• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور علي الشبلالدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل شعار موقع الدكتور علي الشبل
شبكة الألوكة / موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل / مقالات


علامة باركود

شرح العقيدة الواسطية (36)

شرح العقيدة الواسطية (36)
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل


تاريخ الإضافة: 10/5/2016 ميلادي - 2/8/1437 هجري

الزيارات: 10865

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح العقيدة الواسطية (36)


فصل: ثُمَّ مِنْ طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: اتِّبَاعُ آثَارِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَاطِنًا وَظَاهِرًا:

لَمَّا ذَكر لنا طرَفًا مِن أصولهم أعاد الحديثَ مرة ثانية في طريقتهم (مِنْهاجهم)؛ فإن المراد بالطريقة المنهجُ الذي يَسيرون عليه، أصولهم في تَلقِّي العقيدة، والاستدلال عليها، ومنهجهم في الديانة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنًا.

 

أهل السنة إذا نظرت إليهم في كل زمان، وطالعت تراجمهم، ونظرت إليهم في زمانك وإذا أليق الناس، وأحرص الناس، وأولى الناس بهديه صلى الله عليه وسلم؛ إن كان في عباداتهم، إن كان في أقوالهم، إن كان في أفعالهم، إن كان في عقائدهم؛ ولهذا تدور بينهم وفيهم أحاديث صلى الله عليه وسلم فلا تجدهم يرفعون رؤوسًا، ولا يعظمون ولا يُجلُّون بعد كلام الله إلا كلام رسوله.

 

وقول الشيخ: "باطنًا وظاهرًا"؛ باطنًا في الأمور الباطنة؛ كمسائل الإيمان والاعتقاد، وفي العبادات عبادات الخلوات، تجده يتحرى السنة، يتحرى هديه صلى الله عليه وسلم فيستقيم عليه ويقدمه، وربما أفنى وقته يتحرى، ويبحث عن هذا الهدي، يفتش عنه في الكتب، ويسأل عنه العلماء، يتلمسه في دراسته ليتمثل به؛ كما يُعنَون به ظاهرًا.

 

وللأسف فإنه قد وُجِدَ بعض المنتسبين للسنة في هذه الأزمان وقبلها من يُعنَى بالسنة ظاهرًا لا باطنًا أمام الناس، لا في خلواته، وهذا ضربٌ من أضرُب النفاق، وضربٌ من أضرُب الرياء، وهو بِضاعةُ إبليسَ التي درجَ بها على هؤلاء، شعروا أو لم يشعروا، ولهذا ربما يأتيه من هذا الجانب؛ إذ يرى فيه حُبًّا للسُّنة، وتعظيمًا لها، وتطبيقًا لها، فيَزيدها في قلبه وهو لا يشعر فيما يكون أمام الناس؛ في عبادته، في صلاته، في ذِكْره في غير ذلك، أما في خلواته فإنه لا يُعنى بها، وهذا مدخلٌ عظيم من مداخل الشيطان، يفترس فيه أولياءه وهم لا يشعرون، فليُفطَن لهذا.

 

ومن هذا الأصل، ومن هذا المظهر - ظهَر ما نراه من عناية الكثيرين بالسنَّة المستحبة، في مقابل تَضييعِهم الفرضَ الواجب؛ في رمضان نجد من الناس من يُعنى بالتراويح، بتتبع الأصوات والمساجد، وإذا نظرت إليه في الفريضة إذا هو مفرط فيها، ومن النساء مَن تخرج إلى صلاة التراويح في المسجد متعطِّرة متزينة، تُحَصِّلُ سنة في سبيل ارتكاب المحرَّم! وهذا من مداخل الشيطان.

 

وأحسنُ ما رأينا في بيان هذه المداخل، ونجاة الناس منها كتاب ابن القيم "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان"؛ فإنه نوَّع في أنواع المصائب التي يصيب بها الشيطان، ويلقي شباكه على الناس وهم لا يشعرون.

 

وَاتِّبَاعُ سَبِيلِ الأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَاتِّبَاعُ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

ومن طريقة أهل السنة والجماعة اتباعُ آثارِ الصحابة، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ممَّن لهم السابقة؛ سابقة الإيمان والهجرة والجهاد، وصُحبةِ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مرَّ معنا بيانُ مَراتب الصحابة في الفضل، ورتَّبناها إلى مراتب، فأهل السنة يعظمون آثار الصحابة، بل يتلمسون معانيَ القرآن، ومعانيَ الأحاديث بآثار الصحابة؛ لأنهم هم الذين شهدوا التنزيل، وعليهم نزلَت الأحكام، وهم رضي الله عنهم أول من خُوطِب في الكتاب والسنة في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة: 104]؛ ولهذا يُعنى أهل السنة بآثارهم، لكن لا يدعون لآثارهم المكانة التي يجعلونها لمكان النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فإن مَجالسهم وعلومهم، وتصانيفهم وتدريسهم محشوَّةٌ بآثار الصحابة مع آيات القرآن وأحاديث النبي، ويفعلون ذلك لأن هؤلاء هم أهل النجاة، وهم الذين أُمِرنا باقتفاء طريقتهم؛ كما في حديث العِرْباض بن سارية رضي الله عنه، الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنَّة، قال: وَعَظَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجَلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ: ((أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا))[1]، وقد وقع ما أخبَر به صلى الله عليه وسلم، والاختلاف يزداد وينتشر، ويتفرَّع ويكثر، كلما بعد الناس زمانًا وحالاً عن زمن النبوة، فالافتراق في زماننا أكثر منه في الزمان الماضي، والزمن القادم أكثر منه في الزمن الحالي، فقال:

حَيْثُ قَالَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي)):

ذكر الْمُستْعَصْمَ من هذا الاختلاف والافتراق، والنجاة من هذا التشرذم، فقال: ((عليكم بسنتي))؛ أي: ديني وطريقتي التي علمتكم إياها.

 

((وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي)): الخلفاء هم الذين يخلفون النبي، ويَخلُف بعضُهم بعضًا، والراشد الذي عمَلُه صائب موفَّق؛ لأنه قائم على ما جاء عن الله، وعن رسوله، والمهديُّ الذي يعمل بهدى من الله، وهذا نوع من أنواع الكرامة في العلوم، وفي التأثير، وفي القدرة.

 

وقد اتفق العلماء على أن الخلفاء الأربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا رضي الله عنهم هم أعظم الخلفاء الراشدين، وألحقوا بهم عمرَ بن عبدالعزيز، وجاء النصُّ في أبي بكر وعمر بالذات في قوله صلى الله عليه وسلم: ((اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي؛ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ))[2]، وقوله: ((بعدي)) يُخرِج الخلفاء الراشدين قبلَه في الملوك السابقين قبله.

 

((تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)): أي: تمسكوا بهذه السنة والطريقة. والنواجذ هي الأنياب، أو الأضراس، وهذه مبالغة وكنايةٌ عن شدة التمسك، وعدم المجاملة في أمر الاستمساك بالسنة، بل تكون عندك مستمسكًا كأنك عاضٌّ عليها بنواجذك.

 

ثم ذكَر ضدَّ السنن، فقال: ((وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ)):

كل أمر محدَث مبتدَع مخترَع في الدين فاحذَرْه واتَّقِه وتجنَّبْه، بل وفي أمر الدنيا مما يتوقف عليه أمر الدين؛ كأمر الاجتماع، والولاية، والإمارة، فالأمر المحدث اجتنبه؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

((فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالةٌ)): (كل) مِن ألفاظ العموم، وهذا الصادق المصدوق يقول: ((كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالةٌ))؛ فلا يمكن أن يتأتى ما يقوله بعض الناس، وخصوصًا المبتدعة أن هناك بدعًا حسنة، وبدعًا قبيحة، بل هذا اعتراض على تعميمه صلى الله عليه وسلم، ثم منهم من يقول: إن البدع تنقسم بحسَب أقسام الحكم التكليفي أنها قد تكون: واجبة، ومكروهة، ومحرَّمة، وسنة، ومباحة. وممن قال ذلك العزُّ بن عبدالسلام، وتبعه عليه بعض الحفاظ، وهذا غلط؛ لأنه تقسيم للبدعة على غير تعميم النبي صلى الله عليه وسلم، ودل على أن أعظم ما ينافي ويناكف طريقة الرسول هي البدع؛ ولهذا فإن أهل السنة أشد الناس تحذيرًا من البدع.

 

وَيَعْلَمُونَ أَنَّ أَصْدَقَ الْكَلامِ كَلامُ اللهِ:

أي: ويعلم أهلُ السنة أن كلام الله أصدقُ من كل أحد. وحتى من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلام النبي نوعان: كلام خاص به من نفسه، وكلام هو وحي يوحيه الله إليه. والكلام الذي يوحيه الله إليه هذا مِن كلام الله، أما كلامه الذي من نفسه كما كان في أمرِ تأبير النخل، وأمثال ذلك، فكلامُ الله أصدقُ منه، ولا يَضير ذلك رسولَ الله؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ [آل عمران: 95]، ويقول: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾ [النساء: 87]، ويقول: ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122].

 

وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَيُؤْثِرُونَ كَلامَ اللهِ عَلَى كَلامِ غَيْرِهِ مِنْ كَلامِ أَصْنَافِ النَّاسِ، وَيُقَدِّمُونَ هَدْيَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَدْيِ كُلِّ أَحَدٍ؛ وَلِهَذَا سُمُّوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ:

خير الهدي هو خير الطرق والمنهاج والمناهج، فخير طريقة ومنهاج هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث رُوِي فيها بضبطين: ((وَأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ))[3] ((وَأَنَّ خَيْرَ الْهُدَى))[4] هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وكلاهما بمعنى متفق، فالْـهَدي والْـهُدى هو الطريقة؛ أي: السنة. ولهذا فإن أهل السنة والجماعة يؤثِرون أن يقدموا ويعظموا كلام الله على كلام غيره من أصناف الناس؛ بَرِّهم وفاجرِهم، صالحهم وطالحهم، رَسولهم والمرسَل إليهم، ويقدمون هديه صلى الله عليه وسلم على كل هدي، وطريقتَه وحكمه على كل حكم؛ ولهذا يعتقدون في نواقض الإيمان أن مَن اعتد أن طريقة غير الرسول أحسنُ من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه فقد كفر.

 

ولهذا فالدساتير التي يُحكَم بها هي تنظم أمور الناس في المعاش، بمعنى أنها طريقة ومنهاج لهم، أما نحن فاكتفينا بهذا وكُفِينا بطريقة النبي وحكمه وهديه، فلا أحسنَ ولا أكمل من هديه وحكمه، وبهذا سُمُّوا أهل الكتاب؛ لتعظيمهم واتباعهم الكتابَ، وسموا أهلَ السنة؛ لتعظيمهم واتباعهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

فتسميتهم بأهل الكتاب والسنة لأنهم الذين عظموا سنَّته وهديه؛ ولهذا في حديث الافتراق لما ذكر: ((كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً))، قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قاَلَ: ((مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي))[5]؛ أي: إن طريقته تطابق طريقة سنته صلى الله عليه وسلم.

 

وَسُمُّوا أَهْلَ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ هِي الاجْتِمَاعُ:

وسموا الجماعة لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الافتراق، فاجتمعوا على الحق ولم يَفترقوا، وليس القصدُ بالجماعة كثرةَ العدد كما يظنُّه الناس، فالجماعة والحق الذي معها لا يُناط بالكثرة أبدًا، والدليل أن الله تعالى قال: ﴿ وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [يوسف: 103]؛ فأكثرُ الناس غير مؤمنين، وليست الجماعة مَنوطةً بالكثرة، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، بل ذكر الله تعالى عبدًا من عباده، وهو إبراهيم الخليل عليه السلام بأنه أمَّة في آخر سورة النحل: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [النحل: 120]؛ قالوا: ولم يكن مؤمنًا موحِّدًا في زمنه إلا هو، لكن لَمَّا كان إيمانُه بهذا الثَّبات وهذه العَظَمة جعلَه الله كإيمان الأمة، فالحق لا يُعرف بكثرة أتباعه، ولا بكثرة المنتسِبين إليه، ولا بكثرة العدد، وإنما الحق بقوة ما هو عليه، والجماعة المجتمعون على الحق الموروث عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كانوا قِلَّة.

 

وَضِدُّهَا الْفُرْقَةُ:

ضد الاجتماع: الافتراق، فالافتراق كله مذموم، والاجتماع ممدوح، والاختلاف منه ما هو مذموم ومنه ما هو ممدوح:

فالاختلاف المذموم كل خلاف أوصل إلى فرقة، أو إلى تعصب، أو إلى مذمة الغير، أو اختلاف في مقابل الأدلة والحجج الصحيحة - فهذا مذموم؛ يُذم عليه فاعله، وعلى هذا تُنَزَّل النصوص والأدلة التي فيها مذمَّة الاختلاف.

 

ويأتينا اختلاف ممدوح وهو الاختلاف بتلمس الحق من الدليل، ويدخل فيها اختلاف التنوع؛ كاختلاف العلماء وغيرهم في تفسير الآيات على ما تقتضيه اللغة، وتحتمله معانيها، فهذا اختلاف ممدوح، وهو المسمى باختلاف التنوع، وأما الأول باختلاف التضاد.

 

لَمَّا ذكَر الاجتماعَ وأنه ضد الافتراق، وأن أهل السنة سُمُّوا الجماعةَ أو أهلَ الجماعة؛ لاجتماعهم على الحقِّ وإن قل عددهم، ونأَت ديارهم، فقال:

وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ قَدْ صَارَ اسْمًا لِنَفْسِ الْقَوْمِ الْمُجْتَمِعِينَ:

أي: إنه صار يُطلق في نفسه على القوم المجتمعين، فيُقال للجماعة: جماعة المسجد، وجماعة الأقارب، وجماعة المجتمعين في مكانٍ ما، ثم نُوِّع في الجماعات.. كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة حِزب التحرير، وجماعة كذا وكذا، فيُصبح لفظ الجماعة مُضافًا إلى وصفٍ يُقيِّدها، وليس هذا هو المرادَ بالجماعة، وإنما المرادُ بالجماعة جماعةُ المسلمين المجتمعون على الحق، الذي هو السُّنة.

 

وفي الغالب الأعمِّ المطَّرِد لا بد لهؤلاء الجماعةِ مِن إمام لهم، في أعناقهم له بيعة، يَسمعون له بها ويُطيعون، لكن قد يَأتي زمانٌ في آخِر الزمان، أو في بعض الأطراف البعيدة تكون جماعةٌ مجتمعون على الحق وليس لهم إمام، بل مستضعفون تحت حُكم غيرهم، وهذا يقع، ووقوع هذه الحالة لا يُخرج هؤلاء من وصف الجماعة الحقَّة؛ لاجتماعهم على الحق، لكن عنوان هذه الجماعة وأساسها، وعلامتها الصحيحة أن يكون لهم إمامٌ قد أعطَوه صفحَة أعناقهم بالسَّمع له والطاعة.

 

ولَمَّا ذكر هذا وذكر الأصلين وهما الكتاب والسنة قال:

وَالإِجْمَاعُ: هُوَ الأَصْلُ الثَّالِثُ:

الإجماع هو الأصل الثالث لمصادر تلقي العقيدة، والاستدلال عليها.

 

الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ:

الدين يَعتمد على الكتاب العزيز، وعلى السُّنة الصحيحة، وعلى الإجماع، وكذلك العلم، و(أل) في (العلم) أي: العلم المعهود في فَضلِه، والحرص عليه، وهو علم الشريعة. يقوم على هذه الثلاثة، وهي مصادر تلقي العقيدة.

 

وفي التشريع يُضاف على الكتاب والسنة والإجماعِ: القياسُ، ويدخل في القياسِ مسائلُ الاجتهاد.

 

وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِهِ الأُصُولِ الثَّلاثَةِ:

الضمير (هم) يعود على أهل السنة، وأنهم يَزِنون الناسَ بمعنى يَحكُمون عليهم، ويُخطِّئون المخطِئ ويُصَوِّبُون المصيبَ، ويُعَدِّلُون ويجرحون؛ بناء على هذه الأصول الثلاثة.

 

فهذه المعاييرُ الثلاثة - الكتاب، والسنة، والإجماع - هي معايير تقويم العباد في أسمائهم، وأحكامهم، أما أهل البدعة وأهل الأهواء فإن ميزانهم الذي يزِنون به الناس هو الهوى، ويزِنون الناس بأصولهم التي تلقَّوها عن أشياخهم، وعن أحزابهم، وعن جماعاتهم، وللأسف فإن هذه المعايير تغيب عند الناس فيُظهرها قولاً، ثم يُخالفها بفِعله وتطبيقِه، وربما يدَّعيها ثم يخالفها بتطبيقه وعمله، وربما ينتسب إليها في أول الأمر، ثم يسترسل مع هواه ورغبته وشيطانِه، وأهواءِ جَماعته وجُلَسائه، إلى أن يكون وَلاؤه وبَراؤه وزِنَة الناس به على أصول جماعته التي تلقَّاها عن شيخه، وعن رُبعه، وعن حِزبه، وهذه من الدواخل العظيمة، وهي من أعظم الصَّوارف عن السنَّة، وإن زعَم أهلُها أنهم يتبعونها، فالعبرة ليست بمجرد الدعوى، وإنما العبرة والاعتبار في حقيقة الانتماء، وحقيقة إظهار اتباع طريقة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه.

 

جَمِيعَ مَا عَلَيهِ النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ بَاطِنَةٍ وَظَاهِرَةٍ:

فأقوالهم يَعرضونها على هذه الأصول؛ فإن كانت عبادةً قولية؛ هل جاء بها الشرع؟ هل جاءت بها السُّنة؟ هل عليها الإجماع؟ فإن كان كذلك فالحمدُ لله، وإلا ردُّوها، وإن كان فعلاً كذلك، وإن كانت اعتقادًا (الأعمال الباطنة) كذلك، فالميزان هذه الأصولُ الثلاثة من أقوالٍ وأعمال ظاهرة وباطنة.

 

مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ:

أي: مِن أمور الدين، ويَدخل "مما له تعلُّق بالدين" في السياسات الشرعيَّة، أما أمور الدنيا المحضَةُ؛ كالصِّناعات، والزراعات، والاختراعات، والمصالح الدنيوية المحضة، التي لا تعلق لها بالدين فإنَّهم لا يَربِطونها بالكتاب والسنَّة والإجماع؛ لأن الكتاب والسنَّة والإجماع فيما له علاقة بأمر الدين، أو ما له تعلُّق بالدين، وإنشاء المصانع إذا أراد شخصٌ أن يَأخذ رخصةَ مصنع فإننا لا نقول له: أعطِنا الدليل من الكتاب والسنة والإجماع؛ لأن هذا ظلم، فهذه من أمور الدنيا المحضة، وكذا إشارة المرور لا تعلُّقَ لها بالدين، إلا فيما يتعلَّق بالسمع والطاعة ومَصالح الناس، أما هي فأمور دنيوية محضة، وهكذا.

 

وَالإِجْمَاعُ الَّذِي يَنْضَبِطُ:

الإجماع هو الأصل الذي يُعتمد عليه في العلم والدين، والإجماع كثيرٌ مَن يدَّعيه، والإجماع المنضبط الذي يُمكن أن يُفتى به إجماعًا ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة، والتابعين، وتابعي التابِعين؛ أي: إلى القرن الثالث.

 

هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ:

هؤلاء يُجمِعون، ويُضبَط إجماعهم؛ لأنهم مَحصورون في الزمان والمكان؛ فزمانهم القرونُ الثلاثة، وأماكنهم في أمصار المسلمين؛ مكة، والمدينة، وبلاد الشام، والعراق، ومصر، وما انتشر بعدُ في الآفاق.

 

إِذْ بَعْدَهُمْ كَثُرَ الاخْتِلافُ وَانْتَشَرَتِ الأُمَّةُ:

بعد هؤلاء القرون المفضلة كثر اختلاف الناس، وكلما ابتعَدوا زمانًا عن زمان النبوة وزمان الصحابة كَثرَت الاختلافات، وانتشرَت الأمة حتى بلَغوا أقاصيَ الدنيا وأدانيَها، هذا هو الإجماع المنضبط؛ ولهذا فالإجماع ينضبط في أصول الدين، وأصول الإيمان، وأركان الملة، أما إذا حكى إنسانٌ إجماعَ المتأخرين في المجامع الفقهية مثلاً على مسألة فلا ينضبط ذلك؛ فقد يأتي مَن يُخالفه، أو يُبحث في التصانيف عمَّن يخالف، ولهذا قال الإمام أحمد: "مَن يدَّعي الإجماع فهو كاذب"؛ أي: في غير مسألةٍ اسْتُقِرَّ على الإجماع فيها، وضُبِط في القرون المفضلة.

 

وكان مِن أحفظ الناس، وأكثرِهم عنايةً بالإجماع في القرن الثالث محمدُ بن نصرٍ المَرْوزيُّ، الملقَّب بالشافعي الثاني، توفي عام 294ﻫ، له كتاب اسمه (اختلاف الفقهاء)، وهو مِن أضبَطِ الناس في حكاية الإجماع، وبعده يأتي شيخُ الإسلام ابن تيميَّة، وابن المنذر، وابن عبدالبر، حكاياتهم للإجماع تحت النظر والدراسة، فأحيانًا يَذكرون الإجماع ويُريدون به إجماعَ المذاهب الأربعة، أو قولَ جماهير الفقهاء.

 

والوزير ابن هُبيرة مِمَّن له عناية بالإجماع في كتابه (الإفصاح)؛ فإنه إذا ذكَر وقال: "اتفقوا"؛ أي: الأئمَّة الأربعة، وإذا قال: أجمعوا فإنَّه يَعني علماءَ المسلمين، فالمرادُ بالإجماع إجماعُ العلماء الذين لهم الاجتهاد في الحكم، وفي الفتيا في هذا الذين؛ فهؤلاء إجماعُهم معتبَر، والرعايا وعامَّةُ الناس لهؤلاء تبع، يتبعون هؤلاء العلماء.



[1] رواه الترمذي (2676)، وأبو داود (4603)، وابن ماجه (42)، ورواه أحمد (4/ 126، 127).

[2] رواه أحمد (38215)، والترمذي (3662)، وابن حبان (6902)، والحاكم (3/ 75)، من حديث حذيفة رضي الله عنه.

[3] رواه مسلم (867)، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.

[4] نفس السابق.

[5] تقدم تخريجه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • مطويات
  • صوتيات
  • خطب
  • كتب
  • مرئيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة