• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب   شعار موقع الشيخ أنور الداودأنور الداود النبراوي شعار موقع الشيخ أنور الداود
شبكة الألوكة / موقع أنور الداود النبراوي / مقالات


علامة باركود

أكثرهم لا يعقلون

أنور الداود النبراوي


تاريخ الإضافة: 7/1/2010 ميلادي - 21/1/1431 هجري

الزيارات: 43742

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أكثرهم لا يعقلون


هناك علاقة أكيدة وارتباط وَثِيق بين العقل والأدب؛ فإن حسْن الخُلق والأدب والذوق غالبًا ما يكون دليلًا على كمال العقل؛ ولهذا ذمَّ اللهُ عز وجل أولئك الأعراب، ووصَفَهم اللهُ تعالى بالجفاء؛ حيث ارتفعَت أصواتُهم مِن وراء الحجرات وهم يُنادُون النبيَّ عليه الصلاة والسلام باسمه: يا محمد، يا محمد، فلم يتأدَّبوا معه بأن يقولوا: يا نبيَّ الله، أو: يا رسولَ الله، ولم يَصبروا حتى يَخرج إليهم، فذمَّهم اللهُ بعدم العقل؛ حيث لم يَعقلوا عن الله الأدبَ مع رسوله واحترامه؛ فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات: 4].

 

والمراد: أن مِن العقل وعلامته استعمال الأدب.

 

والعقل يعقِل الهوى ويُحكِمه، ويَمنع مِن السَّفَه والطَّيْش، والخفَّة والتهوُّر، وسوء الأدب وقِلَّة الذوق، كما هو حاضر ومُشاهَد اليوم، حتى في طبقة العلم والثقافة، فربما ارتقى المرء في نَيْلِ العِلم والشهادة، وربما جلس يَلُوك المنطق والفلسفة، وراهَن على أنه المفكِّر المنتَظَر، الذي يضع الحلول والتحليلات، وهو مَن يرسم القواعد والنظريات للأمَّة، أو على أقلِّ تقديرٍ لِمَن حوله.

 

وحقيقة الأمر أنه (الأعور في أخلاقه وأدبه، وسط ركام أو أكوام مِن العي والعمى)، قد صفَّقوا له وهَتَفوا، واستَمَعوا لحديثه وأنصَتوا، سواء جرَح الدينَ بتَلْمِيح، أو خدَش الحياءَ بتَصْرِيح، المهمُّ أنه ذو المكانة (المختارة) مِن قِبَل الذين لا يعقلون أيضًا.

 

أمَّا حين يَجتمع مع العقل العِلمُ والفهم، والحِلمُ والأناة، فذاك الخير الكثير، والنور على النور، وهي الحكمة التي تدلُّ على المنع؛ لأنها تَمنع مِن الظلم والجهل والسَّفَه، وهو كلُّ فعل قبيح، يُقال: "حكمت السَّفِيهَ"، إذا أخذت على يده، ويُقال: أحكمت الشيءَ فاستحكَم؛ أي: صار مُحْكَمًا، قال جرير:

أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ ♦♦♦ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ أَنْ أَغْضَبَا

 

ولما كان أعظمُ سوءٍ للأدب هو الكفرَ بالله، قال الكافرون تندُّمًا على الإيمان؛ بسبب إعراضهم وغياب عقولهم عن الحق واتِّباعه، والخضوع للدين وأوامره وأحكامه؛ لذا قالوا معتَرِفين بعدم أهليَّتِهم للهدى والرشاد: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10]، فنفوا عن أنفسهم طرقَ الهدى، وهي السمع لما أنزل الله وجاءت به الرسل، والعقل الذي ينفع صاحبه ويُوقِفه على حقائق الأشياء، وإيثارِ الخير، والانزجارِ عن كلِّ ما عاقبتُه ذميمة، فلا سمْع لهم ولا عقْل، وهذا بخلاف أهل العِلم والعقل واليقين، وأرباب الصدق والإيمان والدين، الذين أدركوا الهدى مِن الضلال، وفرَّقوا بين الحسَن والقبيح، وميَّزوا الخير مِن الشر، وذلك بما منَّ الله عليهم به مِن الاقتِدَاء بالمعقول والمنقول، وبما اختصَّهم به الحكيم سبحانه مِن الإيمان، وتزيينه في القلوب، التي هي منبع العقل الرشِيد، والفكر السدِيد.

 

ولكن الحقيقة المُرَّة أن العقل ثمين ونفيس، ولم يَنْعَم به إلا القليل، أمَّا أكثر الناس، فكما ذكر الله جل وعز: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116].

 

وذلك أيضًا لأن الجزاء غالٍ وعظيمٌ؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَن خاف أدلج، ومَن أدلج بلغ المنزل، ألَا إن سلعة الله غالية، ألَا إن سلعة الله الجَنَّة))؛ رواه الترمذي وصحَّحه، وكذا الألباني.

 

لذا قال الله تعالى: ﴿ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ﴾ [الحج: 18].

 

فمِن رحمة الله أن جعل التشريع واحدًا، ولو تُرِك الناس إلى أهوائهم، لأَمَر كلُّ واحدٍ بما يُوافِق هواه، ونهى عمَّا يُخالِف هواه؛ لذلك عُصِم الأمْر بمنهج القرآن والسُّنَّة.

 

ومِن المصلحة أن يُوجَد مطاعٌ واحد لا هوى له، منزَّه عن النقائص والعيوب والآفات، منزَّه عن الظلم والجور، وهو الله وحده المعبود والمطاع، وهو وحده مَن يملك الحكم والتشريع، والتوفيق والتسديد.

 

فهناك أناسٌ مؤمنون، وهم أصحاب الفطرة السليمة بطبيعتهم؛ لأن الخير هو الفطرة في الإنسان، وقد جاء التشريع لينمِّي في صاحب الفطرة السليمة فطرتَه، أو يؤكِّدها له، ويُقَوِّم صاحبَ النزعة السيئة؛ ليعود به إلى الفطرة الحسَنة.

 

أمَّا أكثر البشرية، فهم يضلُّون عن سبيل الله؛ لجهلهم بالحق؛ ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116].

 

والظن: هو إدراك الطرف الراجح - وهو ما يرجِّحه الهوى - ويُقابِله الوهم، وهو إدراك الطرف المرجوح، فهُم إمَّا أن يتَّبعوا الظن، وإمَّا أن يخرصوا؛ ﴿ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116]، والخارص: هو مَن يتكلَّم بغير الحقيقة، فهو يُخَمِّن تخمينًا بلا دليل علمي يقيني، أو حقائق صحيحة، أو مقاييس ثابتة، وتلك لا تكون إلا في منهج الله؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 117].

 

فكان لزامًا أن يُحاكِي المرءُ العُقلاءَ مِن أهل الإيمان والحكمة، وأن يحرص على الاقتران بهم ومصاحبتهم؛ ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]، فإن مَدَاركهم ومقاصِدَهم قد أصبحَت فاسدة، فلا يردعهم - إلَّا أن يشاء الله - صوتُ المصلحين، ولا ينفعُهم حرص الناصحين، المقتَدِين بالنبي الرؤوف الرحيم؛ ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، والحرص: هو شدة الطلب لتحصيل شيء ومعاودته.

 

فلنحرص على أن نكون مع المؤمنين الغُرَباء، الذين يَصلُحون إذا فسَد الناس، ويُصلِحون ما أفسَد الناس، الذين أدركتْ قلوبُهم وعقولُهم سرَّ الوجود، فتعرَّفَت على بارئها؛ لهذا نسَبوا النِّعَمَ إلى الله، واعترفوا بها وشكروها علمًا وعملًا، وقولًا وحالًا، فكانوا بحقٍّ هم القِلَّة المؤمنة؛ ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، فرغم وضوح الطريق واتِّضاح السبيل إلَّا أن أكثر الخَلْق لا يَعقلون، ومِن ثَمَّ لا يشكرون؛ ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3].

 

فذَكَر الشاكرين بصيغة اسمِ الفاعل للتقليل (شاكر)، وذَكَر الكافرين الجاحدين لنعمة الله بصيغة المبالغة (كفور)؛ لأنهم كثيرٌ، لا عقل لهم ولا علم؛ ﴿ أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يونس: 55]، حيث وقعوا فريسةً سهلةً لاصطياد الشيطان وحبائله ومكره هو وجنوده، أمَّا هو فقد زيَّن وغرَّر بالناس، ثم توعَّد بأن يجعل الكثرة لا تعقل؛ ومِن ثَمَّ لا تَشكُر؛ ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 16- 17].

 

فالناس غُثَاء كثير، وهُرَاء مستطير، كحال أعدادٍ من الإبل كثير، لكن الصالح منها عزيز وقليل؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((تجدون الناس كإِبِلٍ مائة، لا يوجد فيها راحلة)).

 

وفي رواية: ((إنما الناسُ كالإِبِل المائة، لا تجد فيها راحلة))؛ أخرجه البخاري ومسلم.

 

فكما أن الإبل المائة يَستكثِرها مَن رآها، فإذا ذهب ليبحث عن راحلة منها تصلح للحمل أو للركوب، لم يكد يجدها.

 

فكذلك الحال في الناس؛ فإن النقص شامل لأكثرهم، كما أن مُقارِبي الكمال فيهم قليل، لا سيَّما عند البحث عن الأَكْفَاء والأُمَناء؛ لشغْل المنصب أو الوظيفة، فلا تكاد تجد مَن يقوم بذلك قيامًا صالحًا كما هو الواقع، خاصَّة أن الإنسان مجبولٌ على الظلم والجهل والنقص.

 

فكان حقيقًا على الأمَّة والمعنيِّين أن يسعوا ويجتهدوا في صناعة العُقَلاء وتأهيل الرجال، وألَّا يغترُّوا بما يُقال بأن هذا العصر هو عصر الثقافة، وزمن الانفتاح العلمي؛ فإن مِن بين ذلك غُثَاءً ودَخَنًا كثيرًا؛ ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100].

 

لذا؛ فلا غرابة - أيها القارئ الكريم - أن ترى انتشارَ السفهاء وقِلَّة الحياء، وغياب أهل التربية عن بناء الأخلاق والأدب، الذي هو حقيقة الأزمة، بل الأزمة الحقيقية، أتدري لماذا؟ لأن: ﴿ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات: 4].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- شكر
عبد الكامل - الجزائر 17-10-2015 11:33 PM

شكر على من كتب هدا المقال و كل من ساهم في نشر هده الكلمات التي من ذهب وأتمنى من الله أن التوفيق

1- مقال أكثر من رائع
emmadalomda - egypt 19-10-2014 01:53 PM

كاتب المقال وفقه الله جدا في العرض والشرح والاستشهاد بالقران والحديث أسأل الله أن يزيده توفيق على توفيق وأن يلهمه الرشد والسداد

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • كتب
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة