيديولوجية عن الذهن الإسلامي أو العربي، هي التي تطبَّق في إدارة العرب والمسلمين، الأقلية المقهورة ضمن الديموقراطية الأوربية البيضاء، التي تُدعى (إسرائيل)"[27].

 

ويَسعى محسن جاسم الموسوي إلى أن يصنِّف أغلب الكتابات الاستشراقية في مجال الاستشراق السياسي التي تُقرن بمرحلة ما يسمِّيه بالدورة الثانية الأخيرة فيما له علاقة بالذهنية العربية الإسلامية من خلال أربعة كتب لأربعة مؤلِّفين غير عرب، إلى التصنيفات الآتية:

1- أنَّ الذهن العربي يختلف عن الذهن الأوربي "الآري سابقًا".

 

2- أنَّ العربي يميل إلى الشورى، لكنه يميل أيضًا إلى الوساطة.

 

3- أنَّ العربي مجبول على النزاع والاقتتال والاحتراب.

 

4- أنَّ العربي يُغلِّب التفاخُر والمباهاة، والاعتداد بالكبرياء، بالإضافة إلى أنه فرداني وأناني، وأنه يظلُّ رهينَ فردانيته.

 

5- أنَّ المجتمع العربي لا يمكن أن يواجِه روح العصر أو يحتويَها، وهو ثابتٌ لا يتغيَّر؛ كما يشير باتاي.

 

6- أنَّ العربي متقلِّبٌ كالصحراء، ويتعامل مع الآخرين بقسوة، وهو ذو "تفاؤل متهوِّر أو تشاؤم مهين"؛ كما يشير جاك بيرك.

 

7- أنَّ العربي عاش فترات كسلٍ طويلة، وأخرى قصيرة متوتِّرة منفعلة.

 

8- أنَّ العربي اليوم غير موضوعي ولا واقعي[28].

 

9- وتضيف المستشرقة الفرنسية إليزابيث بيكار بعض النقائص؛ مثل رفض العربي للحداثة السياسية، ورفضه للديموقراطية، واعتماده على القبَلية والعشائرية والعصبيات التقليدية والطائفية، وغير ذلك من صفات النقائص[29]، وربَّما كانت هذه الصور النمطية عن العالم العربي والإسلامي في تحليل الاستشراق السياسي لها قائمة على تأثير المستشرقين الأوائل التي تكوَّنت رُؤاهم من خلال عواملَ عدَّة، لعلَّ من أبرزها رحلات المستشرقين إلى بلدان العالم الإسلامي وأبحاثَهم عنها[30]، وتعميمَ انطباعاتهم على جميع البلدان.

 

كما كانت القابلية للاحتلال التي نظَّر لها المفكِّر المسلم مالك بن نِبي رحمه الله تعالى (1323 - 1393هـ/ 1905 - 1973م) من قبل[31]؛ تأتي القابلية للاتِّهام بالعنف والإرهاب الآن بين المسلمين عمومًا، وبين مُسلمي العرب خصوصًا، بل بين السعوديِّين، حيث مَهبِط الوحي ومَراتع المصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيَّما بعد أحداث يوم الثلاثاء 22/ 6/ 1422هـ الموافق 11/ 9/ 2001م، حيث الاشتباهُ ما يزال قائمًا على بعض الأفراد السعوديين في تفجير البرجين في نيويورك، وذوبان الحديد الذي بُنيَ منه البرجان من قواعده، ووجود جواز سفر سعودي جديد لم يتأثَّر بالحريق الذي أذاب الحديد!

 

ومن هنا يتساءل المرء "الحليم" عند طرح مفهوم القابلية هذه: هل يمكن أن يحقِّق بعضُ أبناء الأمَّة - دون قصدٍ مباشر منهم - ما يصبو إليه أعداؤها؟! هذا تساؤل لا إجابة يسيرة بالإيجاب عليه؛ لأنَّ الإجابة بالإيجاب سوف تقلب الموازين، وتصيب بالصدمة أولئك الذين يَحسبون أنهم يُحسنون صنعًا من دعاة الإصلاح السياسي والاجتماعي؛ من منطلق متطرِّف إلى إحدى الجهتين؛ أقصى اليمين، أو أقصى اليسار، وليس من منطلق ليبرالي[32]، أو من منطلق عَلماني فحسب، كما يتبادر إلى الذهن، وقد شدَّد فاضل الربيعي على أثر اللبراليين العرب في الإسهام في صناعة الكراهية بين الشرق والغرب من خلال الاستشراق وتبنِّي الأفكار الاستشراقية الجديدة في تأجيج الوضع في المنطقة، لا سيَّما في العراق اليوم.

 

ولذلك يتردَّد أنَّ بعض هذه الفئات المتطرِّفة هي صنيعةٌ للعدوِّ صناعةً مباشرة، أو غير مباشرة، أو بالاستحواذ[33]، أو أنها تمثِّل العدوَّ في تنفيذ إملاءاته، مع أنَّ هذا اتِّهامٌ في ظاهره مجحف؛ إذ إنه ليس من السهل الإسراعُ في إلصاق هذه الإطلاقات على من بدَت منهم رغبة في التفكير فيها، رغم امتهان المصطلحات في وقتنا الحاضر، حتَّى أولئك الذين يُلصقون أنفسهم بالليبرالية أو العلمانية، أو ربَّما أُلصقت بهم، لا يَظهر أنَّ كثيرًا منهم يدركون تمامًا مدلول المصطلحات[34]، وربَّما كانوا أقربَ إلى الاعتدال والوسطية الدينية، أو ربَّما كانوا أقربَ إلى أن تنطبق عليهم إطلاقاتٌ شرعية توحي بالتقصير في الفَهم منهم، أوضح من إلصاقهم بالليبرالية أو العلمانية.

 

ولذلك قد لا يصدَّق الإطلاق المركَّب الذي يستخدمه هشام شرابي: العلماني المسلم، أو المسلم العلماني[35]. أو الليبرالي المسلم، أو المسلم الليبرالي؛ حيث يفرِّق هشام شرابي بين العلماني المسلم، والعلماني غير المسلم في المجتمع العربي، ويَذكر أمثلةً للعلمانيين المسلمين يَصعُب النظر إليهم على أنهم كانوا كذلك.

 

وما يُطلقه جورج طرابيشي كذلك من بذور العَلمانية في الإسلام في البُعد السياسي بخاصَّة؛ ففي زمن التصنيفات صار المسلمُ المسهم في جانبٍ من جوانب الدعوة إلى الإسلام لا يَسلَم من التصنيف بالسلفية أو الإخوانية، أو العصرانية أو التنويرية، أو العقلانية أو التقليدية الكلاسيكية، وما إلى ذلك من تصنيفات يُراد بها تمزيق الأمَّة الإسلامية وشرذمتها، بالإضافة إلى تصنيف بعض العناصر الفاعلة فكريًّا في المجتمع المسلم، إلى تصنيف بعض العناصر الفاعلة فكريًّا في المجتمع المسلم، مع شيء من التهاون في أحكام الدين بالليبراليين أو العلمانيِّين، دون إدراكٍ - بالضرورة - لمفهومات هذه الإطلاقات من بعض المتحمِّسين.

 

كما يذكر جورج طرابيشي أنَّ الذي اغتال الكاتب المتحامِلَ على الإسلام في مصر (فرج فودة) عندما سأله القاضي: وما معنى علماني؟ أجاب: لا أعرف[36]، وكانت هذه الإجابة بعد سؤال القاضي له عن الدافع لقتلِه (فرج فودة)، وإجابته بأنه علماني، وقد عُرف (فرج فودة) بمناهضته للدين، فليس هذا اعتذارًا له أو عنه، ولكن المقصود هو مَن اغتاله بتهمة العلمانية، وهو لا يُدرك مفهوم المصطلح!

 

وشاح الموضوعية:

من السهل على الباحث والمفكِّر - حتَّى لا يُتَّهَم في انتمائه لثقافته - أن يَركَب موجة الهِجاء التي يواجهها الاستشراق، فيُسهم في صناعة الكراهية ضدَّ الاستشراق والمستشرقين، ومن ثمَّ يَسلَم من الاتِّهامات السريعة في فكره وانتمائه؛ لأنَّه تبيَّن أنَّ هجاء الاستشراق مَركَبٌ سهل، وهو النمط السائد للكتابة عن الاستشراق بين كثير من المفكِّرين العرب والمسلمين، لا سيَّما غير المتخصصين في الدراسات الاستشراقية.

 

ولكنَّ هذه الموجة وهذا المركَب لا يَخدمان الثقافة الإسلامية في مجال انتشارها في البيئة الغربية التي نشأ فيها المستشرقون، وفي مجال نشر الثقافة الإسلامية في الغرب وفي غيره، هذه الثقافة التي نعتقد أنَّ العالم يظلُّ بحاجة إليها، كما تظلُّ هي بحاجة إلى معطيات الحضارات الأخرى العلمية؛ ذلك أنَّ ردَّ الفعل الاستشراقي تجاه هذه المواقف السلبية يكون سلبيًّا، ويوصَد الباب أمام بحوث متجرِّدة عن الهوى، تكون مستقلَّة عن أيِّ نوازعَ دينية أو سياسية أو احتلالية، ويؤثِّر في جهود الإقناع بنقاء الثقافة الإسلامية، والسعي إلى نشرها بين الأمم.

 

لا يَعني هذا الموقف المتوشِّح بالموضوعية التغاضيَ عن المآخذ على الاستشراق؛ لأنَّها مآخذُ يَصعبُ التغاضي عنها وتَقتضيها النظرة الموضوعية، دون الدخول في تسويغ مواقفَ استشراقية غير إيجابية لا تحتمل التسويغ، ووقف عندها بعضُ المستشرقين أنفسُهم فعابوا على بني جلدتهم مواقفَهم غيرَ البنَّاءة تجاه الشرق، ما يدخل في مفهوم النقد الذاتي للاستشراق، كما سيأتي البحث فيه.

 

ليس المراد من هذه النظرة الموضوعية كذلك تجاهُلَ نصوص من القرآن الكريم والسنَّة الشريفة، هي صريحة في تحديد العلاقات العامَّة المبدَئية بين الثقافات، تلك العلاقات التي تؤيِّد وجود فروقات، وتاليًا يتبيَّن تعذُّر النظرة المثالية للالتقاء والتقارُب التامِّ بين هذه الثقافات؛ فالقرآن الكريم واضح في عدم رضى اليهود والنصارى رضًى تامًّا عن المسلمين، حتى يتبع المسلمون الملة اليهودية أو النصرانية؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].

 

والقرآن الكريم واضح أيضًا في وجود عداوات بين اليهود والنصارى من جهة، وبين المسلمين من جهة ثانية، ولكنَّها في الوقت نفسه مع أنها عداوة شديدة إلا أنَّها متفاوتة في الشدَّة؛ قال تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 82، 83].

 

والقرآن الكريم واضحٌ - من وجهة ثالثة - في بيان العداوة بين اليهود والنصارى، وأنَّ كلًّا منهما لا يرى الآخر على شيء؛ مما يحتِّم صعوبة التلاقي بينهم، قال تعالى: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [البقرة: 113]، وعليه فإن كلًّا منهما يرى أنَّ ما هو عليه هو الدينُ الحق.

 

ينطلق النقاش هنا من هذه المسلَّمات في وجود هذه الفروقات، التي لا تتعارض تعارُضًا قطعيًّا مع إمكانات اللقاء في ضوء هذه المسلَّمات والتعايُش بالقَبول، وليس بالضرورة بالرضا، على اعتبار أنَّ هناك فرقًا بين القَبول والرضا، ويقتضي الموقف هنا - وفي كلِّ مناسبة - أخْذَ النصوص الشرعية بسياقاتها، ومع جهود علماء المسلمين في ربط نصوص التشريع بعضها مع بعض، ومقابلة بعضها مع البعض الآخر، بما في ذلك مفهوم الولاء والبراء[37]، ومن تلك النصوص التي تؤكِّد على التلاقي قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، وقوله تعالى: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8]، وغيرها من النصوص الشرعية؛ مثل قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الممتحنة: 9].

 

إنَّما المراد هنا هو توخِّي الحذر في إطلاق الأحكام، والعزوف عن التعميم فيها، بحيث يضارُّ رهطٌ من العلماء المستشرقين الذين كانت لهم أيادٍ تُذكر في سبيل خدمة التراث الإسلامي، وتقديم الثقافة الإسلامية لغير المسلمين من الغربيين أوَّلًا، رغم وقوع البعض منهم في أخطاء علمية، فرَضها عليهم عدمُ انتمائهم إلى ثقافة يتحدَّثون عنها ويبحثون فيها، وجهلُ بعضهم باللغة العربية، التي جاءت بها هذه الثقافة، واعتماد بعضهم الآخر على إسهامات بعض سلفهم الذين لم ينطلقوا في الكتابة عن الإسلام والمسلمين من منطلقات موضوعية.

 

يتَّفق هذا الباحث (القحطاني) مع أستاذه السيِّد محمَّد الشاهد في بُعدِ كثير من الأبحاث العربية - حول الاستشراق ونقده - عن الموضوعية، وتصيُّد السلبيات الاستشراقية وتضخيمها، وإذا ما تمَّ العثور على بعث الإيجابيات يُحَطُّ من قدرها وقيمتها العِلمية، ويُساء القصد في أصحابها، ويُقذَف كلُّ مَن يحاول إعطاءها قدرها؛ بشبهة التعاطُف والتحيُّز، والتعاون مع المستشرقين، وقد يصل الحماس ببعضهم إلى رمي هذا المتعاطِف المتحيِّز المتعاون في عقيدته، والتشكيك فيه وفيها[38]! وأنه لا يَعدو أن يكون "فرخًا" من فروخ المستشرقين، أو على أقلِّ تقدير معتذرًا عنهم وعن مناهجهم، مسوِّغًا لسقطاتهم.

 

ويُعلِّق أحمد رمزي على هذا الموقف بقوله: "وكيفما كان الأمر فعلينا أن نتعامل مع الاستشراق، فلا نرفضه كلَّه، ولا نقبله كلَّه، بل هو حالات نتعامل معها، فإذا كان المستشرق منصفًا أو أتى بجديد أنصفناه، وإذا كان مغرِضًا مزوِّرًا متحاملًا ردَدنا عليه وصحَّحناه؛ كلُّ ذلك بجوٍّ علميٍّ موضوعيٍّ يكون المقياس فيه الحقيقة العلمية والنزاهة الفكرية"[39].

 

ويقول عمر لطفي العالم: "ليس من العدل أن ننظر نظرةً متجهِّمة، ونأخذ الكلَّ بجريرة البعض، سواءٌ ما كان منه بدافع التعصُّب الديني، أو الطمع الاستعماري، أو الغلو المنهجي؛ فكما وُجد من بين هؤلاء من قذف العربية واتَّهمها بالعجز وقصرِ الأداء، وُجد أيضًا من شُغف بها واستبسل في الدفاع عنها، بل واتَّخذ من شعرها الغزلي هديَّةً لعروسه في يوم زفافها، وكما نسجِّل عليهم حقَّ استعادة تراثنا المنهوب، نسجِّلُ لهم حفظ جانبٍ مهمٍّ من التراث من الاندثار والضياع"[40].

 

وبرغم هذه النظرة التي تتوخَّى الموضوعية في الحكم، إلَّا أنَّ عبدالنبي أصطيف - وهو ممَّن يُتوقَّع منه الإنصاف للاستشراق - لا يملك أن يُغفلَ ما كان للاستشراق من آثار سلبية؛ لكونه "منتَجًا ثقافيًّا إنسانيًّا محكومًا بظروف المواجهة بين منتجها (الغرب) وموضوعها (الشرق)، وبمواقف طرفَي هذه المواجهة وأهوائهم وأفكارهم المسبقة كلٍّ على الآخر، ومصالحهم الدنيوية في عالمٍ تحفِّزه المصالح أكثرَ ممَّا تحفِّزه القيم والمبادئ"[41].

 

على أنَّه من المؤكَّد - فيما يتعلَّق بتغليب المصالح، وفي ضوء الأحداث المنعكسة على المنطقة العربية والإسلامية بعد حادثة يوم الثلاثاء 22/ 6/ 1422هـ الموافق 11/ 9/ 2001م - بتغليب مسألة الأفكار والاعتقادات والقيم والمبادئ المكنونة على المصالح الآنيَّة؛ ما يعني أنَّ المصالح ليست بالضرورة هي وحدها - كما هو الاعتقاد السائد - التي تسيء العلاقات دائمًا بين الشرق والغرب، لا سيَّما الغرب الأقصى في وقتنا هذا[42].

 

النقد العلمي:

أضحى نقد الاستشراق اليوم يخضع للمنهجية العلمية، التي تقتضي قدرًا من التخصُّص، أو على أقل مطلب عِلمي، تقتضي الشمولية في الاطلاع على مشارب الاستشراق وفئاته، ومدارسه وأطواره؛ إذ إنَّه يُعَدُّ الآن من أوسع الموضوعات الثقافية والفكرية التي تتعرَّض للنقد العام، كما أنَّه يَكثر منتقِدوه نقدًا فكريًّا عامًّا، بدوافعَ لا يُشكُّ في مَقاصدها وإخلاصها، إلَّا أنَّه مع سلامة المقصد والإخلاص فيه لا بُدَّ من توافر عنصر الصواب في النقد[43].

 

ولا تكفي النظرة التبسيطية الاتِّهامية للمستشرقين؛ يقول الكاتب سمير عطا الله: "وللأسف فإنَّ النظرة إلى هؤلاء ظلَّت تشكيكيَّة حذِرة، وغالبًا تبسيطية اتِّهامية، لا تصدِّق أنَّ لها في الغرب أصدقاء، بل أعداءً دائمين، أعتقد أنَّ هذا الموقف من الاستشراق ألحقَ ضررًا واضحًا بعمليةٍ لا حدود لبعض فوائدها في الأعمال البحثية، فقد تراجع كثيرون عن الانخراط في هذا العلم، الذي لا غنى لنا عنه، وتوقَّفت جامعات كثيرة عن متابعة دراساتها العلمية في التاريخ والتراث وحتى الآداب؛ خوفًا من التُّهم"[44].

 

ولا تكفي كذلك النظرةُ المتحيِّزة إلى اليسار أو إلى اليمين، وكلُّ نظرة منهما تأخذ على الأخرى مُجانبةَ الصواب في نقد الاستشراق؛ يقول المستشرق الأمريكي المعاصر فرانسوا دي بلوا، وهو يميل إلى اليسار: "وقد بدأَت موجاتٌ من النقد تتوجَّه إلى الاستشراق من مواقعَ رجعية ويمينية، بلغَت ذروتها في سيلٍ من الكتِّيبات في سبعينيات هذا القرن (العشرين المنصرم)! وأكثر ما يُزعج هؤلاء النُّقاد اليمينيين في الاستشراق هو نهج النَّقدية التاريخية الذين يُعالجون به الحقب المبكِّرة من تاريخ الإسلام، وينظر الرجعيون في العالم الإسلامي إلى دراسات المستشرقين كلِّها باعتبارها (مؤامراتٍ) من جانب المسيحييِّن واليهود لتدمير الإسلام"[45].

 

فيما يُثني دي بلوا على النقد اليساري للاستشراق، ويصفه بمنطلقاته وأهدافه بأنه وجيهٌ وصحيح، ويستحقُّ الاهتمام[46]!

 

لسنا - نحن العربَ والمسلمين - نريد للاستشراق أن يتوقَّف بهذه الصورة العازفة عن خدمة الثقافة الإسلامية، ولا يظهر أنَّه سيتوقَّف بصورة حادَّة، ولكنه - كما هو الآن - طفق يبحث عن مسارات يُسهم من خلالها في دراسة الشرق، فيستمرُّ في خدمة أغراضه التي لم تُستنفَد بعدُ، بل هي في نموٍّ؛ بنموِّ ما تمرُّ به المنطقة العربية والإسلامية من أحداث متتالية، ذات علاقة متنوِّعة المشارب بالمصالح الغربية، ويغلب عليها الطابع السياسي والحزبي[47].

 

يقول فاضل الربيعي: "لقد انتهَت الوظائف التاريخية للاستشراق القديم مع نهاية الاستعمار، وبزوغ فجر الاستقلالات الوطنية في العالم الثالث، ولنقُل بكلام أنسب: إنَّ هذه الوظائف استنفدَت أغراضها الأصلية بعد أنْ تراخت أهداف الاستشراق مع زوال العصر الذي ولد فيه. ثم إنَّ حلولَه وأفكارَه فقدَت أيَّة قيمة عِلمية لها، وربما تكون عِلميتها قد تلاشت كليًّا مع تلاشي الأسس التي قام عليها الاستعمار القديم في الشرق"[48].

 

ويضيف فاضل الربيعي القول: "ومع ذلك؛ فمن المؤكَّد أنَّ الحلول والتصوُّرات الزائفة والمرائية التي ابتكرها الاستشراق الماضي (للشرق العظيم) قد تبدَّدت هي الأخرى، ولكن - ومع عودة الاستعمار القديم، أو ما بات يُعرف اليوم بالاستعمار الجديد - بدأ علمٌ زائف وجديد يطلُّ برأسه على الوطن العربي"[49]، وربَّما يقصد بذلك عودة الاستشراق بصورته السياسية المهيمِنة.

 

نقدُ الاستشراق بهذه الصورة الموضوعية أدَّى - ويؤدِّي - إلى إعادة نظر بعض المستشرقين في مواقف أسلافهم من الإسلام، ويدفعهم إلى أن يُعيدوا تقويم أعمال أسلافهم، فيَنزع جمعٌ منهم إلى التخفيف من اللهجة العدائية للإسلام والمسلمين، بتوظيف الموضوعية أكثرَ من ذي قبل؛ ما يُعين على تجسير الفجوة بين الشرق والغرب، تلك التي أسهَم في صُنعها رهطٌ من المستشرقين الأوائل، ومن ثَمَّ السعي إلى تجسير الفجوة في مشروع صناعة الكراهية بين الشرق والغرب[50].

 

لن يستغنيَ الغربُ عن الشرق، ولن يستغني الشرقُ عن الغرب، وتاليًا ستَزداد الدراسات الاستشراقية، وإنْ بمصطلحات مختلفة، وسيَزداد منتقِدو الاستشراق كثرةً من منطلقات مختلفة، منها العلمي ومنها الفكري، ومنها ذو المنطلَق الديني، ومنها ذو المنطلق القومي، ومنها ذو المنطلَق اليساري، رغم خفوت النظرة اليسارية على المستوى السياسي في معاقلها، وهكذا.

 

الثقة بالاستشراق:

تأتي هذه الكثرة من المنتقدين للاستشراق لما يَعيشه العالم الإسلامي - ومنه العالم العربي - من حال اهتزاز الثقة بنقد الاستشراق؛ من حيث كونُه عاملًا من عوامل الاتِّصال الإيجابي مع الثقافات الأخرى، لا سيَّما الاتِّصال الإيجابي بين الشرق والغرب؛ ذلك أنَّه يندرُ المتخصِّصون في نقد الاستشراق تخصُّصًا مباشرًا، وتندر فيه مراكز الدراسات والبحث العلمي على المستويين العربي والإسلامي، في الوقت الذي تزداد فيه مراكز الدراسات الاستشراقية في الغرب والشرق الأقصى، حيث جاوزت مراكز البحث في الولايات المتَّحدة الأمريكية الألف (1,000) مركز بحثي، منها اثنان ومائةُ (102) مركزِ بحثٍ في العاصمة واشنطن - كما يشير جيمس ألان سميث في كتابه سماسرة الأفكار[51] - وإنْ تسمَّت هذه المراكز وغيرها بأسماء أخرى غير الاستشراق، وإنْ تخلَّت في بعضها عن خدمة التراث العربي الإسلامي بنشره ودراسته وتحقيقه وترجمته، واتَّجهت إلى الاستشراق السياسي ذي الرَّواج هذه الأيام[52].

 

نُدرة المتخصِّصين في نقد الاستشراق من العرب والمسلمين، وندرة وجود مراكزِ نقد الاستشراق والمستشرقين على المستويَين العربي والإسلامي كان لهما أثرُهما في أن يُتولَّى نقدُ الاستشراق من منطلَقات عاطفية، هدفها نبيل، وهو الذَّود عن هذا الدين الحنيف والثقافةِ العربية والإسلامية التي استمدَّت مقوِّماتها من هذا الدين، دون إغفالِ الإفادة من الثقافات الأخرى - السابقة والمعاصرة - لكنَّ هذه العاطفة التي طغَت على هذا الطرح أوقعَت بعض المنتقدين في مزالقَ علمية، من خلال الدخول فيما يسمِّيه (رضوان السيِّد) بإيديولوجيا العداء للاستشراق الذي لا يمثِّل المنهج التخصُّصي في نقد الاستشراق، فكانت صناعة الكراهية ضدَّ الاستشراق، كما كانت - من قبلُ ومن بعدُ - صناعة الكراهية ضدَّ الإسلام.

 

تُستحضر هنا تلك العبارة المناسبة لهذا المقام عن أحد المعنيِّين المباشرين بظاهرة الاستشراق؛ أستاذي في الاستشراق السيِّد محمد الشاهد، حيث يقول: "كثُر الحديث في العقدين الأخيرين من هذا القرن العشرين عمَّا يسمَّى في بلادنا ظاهرة الاستشراق، شارك فيه المتخصِّص وغير المتخصِّص، من يعرف لغات الاستشراق ومن لا يعرفها، فجاء معظم الحديث نُقولًا عن نُقول، أُخذت عن ترجمات فيها الصواب والخطأ، وأصبح ميدان الاستشراق - أو كاد - حِلاًّ لمن أراد التأليف السريع، لا يتطلَّب من طالبه سوى جمع بعض ما سبق، وتوليفه وتزيينه بعناوين جذَّابة، تُرضي ذوق متوسِّطي الثقافة"[53].

 

لو سأل أحدٌ عن المقياس الذي يمكن تبنِّيه في نقد الاستشراق والحكم عليه، لأجابت عنه الآية الكريمة في سورة المائدة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].

 

رغم أنَّ هذا النوع من العدل مع الآخر ليس متوخًّى من الآخر نفسِه، لا سيَّما الآخر الغربي (الأوسط والأقصى بخاصَّةً) تجاه المسلمين دائمًا، ورغم كلِّ المؤشِّرات التي لا تشجع على هذا الموقف العادل، إلا أن مطلب العدل يأتي توجيهًا من مصدر الثقافة الإسلامية الأول، بحيث يكون توخِّي العدل في الحكم على الأشياء نمطًا من أنماط العبادة لله تعالى؛ لأنَّ فيها طاعةً لأوامره تعالى، كما أنَّ توخِّيَ استحضار مفهوم الولاء والبراء فيه طاعةٌ لله تعالى، فلا يُغلَّب مفهوم على حساب آخر.

 

ورغم أنَّ هناك صناعةً للعداء تجاه المسلمين[54]، وأنَّ هناك انسياقًا غربيًّا إلى رسم الإسلام عدوًّا للغرب[55]، فإنَّ ذلك سيؤدِّي - كما يقرِّر المستشرق الألماني فريتس شتيبات (1923 - 2006م) - إلى الإحالة بين الطرفين - لا سيَّما في الغرب - للبحث في الأسباب التي أدَّت إلى ما يسمِّيه المفكِّرون الغربيُّون بالأصولية الإسلامية، وتدبُّر الوسائل التي تساعد على استبعاد هذه الأسباب.

 

وسوف يؤكِّد هذا شعورُ المسلمين بأنَّهم محاطون بقوًى معاديةٍ تتربَّص بالإسلام وتسعى للقضاء عليه، وبذا يدفع الغربيُّون المسلمين دفعًا إلى هذه الأصولية، وسيكون هذا التصوير بالأصولية أشبهَ ما يكون بصبِّ مياه جديدة في طواحين العداء للمسلمين المقيمين في الغرب الأوسط والغرب الأقصى[56]؛ مما قد يؤدِّي ببعض المسلمين في هذين الغربين إلى تجاهُل بعض الأحكام الإسلامية الضرورية، بحيث لا يَظهرون متميِّزين عن الباقين، أو - في الجانب الآخر - قد يؤدِّي إلى قدر من الغلو (التطرُّف) والمبالغة في إظهار التميُّز، ولو بالشكل الظاهر؛ كنوع من التحدِّي لمظاهر تقوم على التفلُّت من القيم والمثُل والمبادئ، وفي كلا الحالين: الخاسرُ المباشر هم المسلمون المقيمون في الغربين.

 

المواجهة هنا تقتضي التفاهُمَ لا التحارُب، والنظرةُ إلى الإسلام والمسلمين على أنهما خطر على العالم كلِّه - لا سيَّما على الغرب الأوسط والأقصى - هي نظرة متطرِّفة، مهما كانت الجهة التي جاءت هذه النظرة منها.

 

يؤكِّد مُحَمَّد جلاء إدريس عدم اللجوء إلى هذا التوجُّه بعبارة هي أكثرُ وضوحًا؛ بقوله: "ينبغي أنْ لا يسيطر التطرُّف على معالجتنا للقضايا المهمَّة في عالمنا، فلا نقع في إفراط أو تفريط، ولا في تهويل أو تهوين؛ نحن بحاجة إلى عقول تربَّت ونمَت على الموضوعية، تدرس الماضي وتفسِّر الحاضر وتخطِّط للمستقبل، ولسنا بحاجة إلى من يُهاجم فكرًا، أو يدافع عن فكر آخر، دون أنْ يكلِّف نفسه عناء التفكير في البدائل الناجعة"[57]، ولذلك فإنَّ عين الرضا أو عين السخط لا تُستحضَران هنا، من قول الإمام الشافعي (150 - 204هـ/ 767 - 820م) رحمة الله عليه:

وعينُ الرضا عن كل عيب كليلةٌ
ولكنَّ عين السُّخْط تُبدي المَسَاويا

تفيئة الاستشراق:

إذا كان لا بُد من التفيئة للاستشراق وتوزيعه إلى استشراقات - بحسب مواقف المستشرقين من الثقافة الإسلامية - إيجابًا أو سلبًا - فإنَّ ما يتبادر إلى الذهن في صناعة الاستشراق للكراهية بين الثقافات هو ذلك الاستشراق اليهودي والمتصهيِن، الذي يمكن أن يُنظر إليه على أنَّه أبرزُ الاستشراقات؛ بتركيزه على الاستشراق السياسي، لا سيما في الاستشراق الجديد، أو المتجدد، أو ما بعد الاستشراق، تلك الاستشراقات التي وقفَت داعمةً لكلِّ ما كان له أثرٌ في صناعة الكراهية.

 

ويتأكَّد ذلك لدى ما أسماه المفكِّرون العربُ بالاستشراق الإسرائيلي؛ ما يوحي بأنَّ هناك استشراقًا يهوديًّا غير متصهين؛ أي إنَّه قريب من الاعتدال، إنْ لم يكن معتدلًا مع الثقافة الإسلامية، وهذا ممكن ووارد، وإنْ كان في النفس شيء من ذلك لدى بعض دارسي الاستشراق من حيث المبدأ؛ إذ لم يُعْنَ جملةُ اليهود على أنْ يتركوا هذا الانطباع عنهم، لا سيَّما أنَّ معاداة الأمم الأخرى غير اليهودية - وعلى رأسها المسلمون - هو جزء من المعتقد اليهودي.

 

لذلك ومع تلمُّس الاعتدال في الاستشراق اليهودي، إلَّا أنَّ هناك توجُّسًا من أيِّ إسهام يهودي استشراقي في مجال الثقافة الإسلامية، لا سيما إذا تبيَّنت هُويَّة المستشرق، الأمر الذي لا يبدو أنَّه ممكن بسهولة، فليس كلُّ المستشرقين اليهود يرغبون في أنْ يصنَّفوا على أنَّهم كذلك؛ رغبةً من هذه الفئة في ألَّا تخضع للتصنيف أو التفيئة[58]، الذي قد يؤثِّر على أدائها الموضوعي في دراستها للتراث العربي الإسلامي.

 

يقول إبراهيم عبدالكريم في كتابه الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل: "إنَّ واقع التماثُل بين المستشرقين اليهود وبين المستشرقين الآخرين لا يُلغي احتمال تزايُد تأثير الدوافع الذاتية بالنسبة لمستشرق يهودي يتعامل مع الشؤون العربية والإسلامية لدى بحثه في هذه الشؤون من موقع التنافُس اليهودي - الإسلامي على كسب المشروعية، أحدهما في مواجهة الآخر"[59].

 

انطلق الاستشراق اليهودي من الرغبة في خدمة اللغة العبرية، وكذا العرقية السامية، ولِما للَّغة العبرية من ارتباط باللغة العربية، وللرغبة في الربط بين الإسلام واليهودية من منطلق أنَّ الإسلام أخذ كثيرًا عن اليهودية، فقد توجَّه رهطٌ منهم إلى التراث العربي الإسلامي "لأسباب دينية، وهي محاولة إضعاف الإسلام والتشكيك في قيمه بإثبات فضل اليهودية على الإسلام؛ بادِّعاء أنَّ اليهودية هي مصدر الإسلام الأوَّل، ولأسباب سياسية تتَّصلُ بخدمة الصِّهيونية: فكرة أولًا، ثم دولة ثانيًا.

 

هذه وجهة نظر ربما لا تجد مرجعًا موضوعيًّا مكتوبًا يؤيدها، غير أن الظروف العامة والظواهر المترادفة في كتابات هؤلاء المستشرقين تُعزِّز وجهة النظر هذه، وتخلع عليها بعض خصائص الاستنتاج العلمي"؛ كما يقول مُحَمَّد البهي[60].

 

ومع هذا يبقى رهطٌ من المستشرقين اليهود داخل فلسطين المحتلَّة وخارجها قد نأَوا بأنفسهم عن الاستشراق السياسي، وطفقوا يدرسون التراث العربي الإسلامي وتحقيق مخطوطاته، وترجمة عديدٍ من كتب التراث والمصنَّفات العربية في الدين والأدب والتاريخ إلى اللغة العبرية، يقودهم في هذا عددٌ من المستشرقين التنويريين (الهسكالاه) الذين يؤمنون بالتصالُح والانفتاح على العرب[61].

 

على هذا فإنه عند الحديث عن الاستشراق السياسي الذي يقوده مفهوم المصالح يبرز في زماننا الراهن الاستشراق المتصهين، سواءٌ أكانت هذه الصهينة بين مستشرقين يهود أم كانت بين مستشرقين متصهينين غير يهود، لكنَّهم تعاطفوا مع الحركة الصِّهيَونية؛ بفعل التأثير السياسي أو التنصيري، لا سيَّما المذهب البروتستانتي بين المسيحيين، الذي يكاد يكون ناصرًا قويًّا لليهودية، بل ربَّما يكون سعى إلى تهويد المسيحية، وسلبِها روحَها، والعودة بمصدرها إلى العهد القديم التوراة، وليس العهد الجديد الإنجيل[62].

 

وفي هذا الشأن تقول هبة رؤوف عزَّت: "إنَّ معرفة الصورة الكاملة والمركَّبة والديناميكية للتيارات الأصولية المتطرِّفة، التي تؤثِّر على السياسة الأمريكية، وتدعم المنظور التوسُّعي والتطرُّف المتسربل بخطاب مسيحي - لا يجب أنْ تصرفنا عن الوعي ومعرفة الخرائط المقابلة للكنائس المسيحية المعتدلة، والتي تدعم السلام وترفض التطرُّف والحرب، وتشارك في أنشطة المجتمع المدني العالمي كافَّة؛ من أجل عالم أفضل، فهم (ليسوا سواء)"[63].

 

وربَّما يكون المذهب البروتستانتي نصيرًا للصهيونية[64]، حتَّى أضحى بعض الوعَّاظ البروتستانت متهوِّدين أكثر من اليهود أنفسهم، وربَّما متصهينين أكثر من الصهيونية نفسها[65]! على أنَّ هذا الحال من المناصرة لا يدوم؛ فهناك من يرى أنَّ تأييد البروتستانت لليهود - لا سيَّما في فلسطين المحتلَّة - في تناقُص؛ ما أدَّى إلى إعراض اليهود عنهم[66]؛ إذ إنَّ هناك بوادرَ تراجُعٍ في هذا التوافُق الفكري بين النحلتين، وشيئًا من الاضمحلال في الالتقاء، فـ"59% من الشعوب الأوربية ترى أنَّ إسرائيل بممارساتها العدوانية تمثِّل خطرًا على الأمن والسلم الدوليين"[67].

 

وبذا التقَت الأهداف والمصالح بين بعض المستشرقين اليهود وبعض المستشرقين البروتستانت[68]، ومع هذا فإنَّه يمكن القول: إنَّه ليس كلُّ المستشرقين متسيِّسين على هذه الشاكلة، وليس كلُّ المستشرقين المتسيسين - من وجه آخر - على هذه الشاكلة[69].

 

يمكن القول أيضًا: إنَّ أثر الاستشراق في صناعة الكراهية يتمركز في الاستشراق الاحتلالي، ثم الاستشراق السياسي، اللَّذَين جاءا تلبيةً لمطامعَ سياسية غربية في الشرق، منذ حقبة الاحتلال إلى اليوم، حيث كان مِن منطق الاستشراق السياسي ما تجسِّده عبارة كريستيان سنوك هورخرونيه (1857 - 1936م): "كلَّما أصبحت الدول الإسلامية تحت نفوذنا اشتدَّت أهمية دراسة حياتها وثقافتها"[70]؛ يقول محسن جاسم الموسوي: "وكان هذا النهج هو الذي اختطَّه رجال الإمبراطورية في بريطانيا؛ حيث عُنِي بلفور مثلًا بالإصلاح السياسي في مصر على أنه بعضٌ من خطَّة بريطانيا إزاء هذه المنطقة من العالم"[71].

 

• يَعني هذا - فيما يَعنيه - ضرورةَ عزل الاستشراق الاحتلالي والسياسي عن الاستشراقات الأخرى، والتعامُل معه بما تَقتضيه مسبِّباتُ وجوده، ودوافعُ اختراعه، وأهدافُ منطلقاته، وهذا يَعني كذلك التوكيدَ على الابتعاد عن التعميم في الحكم على الاستشراق بهذه الصورة التي تَزخر بها كثيرٌ من المراجع العربية التي تصدَّت لنقد الاستشراق، من منطلَقات فكريةٍ أكثرَ من كونها عِلمية موضوعية.

 

يَقصُر النشرُ العربي الفعليُّ والافتراضي الراهن عن نقد الاستشراق السياسي مستقلًّا، في محاولةٍ لعزله عن بقية الاستشراقات، وفيما عدا إسهامات إدوارد سعيد المشهورة في كتابه ذائع الصيت: "الاستشراق"[72]، الذي غطَّى فيه الجانب "الإمبريالي" من الاستشراق، وكرَّره في كتابه الآخر: "الثقافة والإمبيريالية"[73]، والكتاب الثالث: "تغطية الإسلام"[74]، ونظر إليه على أنَّه أسلوب غربي "للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلُّط عليه"[75] - فيما عدا ذلك - لا تكاد تجد عَملًا عِلميًّا مستقلًّا عن الاستشراق السياسي، مع وجود محاولات ضمنيَّة شخَّصَت البعد السياسي للاستشراق، مع أنَّ هذا البُعد واضحٌ في الحركة الاستشراقية وضوحَ الاستشراقات الأخرى[76].

 

ومن الإجحاف في حقِّ مجموعة كبيرة من المستشرقين أنْ يُضمَّنوا في هذه الفئة المتسيِّسة فقط؛ الأمر الذي لم يَسْلَم منه إدوارد سعيد نفسه، وهو يَسعى إلى تلافي التعميم[77]! فقد رأى إدوارد سعيد الاستشراق من خلال "عقلية استعمارية إذا صح التعبير، وليس تخصُّصًا؛ لأن المتخصصين ما صنَعوه أو طوَّروه، بل هم عَمِلوا - واعين أو غير واعين - في خدمة سلطان القوة، واضِعين على وجوههم أقنعة الأكاديمية والمعرفة!"[78].

 

من هذا المنطلق في ضَعف التفريق بين الاستشراقات فئويًّا؛ يمكن أن يَستنتج المتابعُ أن معظم النقد السلبي للاستشراق - إذا كان لا بُدَّ من الترتيب - إنما ينصبُّ على هذه الاستشراقات الثلاثة: الاستشراق الاحتلالي، والاستشراق السياسي، والاستشراق المتصهين، ثمَّ يأتي الاستشراق الديني أو التنصيري في مرتبة رابعة، وهذه الأقسام الأربعة ليست هي الاستشراقَ كلَّه.



[1] انظر: فاضل الربيعي. خطاب النخبة الثقافية العربية وأساطير ما بعد الاستشراق (1) - الجزيرة الثقافية - ع 185 (17/ 1/ 1428هـ - 5/ 2/ 2007م)، ص 8.

[2] انظر: برنارد لويس. الإسلام والدولة - التسامُح - ع 8 (خريف 1424هـ/ 2004م)، ص 186 - 197 - وانظر، أيضًا: برنارد لويس. مسألة الاستشراق، ص 159 - 182 - في: هاشم صالح، معدٌّ ومترجم. الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - ط2. بيروت: دار الساقي، 2000م - ص 261.

[3] انظر: محمد بن حامد الأحمري. ملامح المستقبل - الرياض: مكتبة العبيكان، 1426هـ/ 2005م، ص 253.

[4] انظر: إدوارد سعيد. المثقَّف والسلطة/ ترجمة محمد عناني - القاهرة: دار رؤية، 2006م، ص 199.

[5] انظر في الردِّ على نموذج من الكتابات السياسية مثلًا: زغلول النجَّار. الإسلام والغرب في كتابات الغربيين - ط2 - القاهرة: نهضة مصر، 2003م - ص 283 - حيث يردُّ المؤلِّف على كتاب: شعور بالحصار: السياسة بين الإسلام والغرب على أرض الواقع لمؤلِّفيه جراهام فولَّر النائب السابق لرئيس مجلس الأمن الوطني الأمريكي، وإيان ليسر.

[6] انظر: عبدالكريم غلَّاب. العرض التمهيدي، ص 17 - 37 - في: المغرب في الدراسات الاستشراقية - الرباط: أكاديمية المملكة المغربية، 1995م - ص 229.

[7] انظر: عبدالكريم غلَّاب. العرض التمهيدي، ص 17 - 36 - والنصُّ من ص 24 - في: المغرب في الدراسات الاستشراقية - المرجع السابق - ص 229.

[8] انظر: رضوان السيِّد. المستشرقون الألمان: النشوء والتأثير والمصائر - بيروت: دار المدار الإسلامي، 2007. ص 35 - 36.

[9] انظر: إسماعيل أحمد عمايرة. المستشرقون والمناهج اللغوية: المنهج التاريخي، المنهج المقارن، المنهج الوصفي، المنهج الإحصائي - ط 2 - عمَّان: دار حنين، 1992م، ص 13.

[10] انظر: إسماعيل أحمد عمايرة. المستشرقون والمناهج اللغوية - المرجع السابق، ص 14.

[11] انظر: محمود حمدي زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري - الدوحة (قطر): رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية، 1404هـ/ 1984م، ص 116 و125.

[12] انظر: كوامن الرغبة في تأنيث الشرق، ص 213 - 214 - في: مُحَمَّد الدعمي. الاستشراق: الاستجابة الثقافية الغربية للتاريخ العربي الإسلامي - مرجع سابق - ص 246.

[13] انظر: أحمد رمزي. تعليق، ص 200 - 203 - في: المغرب في الدراسات الاستشراقية - الرباط: أكاديمية المملكة المغربية، 1995م - ص 229.

[14] انظر: تييري هنتش. الشرق المتخيَّل: رؤية الغرب إلى الشرق المتوسِّطي/ ترجمة غازي برُّو وخليل أحمد خليل - بيروت: دار الفارابي، 2004م، ص 17.

[15] انظر: سمير قصير. تعليق/ ترجمة محمد صبح، ص 107 - 113. والنصُّ من ص 111 - في: يوسف كرباج ومنفرد كروب، مشرفان. تأمُّلات في الشرق: تقاليد الاستشراق الفرنسي والألماني وحاضره/ ترجمة عدنان حسن ومُحَمَّد صبح - بيروت: قدمس، 2006م - ص 140.

[16] انظر: مصطفى النيفر. الأمير في دولة القراصنة: رحلة الأمير لودفيغ هيرمان فون بوكلير - موسكا إلى تونس (1835) - الاجتهاد - ع 50/ 51 (ربيع وصيف عام 2001/ 1422هـ)، ص 65 - 116 - والنصُّ من ص 66 - 67.

[17] انظر: إدوارد سعيد. الاستشراق - مرجع سابق، ص 19.

[18] انظر: كوامن الرغبة في تأنيث الشرق، ص 85 - 108 - في: مُحَمَّد الدعمي. الاستشراق: الاستجابة الثقافية الغربية للتاريخ العربي الإسلامي - مرجع سابق - ص 246.

[19] انظر: خلف الجراد. أبعاد الاستهداف الأمريكي - دمشق: دار الفكر، 1424هـ/ 2004م - ص 248 - ويفرد خلف الجراد الفصل الثاني من كتابه هذا عن «الاستشراق وصناعة الكراهية»، ص 67 - 114.

[20] انظر: فاضل الربيعي. ما بعد الاستشراق: الغزو الأمريكي للعراق وعودة الكولونياليات البيضاء - مرجع سابق، ص 15 - 17.

[21] انظر: ضياء الدين سردار وميريل وين ديفيز. لماذا يكره العالم أمريكا؟ - مرجع سابق، ص 114.

[22] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة. كُنه الاستشراق - مرجع سابق، ص 19 - 98 - (الهدف السياسي).

[23] انظر: أوليفييه روا. أوهام 11 أيلول: المناظرة الإستراتيجية في مواجهة الإرهاب - بيروت: دار الفارابي، 2003م، ص 99.

[24] انظر: ساسي سالم الحاج. نقد الخطاب الاستشراقي - مرجع سابق - 1: 56 - 101.

[25] انظر: أوليفييه روا. أوهام 11 أيلول: المناظرة الإستراتيجية في مواجهة الإرهاب - المرجع السابق، ص 100 - 103.

[26] انظر: خلف الجراد. أبعاد الاستهداف الأمريكي - مرجع سابق، ص 131.

[27] انظر: إبراهيم محمد جواد. الصراع بين الغرب والإسلام: من يفجِّره؟ ولماذا؟ - مرجع سابق، ص 68.

[28] انظر: محسن جاسم الموسوي. الاستشراق السياسي: فرضيَّته واستنتاجاته - الاستشراق - بغداد: دار الشؤون الثقافية العامَّة، 1989م، ص 4 - 13 - (سلسلة كتب الثقافة المقارنة؛ 3).

[29] انظر: خالد محمد فرح الفحل. قضايا العالم الإسلامي من منظور المنهج الاستشراقي والبحثي الفرنسي - الخرطوم: مركز دراسات الإسلام والعالم المعاصر، 2008م، ص 27 - 29.

[30] انظر: خالد محمد فرح الفحل. قضايا العالم الإسلامي من منظور المنهج الاستشراقي والبحثي الفرنسي - المرجع السابق، ص 28.

[31] في مفهوم القابلية للاحتلال انظر كتابات مالك بن نِبّي، لا سيَّما إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي، وشروط النهضة. وانظر ايضًا: إبراهيم رضا. مالك بن نبي وفلسفة الحضارة الإسلامية الحديثة - ثقافتنا - مج 1 ع 2 (شتاء 1425هـ/ 2004م)، ص 185 - 196 - وانظر، كذلك: حازم علي ماهر. مالك بن نبي - المسلم المعاصر - مج 30 ع 118 (رجب، شعبان، رمضان 1426هـ - أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 2005م)، ص 163 - 189.

[32] انظر: أوهام النخبة: إخفاق الليبراليات الجديدة، ص 135 - 187 - في: فاضل الربيعي. ما بعد الاستشراق: الغزو الأمريكي للعراق وعودة الكولونياليات البيضاء - مرجع سابق - ص 304.

[33] سبقت محاولة التعريف بمفهوم الاستحواذ عند أوَّل ذكر له.

[34] انظر: علي بن إبراهيم النملة. إشكالية المصطلح في الفكر العربي: الاضطراب في النقل المعاصر للمفهومات - بيروت: مكتبة بيسان، 1431هـ/ 2010م - ص 248.

[35] انظر: بروز العلمانيين المسلمين، ص 179 - 211 - في: هشام شرابي. المثقَّفون العرب والغرب: عصر النهضة 1875 - 1914 - ط 5. بيروت: المؤلِّف، 1999م، ص 276.

[36] انظر: بذور للعلمانية في الإسلام، ص 19 - 38 - في: جورج طرابيشي. هرطقات عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية - بيروت: دار الساقي، 2006م - ص 229.

[37] انظر في مناقشة مفهوم الولاء والبراء من منطلق علمي/ شرعي: مُحَمَّد بن سعيد بن سالم القحطاني. الولاء والبراء في الإسلام من مفاهيم عقيدة السلف - الرياض: دار طيبة، 1405هـ/ 1985م - ص 476.

[38] انظر: السيد مُحَمَّد الشاهد. الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين - الاجتهاد - ع 22 (شتاء عام 1414هـ/ 1994م)، ص 191 - 211.

[39] انظر: أحمد رمزي. تعليق، ص 200 - 203 - في: المغرب في الدراسات الاستشراقية - مرجع سابق - ص 229.

[40] انظر: يوهان فوك. تاريخ حركة الاستشراق: الدراسات العربية والإسلامية في أوربا حتى نهاية القرن العشرين - مرجع سابق، ص 10 - (المقدمة).

[41] انظر: عبدالنبي أصطيف. نحو استشراق جديد - الاجتهاد - ع 50/ 51 (ربيع وصيف عام 2001/ 1422هـ)، ص 35 - 63 - والنصُّ من ص 62.

[42] انظر: غريس هالسل. يد الله: لماذا تضحِّي الولايات المتَّحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟/ ترجمة مُحَمَّد السمَّاك - ط 2 - القاهرة: دار الشروق، 1423هـ/ 2002م، ص 13 - 33.

[43] انظر: علي بن إبراهيم النملة. مراجعات في نقد الاستشراق: الاستشراق والإسلام - مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: العلوم الإنسانية والاجتماعية - ع 3 (ربيع الآخر 1428هـ)، ص 13 - 44.

[44] انظر: سمير عطا الله. الشرق الأوسط - (28/ 1/ 1428هـ - 9/ 1/ 2007م)، ص الأخيرة.

[45] انظر: فرانسوا دي بلوا. في نقد المستشرقين - الفكر العربي - مرجع سابق، ص 148.

[46] انظر: فرانسوا دي بلوا. في نقد المستشرقين - الفكر العربي - المرجع السابق، ص 147.

[47] انظر: علي بن إبراهيم النملة. الاستشراق بين منحيين: النقد الجذري أو الإدانة - مرجع سابق - ص 61.

[48] انظر: فاضل الربيعي. ما بعد الاستشراق: الغزو الأمريكي للعراق وعودة الكولونياليات البيضاء - مرجع سابق، ص 9 - 10.

[49] انظر: فاضل الربيعي. ما بعد الاستشراق: الغزو الأمريكي للعراق وعودة الكولونياليات البيضاء - المرجع السابق، ص 9 - 10.

[50] انظر: صلاح عبدالرزَّاق. المفكِّرون الغربيون المسلمون: دوافع اعتناقهم الإسلام - مرجع سابق - 2: 272.

[51] انظر: جيمس ألان سميث. سماسرة الأفكار/ ترجمة مجدي عبدالكريم - القاهرة: مكتبة مدبولي 1994م - نقلًا عن: عبدالله يوسف سهر محمد مؤسَّسات الاستشراق والسياسة الغربية تُجاه العرب والمسلمين - أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2001م، ص 40 - (سلسلة دراسات إستراتيجية؛ 57).

[52] انظر: مُحَمَّد فتح الله الزيادي. قراءات في مناشير استشراقية: دراسة في الاستشراق السياسي - مستقبل العالم الإسلامي - ع 4 (1991م)، ص 201 - 224 - وانظر أيضًا: مصطفى عبدالغني. المستشرقون الجدد: دراسة في مراكز الأبحاث الغربية - القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، 2007م - ص 147.

[53] انظر: السيد مُحَمَّد الشاهد. الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين - الاجتهاد - ع 22 (شتاء عام 1414هـ/ 1994م)، ص 191 - 211.

[54] انظر: رجب البنَّا. صناعة العداء للإسلام - القاهرة: دار المعارف، 2003م - ص 464.

[55] انظر: الإسلام، العدوُّ الجديد الذي ينبغي القضاء عليه، ص 165 - 178 - في: مختار بن بركة. اليمين المسيحي الأمريكي: تاريخ ومسيرة/ ترجمة وتقديم أحمد الشيخ - ط 2 - القاهرة: المركز العربي الإسلامي للدراسات الغربية، 1431هـ/ 2010م - ص 288.

[56] انظر: عشر قضايا عن الأصولية الإسلامية، ص 79 - 83 - في: فرتس شتيبات. الإسلام شريكًا: دراسات عن الإسلام والمسلمين/ ترجمة عبدالغفَّار مكاوي - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1425هـ/ 2004م - ص 206 - (سلسلة عالم المعرفة؛ 302).

[57] انظر: مُحمد جلاء إدريس. العلاقات الحضارية - دمشق: دار القلم، 1424هـ/ 2003م، ص 121.

[58] انظر: علي بن إبراهيم النملة. كُنه الاستشراق - مرجع سابق، ص 163 - 195 - (الاستشراق في خدمة اليهود واليهودية).

[59] انظر: إبراهيم عبدالكريم. الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل - عمَّان: دار الجليل، 1993م، ص 39.

[60] انظر: المبشِّرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام، ص 415 - 503 - والنصُّ من ص 431 - في: محمد البهي. الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي - ط 11 - القاهرة: دار غريب، 1405هـ/ 1985م - ص 512.

[61] انظر: محمد رضوان. القدس الشريف في الاستشراق اليهودي - مرجع سابق، ص 89.

[62] انظر: ريجينا الشريف. الصهيونية غير اليهودية: جذورها في التاريخ الغربي/ ترجمة أحمد عبدالله عبدالعزيز - الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1985م - (سلسلة عالم المعرفة؛ 96).

[63] انظر: كيمبرلي بلاكر، محرِّرة. أصول التطرُّف: اليمين المسيحي في أمريكا/ ترجمة هبة رءوف وتامر عبدالوهَّاب - القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، 2006م، ص 12.

[64] انظر: محمد السماك. الصهيونية المسيحية - ط3. بيروت: دار النفائس، 1993م.

[65] انظر: محمود حمدي زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري - مرجع سابق، ص 49.

[66] انظر: والتر راسل ميد. بلاد الله: تأثير الإنجيليين الجدد في السياسة الخارجية الأمريكية - التسامُح - ع 15 (صيف 1427هـ/ 2006م)، ص 351 - 360.

[67] انظر: سعيد اللاوندي. الإسلاموفوبيا: لماذا يخاف الغرب من الإسلام؟ - القاهرة: نهضة مصر، 2006م، ص 7.

[68] انظر: إبراهيم عبدالكريم. الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل - مرجع سابق، ص 39.

[69] في التعرُّف على الأبعاد الصهيونية التي سيطرت على فئة من المستشرقين، وللنظرة العرقية اليهودية، انظر مؤلَّفات عبدالوهَّاب المسيري في اليهودية، ومنها: في الخطاب والمصطلح الصهيوني: دراسة نظرية وتطبيقية - القاهرة: دار الشروق، 1424هـ/ 2003م - ص 283.

[70] انظر: محسن جاسم الموسوي. الاستشراق السياسي: فرضياته واستنتاجاته - الاستشراق - مرجع سابق، ص 5.

[71] انظر: محسن جاسم الموسوي. الاستشراق السياسي: فرضياته واستنتاجاته - الاستشراق - المرجع السابق، ص 5.

[72] انظر: إدوارد سعيد. الاستشراق - مرجع سابق - ص 650.

[73] انظر: إدوارد سعيد. الثقافة والإمبريالية/ نقله إلى العربية وقدَّم له كمال أبو ديب - بيروت: دار الآداب، 1997م - 411 ص + الهوامش.

[74] انظر: إدوارد سعيد. تغطية الإسلام/ ترجمة وتقديم مُحَمَّد عناني - القاهرة: دار رؤية، 2005م - ص 352.

[75] انظر: إدوارد سعيد. الاستشراق - مرجع سابق، ص 46 و58.

[76] انظر: مصطفى نصر المسلاتي. الاستشراق السياسي في النصف الأول من القرن العشرين - طرابلس (ليبيا): دار اقرأ، 1986م - ص 288 - وانظر أيضًا: مُحمد فتح الله الزيادي. قراءات في مناشير استشراقية: دراسة في الاستشراق السياسي - مستقبل العالم الإسلامي - مرجع سابق، ص 201 - 224.

[77] انظر: نسيب الحسيني. الغرب المتخيَّل: رؤية الآخر في الوجدان السياسي العربي/ ترجمة غازي برُّو - بيروت: دار الفارابي، 2004، ص 270 - 285.

[78] انظر: رضوان السيِّد. خمسة وعشرون عامًا على كتاب «الاستشراق»: استشراق إدوارد سعيد وعلاقات الشرق بالغرب، دراسة في النصِّ والوعي الواقع، ص 61 - 72 - والنص من ص 62 - في: يوسف كرباج ومنفرد كروب، مشرفان. تأملات في الشرق: تقاليد الاستشراق الفرنسي والألماني وحاضره - مرجع سابق - ص 140.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • البحوث
  • المقالات
  • الكتب
  • المرئيات
  • في مرآة الصحافة
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة