• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيريد. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري شعار موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
شبكة الألوكة / موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / محاضرات مفرغة


علامة باركود

وقفات قبل أن يقع غش الامتحانات

وقفات قبل أن يقع غش الامتحانات
د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري


تاريخ الإضافة: 28/2/2016 ميلادي - 19/5/1437 هجري

الزيارات: 46153

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات قبل أن يقع غش الامتحانات

 

الحمد لله ولي الصالحـين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، الأمي الذي علم المتعلمين، صلى الله عليه وعلى صحبه وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين، ثم أما بعد:

فإننا جميعًا هذه الأيام طلبة ومدرسين، أباء وأخوة، نستعد لاستقبال موسم الامتحانات، العاصفة المترقبة والكابوس الجاثم كما يحلو لجمع من الطلبة أن يسموه، والهـم والقلق كما يصفه بعض الأباء، وحرب الأعصاب والإزعاج المحرج عند كثيرٍ من المدرسين، ولا أريد أن أتناول مسألة تحول الامتحانات من أداة للتقـويم إلى عملية للتقـييم؛ يمارس فيها الطالب ما آتاه الله من حواس السمع والبصر والشم واللمس، والذوق أحيانًا، ويستعد لحربها بما حل وحرم من الأساليب التي يخرج بها منتصرًا، ولو إلى حين تسليم الشهادة لأبويه ليفلت من العقاب، أو إلى حين رؤية أصدقائه لها ليفـوز بلذة الاحتفاظ بالمراكز!!

 

وولوجًا في أصل ما نطرحه، فسأعرض هذه الظاهرة: "ظاهرة غش الامتحانات" في تسـع وقفات: تعريف الغش، صـوره، انتشاره، أضراره، حكمه، أسبابه، عـلاجه، شبهات حول تحريمه، ثم مسائل وأحكام متعلقة بهذا الأمر، واسأل الله تعالى أن ينفع بهذه الوقفات، وأن يضعها المخاطبون بها نصب أعينهم قبل الخوض في اختبارات هذا العام. [1]

 

الوقفة الأولى: تعريف الغش:

الغش بالكسر في اللغة: نقيض النصح، يقال: غش صاحبه: إذا زين له غير المصلحة، وأظهر له غير ما أضمر، ولبن مغشوش: أي مخلوط بالماء.

 

قال المناوي: "الغش ما يخلط من الرديء بالجيد".


وقال ابن حجر الهيثمي: "الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل".


وقال الكفوي: "الغش سواد القلب، وعبوس الوجه، ولذا يطلق الغش على الغل والحقد".

 

الوقفة الثانية: صوره:

تعددت فنون التحايل على المدرسين المتثقفين والمدربين على أساليب الغش؛ لتجدد على كل رأس سنة ثوبها، وتصوغ أشكالها، بحسب تخطيطات عصابة احتراف الغش والبراشيم، ومن أشهر مظاهر هذا السلوك ما يلي:

• تلفت الطالب لينقل بعض الإجابات من ورقة زميله، أو تصويب النظر البعيد في ورقـته.

 

• سؤال التلميذ زميله أثناء الامتحان عن إجابة السؤال، وأخذها شفوياً منه، أو بالإشارات.

 

• إعداد التلميذ لإجابات بعض الأسئلة المتوقعة على ورقة صغيرة، أو كتابتها في راحة يده أو ساقه أو سير ساعته أو على وجه مقعده أو الحائط الذي بجانبه، أو في كراسة يضعها تحت ورقة الإجابة، ثم قيامه بنقل الإجابة المطلوبة منها.

 

• التفنن في إخفاء ورقة الغش، و من ذلك صور:

♦ أن يضعها داخل القلم أو بين ثنايا الحزام أو على ظهر الحاسبة أو تحت طرف القميص.

 

♦ ومن أعجبها أن يعطف طرف بنطاله، وتظن أنه يخاف من إثم الإسبال، لكنه أثناء الامتحان يرفع رجلاً على رجل، ويغافل المراقب ثم يسحب ورقة الغش من ثنايا كم البنطالون.

 

• فتح التلميذ للكتاب المقرر أو الملخص، ونسخ الإجابة حرفياً منهما.

 

• نقل التلميذ في بعض الحالات الإجابة المطلوبة من مصدر خارج الغرفة الدراسية، بواسطة زميل آخر.

 

• كتابة أجوبة الأسئلة المتوقعة على السبورة، ومسحها مسحًا خفيفًا؛ يعمى على المراقب ويتفطن له الطلاب.

 

• تناقل الطلبة أوراق الأسئلة المحلولة أو أوراق الإجابات نفسها، والغش منها.

 

• إخراج ورقة محفورة عليها الإجابات بواسطة قلم لا حبر له، واستعمال هذه الورقة في إجابة الامتحانات الشهرية أو كمساعدة في الامتحانات النهائية.

 

• طريقة التشويش الجماعي؛ حيث يتفاجأ المراقب بأصوات جماعية تصدر من كل مكان، دون أن يستطيع تحديد مصدر الصوت بالضبط أو ما يقال، فيستسلم للأمر الواقع..

 

• طريقة تناقل المعلومات، لما عمدت إدارات المدارس إلى التفريق بين الطلبة الممتحنين؛ حيث يجلس بين كل طالبين من صف واحد طالب من صف ٍآخر، وبالرغم من هذا الإجراء فقد وجد الطلاب وسيلة لتناقل الأجوبة عبر الطالب الذي يؤدي خدمة الوسيط تعاونًا وجميلاً لثلة الغشاشين.

 

• ومن الجديد الذي لا يُـنتبه له:كتابة الإجابة بحروف إنجليزية، بمعاني عربية؛ لا يتنبه المراقبون أنها إجابة لنفس الامتحان.

 

• تصغير أوراق الغش إلى 5% أو 10% باستخدام بعض آلات التصوير، أو برامج الحاسوب، وقد أصبح الغشاشون مشهورون في الفترة الأخيرة عالميًا، حيث يصغر الغاش الإجابة أو الرسمة إلى حد يصعب لأحد اكتشافه، ثم ينشرها لمن يريدها عبر الانترنت!!.

 

• ومن الطرق الجديدة استخدام الحاسبة المخزنة للمعلومات، وإن كانت هذه الطريقة تكشف بسهولة، لكن يكون الطالب قد حصل على ما يريد منها قبل ذلك.

 

• ومن الطرق العصرية في الغش والتي انتشرت في مجتمعنا ويصعب اكتشافها: أن بعض الطالبات أخفين جهاز التسجيل الذي يحوي إجابة أسئلة المادة أو الهاتف المحمول مع وصلهما بسماعات إلى الأذنين تمرر من تحت غطاء الرأس، ثم تبدأ الطالبة في الاستماع إلى الإجابة من المسجل، أو عبر جهاز الجوال من زميلتها التي سبقتها بالخروج من قاعة الامتحان.

 

♦ وقد اقترح بعض المحامين في سوريا عندما انتشرت هذه الظاهرة في الجامعات السورية: استخدام تقنية بسيطة لكشف مثل هذا النوع من الغش من خلال راديو يتم تشغيله، ويمر المراقب بجانب الطالبات وعند حدوث تشويش فهذا يعني أن هاتفا نقالا في وضعـية العمل.

 

• ومن ذلك أيضًا:استخدام رسائل الجوال ومسارقة النظر إلى المحمول بين فترة وأخرى‍.

 

• ومن أقبح مظاهر الغش في الامتحانات: ما يفعله بعض الطلبة الجهال من تمزيق صفحات من المصحف لاستخدامها كوسيلة للغش في مادة القرآن الكريم، بل وأقبح وأفضع من ذلك: ما حدثني به بعض الأخوة الأساتذة من أنه عثر على طالب قد كتب آيات من القرآن الكريم على مدعس حذائه، وآخر كتب عليه أسـماء الله الحسنى، والعياذ بالله ‍‍؟؟.

 

♦ وليعلم أني لم أذكر هذه الصور ليتعلمها الطلاب، فهم يعرفون كل جديد في هذا الباب، ويستهويهم التحدث بل والتبجح بين أقرانهم بمثل هذه الأساليب، لكني ذكرت ذلك ليتنبه المراقبون إلى تفنن الطلاب المستميت لأجل الغش؛ ولئلا يكونوا أضحوكة عند هؤلاء الطلبة.

 

الوقفـة الثالثـة: انتشـار ظاهرة الغش بين طلابنـا:

إن معصية الغش لم تعـد مجرد أفعال شاذة من شرذمة من الطلبة السيئين، بل أصبحت ظاهرة منتشرة في أوساط الطلاب، حتى الجيدين والطيبين منهم، والله المستعان، وأصبح النادر أن تجد العكس؛ من لا يغش ولا يُغشش؟؟، بل وأصبح عدد من أولياء الأمور والأخوة الكبار هم من يعلم ويحث الطلاب على تعاطي هذا الأمر، أو ابتكار الجديد فيه والتبجح بفعـله..

 

ومما يبين حجم تفشي الظاهرة واستحلالها، والعياذ بالله، الصـور التالية:

• شدد المدرس في أحد الفصـول في المراقبة على الطلاب ومنع أي وسيلة للغش، ومع مرور الوقت كثرة الاحتجاجات من الغشاشين، ورمي المراقب بالتـشدد، حتى انفجر بعض الطلبة وتشنج، وأصابته حالة من الهـستيريا.

 

• قبض على طالب متلبسًا بحالة غش في بعض المدارس، وأُرسل إلى أبيه ليشهد المفاجأة، وإذ بالطالب في الصف التمهيدي؛ أي ما قبل الأول الابتدائي، ويتعاطى هذا الأمر!!.

 

• يقبض على طالب آخر متلبسًا بالغش من أوراق أدخلها معه قاعة الامتحانات، ويطالب بتسليم الأوراق؛ فيرفض بشدة، ويتضارب مع المراقبين، ويتبجح بكل جرأة مدافعًا عن حقه في هذا العمل، وانعـدم الحياء منه أو الخجل.

 

• ومما يدل على انتشار هذه الظاهرة: ما حصل في بعض المناطق عندنا، من تجوال بعض الأباء من وراء أسوار المدرسة، وهم يصيحون بالإجابات لأبنائهم الممتحنين.

 

• ومن أغرب تلك المظاهر: أنه ضبطت حالات في مصر لطلاب أكفاء البصر (عُميان) يمارسون الغش بطريقة برايل ‍‍‍؟؟.

 

♦ هذه المظاهر تقارب إلى حد كبير الواقع المشاهد لأكثر المدرسين، وتنبئ بضعف شديد في جانب التوعية للحـد من هذه الظاهرة المتفشية.

 

الوقفـة الرابعـة: الأضرار المترتبة على الغش:

قبل أن نتكلم في ضرورة معالجة ظاهرة الغش المتفشية بين الطلاب، وقبل أن نبين حكم هذه المسألة وما يتعلق بها من تبعـات، نجلي الضرر البالغ الذي تصنعه هذه المعصية في الحال وفي المآل، فمن ذلك:

1. الظلم والتعدي على الآخرين، فالغاش خادعٌ لغيره ومستحلٌ لأمر لا يحل له، كما أنه متعـد ومتخط لمن هو أولى وأجدر منه من الطلاب المجيدين، والذين لم يستخدموا هذا الأسلوب الملتوي.

 

2. أن الشهادة التي يحصل عليها الطالب نتيجة هذا الغش تعتبر شهادة زور؛ ليس أهلاً لها ولا لما تخول حاملها من صلاحيات وحقوق.

 

3. تدني المستوى التعليمي للطلبة الغشاشين، وتحطيم مستوى التلقي عندهم والاستيعاب، وبعث اليأس والقنوط في نفوس الطلاب المجـدين.

 

4. فقدان الثقة في الشهادات، ومن ثم التشكيك في مقدرات حامليها.

 

5. كما يؤدي ذلك إلى انحطاط الأخلاق وتدنيها، وتربية الطالب من صغره على التجاوزات والاستخفاف بالمحرمات.

 

6. أنه طريق لحرمان إجابة الدعاء، وطريق لحرمان البركة في المال والعمر.

 

7. أنه سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال ابن حجر الهيثمي: "ولهذه القبائح - أي الغش - التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً ".

 

قال فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: لا يجوز الغش في الامتحانات، لأنه غش؛ و لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من غشنا فليس منا"، وفيه ضرر عمومي للأمة كلها؛ لأن الطلبة لو اعتادوا الغش كان مستواهم العلمي ضعيفاً، وأصبحت الأمة غير ذات ثقافة ومحتاجة إلى غيرها، ولأصبحت حياة الأمة ليست حياة جد..

 

وقال أيضًا رحمه الله: الغش في الامتحان من أعظم ما يكون خطراً؛ لأن خطره ليس كخطر المال الذي من أجله ورد الحديث، بل هو أعظم؛ لأنه خيانة للأمة جميعاً، فالطالب الذي ينجح بالغش معناه أنه هيأ نفسه لأن يتبوأ مركزاً عظيماً بقدر ما تؤهله هذه الشهادة وهو في الواقع لا يستحقه، وحينئذ يكون وجوده في هذا المركز الذي لا يناله إلا من نال هذه الشهادة ضرراً على المجتمع.

 

الوقفة الخامسة: حكمه:

لقد ذمّ الله عزّ وجلّ الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، قال جل وعلا: ﴿ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينْ * الّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾ [المطففين:1 - 3].

 

وكذلك حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعّد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: « ما هذا يا صاحب الطعام؟ » قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: « أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني » وفي رواية « من غشنا فليس منا » وفي رواية « ليس منا من غشنا » [رواه مسلم].

 

قال الخطابي رحمه الله: معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا، وقال ابن رشد رحمه الله: أي ليس على مثل هدانا وطريقتنا.

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام، وقد حسنه صاحبه، فأدخل يده فيه فإذا طعام رديء، فقال:" بع هذا على حدة، وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا"، رواه أحمد.

 

قال المناوي رحمه الله: (من غش أي خان، والغش استرحال الشيء، "فليس منا" أي من متابعينا؛ قال الطيبي: لم يرد به نفيه عن الإسلام، بل نفي خلقه عن أخلاق المسلمين، أي ليس هو على سنتنا أو طريقتنا في مناصحة الإخوان، كما يقول الإنسان لصاحبه: أنا منك؛ يريد الموافقة والمتابعة؛ قال تعالى عن إبراهيم: "فمن تبعني فإنه مني").

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار"، رواه الطبراني في الكبير والصغير بإسناد جيد، وابن حبان في صحيحه.

 

قال الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا الغش، وقالوا: الغش حرام.

♦ بل عد بعض المحققين من أهل العلم أن لفظة:" ليس منا" تدل على أن هذا الفعـل من كبائر الذنوب.

 

قال سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: الغش في الامتحان وفي العبادات والمعاملات محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا"، ولما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة في الدنيا والآخرة، فالواجب الحذر منه والتواصي بتركه.

 

وقال فضيلة الشيخ ابن جبرين حفظه الله: لا يجوز الغش في الامتحان ولا إعانة الغاش على شيء من ذلك، سواء بالكلام الخفي أو تمكين المجاور من نقل الجواب أو بعضه، أو غير ذلك من الحيل، لما فيه من الضرر على المجتمع؛ حيث إن هذا الغاش يحمل مؤهلاً لا يستحقه؛ فيولى ما ليس له بأهل، وذلك ضرر وغرر، والله أعلم.

 

وقال الشيخ العثيمين رحمه الله في بيان حرمة الغش وخطره: إن الغش في الامتحانات من أعظم الغش لأنه يترتب عليه راتب ومرتبة؛ فإن المتخرج إذا نال الشهادة صار في مرتبة معينة مما يتولاه من شئون الدولة، وصار له راتب معين من بيت مال المسلمين، وهذا الراتب وتلك المرتبة لا يحل أن ينالهما إلا إذا أدى تلك الشهادة على وجه الحقيقة؛ فإذا كانت مزيفة فمعناه أنه سيستحل مالا بسبب مزيف لا حقيقة له، وحينئذ يكون استحقاقه لهذا الراتب استحقاقا بباطل، وما أخذ بالباطل فهو باطل، كذلك أيضا هو يستحق بهذه الشهادة مرتبة معينة من شئون الدولة يتولى فيها أمور المسلمين، فإذا كان يتولى أمور المسلمين بحسب هذه الشهادة المبنية على الغش؛ فمعناه أنه تولى أمورًا للمسلمين ليس أهلا لها، وحينئذ يكون غير مستحق لما تولاه فيكون من المقسطين الجائرين، وعلى هذا يتبين خطر الغش في الامتحان وأنه ليس أمرًا بالهين؛ لان الإنسان ينال به ما لا يستحق من راتب أو مرتبة فيكون قد بنى حياته ومستقبله وعمله على أمر باطل.

 

وأجاب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من سأله ما حكم الشهادة لمن حصل عليها بعد أن غش في الإنجليزية، وقد رسب بسببها ثلاث سنوات؟


فأجاب رحمه الله: النتيجة هذه ليست نتيجة الواقع، لأنه بقي عليه مادة من المواد لم ينجح فيها،فالشهادة لا تعطى إلا لمن نجح في جميع المواد المقررة؛ فعلى هذا فأمره محرج، لكن أقول، لعله إذا تاب إلى الله عز وجل ودخل في الجامعة في مواد لا تتنافى مع ما فاته من دروس الثانوية لعل الله أن يعفو عنه، وأن يستمر في دراسته في الجامعة حتى ينجح.

 

الوقفـة السادسة: أسباب انتـشار ظاهرة الغش في الامتحانات:

إن معرفة أسباب انتشار هذه الظاهرة يجعلنا ندرك وإلى حد كبير كيفية الحـد منها ومنع تعاطيها، والأسباب التي ساعدت على انتشار هذه الظاهرة كثيـرة جـداً، بعضها مباشر وبعضها غير مباشر، وحتى لا يتشتت الأمر، فحقيقة الحال أن أهم أسباب وقوع وانتشار الغش في الامتحانات، وأقربها للواقع ثلاثة أسباب:

1. ضعف الوازع الديني عند كثير من الطلاب والمراقبين، مما يدفع هؤلاء إلى التساهل في الوقوع في هذه المعصية، أو استحلالها والعياذ بالله.

 

2. تدني المستوى العلمي للطلاب أو المعلمين،وتقييم هذا المستوى على أساس امتحانات الورقة والقلم فقط؛ مما يدفع كثيرًا من الطلاب إلى محاولة تحسين هذا المستوى بشكل خاطئ،ويجعل من حولهم يتساهلون في الأمر أو يشجعونهم عليه تشبعًا بما لم يعطوا.

 

3. أما وقوع الغـش من الطلبة المتفوقين، فهو غالبًا للتأكد من صحة إجابة، أو خوفًا من فوات درجة التفوق، وأكثر ما يقع من هذه الفئة من الطلاب تغشيش غيرهم؛ خوفًا من زميل أو طلبًا لحسن صداقته.

 

وقد حاولت بعض الدراسات معرفة أسباب الغش كما يدركها الطلاب أنفسهم، فمثلاً خلصت إحدى الدراسات إلى أن «ضغط العلامة» أي الرغبة القوية في الحصول على درجات تكفي لقبول الطالب في كلية أو معهد، أو للحفاظ على معدل تراكمي جيد يتماشى مع متوسط درجات الطالب تدفع أعداداً غير قليلة من الطلبة لممارسة الغش في الاختبارات.


الوقفـة السابعة:عـوامل يمكن أن تحـد من هذه الظاهرة وتساعد في علاجها:

نتكلم في هذه الوقفة على محورين:

♦ نذكر أولاً بعض المقترحات الوقائية للحد من انتشار الغش:

1. توعية الطلاب في المدارس عن حكم الغش وحرمته، من خلال الطرح المستمر من المجتمع المحيط للطلبة وتعبيره عن تذمره واحتقاره لهذا الفعل، سواءً من خلال الإذاعة المدرسية أو منابر المساجد أو أفراد البيت أو وسائل الإعلام..

 

2. توضيح مخاطر الغش وتعارضه مع مبادئ الإسلام ومع القيم والغايات التربوية، وبيان أضراره على مستوى الفرد والمجتمع والأمة، سواء في الدنيا أو في الآخرة.

 

3. كشف بعض الشبهات التي يتحجج بها بعض الطلاب للاستمرار في ممارسة هذه الظاهرة السيئة.

 

4. إرشاد المدرسين إلى كيفية مراقبة سير الامتحانات، والتعامل الجيد مع هذه الظواهر، وزرع مسئولية تحمل الأمانة الملقاة على عواتقهم تجاه الله والأمة، سواءً في وضع الاختبارات أو مراقبتها أو تصحيحها؛ فأجوبة الطلاب بين يدي المدرس كحجج الخصوم بين يدي القاضي، فليتق ِ الله وليعدل في الحكم.

 

♦ وقد قامت في هذا الصدد اتحادات الطلبة في بعض الجامعات المغربية بحملة وأسبوع تثقيفي يهدف لتناول من يمارس هذه المعصـية بالإقناع أو التهجين..

 

ثانيًا: المقترحات العلاجـية لمنع متعاطي هذه العادة السيئة من الاستمرار فيها:

1. البحث عن سبب وقوع الطالب في هذا الأمر، والسعي الجاد لحله على مختلف المستويات: على مستوى الطالب، أو المدرس، أو الإدارة، أو المنهج.

 

2. الاحتفاء بهذا الطالب – خاصة- في فترة نقاهة مع كل مادة يمتحن فيها، حتى يوفق للتغلب على هذه العادة.

 

3. معاقبة من تكررت منه هذه المعصية بتعزيره ماليًا أو بدنيًا أو دراسيًا، مع إشعار أولياء أمره أو زملائه إذا لزم الأمر.

 

الوقفـة الثامنة: شُـبه والجواب عـنها:

♦ لقد اشتبه عند بعض الناس الذين يريدون الخير، فقالوا: إن هذه الاختبارات لا أصل لها في الشريعة فهي باطلة، وما كان باطلا؛ فإنه لا يعتد به؟

 

يقول العلامة العثيمين: ولكننا نقول لهم إن الشريعة قد جاءت بجنس الاختبارات؛ فقد اختبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين ألقى عليهم ذات يوم سؤالا لم يعرفوه، فقال: إن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن فما هي هذه الشجرة؟ فجعل الصحابة رضي الله عنهم يذكرون أشجار البوادي، ويذكرون أشجارًا كثيرة، ولكنهم لم يصيبوا ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم، قال عبد الله بن عمر: وقد وقع في قلبي أنها النخلة، ولكني كنت أصغر القوم، فلم أحب أن أتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هي النخلة، وهذا نوع من الاختبار، ثم نقول: إن الأنظمة إذا لم تكن مخالفة للشرع وكان فيها مصلحة للناس؛ فإنها من الأمور التي تدعو إليها الشريعة بقواعدها العامة؛ لأن الشريعة كلها مصلحة للناس والعباد.

 

♦ ويقول بعض الناس: إن الغش في العلوم المادية البحتة كعلوم الطبيعة والكيمياء والجغرافيا واللغة الإنجليزية جائز؛ لأنها ليست علوما شرعية؟


ويرد عليهم العلامة العثيمين بقوله: ولكننا نقول هذا خطأ أيضًا، لأن الدولة رتبت الشهادة على من حذق هذه العلوم المقررة كلها، وأنت حين دخلت هذه المدرسة التي فيها هذه العلوم قد التزمت بأن تكون مجيدا لها وإلا تخرج من هذه المدرسة.. وعلى هذا، فالغش في أي شيء من المقرر يعتبر غشًا ومحرمًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من غش فليس منا )، وهذه العلوم الطبيعية إذا كانت معينة على النظر والتفكر في آيات الله موجبة لزيادة الإيمان بالله سبحانه وتعالى فإنها تكون وسيلة إلى أمر مطلوب شرعًا، والوسائل لها أحكام المقاصد، وكذلك تعلم اللغات الأجنبية إذا قصد به الإنسان خيرا كان خيرا..

 

وقد أفتى رحمه الله أن من غش في اللغة الإنجليزية فواجب على المدرس أن يسقطه.

 

ويقول سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: " قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من غشنا فليس منّا » وهذا يعم الغش في المعاملات، والغش في الامتحان، ويعمّ اللغة الإنجليزية وغيرها، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه، والله ولي التوفيق".

 

وقال فضيلة الشيخ ابن جبرين حفظه الله: لا يجوز الغش في أي مادة من المواد مهما كانت؛ لأن الاختبار المقصود منه هو تحديد وتقويم مسـتوى الطالب في هذه المادة، ولما في ذلك أيضاً من الكسل والخداع وتقديم الضعيف على المجتهد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا))، ولفظ الغش هنا عام لكل شيء.

 

♦ ولربما قال مراقب: إذا أديت واجب المراقبة إلى جنب من يضيع ذلك فقد أرى بعض المضايقات؟

 

قال العلامة العثيمين رحمه الله: وهذا أمر قد يكون حقيقة، ولكن جوابنا عليه أن نقول له: اتق الله فيما وليت عليه، واقرأ قول الله عز وجل وهو أصدق القائلين وأوفى الواعدين، يقول الله سبحانه ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق: 2]، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، فاصبر إن العاقبة للمتقين.

 

الوقفـة التاسعة: مسائل وأحكام:

المسألة الأولى: إذا رأيت زميلاً لي يغش فما الواجب علي، هل أنكر عليه؟

الجواب: هذا رأي جيد، طيب إذا لم يحصل منه فوضى؛ لأنه ربما إذا قمت في القاعة، وقلت: يا فلان اتق الله، ولا سيما بصوت جهوري، ربما يحصل فوضى، ويكون الأمر الذي تتوقعه من واحد أن يقع من عامة الموجودين، لأن الفوضى إذا وقعت لا يمكن ضبط القاعة، فإذا كنت تخشى من الفوضى فلا تفعل، وبإمكانك أن تكتب ورقة صغيرة وتعطيها المراقب، وعليه أن يتقي الله في هذا الأمر، أما الفوضى فإن ضررها أكبر من نفعها. (ابن عثيمين)

 

المسألة الثانية: ما حكم الغش في الاختبارات الدراسية إذا كان المدرس على علم بذلك؟

الجواب: الغش محرم في الاختبارات، كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أي مادة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة، والله المستعان.( ابن باز)

 

المسألة الثالثة: يقـول السائل: في أثناء الاختبار جاءتني إجابة ولكن لم أطلبها، فهل يعتبر هذا من الغش؟

الجواب: نجيب إجابة على نوعين: النوع الأول: بورقة؛ يدس له بعض زملائه ورقة فهذا لا يجوز له النظر إليها، الوجه الثاني: أن يسمع أحدًا يتكلم بالجواب الصواب،.. فيأخذ به لأنه رزق ساقه الله إليه،.. ولكن لا يجوز لأحد أن يساعد أخاه عند الامتحان بجواب صواب أبدًا.( ابن عثمين، مع حذف المداخلات)

 

المسألة الرابعة: يقـول أحدهم: أنا إنسان معقد في دراستي ولا أفهم شيئاً إلا قليلاً، مما يجعلني أغش في الامتحانات، الرجاء أفيدوني؟

الجواب: ننصحك بالجد والاجتهاد، ومواصلة الدراسة، والحرص على الحفظ والتعقل، والاستفادة من المعلم ومن الزملاء، وتكرار البحث والقراءة، ونحو ذلك مما هو سبب لحصول الفائدة وفهم المعاني، وترك الغش الذي هو حرام وخداع للأمة خاصة وعامة. (ابن جبرين).

 

اسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الكلمات في موازيين حسناتنا، وأن يعيينا وجميع المسلمين لما يحب يرضى، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.



[1] أصل هذه الرسالة محاضرة ألقيت في جامع الريان بسيئون، ليلة الجمعة الثاني من شهر ربيع الثاني عام 1425 هـ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
1- شكر وتقدير
مصطفاي نور الدين - الجزائر 14-12-2022 08:53 PM

شكرا جزيلا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • خطب منبرية
  • كتب
  • الأبحاث والدراسات
  • الشروحات العلمية
  • ردود وتعقيبات
  • محاضرات مفرغة
  • منظومات
  • فقه منتجات العمل ...
  • التفسير التربوي ...
  • أبحاث في فقه ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة