• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيريد. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري شعار موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
شبكة الألوكة / موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / ردود وتعقيبات


علامة باركود

الرد على من استدل بأثر مالك الدار وشبهة المجاز

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري


تاريخ الإضافة: 18/6/2016 ميلادي - 12/9/1437 هجري

الزيارات: 77837

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرد على من استدل بأثر مالك الدار وشبهة المجاز

"تعقيب على التعقيب"

 

الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين،الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين،[1] ثم الصلاة والسلام المبعوث بالحنيفية السمحة وبالشرعة المطهرة صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا مزيدًا إلى يوم الدين، وبعد:

فقد أوقفني بعض إخواننا الأفاضل جزاه الله خيرًا على ورقة بعنوان "الزيارة الحولية وخطر البدعة الشركية"، لبعض المتعصبة لماضي الجهل والخرافة، والباكين على أطلال التبرك والتقديس، الذي نفقت سوقه في عهد العلم والسنة، وخبت ناره مع إشراقة نور التوحيد والاعتصام بالله وحده، فجنّ جنون الكاتب على مجد آبائه المزعوم، وطاش عقله لما أبصر الحقيقة المرة التي انكشفت لكل إنسان يحترم عقله، ويعظم شعائر ربه!

 

ويدلك على هذا الطيش والسفه، الذي مزج بالتعصب والاستماتة لنصرة الجنس والعرق، ما حشى به الكاتب المتستر ورقته من الألفاظ التي يمجها الطبع السليم، ويعرف عوارها كل من يدرك أن نور الصدق وصدق النور، لا يكدره زيف التجاهل وجهل التزييف، ويكفيك صدر المقال الذي يخبرك بحقيقة ما وراء السطور، فيقول هذا المتستر ص1:" أما بعد فإن في هذه الأيام شرذمة ممن يزعم السنة، وهي منهم بعيدة، وقد نشرت منشورات زراعة نشر الحقد والتكفير والبغضاء لا التصفية والتربية، ففي زيارة نبي الله هود صدرت بكل صراحة ولا مبالاة كليمات جرمها كبير .." إلى آخر هرائه! وهكذا الرسالة كلها، ركاكة في التعبير، وانفعالية في الاستدلال، ورد فعل دون أدنى تدبر في رد المحكمات الواضحات من قواعد الدين؛ كأحدية الله عز وجل في أن يعبد ويدعى بلا شريك سبحانه.

 

وبعيدًا عن إجابة السب بمثله، وصونًا لوقت القارئ أن يضيع في غير ما طائل، أتحاشى التعليق على ما ذكره يغني عن رده، أو عن الإجابة عن بعض ما لبس به الكاتب على نفسه مما لا يخفى جوابه على صغار طلبة العلم فضلاً عن كبارهم من أهل السنة والجماعة؛ كالاستدلال بحديث: إن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب..أو حديث: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة.. ونحوها في تجويز دعاء وعبادة غير الله عز وجل، لكني أكتفي بالجواب عن شبهتين هي أعظم ما عند الكاتب حسب ما ذكر، وكأنه لما رأى - لقصور علمه - قلة من رد على شبهتيه- لتهافتهما في نفس الأمر- ظن المسكين أنه يسبق إلى ما لا علم لأحدٍ به، تشبعًا منه بما لم يعط، ولم يهيئ له من مناطحة جحافل أهل العلم، ومن التمظهر بزي أهل الشبه والتضليل !!

 

يقول بعد هراء طويل في ص2:" فتعال إلى ما يجرنا إلى لب الموضوع، ألا وهي مسألة التوسل والاستغاثة بأولياء الله والصالحين فهي جائزة باتفاق أهل السنة والجماعة!! عدا من شذ، ونحيلك أيها القارئ إلى عدة كتب نظرًا إلى العجالة السريعة!! والتي لا تسع حتى حديث مالك الدار واستغاثته (تنبه لقوله واستغاثته!) بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، والذي صححه الحافظ ابن حجر وابن كثير وابن أبي شيبة!! فقد أوردت شبه مردودة حوله بينها وأزالها المحدث الشيخ محمود سعيد ممدوح في رفع المنارة بتخريج أحاديث التوسل والزيارة، وكذا الإغاثة بأدلة الاستغاثة للمحدث السقاف، وحقيقة التوسل والوسيلة لموسى بن محمد، وإرغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي للحافظ الغماري، وغيرهم كثير......".

 

فهذا أقوى ما معه أخي الكريم، لما أراد أن يستدل على عجل بأقوى دليل يظهر الحجة ويقطع جهيزة المخالف، استدل بأثر!، ضعيف!، أصله منام!، لرجلٍ مجهول!!.

( ولتعلمن نبأه بعد حين)!

وأما حشده لمن ذكر من الأسماء، فما يُستدل بالنكرات،

ألقاب مملكة في غير موضعها ♦♦♦ كالهر يحكي انتفاخًا صولة الأسد ِ

 

ولجهله وعدم وقوفه على الأثر بنفسه فضلاً عن التدبر في دلالته قال:" حديث مالك الدار واستغاثته" وليس مالك الدار إلا راوٍ للحديث، وليس هو المستغيث ! ولجهله بهذا العلم   - علم حديث النبي صلى الله عليه وسلم- نسب تصحيحه لابن أبي شيبة ظانًا أن مصنف ابن أبي شيبة قد التزم واضعه ألا يأتي إلا بحديث صحيح! وهذا يعلمه صغار طلبة هذا العلم، لكن رحم الله الحافظ ابن حجر لما قال: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب!! فرحماك اللهم من تطاول المتزببة..

 

ورحم الله القائل:

كل العداوات قد ترجى مودتها ♦♦♦ إلا عداوة من لاقاك تقليدا

 

وإليك البيان:

أثر مالك الدار رواية ودراية:

هذه القصة أقوى ما مع القوم من استدلال على تجويز الاستغاثة بغير الله تعالى، واذكر أني لما كنت في مناظرة قبل عدة سنوات مع أحد المتصوفة، طلبت منه دليلاً واحدًا في جواز الاستغاثة بغير الله، فلم يذكر إلا هذا الأثر مما يدلك على أن القوم ليس معهم غيره- مع أنه لم يصح وليس فيه محل استدلال !- وها هو الآن يكرر الاستدلال به؛ فأبين لك أخي الموحد تهافت أقوى شبهة مع القوم.

 

ذكر من استدل بهذا الأثر على جواز دعاء غير الله:

والقصة احتج بها جماعة ممن يجوزون التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، منهم عابد السندي في رسالة له، أشار إليها شارح سنن ابن ماجه 1/ 99، واستدل بها السبكي في شفاء السقام/ 184-185 على جواز التوسل في البرزخ، والهيتمي في الجوهر النظم كما في شواهد الحق/ 138، ودحلان في الخلاصة/ 242 والدرر السنية/ 9 والعزامي في البراهين/ 411، والكوثري في محق التقول/ 380، والسمهودي في الوفاء4/ 1374، والغماري في إتحاف الأذكياء/ 10، والهروي في الصراط المستقيم/ 53، والمالكي في المفاهيم/ 66، والبوطي في السلفية/ 155، والسقاف في الاغاثة، ومحمود سعيد في رفع المنارة، وغيرهم.[2]


تخريج الأثر:

القصة أخرجها ابن أبي شيبة في مصنفه 6 / 356 والبيهقي ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق44/ 345 من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار قال: وكان خازن عمر على الطعام، قال: أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك، فإنهم قد هلكوا فأتي الرجل في المنام، فقيل له: إئت عمر فأقرئه السلام وأخبره (فمره أن يستسقى للناس فـ) أنكم مسقـيون، وقل له: عليك الكيس عليك الكيس، فأتى عمر فأخبره، فبكى عمر ثم قال: يا رب لا آلوا إلا ما عجزت عنه (يا رب ما آلو إلا ما عجزت عنه)، والزيادتان ذكرهما ابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 1149.

زاد في رواية أخرجها صاحب الإرشاد1/ 314 والبيهقي: فقال يا نبي الله استسق الله لأمتك.

قال ابن كثير بعد أن ساق إسناد البيهقي في البداية والنهاية7/ 91: وهذا إسناد صحيح.

 

وأدق منه قول ابن حجر في فتح الباري2/ 495: وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري وكان خازن عمر .. ثم قال: وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة.

 

وقد أخرجها البخاري في التاريخ الكبير7/ 304: ولم يذكر قصة القبر، قال: مالك بن عياض الدار أن عمر قال في قحط: يا رب لا آلو إلا ما عجزت عنه، قاله علي عن محمد بن خازم عن أبي صالح عن مالك الدار.

 

وقال الحافظ في الاصابة6/ 274: وأخرجه بن أبي خيثمة من هذا الوجه مطولا قال أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله استسق الله لأمتك فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له ائت عمر فقل له إنكم مستسقون فعليك الكفين، قال فبكى عمر وقال يا رب ما آلوا إلا ما عجزت عنه.

 

قلت: وقد أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق56/ 489 من طريق ابن أبي خيثمة، قال:

أخبرنا أبو غالب وأبو عبد الله ابنا البنا قالا: أنا أبو الحسين بن الآبنوسي أنا أحد ابن عبيد بن الفضل إجازة أنا محمد بن الحسين بن محمد نا ابن أبي خيثمة نا أبي نا محمد بن خازم أبو معاوية الضرير نا الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر بن الخطاب فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم   فقال: يا رسول الله،استسق لأمتك فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: ائت عمر فأقرئه السلام، وقل له: إنكم مسقـون فعليك بالكيس، قال: فبكى عمر، وقال: يا رب ما آلوا إلا ما عجزت عنه.

• قلت: وللكيس معاني كثيرة: أقربها هنا الحذر، أو التأني، أو العقل، راجع فتح الباري 9/ 342.

ولهذا الأثر علل كثيرة ترد الاحتجاج به،

أولاً: علل الإسناد:

ففي الإسناد ثلاث علل:

الأولى: عنعنة الأعمش، فهو من المشهورين بالتدليس المكثرين منه، وصفه بذلك الكرابيسي والنسائي والدارقطني وغيرهم،[3] قال ابن عبد البر: قالوا لا نقبل تدليس الأعمش؛ لأنه إذا وقف أحال ثقة إذا سألته عمن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف وعباية بن ربعي والحسن بن ذكوان‍‍‍‍، وقد قال الإمام الشافعي: ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته، قال العلائي: فأجرى حكم التدليس على من عرف به مرة واحدة، ولم يقـبل منه بعد ذلك إلا ما صرح فيه بالسماع.[4]

 

ولا يجدي هنا كونه روى عن أبي صالح السمان- وهو من المكثرين عنه-، لأنه المتن لم يخلو من نكارة لم يروها غيره، كما يأتي، ولأن الأعمش لم يسلم من التدليس حتى عن المكثرين عنهم، فقد روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة حديث: ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن)، قال يحيى بن معين: لم يسمع الأعمش هذا الحديث من أبي صالح[5].

 

والثانية: جهالة حال مالك الدار.

وإليك ترجمته:

مالك الدار خازن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو مالك بن عياض حميري، المدني، ويقال الجبلاني، سمع أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل، وروى عنه أبو صالح السمان وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع وابناه عون بن مالك وعبد الله بن مالك، وقدم مع عمر بن الخطاب الشام وشهد معه فتح بيت المقدس وخطبته بالجابية.

 

قال ابن خياط في الطبقات 1/ 235، و قال ابن حجر في الإصابة 6/ 274: ومالك الدار مولى عمر بن الخطاب له إدراك، وقال إسماعيل القاضي عن علي بن المديني كان مالك الدار خازنًا لعمر.

 

قال أبو يعلى في الإرشاد 1/ 313: مالك الدار مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه تابعي قديم متفق عليه أثنى عليه التابعون وليس بكثير الرواية.

 

وترجم له البخاري في التاريخ الكبير 7/ 304 وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 8/ 213: ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً.

 

وأخرج له المنذري حديثـًا في الترغيب والترهيب 2/ 29 وقال: رواه الطبراني في الكبير، ورواته إلى مالك الدار ثقات مشهورون، ومالك الدار لا أعرفه، ومثله قال الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 125.

 

لكن ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى 5/ 12في الطبقة الأولى من التابعين وقال:   وكان معروفا.

 

• فظهر لك من ترجمته أنه عدل مأمون في دينه، لكنه لم يوثق في روايته وحفظه، فأصدق ما يقال فيه: أنه مجهول حال، وصنيع الأئمة يشهد بذلك:

• قال ابن كثير في تفسيره 1/ 138 موسى بن جبير النصاري السلمي: "وذكره ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ولم يحك فيه شيئا من هذا ولا هذا فهو مستور الحال".

 

• وفي الوهم والإيهام لابن القطان 3/ 390 قال:" ذكر هذا الخلاف فيه البخاري، ولم يعرف هو ولا ابن أبي حاتم من حاله بشيء فهي عندهما مجهولة".

 

• والثالثة: أن أبا صالح لا يعرف له سماع من مالك الدار، والرواية بالعنعنة لا تدل على اللقاء والسماع، خاصة مع جهل سنة وفاة مالك الدار، وعدم تصريح أبي صالح بالسماع.

 

علل المتن:

وأما المتن ففيه علل:

أولاً: النكارة، إذ لم يرد عن أحد من الصحابة والتابعين الإتيان إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لقضاء الحاجات، بل جاء عنهم النهي عن ذلك كما أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لما نُزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال - وهو كذلك - : ( لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا، ولولا ذلك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، [أخرجاه].

 

ولمسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: (إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً، لاتخذت أبا بكر خليلاً،ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك).

وعن علي بن الحسين: أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فيدخل فيها فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً، وصلوا عليّ فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم). [رواه في المختارة].

• فالنكارة هنا لها جهتان: الأولى: أنه أتى بخبر تعرف شدة إنكار الشرع له.

الثانية: أنه انفرد بحادثة تتوفر الهمم والدواعي لنقل مثلها، ثم لا تنقل إلا بمثل هذا الإسناد.

 

ثانيًا: لم يذكر في هذا الأثر أن هذا الرائي للنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عمر رضي الله عنه بأنه قد جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاستغاثه، وهو محل الشاهد إذ كان القبوريون لا يريدون أن يستدلوا بفعل هذا الرجل المجهول، ولكن بإقرار عمر رضي الله عنه وقد علمت أنه ليس في هذا الأثر أن عمر رضي الله عنه علم بفعل هذا الرجل، فضلاً أن يكون قد أقره على ذلك.

 

ثالثًا: أن البخاري لما روى هذا الأثر في التاريخ الكبير لم يذكر أن الرجل أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، مما يؤكد أن هذا الأمر ليس في أصل الخبر.

 

رابعًا: أن المنامات ليست دليلاً في الأحكام الشرعية، وتعجب من قول بعضهم:[6] يُستدل بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم على فعله حيث لم يؤنبه في المنام! مع أن الرجل الرائي للمنام مجهول ولا تعرف عدالته، والزيادة التي ذكرها الحافظ ابن حجر عن سيف لا يفرح بها؛ لأن سيف إخباري تالف، لا تقبل رواياته.

 

خامسًا: أن استجابة الدعاء قد تحصل بالأمر غير المشروع كأن يكون صاحبها مضطرًا، أو وافق دعاؤه ما قدره الله تعالى من كشف الكربة، فالنفع لا يستلزم المشروعية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته..".[7]

 

الجواب عمن صحح الحديث:

أما الحافظ ابن كثير فإنما صحح الإسناد دون الحديث وفي عدوله عن قوله: حديث صحيح إلى قوله: صحيح الإسناد إشارة إلى استنكاره لمتنه، قال الحافظ ابن كثير في اختصار علوم الحديث ص33: " قال- أي ابن الصلاح- والحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه الحكم بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذا أو معللاً".

 

وقال السيوطي في تدريب الراوي: وقولهم أي الحفاظ هذا حديث حسن الإسناد أو صحيحه دون قولهم حديث صحيح أو حسن؛لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد لثقة رجاله دون المتن لشذوذ أو علة، وكثيرًا ما يستعمل ذلك الحاكم في مستدركه فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد ولم يذكر له علة ولا قادحا فالظاهر صحة المتن وحسنه؛لأن عدم العلة والقادح هو الأصل والظاهر، قال شيخ الإسلام - أي ابن حجر- والذي لا شك فيه أن الإمام منهم لا يعدل عن قوله صحيح إلى قوله صحيح الإسناد إلا لأمر ما!.[8]

 

• وتصحيح ابن كثير الإسناد ليس تعديلا منه لمالك الدار، بل لأنه رحمه الله يقوي من حال التابعي الكبير وإن كانت فيه جهالة ما دام لم يجرح، قال رحمه الله كما في مختصر علوم الحديث ص69: فأما المبهم الذي لم يسم أو من سمي ولا تعرف عينه، فهذا ممن لا يقبل روايته أحد علمناه، ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير، فإنه يستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن.

 

• قال شيخنا مقبل رحمه الله في تعليقه على هذا الموطن كلامًا فيه: إذا كان الراوي مبهماً لا بد من معرفة عينه؛ لأنه قد يكون وضاعًا أو متروكًا أو من أصحاب العقائد الزائغة، محمد بن السائب الكلبي من أتباع التابعين، له أسماء وكنى وألقاب كثيرة، وهو من القرون المفضلة، وهو كذلك من رؤوس الكذابين!.

 

وابن كثير رحمه الله له قاعدة في هذا الموطن خالف المحققين في هذا الباب، تساهل فيها بقبول رواية المجاهيل إذا وثقوا من جهة العدالة، وهذا المعروف من صنيعه رحمه الله كما تجده في تفسيره 1/ 408 قال: جهالة مولى أبي بكر لا تضر، لأنه تابعي كبير، ويكفيه نسبته إلى أبي بكر فهو حديث حسن، وهذا ليس بجيد ، لأن مثل هذا التوثيق إنما هو توثيق من جهة الديانة والعدالة فحسب، ولا يتضمن توثيقه من جهة الحفظ والإتقان، وقد قال أبو حاتم في ترجمة إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل بن عياض في المغني 1/ 10: كنا نظن فيه الخير، فقد جاء بمثل هذا الحديث ثم ذكر له حديثـًا واهيًا،

• وأما دعوى تصحيح الحافظ ابن حجر للإسناد، فليست بصحيحة؛ فإنه لم يصحح الإسناد إلا إلى مالك الدار وفيما بعد ذلك فليبحث في إسناده – كما هي عادته في ذلك أن يحذف من السند ما يرى صحته ثم يسوق موضع الضعف أو الخلاف فيه - وقد علمت أن ما أظهره الحافظ ابن حجر بعد ذلك وأحالك إليه فيه مالك الدار وهو مجهول!.

 

= ومن صنيعه رحمه الله الذي يبين لك عادته في ذلك:

• قال: والحجة لهم ما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه من رواية الحسن عن سمرة مرفوعا:"إذا أتى أحدكم على ماشية فإن لم يكن صاحبها فيها فليصوت ثلاثا فإن أجاب فليستأذن فإن أذن له وإلا فليحلب وليشرب ولا يحمل" إسناده صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع.[9]

 

• وقال: وأما ما رواه ابن خزيمة في صحيحه والترمذي وحسنه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المساجد، وإسناده صحيح إلى عمرو فمن يصحح نسخته يصححه.[10]

 

• وقال: وجدت في كتاب الوصية لأبي القاسم ابن منده من طريق البخاري بسند له صحيح إلى عبد الرحمن الحـبلي بضم المهملة والموحدة أنه أتى عبد الله بكتاب فيه أحاديث فقال: انظر في هذا الكتاب فما عرفت منه اتركه وما لم تعرفه امحه، فذكر الخبر وهو أصل في عرض المناولة، وعبد الله يحتمل أن يكون هو ابن عمر بن الخطاب؛ فإن الحـبلي سمع منه، ويحتمل أن يكون ابن عمرو بن العاصي؛ فإن الحـبلي مشهور بالرواية عنه.[11]

 

• وقال: وكذا أخرج أحمد بسند صحيح إلى أبي منيب أن عمرو بن العاص قال في الطاعون: أن هذا رجز مثل السيل من تنكبه أخطأه ومثل النار من أقام أحرقته، فقال شرحبيل بن حسنة: إن هذا رحمة ربكم ودعوة نبيكم فأتى الصالحين قبلكم، وأبو منيب بضم الميم وكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة، وهو دمشقي نزل البصرة يعرف بالأحدب، وثقه العجلي وابن حبان، أبي منيب الجرشي فيما ترجح عندي لأن الأحدب أقدم من الجرشي، وقد أثبت البخاري سماع الأحدب من معاذ بن جبل، والجرشي يروي عن سعيد بن المسيب ونحوه. [12] قلت: فصحح الإسناد إلى حيث ما أظهره من الإسناد، ثم بين الخلاف فيمن أظهره.

 

• وقال أيضًا: وقد أخرج الترمذي في جامعه بسند صحيح إلى قتادة قال حُدثت أن أبا هريرة قال: أخذت ثلاثة أكمأ أو خمسا أو سبعا فعصرتهن فجعلت ماءهن في قارورة فكحلت به جارية لي فبرئت، قلت: ولا يخفاك أن الإسناد بعد قتادة منقطع؛ لقوله حُدثت أن أبا هريرة.[13]

فهذا الحق ليس به خفـاء ♦♦♦ فدعني من بنيات الطريق ِ

 

شبهة المجاز والرد عليها:

قال الخرافي صاحب هذه الورقة ص4: وأما زعم أن الأبيات التي يتوسل ويستغيث إلى الله القائل بأوليائه وأحباءه كونها من دعاء غير الله والشرك بالله جهل فاضح وتقول بلا علم ولا حول ولا قوة إلى بالله العلي العظيم فالعوام الموحدين يعرفون المجاز فطرة وتوحيدًا لله جل وعلا..".اهـ

 

أخي القاريء: ما معنى المجاز ؟ إن كثيرًا من المتعلمين لا يعرفونه فضلاً عن عوام الصوفية المتعلقين بالأستار، الصادعين باعتقادات الاستغاثة بغير الله سبحانه وتعالى، فما هي شبهة المجاز ؟!

 

يزعم من يزين للناس الباطل ودعاء غير الله أن قول القائل: يا فلان اغفر لي أو يا فلان اشفني وعافني، أن هذا مجاز من باب التسبب لا يراد ظاهره منه، بقرينة كون القائل يقول: لا إله إلى الله، وهو كقول الموحد: أنبت الربيع البقـل، والمراد أنبته الله ونسب للربيع من باب التسبب سواءً بسواء..!

 

والجواب عن ذلك بوجوه كثيرة، منها:

1- أن يقال: لا يجوز الاعتماد على الأسباب، وإن جاز إضافة المسبب لسببه، لكن في باب الطلب لا يصح أن يقال: يا سحاب ارزقنا مطرًا أو يا ربيع أنبت البقل، فليس كل ما جاز إخبارًا جاز طلبًا، فبطلت دعواك وافتضح تلبيسك.

 

2- ثم يقال: الإضافة للأسباب من توحيد الربوبية ولا ينكره موحد، أما الاعتماد عليها فهذا من شرك الألوهية، فافترقا.[14]

 

3- ويقال أيضًا: إن كل أفعال العباد مخلوقة لله وهو الذي يجري آثارها عليها، فيلزم من ذلك أنه لا فعل للعبد أصلاً، أو أن أفعاله كلها مجاز ولا ينسب له فعل على وجه الحقيقة، وهذه عقيدة الجبرية التي أنكرها أهل السنة والجماعة.

 

4- ولنا أن نقول أيضًا بالمنع: فالأنبياء والصالحون لا يقدرون على جلب المغفرة والشفاء والرزق ونحو ذلك- وخاصة بعد الممات- فليسوا أسبابًا أصلاً لذلك.

 

5- ثم لو صح هذا للزم أن نصحح قول من قال: عيسى ابن الله! يريد مجازًا ابن أمة الله، أو قوله: علي خالق محمد، يريد مجازًا علي يعبد خالق محمد.. وهكذا مما يقطع بكفر المتكلم به ولا يتأول له بأن القرينة المانعة من كفره كونه يقول: لا إله إلا الله أو كونه يصلي ..

 

6- أن واقع عامة الناس يؤكد أنهم لا يعرفون معنى المجاز ولا يقصدونه، وهذا ظاهر من شدة اعتقادهم في غير الله، بل من عظم الرغبة في دعاء الولي أعظم من دعائهم لله سبحانه وتعالى، بل وتفضيلهم للتوجه إلى أوليائهم وطواغيتهم بالدعاء والنذر والذبح على عبادة الله ودعائه، والعياذ بالله.

 

7- لهذا ولغيره أنكر المحققون من علماء أهل السنة والجماعة القول بالمجاز كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره،[15] بل عده شيخ الإسلام ابن القيم من الطواغيت، قال:" فصل في كسر الطاغوت الثالث الذي وضعته الجهمية لتعطيل الأسماء والصفات وهو طاغوت المجاز".[16]

 

= فاقنع أيها الموحد بما سمعت، فما التزييف في وجه الحقيقة بنافق! ولا روعة الحق يضرها صوت الناعق!

فما يضر البحرَ أمسى زاخرًا ♦♦♦ إن رمى غلامًا فيه بحجر

 

ثم قال الكاتب متهمًا أهل الأمانة والصدق بالجهل والكذب، تحت عنوان: الكذب على الأئمة الشافعية، وكان إخواننا في سلسلة التصفية والتربية قد ساقوا عدة نقولات عن علماء المذهب الشافعي في بيان عقيدة التوحيد، وفي الرد على أدعياء الولاية، فاتهم الأفاضل بالبتر، وكل إناء بما فيه ينضح، قال:

"حذف كلام ابن حجر الهيتمي؛ لأنه خالف هواهم وهذا من الأمانة في النقل ويا للعجب...!!!! قال العلامة ابن حجر في الزواجر1/ 148..( ومن ثم قال أصحابنا تحرم الصلاة إلى قبور الأنبياء والأولياء تبركًا وإعظامًا فاشترطوا شيئين)اهـ. وقال:-( اتخاذ القبر مسجدًا معناه الصلاة عليه أو إليه....) ومعناه بقيوده!! وهي:-

1- بقصد التعظيم والتبرك فيحرم كما بينه.

 

2- بقصد العبادة فشرك، والحمد لله فهذه لا توجد البتة في المصلين. انظر التحفة للعلامة الفقيه ابن حجر الهيتمي وحواشيها 4/ 188 وهذا من التقول بلا علم على أئمتنا الشافعية."اهـ.

 

قلت: الموضع لا يحتاج إلى تعليق! فتعجبه من أمانة النقل، ثم نقله للكلام كما قال (بمعناه)، فأين الأمانة المزعومة، ثم ما نقله من قيود عين ما نقوله به وما ننكره عليهم، فالتفصيل السابق عين ما نعتقد، وهو عين ما يفعلونه! فهل يخطئ إخواننا في التقصير في نقل باقي الكلام الذي يدل على شركه أو فسقه!!

 

ورحم الله القائل:

لو أن خفة عقله في رجله ♦♦♦ سبق الغزالَ ولم يفتـه الأرنبُ

 

ثم عزى لبعض المواضع من كلام المتأخرين من أهل التصوف، ولا حجة في عين الدعوى!

 

ثم قال زورًا وتجرأ فجورًا:" ولا نزال في أتم الاستعداد لمناصرة الحق ودفع الشبه وهذا بإيجاز".

 

الحمد لله، فيكفينا من عوار ما أظهر معرفة عمى ما أبطن! ومن تشدقه بما لا يحسن إدراك عجزه هو أو غيره عن رد المحكمات أو التشكيك في الواضحات،

خذ ما سمعت ودع شيئًا سمعت به   ♦♦♦ ففي روعة الحق ما يغنيك عن كذب

وقال آخر:

وإذا ما خلا الجبانُ بأرض ٍ  ♦♦♦ طلب الطعن وحده والنزالا

والله من وراء القصد.



[1] من مقدمة الرد على الزنادقة والجهمية للإمام أحمد 1/ 6.

[2] راجع الدعاء ومنزلته للعروسي2/ 816.

[3] التبيين لأسماء المدلسين 1/ 105لسبط العجمي، وجامع التحصيل 1/ 188 للعلائي، وطبقات المدلسين1/ 33لابن حجر.

[4] المصدر السابق/ 88و120.

[5]جامع التحصيل للعلائي/ 189.

[6] مصباح الظلام/ 303.

[7] قاعدة في التوسل/ 91 والفتاوى1/ 264-265، واقتضاء الصراط المستقيم/ 348، والاستغاثة/ 309، ومنهاج التأسيس/ 321-344، وراجع فتاوى اللجنة الدائمة1/ 171و289، والشرح الممتع لابن عثيمين 5/ 277.

[8] تدريب الراوي1/ 161.

[9] فتح الباري 5/ 89.

[10] فتح الباري 1/ 549.

[11] فتح الباري 1/ 154.

[12] فتح الباري 10/ 187.

[13] فتح الباري 10/ 165.

[14] انظر منهاج التأسيس/ 266، والصراع بين الإسلام والوثنية2/ 466.

[15] مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/ 90- 96.

[16] مختصر الصواعق/ 231.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • خطب منبرية
  • كتب
  • الأبحاث والدراسات
  • الشروحات العلمية
  • ردود وتعقيبات
  • محاضرات مفرغة
  • منظومات
  • فقه منتجات العمل ...
  • التفسير التربوي ...
  • أبحاث في فقه ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة