• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور علي الشبلالدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل شعار موقع الدكتور علي الشبل
شبكة الألوكة / موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (39)

شرح العقيدة الواسطية (39)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 21/5/2016 ميلادي - 13/8/1437 هجري

الزيارات: 22805

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (39)


لَكِنْ لَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ أُمَّتَهُ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً:

إذا كان الدين واحدًا، والطريقة واحدة، لكن أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق كَما افترقت الأمم التي قبلَها، والحديث في هذا قد بلغ مبلغ التواتر؛ إذ روى حديثَ الافتراق عن النبي صلى الله عليه وسلم ستَّةَ عشر صحابيًّا، وهو مُستفيضٌ إلى قوله: ((كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا وَاحِدَةً))، إلى هذا القدر متواترٌ؛ كما نص شيخ الإسلام في رسالةٍ شرح فيها هذا الحديث، ثم الروايات بعد ذلك مُتفاوتة، والمقصود من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً - وفي رواية: مِلَّةً - وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً - وفي رواية: مِلَّةً - وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً))[1] وفي رواية: ((مِلَّةً))، الفرق بين قوله: ملة، أو فرقة: أن الفرقة في أولها فُرْقَة عن الجماعة، ثم لا تزال هذه الفُرْقَةُ تعظم، وتشتهر، وتترسَّخ في التاريخ، حتى تكون عند أهلها كالملَّة، كالدِّيانة، والآن بعض الناس يقول: أنا مسلمٌ شيعي! فأصبح الرَّفض والتشيُّع في حق أهله كأنه ملَّة، (ديانة) يتدينون بها.

 

والحديث أفاد أنَّ افتراق النصارى أكثرُ مِن افتراق اليهود، وأن افتراق اليهود أقلُّ مِن افتراق النصارى، كما أفاد أن افتراق هذه الأمة أكثرُ من الأمتين قبلنا، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً)).


مسألة: العدد هنا هل معناه أن هذه الفرقَ لم تتَجاوز الثلاث والسبعين، فيكون العدد مُرادًا منه حقيقةُ المعدود؟ أو أن العدد يُراد منه بيانُ الكثرة؟

قولان لأهل العلم، والأظهَرُ الثاني؛ لأن الأعداد في الشريعة تأتي على ضربَين، فتأتي أعدادٌ يُراد منها حقيقةُ المعدود، من نحو قوله تعالى: ﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾ [المائدة: 89]، فلو أطعم تِسعًا لا يكفي، بل لا بد مِن إتمام العشرة، وكذلك في فِدية الأذى في الإحرام إطعامُ ستَّة مساكين، أو صيامُ ثلاثة أيام، ولو أطعَم خمسةً لا يكفي، وكذلك في كفارة القتل، والظِّهار، وكفارة الوطء في رمضان في صيام شهرين مُتتابعَين؛ فإن لم يجد - وهذا بعد العتق - فإطعامُ ستِّين مسكينًا، لو صام شهرًا وثمانيةً وعشرين يومًا لا يُجزئ فلا بد من التتابع، ولا بد من شهرين، وكذلك في الإطعام، إذًا هناك أعدادٌ تأتي يُراد منها حقيقة المعدود، وهذا قليل، وليس كثيرًا في الشريعة.

 

والضرب الثاني: تأتي أعداد يُراد منها بيانُ الكثرة، وأكثر الأعداد في الشريعة على هذا النحو، الأعداد التي في القرآن والسنة، ففي القرآن قال تعالى في المنافقين: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 80]؛ يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وَاللهِ لَوْ أَنِّي عَلِمْتُ أَنِّي أَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ مَرَّةً أَسْتَغْفِرُ لَهُمْ فَيُغْفَرُ لَهُمْ، لاسْتَغْفَرْتُ لَهُمْ))! لو استغفر لهم النبي مليون مرة لا يُغفر لهم، فهنا أُرِيدَ مِن العدد بيانُ الكثرة؛ بمعنى أنك لو استغفرتَ لهم يا محمد مراتٍ كثيرة فلن يُغفَر لهم.

 

ومِن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ كَذَّابُونَ ثَلاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ)). لو استعرضنا مَن ادَّعى النبوة فإنهم على مرِّ التاريخ أكثرُ من ثلاثين، فدل على أن المراد هاهنا بيان الكثرة.

 

ومن ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً)). وفي رواية: ((بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً))[2]، وهذا لا يدل على تعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أراد بقوله السبعين والستين بيانَ كثرة خصال وشُعَبِ الإيمان؛ ولهذا لما عُنِيَ العلماء بجمع خصال الإيمان نوَّعوا فيها، حتى زاد بعضهم بها عن التسعين، وبعضُهم زاد بها عن المائة، فهذا العدد يُراد منه بيانُ الكثرة.

 

ومن هذا - والله أعلم - حديث الافتراق؛ أي: إن هذه الأمة ستفترق افتراقًا كثيرًا أكثر من افتراق الأمتين قبلنا.

 

لكن مما ينبغي أن يُعلم أن هذه الفِرَق كلَّها في النار، وهذا وَعيدٌ أنَّها في النار، والوعيد على قِسمين؛ فمِنها ما هي في النار خالدةٌ مخلَّدة، وهي الفرق المرتدَّة التي أتَت ناقضًا مِن النواقض، ومكفِّرًا من المكفرات، ومنها فرقٌ متوعَّدة بالنار على ضلالها لا على كفرها، وهي مَن أتت بِدعة مفسِّقة، وهذا أيضًا تقسيم للبِدَع من حيث الحكمُ؛ فبِدعٌ مكفِّرة، ومبدعٌ مفسِّقة.

 

كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلا وَاحِدَةً، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ، وَفِي حَدِيثٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: ((هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)).


وهذه فرقة، وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم فرقة، وهي الفرقة الناجية المنصورة التي مرَّ التنويه بها، وبأوصافها، وخصائصٌهم في أول شرح العقيدة، وهم الجماعة كما جاء في بعض الروايات، وفي بعضها: ((هُمُ السَّوَادُ الأَعْظَمُ)). وهذا يفسِّر الجماعة، وفي بعضها: ((هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي))[3]؛ أي: على سنَّتِه، فهَديُهم ومِنهاجهم هو طريقة وهديُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه.

 

مسألة: ما هي أصول الفرق التي عنها تتفرَّق فرقٌ أخرى كثيرة، تَزيد عن السبعين؟

أصول الفرق بحسب ظهورها:

أولاً: الخوارج، في أنفُسِها افترقت، وقادت الخوارجُ بدعة الروافض؛ فإن الرفض بدعةٌ نشأَت مقابل الخروج، ثم بدعة القدَرية؛ نُفاة القدر، وهم المعتزلة، قابَلتْها بدعةُ الجبرية؛ بدعة الجهم، والخامسة المرجئة وهي ردَّة فعل لمذهب الوعيديِّين؛ فإن مذهب أهل الوعيد الخوارج والمعتزلة الذي نشأ في القرن الأول قابله بِدَع المرجئة بأصنافهم.

 

والفرقة السادسة فرقة الصوفية، وهي فرقٌ كثيرة: قادرية، وشاذلية، ورفاعية، ونقشبَنْديَّة، وتيجانية، وسهروردية، وسمارية، وختمية... إلى فرق كثيرة، البطائحية الذين مر أن شيخ الإسلام ناقشهم، وناظرَهم.

 

طائفة البطائحية، وفرقة البطائحية هم فرقة الرِّفاعية المنسوبة إلى أحمد الرفاعي، ولم أسمع أن الجهميَّة صوفية، لكن يوجد مِن بعض أفراد الصوفية مَن يكون في باب الاعتقاد متجهمًا، أو في باب القدر جَبريًّا.

 

إذا عرَفنا حديث الافتراق وهو حديثٌ عظيم، وأعجبُ مِن المتعالِمِين ممن يُضَعِّف هذا الحديثَ وهو متواتر، الروايات مختلفة في تعيين أوصاف الفرقة الناجية، وأكثر الروايات على أنها ((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي)).


صَارَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِالإِسْلامِ الْمَحْضِ، الْخَالِصِ عَنِ الشَّوْبِ هُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ:

المحض؛ أي: الخالص من الشوائب؛ ذهَبٌ محض؛ أي: لا شائب فيه. وسُنَّة محضة: لا بدعةَ فيها، صار المتمسكون بالإسلامِ المَحضِ السالم من الشوائب هم أهلَ السنة والجماعة، وأهلُ السنة والجماعة هذا وصفٌ، وأما الاسم فهو اسم الإسلام والإيمان؛ كما سمَّانا الله تعالى بذلك، فقال عن إبراهيم الخليل: ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ﴾ [الحج: 78]، أما الوصف فيُوصَفون بأهل السنة، ويُوصفون بالجماعة، وقد يغلب الوصف بكثرة استعماله حتى يكون في مؤدَّاه عَلمًا، لكن لا ينبغي أن تُحْدَث أوصافٌ عند المتأخرين تكون أعلامًا تُستبدَل بالأعلام والأسماء التي سمَّى الله عباده وأولياءه.


وَفِيهِمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَالصَّالِحُونَ:

أهل السنة والجماعة فيهم الصدِّيقون وهم أعلاهم، لم يَذكر الأنبياء لأنه مُتَّفقٌ عليهم أنهم هم سادةُ هؤلاء، لكنْ فيهم الصديقون، وأولهم أبو بكرٍ رضي الله عنه، مَن بلَغ رتبة الصدِّيقية، وهو كمال الإيمان في القلب، وفيهم الشهداء وفيهم الصالحون.

 

وَمِنْهُمْ أَعْلامُ الْهُدَى:

وهم العلماء، الذين هم في أقوامهم وأزمانهم وأحوالهم أعلامٌ يُتأسى بهم يُقتدى ويُسترشد بهم، وأصل العلَم الجبَل، فيُسمى عَلمًا كما قالت الخنساء في أخيها صخر: "كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ"، أي: إنه جبل في رأسه نار.

 

وَمَصَابِيحُ الدُّجَى:

الدجى هي الليلة الظلماء؛ فإن المصباح فيها يُضيء لنفسه، ويضيء لغيره، فيُهتَدى به.

 

أُولُو الْمَنَاقِبِ الْمَأْثُورَةِ:

بما مدَحهم الله ومدحهم نبيُّه لاستقامتهم على دينه، وأنهم يهدون من ضل عن دين الله؛ ولهذا جاء في الحديث: ((إِنَّ اللهَ يَجْعَلُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مَنْ يُبَيِّنُ لَهَا دِينَهَا، وَيَصْرِفُ عَنْهَا تَحْرِيفَ الْمُحَرِّفِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ)).


وَالْفَضَائِلِ الْمَذْكُورَةِ:

فضائل العلم والابتداء، ولهذا فإن أعظم الأعمال إلى الله قُربةً هو العلم؛ تعلمًا، وتعليمًا، وبذلاً.

 

وَفِيهِمُ الأَبْدَالُ:

أي: في أهل السنة الأبدال. والأبدال هم الذين جاء فيهم الحديث: ((إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا أَمْرَ دِينِهَا))؛ ولهذا فإنه في كل قرن يبرز فيه علماءُ يَكونون مجدِّدين لهذا القرن، اصْطُلِحَ على تسميتهم بشيوخ الإسلام، هذا الوصف الذي اصطلح عليه العلماء - وصف شيوخ الإسلام - على من يجدد للناس أمر الدين، وليس لازمًا أن يأتي في رأس القرن، أو في أوله، أو في أوسطه، إنما في كل قرن، وهؤلاء هم الأبدال، وجاء فيهم الحديث: ((الْأَبْدَالُ يَكُونُونَ بِالشَّامِ، وَهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا، كُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ أَبْدَلَ اللهُ مَكَانَهُ رَجُلًا...))؛ ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة أن العلماء في هذه الأمة كالأنبياء في بني إسرائيل؛ أي: إنَّ وظيفتَهم ودَورهم كدَور الأنبياء في بني إسرائيل؛ في إبانة دين الله عز وجل.

 

في نسخةٍ من نُسخ الواسطية المخطوطة يقول الشيخ: "وفيهم الأبدال، ومنهم الأئمة".

 

وهنا قال: "وفيهم الأبدال الأئمة"؛ على أن الأئمة بدلٌ مِن الأبدال؛ أي: إن هؤلاء الأبدالَ هم الأئمَّة العلماء، وفي النسخة الأخرى: "ومنهم العلماء"؛ أي: إن الأبدالَ ممكنٌ أن يَكونوا مِن غير العلماء؛ ففيهم صَلاحٌ سواء في الإمارة والسِّياسة، وسواء في البذلِ والعطاء، وسواء في إصلاح ذات البَيْن، قد لا يكون عالِمًا لكن له شأنٌ في سياسة الناس، أو في إصلاح ذات بينهم.

 

الأَئِمَّةُ الَّذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ:

إذًا لا بد من هذا الوصف أن يُجمعوا على هدايتهم، وأنهم مَهديُّون، ليسوا أهلَ ضلالة ولا أهلَ بدعة ولا أهل خطأ.

 

وعلى درايتهم؛ أي: على عِلمهم، وإن الدراية المراد بها العِلم والفقه، وهؤلاء المستمسكون بالإسلام المحض:

وَهُمْ الطَّائِفَةُ الْمَنْصُورَةِ:

أي: إن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، ناجية من العذاب، والهلكةُ في الدنيا باتباع البدعة، والهلكة في الآخرة بأن يكونوا من أهل النار.

 

وهي المنصورة التي وعدها الله بالنصرة فلا تُخذل كما جاء في الحديث:

الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، وَلا مَنْ خَالَفَهُمْ))[4]:

لا يضرهم مَن خذَلهم؛ أي: لم يُناصِرهم، ولم يُعِنهم. ولا مَن عاداهم مع كثرة الأعداء عليهم، ووصفِهم بالأوصاف القبيحة والشينعة، ومُحاربتهم، ومطاردتهم.

 

هم مُستمسكون على الحق ظاهرون؛ أي: غير مقهورين على غيره. وإنما ظاهرون بالحق، مقتنعون به ديانةً وعقيدة، وهم أهل السنة والجماعة.

 

((حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)):

أي: حتى قُربِ الساعة؛ جمعًا بين هذا الحديث وحديث نوَّاس بن سمعان الطويل، وفيه: ((أَنَّ اللهَ يَبْعَثُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَقْبِضُ الْمُؤْمِنِينَ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَلا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللهَ اللهَ. وَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةِ)).


لما بيَّن لنا هذا رحمه الله في أصولهم وطريقتهم ومَصادرهم، وبيَّن لنا أن الافتراق يقَع، وحثَّنا على معالي الأخلاق، ونهانا عن سفاسفها - دعا بهذه الدعوات المباركة فقال:

فَنَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ:

وهذا دعاء، ودعاء بعد تبيُّن الطريق وترسُّمه بما أبانه رحمه الله في هذه العقيدة؛ فإنه أبان في هذه العقيدة هذا الطريقَ، الذي مَن سلَكه انتسَب إلى هذه الطائفة الناجية، ولا يُعجَب بعمَله، ولا يغتر، وإنما يَسأل الله هداية أن يكون منهم؛ ليكون منصورًا غير مخذول.

 

وأَلاَّ يُزِيغَ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا، وَيَهَبَ لَنَا مِنْ لَدُنْهُ رَحْمَةً، إِنَّهُ هُوَ الْوَهَّابُ:

وهذا تضمينٌ مِن آية في سورة آل عمران، في أوائلها: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، وهذا الدعاء دعاءٌ عظيمٌ جامع، ينبغي ألا يَغيب عن طلب المؤمن؛ ولهذا كان الصديق رضي الله عنه مِن فقهه - وهو ذو الهدي الراشد المهدي الذي أُمِرْنَا باقتفائه - كان يدعو بهذه الآية، ويقرؤها في الركعة الثالثة في صلاة المغرب: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].

 

وَاللهُ أَعْلَمُ:

وهذا شأنُ العالم حقًّا؛ يَكِل العلمَ إلى عالِمه مهما أوتي من الفهم والحفظ، والتحقيق والسَّبر، ودقة البصيرة - يجب أن يَعرف أن الله أعلمُ منه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 76]، وكما هو منهج أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنهم يَكِلون العلمَ إلى عالمه، وكان يُقرُّهم على ذلك رسولُه؛ ففي حياته كانوا يقولون: "اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ"، إِذا سُئِلُوا عن شيء لم يَعلموه، وبعد موته صلى الله عليه وسلم لا يَقولون إلا: الله أعلم.

 

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيمًا كَثِيرًا:

ثم ختمَها بما بدأها؛ بالصلاة والسلام الكثيرين على محمَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الذي هدانا الله به، ودلَّنا الله به طريق الهداية، وهو الذي رسم لنا هذا المنهاج، وهذا بعضُ حقِّه على أمته صلى الله عليه وسلم.

 

وبها يتم الكلام في هذه العقيدة العظيمة الجليلة؛ "العقيدة الواسطية"، جعَلنا الله وإياكم مِمَّن يستمعون القولَ فيتبعون أحسنَه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.



[1] تقدم تخريجه.

[2] رواه البخاري (9)، ومسلم (35)، من حديث أبي هريرة.

[3] تقدم تخريجه.

[4] تقدم تخريجه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • مطويات
  • صوتيات
  • خطب
  • كتب
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة