• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور علي الشبلالدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل شعار موقع الدكتور علي الشبل
شبكة الألوكة / موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (13)

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (13)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 6/8/2016 ميلادي - 2/11/1437 هجري

الزيارات: 14765

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني في العقيدة (13)

مقدمة ابن أبي زيد لكتابه "الرسالة"

تأليف الإمام: أبو محمد عبدالله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله (ت386)


فوائد قبل الدرس من الشريط الرابع:

العلماء قسموا القدرية إلى غلاة وعوام، من هم الغلاة وما حكمهم؟

هل أنكروا شيئًا غير العلم؟ الكتابة، هل أنكروا شيئًا غير الكتابة؟

أنكروا الأربعة كلها أيها الإخوان، غلاة القدرية أنكروا الأربعة كلها؛ ولهذا ناقشهم العلماء بمسألة العلم، إن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا. عوام القدرية، ماذا أنكروا؟

 

يستطرد الشيخ: أنتم مخيرون بين أمرين، إما أن تحفظوا المتن ونعفيكم من السؤال، وإلا نسألكم ولا نعفيكم عن حفظ المتن، يعني فيكم فيكم، بهذا يبقى العلم، وإلا المعلومات مجرد ما نخرج من المسجد تطير عنكم، مجرد ما يأتي الأسبوع القادم نسيتم ما في هذا الأسبوع، العلم لا بد أن يحفظ، ولا بد يذاكر، وإلا ترى ما هو بباقي، أقولها نذارة يعني، العلم ما حواه الصدر، لا ما حواه القمطر، هذا أمر مهم، إذا أردت يا طالب العلم أن يبقى علمك، فاحفظ أصوله، وإذا حفظت أصوله، أتتك الأصول بتفاصيلها؛ ولهذا من أسباب بقاء العلم: حفظ المتن.

 

ومن أسباب بقاء العلم: المذاكرة والمراجعة، قد ييسر الله جل وعلا لنا بكم لقاءً آخر أو لا ييسر ذلك، ولكن هذه المعلومات التي حصلتموها، وهذا العلم إن لم يذاكر ويتعاهد، وإلا يزول، والمذاكرة لها صور ولها أحوال، منها أن يراجع الإنسان بنفسه، منها أن يتباحث مع أخيه وزميله، كما جلسوا في هذا المسجد عدة ساعات، يجعلون لهم ساعة في الأسبوع يتذاكرون هذا المتن، حتى بعضهم يستفيد من بعض، تتلاقح أفهامهم، قد يكون فات هذا معلومة وأدركها الثاني.

 

من ذلك: استخدام القلم في تسجيل أهم الأمور، وليس كل شيء، المقام مقام درس، ما هو بمقام إملاء، بعض الطلبة يخطئ في تعلم العلم، يظن أن ما يسمعه من أستاذه وشيخه إملاءً يمليه عليه، الإملاء هذا انتهى وقته لما دونت الأحاديث، تلك التي كانت تملى، أما هذه، فطالب العلم يكون منظمًا، يكتب في كتابه، أو في دفتر، عبارة عن كشكول أو كذا، ما يحتاج إليه، ثم ينقله إلى كتابه، ولأجل ذلك تلاحظون كتب أهل العلم، حواشيها منظمة مرتبة، دالة على تنظيم أفكارهم، أما الطلبة تجد حواشيهم في الكتاب متداخلة، تدل على أن فكره وذهنه غير مرتب.

 

هذا الأمر يبحثه العلماء في آداب الطلب، ولا سيما أهل الحديث في علم المصطلح، يبحثونه فيما يسمى بأدب كتابة الحديث، حديث النبي عليه الصلاة والسلام، مقصودي يا إخوان أن المذاكرة لا بد منها، والمراجعة والمباحثة، وإلا فالمعلومات تطير، تشرد؛ لأن الذهن ما يستوعب، بعضكم أو أكثركم مشغول، بأهله وأولاده ومساهماته وتجارته، إلى آخره، والذهن ما يستوعب، الهاردسك في الكمبيوتر ينسي آخره أوله! إذا لم تحفظ ملفاته، وإلا لا؟!....

 

وقد وعدتكم أن أنوه تحذيرًا وإنذارًا من فرقة ثانية من فرق القدرية، وهم الجبرية، القضاء والقدر انحرفت فيه طائفتان، القضاء والقدر كالأسماء والصفات، انحرفت فيه طوائف، أشهرهم طائفتان، القدرية، وقد مضى التحذير منهم والتعريف بهم، الطائفة الثانية على الضد منهم، ضدهم تمامًا وهم الجبرية، والقدرية اهتم العلماء بالتحذير منهم أصالة؛ لأنهم أول الفرق وجودًا، وقد وجدوا في آخر عهد الصحابة، كما جاء في حديث مسلم، لما انطلق حميد بن عبدالرحمن ويحيى بن يعمر حاجين أو معتمرين، فمرا بالمدينة، فقالا: لو لقينا أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلقيا ابن عمر، فأخبروه أنه وجد قبلهم بالبصرة قوم يقولون: إنه لا قدر، وإن الأمر أنف، هؤلاء هم نفاة القدر، وهم غلاة القدرية، الجبرية هم أتباع الجهم بن صفوان، السمرقندي، أبو محرز، الخبيث العنيد، والجبرية هم الجهمية، قد جمعوا مثالب عظيمة، فهم في الصفات معطلة، بل غلاة المعطلة؛ لأنهم ينفون الأسماء والصفات، وهم في باب القدر جبرية، وسيأتي بيان مذهبهم في الجبر، وهم في باب الإيمان غلاة المرجئة، وسلسلة وسند الجهم بن صفوان سند مظلم، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورًا، فما له من نور، الجهم بن صفوان أخذ عن الجعد بن درهم، والجعد بن درهم هو الذي قتله خالد بن عبدالله القسري، في سنة مائة وثلاث وعشرين، والجهم بن صفوان قتله سلم بن أحوز والي سمرقند، قتله في سنة مائة وثمان وعشرين، شيخ الجهم الجعد، والجعد أول من أظهر مقالة نفي الصفات: "أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلًا، ولم يكلم موسى تكليمًا"، فحكم عليه العلماء بالردة، فقبض عليه خالد بن عبدالله القسري، وقتله مضحيًا به في يوم عيد الأضحى، في سنة مائة وثلاث وعشرين، حيث قال لما خطب الناس: "أيها الناس، ضحوا، تقبل الله ضحاياكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم؛ حيث زعم أن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولم يتخذ إبراهيم خليلًا"، أنكر صفتي الكلام والخُلَّة، أهل السنة شكروا لخالد هذا الفعل، ومدحوه به؛ ولهذا يقول ابن القيم في نونيته:

إن كنتِ كاذبةَ الذي حدثتِني
فعليك إثمُ الكاذبِ الفتانِ
جهمِ بن صفوانٍ وشيعته الأُلى
جحدوا صفاتِ الواحد الديان

 

إلى أن قال:

ولأجل ذا ضحَّى بجعدٍ خالدُ الْ
قسريُّ يومَ ذبائح القربان
إذ قال: إبراهيمُ ليس خليلَه
كلا ولا موسى الكليم الداني
شكَر الضحيةَ كلُّ صاحب سنَّة
لله درُّك مِن أخي قربان

 

ومن الأشياء المستغربة: أن بعض طلبة العلم أعملوا موازين نقد الحديث ومتون السنة على هذه المرويات التاريخية، وهذا لا يتأتى، لا عند العلماء، ولا في ميزان طلبة العلم، هذه القصة رواها العلماء متلقين لها بالقبول، فرواها شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع، وابن القيم تلميذه في مواضع، وابن رجب، وذكرها ابن كثير، وما زال علماء السنة ينقلونها مقرين لها، وإعمال موازين الحديث ومتونه على الروايات الحديثية، بل وعلى آثار التابعين وآثار الصحابة غير متأتٍّ، وهذا ما عرف عند المتقدمين، خذ مثلًا على هذا لما قال الحافظ ابن حجر في محمد بن عمر الواقدي، المؤرخ المشهور، قال: محمد بن عمر الواقدي ضعيف في الحديث، حجة في التاريخ، باب التاريخ بابه أوسع؛ لأنه ما يترتب على التاريخ معرفة حلال أو حرام، أو بناء عقائد، أو شرائع، وإنما أشياء يرد نظيرها إلى نظيرها، ظهر لكم هذا؟ إسناده أيضًا، شيخ الجعد بن درهم: بيان بن سمعان التميمي المشبه الباطني الرافضي، وشيخ البيان بن سمعان: طالوت اليهودي، وهو ابن أخت لبيد بن الأعصم، الذي سَحَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، إذًا إسناد الجهمية والمعطلة عمن؟ ينتهي إلى اليهود، وهم كفء لهم، فاليهود معطلة، وصفوا الله جل وعلا بالنقائص، وهؤلاء كذلك، الجهمية في باب القدر جبرية، ومعنى الجبرية قالوا: إن العبد مُجبَر على فعله، وهذا مذهب من أيضًا؟ مذهب المشركين، بل مذهب إبليس أعاذنا الله منه، المشركون قالوا: ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾ [الأنعام: 148]، ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [النحل: 35]، أي: إنهم مُجبَرون! وكذلك الجبرية، قالوا: إن العبد مجبَر على فعله، وإن فعله مع القدر كريشة مع الهواء، لا قدرة، ولا إرادة، كالميت بين يدي مغسله، ليس له قدرة، ولا إرادة، ولا اختيار، فهو مجبر، ومذهبهم قبيح، من قبح مذهبهم إبطال الشرائع كلها، فإذا كان الإنسان مجبرًا، ما معنى أن يكلف بصلاة أو بعبادة أو بتوحيد، أو بصيام، أو ينهى عن القبائح من الشرك والظلم وشرب الخمر والزنا وما إلى ذلك؟! فيكون تكليفه إذا كان مجبرًا عبثًا، هذا قدح في أسماء الله، وقدح في صفاته، بل وقدح في ربوبية الله، بل أعظم من ذلك، إذا كلف الله عبده وقد أجبره على الكفر ثم عذبه عليه، كان الله ظالمًا لعبده! تعالى ربي عن قولهم علوًّا عظيمًا؛ ولهذا الجبرية مذهبهم قبيح، وأقبح منه مذهب القدرية، وكلاهما في القبح مشتركان؛ ولهذا أهل السنة مذهبهم وسط بين هؤلاء وهؤلاء، الجبرية تأثر بهم متأخرو المتكلمين، الذين قالوا بعقيدة: القدر هو الكسب، كسب الآدمي، كسب المكلف، ما هو الكسب؟ هم في أنفسهم مضطربون فيه اضطرابًا عظيمًا، ولكن معنى الكسب هو: وقوع القدر عند فعل المقدور، فالإنسان أشبه بالمجبر، ولكن ما صرحوا بالجبر، لكن قالوا: وقوع القدر عند فعل المقدور، فالسكين يقع القطع عندها، لا بها! السكين عندهم ما تقطع، ولكن إذا حززتها وقع عندها القطع، كذلك الكسب عندهم، الكسب وقوع القدر عند فعل المقدور؛ ولهذا قول أولئك المتكلمين يعود في الحقيقة إلى الجبر، لكنهم لبسوه ودلسوه؛ ولهذا يفشو في هؤلاء من آثار قومهم انتهاك الحرمات، وتعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الإنسان [على مذهبهم]، هذا كسبه، أو هذا ما قدر عليه، وهؤلاء يكفي من قبح مذهبهم بداهة العقل السليم في رده، لو أن إنسانًا جاء إلى هذا الذي يعتقد الجبر، ثم ضربه وأخذ ماله، هل يستسلم له بأنه مجبر؟! يقول: مسكين اتركوه، هذا مجبر، هل يستسلم له أو ينتصر لنفسه؟ ينتصر لنفسه؛ لأن هؤلاء استدلالهم بالجبر عند المعائب لا عند المصائب، هذا هو خلاصة مذهب الجبرية في هذا الباب، ومن تأثر بهم ممن قالوا بالكسب.

 

[وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من يموت، كما بدأهم يعودون]، لما انتهى من موضوع الإيمان بالقضاء والقدر، بدأ بمسألة تتعلق باليوم الآخر.

 

[وأن الساعة]، وهذا تضمين من قول الله جل وعلا: ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ [الحج: 7]؛ أي: مما نؤمن به: أن الساعة آتية، الساعة من أسماء يوم القيامة، ويوم القيامة تعددت وتنوعت أسماؤه في القرآن، حتى جاوزت الثلاثين، من أسماء يوم القيامة: الساعة، والطامة، والصاخة، والآزفة، ويوم القيامة، ويوم الدين، ويوم الجزاء، ويوم الحساب، فأسماؤها كثيرة، لماذا كثرت وتعددت أسماؤه في القرآن؟ ماذا يفيدكم تعدد وتنوع أسمائه في القرآن، نعم؛ لعظم شأنها تعددت وتنوعت أسماؤها، وكل شيء ذي بال وذي عظم تجد أن أسماءه متعددة، وأوصافه متنوعة، النبي عليه الصلاة والسلام، أليس هو أفضل العالمين؟ وأفضل ولد آدم أجمعين؟ تعددت أسماؤه وأوصافه، فهو محمد، وأحمد، ومحمود، وهو الماحي، والعاقب، والحاشر، هذه من أسمائه عليه الصلاة والسلام.

 

[لا ريب]؛ أي: لا شك.

[وأن الله يبعث من يموت]؛ أي: يبعث من في القبور.

[كما بدأهم يعودون]، يعودون كما بدأهم، الإنسان عدم، ثم يخلقه الله جل وعلا، ثم يلحقه الفَناء، فسبق الإنسان عدم، ويلحقه فَناء، أنتم قبل مائة سنة، ماذا كنتم؟ عدم، لا شيء، ما كنتم شيئًا مذكورًا، وبعد مائة سنة أو مائتي سنة قد تكونون كذلك لا يبقى منكم شيء، لا يبقى شيء مذكورًا إلا العصعص، عَجْب الذَّنَب، وهو رأس عصعص الإنسان، ولا يرى بالعين المجردة، من هذا الجزء يركَّب الإنسان يوم القيامة إذا أرسل الله جل وعلا بعد النفخة الأولى، يبقى أربعين يومًا، قال أبو هريرة: "أبيت"، أربعين شهرًا، قال: "أبيت"، أربعين عامًا، قال: "أبيت"، يبعث الله مطرًا كماء الرجال، فينبت الناس بأجسادهم من عَجْب الذَّنَب؛ ولهذا عَجْب الذَّنَب لا يلحقه الفَناء؛ ولهذا يقول الأول:

ثمانيةٌ حُكْم البقاء يعمُّها
مِن الخَلْق، والباقون في حيز العدَمْ
هي: العرشُ والكرسي ونارٌ وجنةٌ
وعَجْبٌ وأرواح كذا اللوح والقلَمْ

 

فهذه لا يلحقها الفَناء، فيركب منه، ثم يأمر إسرافيل فينفخ في الصور، فتتطاير أرواح العالمين حتى تنزل كأنها جراد منتشر، فينزل كل روح على الجسم الذي منه خرج، كما بدأهم يعودون، كما بدأهم خلَقهم يعودون، ولهذا أصل خلق الإنسان من اجتماع نطفة الرجل بماء المرأة في البويضة، لا شيء يرى، حتى يتكون شيئًا فشيئًا حتى يكون الإنسان مخلوقًا سويًّا، وأدلة البعث دل عليها القرآن بآيات عظيمة؛ ولذلك أعظم عقيدتين بسطتا وثني الكلام فيهما وكثر عليهما الاستدلال من القرآن: عقيدة إفراد الله بالتوحيد، وعقيدة البعث، بل في القرآن ما في البعث من أوجه كثيرة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحب أن يرى القيامة رأي عين، فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت))، من أعظم ما دل في القرآن على البعث آية عظيمة: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7]، فآية واحدة دلت على الإيمان بالبعث من ستة أوجه، (قل بلى)، (وربي)، هذا حلف، (لتبعثن)، اللام الموطئة للقسم، فعل مضارع مؤكد بنون التوكيد (ثم لتنبئن)، (بما عملتم، وذلك على الله يسير)، في السنة أحاديث كثيرة، من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان في مكة جالسًا في البيت، مسندًا ظهره إلى الكعبة، فجاءه أمية بن خلف، صنديد من صناديد الكفر، ومع أمية عظم قد يبس، قد أرم، مضى عليه مدة طويلة، فقال: يا محمد، فرفع إليه النبي رأسه، أتزعم أن الله يعيد هذا العظم لحمًا يوم القيامة، ثم فت هذا العظم بيده، الدال على أنه شديد، لو أعطيت واحدًا منكم عظمًا يابسًا، أيقوى أن يفته بيده؟ لا أظنه، إلا إن كان شديدًا، أمية فته بيده، ثم نفخه في وجه النبي عليه الصلاة والسلام، استحقارًا واستنكارًا لعقيدة البعث، قال صلى الله عليه وسلم: ((نعم))؛ أي: أزعم ذلك، ((وسيدخلك الله النار))، وأنزل الله على نبينا عليه الصلاة والسلام قرآنًا يتلى في آخر سورة "يس"، اشتمل هذا القرآن على أدلة البعث العقلية، التي يعرفها العقلاء غير المكابرين، ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 77]، يخاصمنا، ويظهر الخصومة ويبينها، ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ﴾ [يس: 78] بهذا العظم اليابس، ﴿ وَنَسِيَ خَلْقَهُ ﴾ هو، وهذا معنى قول الشيخ: [كما بدأهم يعودون]، ﴿ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [يس: 78، 79]، الذي أنشأ هذا الإنسان أول مرة لن يعجزه أن يعيده ثانية وثالثة، إنما الإبلاغ في الإعجاز هو إنشاؤه أول مرة، انظروا، ولله المثل الأعلى، لو أن مهندسًا أنشأ بناية فأبدعها، هل يعجزه أن يجعل لها أنموذجًا ثانيًا وثالثًا ورابعًا، لا، الإعجاز والإبداع في أولها، الله جل وعلا، وله المثل الأعلى، قال: ﴿ الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ ﴾ [يس: 79، 80]، الذي أخرج الشيء من ضده، النار حارة، يابسة، أخرجها من شيء بارد رطب، أخرج شيئًا من ضده، لن يعجزه أن يخرج شيئًا من غير ضده، ﴿ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81]، إذا كان عنده مكابرة، فلينظر إلى خلق أعظم منه، السموات والأرض ، به وهو حقير صغير، ﴿ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [يس: 81] ، ثم أخذ بالأمر الجامع: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، ثم نزَّه نفسه وسبحها عن وصف كل جاهل معطل مشرك كافر، ﴿ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 83]، فختمها بالبعث مرة ثانية، والبعث عليه الفِطَر كلها، السوية على البعث، بل إجماع العقلاء، لا نقول: أهل الكتب وأهل الديانات، كل العقلاء يؤمنون بالبعث، انظروا إلى الهنادكة، البوذيين، الكونفوشوسيين، المجوس، وغيرهم، كلهم يعتقدون بالبعث، لكن يتفاوت بعضهم في صوره؛ ولهذا من البوذية والمجوسية من عندهم عقيدة التناسخ، التناسخ صورة من صور البعث، لكن هذا باطل، حتى الهنادكة نفاة الخالق قالوا بأن البعث للأرواح دون الأجساد، كما قاله أبو علي ابن سينا، وأمثاله من الفلاسفة الملاحدة، إذًا أمر البعث متفق عليه، إلا عند من كابر، والمكابر هذا يكابر ظاهرًا، أما باطنًا فإنه عنده وميض الإيمان بالبعث؛ لأنه أمر فطري.

 

[وأن الله سبحانه وتعالى ضاعف لعباده المؤمنين الحسنات، وصفح لهم بالتوبة عن كبائر السيئات، وغفر لهم الصغائر باجتناب الكبائر، وجعل من لم يتب من الكبائر صائرًا إلى مشيئته ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].

 

ومن عاقبه الله بناره، أخرجه منها بإيمانه، فأدخله به جنته، ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7]، ويخرج منها بشفاعة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم من شفع له من أهل الكبائر من أمته].

 

هذه الجملة اشتملت على مسائل عظيمة، لعلي أمر عليها سريعًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • مطويات
  • صوتيات
  • خطب
  • كتب
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة