• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويسأ. د. عبدالحليم عويس شعار موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس
شبكة الألوكة / موقع أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات


علامة باركود

وقفة مع كتاب

وقفة مع كتاب
أ. د. عبدالحليم عويس


تاريخ الإضافة: 14/5/2017 ميلادي - 17/8/1438 هجري

الزيارات: 11306

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفة مع كتاب

الحضارة الإسلامية.. إبداع الماضي وآفاق المستقبل


لا تنشأ الحضارات من فراغ، وإنما تستمد وجودها من وحي سماوي احتفظ بنقائه، أو من وحي سماوي لم يحتفظ بنقائه وأصابه التحريف.

فالعقيدة - صحيحة كانت أو باطلة - يمكن أن تصنع حضارة أو مدنية تصمد لعدَّة قرون؛ إن وجدت رجالاً يحملونها، ويجاهدون في سبيلها.. وهذا هو المنبع الأول.

أما المنبع الثاني الذي تستقي منه الحضارة وجودها: فهو التراث الحضاري الإنساني السابق؛ سواء كان من داخل محيطها أم من خارجه.

 

ويبقى التحدي الذي تواجهه الحضارة - لكي تحتفظ بحيويتها وازدهارها وتقدمها وتأثرها الإنساني الإيجابي - مرتبطًا بجهادها في سبيل تنقية مصدريها (السماوي والإنساني) من شوائب التحريف، ومن أسباب عدم التلاؤم والتناغم في طبيعتها ورسالتها.

وتعد الحضارة الإسلامية، التي ظلت أرقي حضارة إنسانية مدة تزيد على عشرة قرون، كما ذكر "ول. ديورانت" "Will Durant" في كتابه "قصة الحضارة"، وكما ذكر "غوستاف لوبون" "Gustav Lebon" صاحب كتاب "حضارة العرب".

تعدَّ هذه الحضارة الإسلامية - بكل المقاييس - حضارة متميزة ومتفردة في الجانبين؛ فهي قد امتصت رحيق الحضارات السابقة، يونانية، ورومانية وفارسية، وهي في الوقت نفسه قامت على وحي صحيح لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه "القرآن الكريم، والسنة الصحيحة"، وانطلقت منهما إلى استيعاب خلاصة العبقرية والعلوم الإنسانية، ومن ثم الانتقال - بعد هضم هذه العلوم - إلى الإبداع الذي امتد إلى كل مجالات العلوم الإنسانية والأدبية والشرعية والتطبيقية.

 

وقد خدمت هذه الحضارة - بهذا المنهج - الإنسانية في رحلة تطورها من جانبين:

الجانب الأول: أنها قدمت لها خلاصة الحضارات القديمة بأسلوب ملائم للعصر، مقرون بالشرح والتوضيح، ومقرون كذلك بالنقد والتجريح عندما يقتضي الأمر ذلك، فوجدت أوربا بين يديها علومًا ومعارف كانت قد عجزت عن استيعابها، وكادت الخيوط تنقطع معها؛ حتى ولو كانت محفوظة في الكتب.

 

الجانب الثاني: أنها لم تقف عند هذه المرحلة، بل قامت أيضًا بعملين عظميين غيَّرا مجرى الحضارة الإنسانية:

أ- أنها وصلت معرفيًا وكيفيًا وليس تراكميًا فقط ما كاد يذهب وينقطع التواصل معه؛ وذلك عندما قامت بحركة إبداع شملت كل المعارف والعلوم، وجمعت بين التطورين الكمي والكيفي، وقدمت نظريات ومدارس فكرية وعملية، ومؤلفات تتلمذت عليها أوربا وغيرها لعدة قرون.

 

ب- وإلى جانب ذلك، فقد حاربت بعلمها - القائم على تمثل الوحي الصحيح من جانب، وهضم التراث البشري من جانب آخر- الأفكار اللاهوتية السلبية؛ التي رفضت إبداع العقل، بل وحاربته، وجعلته هرطقة وزندقة، وجهدًا مضادًا للوحي؛ فجاءت الحضارة الإسلامية بمنهجها الذي يجعل عمل العقل الرشيد في كل ميادين الأنفس والآفاق جزءًا من الدين وعبادة الله، ويحارب في الوقت نفسه تلك الأكاذيب الشائعة حول وجود تناقض أصيل بين الدين والعلم، والوحي والعقل، مثبتًا - أي هذا المنهج - أن التناقص بين الوحي والعقل لا يقع إلا عندما يكون ثمَّة خطأ في المنقول أو في أساليب عمل العقل.

 

ففي المساجد الكبرى وفي الحواضر الإسلامية كانت علوم الفيزياء والكيمياء والطب والفلك تدرس جنبًا إلى جنب مع علوم الشريعة واللغة العربية، بل كان أمرًا جديدًا على المستوى الإنساني أن يكون عدد كبير من علماء الشريعة، علماء في الوقت نفسه في علوم الجغرافيا والطبّ والفيزياء؛ دون شعور بأن هناك نوعًا من التفوق لعلم على علم، فكل العلوم الصحيحة تخدم الدين والدنيا معًا؛ إذا كانت وسائلها شريفة وأهدافها نافعة كريمة.

 

وكان من ثمرة هذا التطور الذي تعرَّف عليه الأوربيون، بل وتعلموه من مسلمي الأندلس "أسبانيا" كما تعرفوا عليه في صقلية، وفي حركة التجارة والدبلوماسية المتبادلة، وفي فترة الالتحام خلال الحروب الصليبية.

 

كان من ثمرة هذا التطور الذي تفاعل معه الأوربيون: أنْ بدأت بواكير نهضة علمية عالمية غير مكبلة بقيود اللاهوت الرافضة للعقل والعلم، المؤمنة بالعلم والرافضة لأي إيمان لا يتناغم معه.

وسارت أوربا في الطريق إلى نهايته - الرائعة المأساوية - التي نعيشها اليوم!!

 

أجل: إن النهضة الأوربية والإنسانية التي نعيشها اليوم نهضة رائعة علميًّا، لكنها - أيضًا - نهضة مأساوية؛ لأنها بتأثير قرون الصراع الكنسيّ معها، وما نجم عنه من إحراقٍ للعلماء ومصادرة للعقل.. قد انفصلت عن طريق الوحي الصحيح، ومشت في طريق العلم المادي "النفعي" وحده، ولم تمزج - كما مزجت الحضارة الإسلامية - بين علوم الشريعة وعلوم الأنفس والآفاق، ولم تتصور أن وظيفة العلم توجب أن يكون هذا العلم خيرًا للإنسانية، وليس طريقة حروب عالمية وأسلحة نووية وأَثَرَةٍ عنصرية؛ بعيدة عن الشعور بالمسئولية الإنسانية العامة.

 

لقد قدمت الحضارة الأوربية - وريثة الحضارة الإسلامية التي تخلَّف أصحابها - إبداعات في العلوم التطبيقية والعملية، والنظم المعاشية: السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية؛ لا يمكن إنكار أهميتها وإيجابياتها.

 

وكان جديرًا بها لو حذَت حذو الحضارة الإسلامية في تكامل "المنظومة المعرفية"، وفي توظيفها؛ لتحقيق سعادة الإنسان - كل إنسان - في الدنيا والآخرة - أن تجعل الكرة الأرضية حديقةً جميلة يعيش الناس جميعًا سعداء تحت ظلالها، مع اختلافهم في العقائد والمناهج واللغات، شريطة أن تقوم علاقتهم على منهجية الحوار بحثًا عن "الحق"؛ لا على أساس "القوة"... وإلغاء ميزان العدل والحق...!

 

وانطلاقًا من هذا الوعي بالطبيعة الحضارية الجديرة بالإنسان، والتي قدمت نموذجها الحضارة الإسلامية، في نطاق الطاقة البشرية وظروف التطور الإنساني، كنَّا حريصين في هذا الكتاب أن نقدم الحضارة الإسلامية منذ ميلادها، وبزوغ فجرها في مدينة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وصحابته في عصره، وفي عصر الراشدين، ثم في العصر الأموي، وحتى سقوط خلافة العثمانيين سنة 1924م.

 

ومع هذه الرحلة كنا نرصد حركة العلم المواكبة لها، والمؤازرة لنشر الإسلام "الدين القائم على الإيمان والعلم معًا".. فتتبعنا مصادر الإسلام؛ معرفين "بالقرآن الكريم"، "السنة الصحيحة"، وعمل العقل المسلم "الاجتهاد"... "والتراث الإنساني" الذي وجده المسلمون في البلاد التي دخلوها، وكيف أنهم استبقوا الصالح من النظم الإدارية والمالية، وأفادوا منها، كما أنهم قاموا بحركة ترجمة غربلوا من خلالها التراث القديم، وأحسنوا عرضه تلخيصًا ونشرا وتحصيلاً ونقداً.

 

ولئن كان المسلمون قد حافظوا على أصالتهم، وانطلاقهم من مصادرهم العقدية والتشريعية وحدها في ميادين النظم السياسية والاجتماعية والتشريعية والاقتصادية، وفي مجالات الأدب وعلوم اللغة والفلسفة، فإنهم - في الوقت نفسه - قد انطلقوا من معاييرها وموازينها الثابتة؛ لغربلة التطبيقات الإنسانية الأخرى؛ فقبلوا ما تقبله معاييرهم ورفضوا مالا يتفق معها.

 

لكنهم في العلوم الكونية والتطبيقية نهلوا من علوم الطب والهندسة والحساب والجبر والفلك والجغرافية والصيدلة والزراعة وغيرها، كل ما يمكن أن يتعلموه، وأحاطوا ذلك كله بسياج من أخلاقيات دينهم وغاياته.. وخدموا كل هذه العلوم خدمات أدت إلى تحولات حضارية إنسانية؛ لا يدرك حقيقتها إلا فلاسفة العلوم والحضارة المنْصِفُون.

 

ولئن كانت أوربا ممثلةً في كثير من علمائها وقادتها لا يعترفون بفضل الحضارة الإسلامية العربية، فإن المؤرخ والفيلسوف الكبير "غوستاف لوبون" "Gustav Lebon" يكشف حقيقة هذا الظلم، وما يقف وراءه من عقد أوربية نفسية وأخلاقية؛ فيقول: "كان من نتائج اصطراع الشرق والغرب منذ قرون مضت، وإلقاء العرب الرعب في قلوب الأوربيين، أن صار الأوربيون يشعرون بمذلة الخضوع للحضارة العربية الإسلامية التي لم يتحرروا من سلطانها إلا منذ زمن قريب، فأخذوا ينكرون فضل العرب عليهم، ولم يقروا لغير اليونان والرومان بتمدينهم، وقد ساعدهم على هذا ما عليه العرب والمسلمون من التأخر في الزمن الأخير، فلم يشاءوا أن يروا للعرب رقيا تاريخيًا أعظم مما هم عليه الآن؛ غير ناظرين إلى أن نجم حضارة العرب أفل منذ أجيال، وأنه لا يصح اتخاذ الحال دليلاً على الماضي".

 

وفي إنصافه للحضارة الإسلامية في مجال دفاعه عنها، يقول لوبون: "إن العرب هم الذين فتحوا لأوربة ما كانت تجهله من عالم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية، فكانوا ممدَّنين لنا وأئمة لنا ستة قرون، وظلت ترجمات كتب العرب، لاسيما الكتب العلمية مصدرًا وحيدًا تقريبًا؛ للتدريس في جامعات أوربة خمسة قرون أو ستة.. وإذا كانت هناك أمة يجب أن نُقرَّ بأننا مدينون لها بمعرفتنا لعالم الزمن القديم؛ فالعرب هم تلك الأمة.. فعلى العالم أن يعترف للعرب بجميل صنعهم في إنقاذ تلك الكنوز الثمينة اعترافًا أبديًّا".

 

ويقول: "يرى بعض المؤلفين أن "لافوازيه" واضع الكيمياء، وقد نسوا أننا لا عهد لنا بعلم من العلوم، ومنها علم الكيمياء، وأنه وجد عند العرب من المختبرات ما وصلوا به إلى اكتشافات لم يكن لافوازيه ليستطيع أن ينتهي إلى اكتشافاته بغيرها..

 

وإذا كانت الحضارة العامة سلسلة حلقات، وكانت حضارة العرب من أهم تلك الحلقات؛ كان من المتعذَّر ظهور نيوتن وليبنتز وغيرهما من أركان حلقة الحضارة الحديثة بدونها؛ والفضل للمتقدم".

 

ويضيف لوبون إضافة رائعة يكشف بها الطبيعة الإنسانية السمحة الكريمة للحضارة الإسلامية، فيقول: "كان عرب الأندلس يتَّصفون بالفروسية المثالية مع تسامحهم العظيم؛ فكانوا يرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين، ويقفون عند شروطهم، وما إلى هذا من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربة منهم مؤخرا....، وأثَّر عرب الأندلس في أخلاق الناس؛ فهم الذين علموا الشعوب النصرانية "وإن شئت فقل: حاولوا أن يعلموها" التسامح الذي هو أثمن ما تصبو إليه الإنسانية.. ويمكن القول بأن التسامح الديني كان مطلقًا في طور ازدهار العرب، ومثل هذا التسامح مما لم تصل إليه أوربة بعدما قامت به؛ في أكثر من ألف سنة من الحروب الطاحنة وما عانته من الأحقاد المتأصلة، وما منيت به من المذابح الدامية[1]".

 

ونحن - في هذه المقدمة - نكتفي بهذه الشهادات من عالم أوربي مُجمع على عمقه وموضوعيته وموسوعيته..

ولم تَعْدم الحضارة الإسلامية كثيرًا من أمثال هذه الشهادات المنصفة من كوكبة من أفضل علماء أوربا ومؤرخي الحضارات والعلوم.

 

ونحن لا نريد أن يفهم بعضهم أننا ندافع بهذا الماضي عن انحطاط المسلمين في العصر الحاضر… بتأثير عوامل التخلف التي سيطرت في القرون الثلاثة الأخيرة، وبتأثير خيانة بعض شرائح الأمة لها في قرون ضعفها وانبهارهم بالأقوياء، وذوبانهم في قيمهم ونظمهم؛ فضلاً عن المخططات الخارجية التي تفرض - بقوة السياسة الموجهة - التخلف على الأمة، وترفض إعطاء البحث العلمي والعلماء فرصة الابتكار، وتشيع جوًا خانقًا لأصحاب الأفكار والرأي.

 

كلا، فنحن لا ندافع أبدًا عن انحطاط المسلمين المعاصر، مهما تكن الأسباب داخلية أو خارجية، فما نجحت هذه العوامل إلا لأن الأمة الإسلامية والعربية - كما هو مشاهد - لديها القابلية للذل والاستعباد والاستعمار، لكننا مع ذلك نؤمن بأن ذلك لن يدوم؛ فسنة الله تقوم على التداول، وعلى تمكين الأمة التي تتغير من داخلها ويعزم أفرادها على الأخذ بسنة الله في الابتعاث والتقدم؛ منطلقين من ثوابتهم وتراثهم، مستفيدين من إيجابيات الحضارات الإنسانية القديمة والحديثة في كل المجالات النافعة.



[1] يراجع كتاب "حضارة العرب" لغوستاف لوبون، الصفحات الأولى، طبعة عيسى الحلبي، القاهرة وطبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ ففيه نصوص كثيرة منصفة للحضارة الإسلامية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • حوارات خاصة
  • تفسير القرآن ...
  • قالوا عنه
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة