• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويسأ. د. عبدالحليم عويس شعار موقع  الأستاذ الدكتور عبدالحليم عويس
شبكة الألوكة / موقع أ. د. عبدالحليم عويس / مقالات


علامة باركود

الحوار الحضاري في الحروب الصليبية

الحوار الحضاري في الحروب الصليبية
أ. د. عبدالحليم عويس


تاريخ الإضافة: 8/3/2021 ميلادي - 24/7/1442 هجري

الزيارات: 8937

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الحوار الحضاري في الحروب الصليبية

 

لم تكن الحروب الصليبية - كما هو المتوقَّع - حربًا كلُّها، على امتداد كلِّ الأيام أو الشهور؛ بل كانت تتخللها فتراتُ سِلمٍ كثيرة، تُمليها ضرورة الحياة والطبيعة الإنسانية لحرب استمرَّت قرنين ونصف قرن من الزمان.

 

وفي ضوء هذا، لا يبدو من المستغرب أن تزدهر العلاقاتُ التجارية والثقافية بين الصليبيين الذين احتلُّوا الرُّها، وأنطاكية، وطرابلس، وبيت المقدس، واستوطَنوها، وبين المسلمين، في هذه الأيام الصليبية التي يتقاتل الناس فيها حينًا، ويتبادلون التجارة والثقافة حينًا آخر؛ في عملية حوارية من أطرَفِ العلاقات الجدَلية في التاريخ.

 

وإذا كان (التتار)، الذين دمَّروا بغداد، وقضَوا على الخلافة العباسية في العراق، قد خرجوا - وهم المنتصرون - مسلِمِين، بعد أن عمدوا - بفِطرة غير مركبة - إلى التعرف الموضوعي على الإسلام؛ فإن الأوربيين الذين يحملون تراثًا مركبًا، وفِطرة دنيوية مصلحية بحتة (براجماتزم)، قد خرجوا - وهم المنتصرون أولًا، والمنهزمون أخيرًا - بإدراك حقيقة الإسلام، مع اتخاذ قرارهم بعدم الاقتراب الموضوعي منه، والعمد إلى تشويهه، والاكتفاء بنقل علومه وثقافته العامة، ونظمه، ونواحي تقدُّمه؛ وذلك خشية على أوربا من الإسلام.

 

وزادوا الطينَ بِلَّةً، فكوَّنوا كتائبَ من المستشرقين ثم المستغربين للحفاظ على هذا التشويه؛ ولذلك فقد ظلَّ الجهل والتحيز قرونًا يُحيطانِ بمعرفة بيزنطة والغرب بالإسلام وبالعالم الإسلامي؛ فالبيزنطيون الذين تَصارَعوا مع المسلمين لثلاثة قرون كان لديهم أدبُهم الشعبي الذي يصوِّر المسلمين يعبدون ثلاثين إلهًا أكبرهم (مهومد)، كما يذكر ذلك (ريتشارد سوذرن)؛ مستغربًا فظاعةَ الأساطير المنتشرة عن الإسلام في الغرب خلال القرن التاسع إلى الثاني عشر، وعلى الرغم من التعايش عن قُربٍ مع المسلمين لعدة قرون في إسبانيا، والحروب الصليبية، مما يفترض معرفةً أفضل، فإن واقع الحال يذهب باتجاه مغاير [1].

 

ومن أدلة (الجهل المطبق) الذي كان عليه الصليبيون قبل أن يتعرفوا على المسلمين في الحروب الصليبية: ما هو معروف من الطبيعة الغوغائية لسلوكيات الحملات الصليبية الأولى، ليس ضد المسلمين وحدَهم، بل ضد البيزنطيين أيضًا، ويضاف إلى ذلك أنهم عندما احتلُّوا مدينة (طرابلس - الشام) - التي أصبحت إحدى مستعمراتهم - لم يتردَّدوا في إتلاف مكتبتها العامرة بمائة ألف كتاب، ومع هذا فالزمن وما يحمله من احتكاكٍ مباشر، وغير مباشر، والرغبة في معرفة العدوِّ - كلُّ هذه الأمور ستدفع الصليبيين باتجاه التعرف أكثرَ على معالم المسلمين، والاقتباس من المظاهر المختلفة للحضارة العربية الإسلامية، التي ستفرض نفسها كحضارة أرقى على رجال الغرب [2].

 

♦    ♦ ♦

 

وعندما يتقدَّم الزمن تنداح - بالاحتكاك الحضاري - غشاواتُ الجهل تدريجيًّا؛ ولهذا فليس من المستغرب أن تزدهر التجارة الداخلية في عصر الحروب الصليبية؛ لحرص كلٍّ من المسلمين والصليبين على المواد التي توفِّرها لهم عائدات التجارة.

 

وسوف يندهش الرحالة (ابن جُبير) في رحلته الشامية (1183م) لرؤيته القوافلَ تذهب وتجيء بيُسرٍ بين مصر ودمشق عبر بلاد الفرنج، وأن للنصارى على المسلمين ضريبةً يؤدونها في بلادهم، وتجار النصارى أيضًا يؤدون في بلاد المسلمين على سلعهم، وأهل الحرب مشتغلون بحربهم!

 

وكذلك على المحور الآخر؛ كانت في المدن الصليبية علاقاتٌ طيبة بين التجار المسلمين والمسيحيين، ونقل التجار الطليان - عبر المدن الصليبية - تجارةَ الشرق الأقصى.

 

بل إن المصالح الاقتصادية وعمليات التبادل التجاري نجحت في أن تُنافِسَ في حيويتها وأهميتها النواحيَ العسكرية، ومثال ذلك أن الجانب الإيطالي عرَفَ كيف يُطوِّع تشدُّدَه الديني لمصالحه الاقتصادية؛ ففي نهاية القرن الثاني عشر قدَّمَت البندقية يدَ العون للصليبين ضد صلاح الدين، ونقلت السلع - حتى الأسلحة - إلى المسلمين في مصر والشام. وبيزا التي قدمت للفاطميين والفرنجة المساعدة ضد صلاح الدين، لن تجد حرجًا في تقديم اليد نفسها للأيوبيين بعد انتصارهم، مثلما جرى مع البندقية [3].

 

ومع هذا التطور الذي أمْلَتْه الضرورات في النواحي الاقتصادية، كان لا بد من وجود تطور - ولو بدرجة متفاوتة - في النواحي الثقافية، وقد وقع هذا التطورُ - فعلًا - على النحو المصلحي الذي أشرنا إليه؛ فقد كيَّفت أوربا (الثقافة والعلوم) تكييفًا مصلحيًّا، لا علاقة له بالحق ولا بالموضوعية، ولا بإنصاف الآخر، بل حسْبُها أن تأخذ منه ما يفيدها - من جانب - وما يحميها من الإسلام والمسلمين (الأعداء الثابتين) من جانب آخر.

 

وكما رأينا الجانب الإيطالي يُخضِع النواحي العسكرية للنواحي المصلحية والاقتصادية؛ كما تدلنا الوقائع التي أشرنا إليها، والتي ذكرها كثيرون مثل (ميخائيل زابوروف) صاحب كتاب: (الصليبيون في الشرق)، و(قاسم عبده قاسم) في كتابه: (ماهية الحروب الصليبية)، و(ستيفن رنسيمان) في تاريخه للحروب الصليبية (الجزء الثالث).

 

كما فعل الصليبيون هذا، في النظرة التكييفية، على النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبالتالي الدينية الخاصة بهم، كذلك فعلوا في نقلهم - وتعلُّمهم - من المعارف الإسلامية؛ خضوعًا للعنصرية، وحفاظًا على حاجز نفسيٍّ وفكريٍّ بينهم وبين المسلمين - على حساب الحقائق - ولا ندري ما الفائدة منه! بل إن عواقبه كانت ضارة ووخيمة.

 

أجل، لقد حفَزَتِ الحروب الصليبية (الفرنجة) الهمجَ على التعلُّم من المسلمين، وقد اتسعت معرفتهم بما في العالم العربي من جغرافية بشرية، وتاريخ، وعلوم؛ مما خلق عندهم نهضة في دراسة القانون، والطب، والمنطق، وبدؤوا بتكوين نقابات من المدرسين أسَّسوا عليها فكرة الجامعة، وهكذا نشأت الجامعات من جامعة باريس إلى أكسفورد، وكمبردج، بدءًا من القرن الثاني عشر الميلادي.

 

كما اتسعت خبرة الصليبين وثروتهم، ووقفوا على فنون الشرق وصناعته، وما فيها من رونق وفن ودقة، والراجح أن المستوى العام للمعيشة في الغرب - كما يشير إلى ذلك رنسيمان - لم يرتفع إلا بفضل رغبة العساكر والحجاج العائدين في أن يلجؤوا في أوطانهم إلى محاكاة ما اشتهر به الشرق من مظاهر الحياة [4].

 

وأيضًا - كما يعترف (رنسيمان) - سيصبح الأوربيون - بفضل ما يأخذونه من المسلمين في الحروب الصليبية - قادرين على أن يميِّزوا بين السلوك، وأساليب الحياة الحضارية الإسلامية: (العلوم، والتقنيات، والذهنيات، والتفلسف العربي والإسلامي...)، وهذه يأخذونها، وقد يعترفون أحيانًا بفضلها، وقد لا يعترفون في أحيان أخرى كثيرة!! لكنهم - كما يؤكد (رنسيمان) - يظلُّون محافظين على جهلهم وعدائهم للإسلام وعقيدته (عقيدة التوحيد)، وهو ما يمثِّل ظلمًا تاريخيًّا وأخلاقيًّا كبيرًا.

 

ومع ذلك كله - يؤكد رنسيمان - على القيمة الحضارية للحوار أثناء فترة الحروب الصليبية، مشيرًا إلى أن هذه الفترة التي امتدت قرنين ونصف:

 

"من أهم مراحل التاريخ المؤثِّرة في المدَنية الغربية؛ إذ إن أوربا لم تكد تخرج من مرحلة غارات المتبربرين الطويلة الأمد، التي يُطلَق عليها العصور المظلِمة (العصور الوسطى)، حتى كانت - بفضل المسلمين - بَراعمُ ما نُطلِق عليه النهضة الأوربية تأخُذُ في الظهور"[5].

 

ونختم بالإشارة هنا إلى أن هذا التسامح والانفتاح من المسلمين جزءٌ من دينهم؛ فهم دائمًا يفتحون ذراعيهم للحوار، وتجاهل آلام الماضي؛ متغاضين عن الظلم الذي يُعامَلون به، تاركين الأمرَ لمحكمة الله العادلة.



[1] شمس الدين الكيلاني: حقبة الحروب الصليبية، والوضع على طرفي المجابهة التاريخية - مجلة الاجتهاد، عدد 18، بيروت.

[2] شمس الدين الكيلاني: المرجع السابق.

[3] الكيلاني: المرجع السابق.

[4] المرجع السابق.

[5] نقلًا عن المرجع السابق بتصرف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • كتب
  • حوارات خاصة
  • تفسير القرآن ...
  • قالوا عنه
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة