• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيريد. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري شعار موقع الدكتور طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري
شبكة الألوكة / موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري / الشروحات العلمية


علامة باركود

تأويل مشكل أحاديث العقيدة في الصحيحين

د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري


تاريخ الإضافة: 3/8/2016 ميلادي - 28/10/1437 هجري

الزيارات: 25023

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأويل مشكل أحاديث العقيدة في الصحيحين

مقدمة في مشكل الأحاديث


• المشكل في اللغة: الملتبس والمختلط، وأصله من المماثلة، تقول: هذا شكل هذا؛ أيّ مثله.

والمراد بمشكل الأحاديث: ( ما قد يُوهم ظاهره معانٍ معارضة لقواعد شرعية ثابتة، ويتعسر تأويله على كثيرٍ من الناس ).

• وقد أصلّ ابن القيم - رحمه الله - قاعدة الإجابة عن المشكلات من النصوص، فقال في نونيته:

فإذا تعَارض نَصُ لفظٍ وَارِد
وَالْعقلُ حَتَّى لَيْسَ يَلْتَقِيَانِ
فالعقلُ إِمَّا فَاسدٌ ويظنه الـ
ـرَّائِي صَحِيحًا وَهُوَ ذُو بطلَانِ
أَو أَن ذَاك النَّصَ لَيْسَ بِثَابِت
مَا قَالَه الْمَعْصُومُ بالبرهانِ
ونصوصُه لَيْسَت تعَارِضُ بَعْضهَا
بَعْضًا فسل عَنْهَا عليمَ زمَانِ

 

• واستشكل الصحابة رضي الله عنهم بعض النصوص، فسألوا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيّنها لهم، فمن ذلك:

(أ‌) ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82]، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى المُسْلِمِينَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "لَيْسَ ذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: ﴿ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

 

(ب‌) وما أخرجاه عن أنس رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَيْفَ يُحْشَرُ الكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي الدُّنْيَا قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ"، قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى وَعِزَّةِ رَبِّنَا.

 

• ومما أُلف في هذا العلم:

كتاب اختلاف الحديث للشافعي (204هـ)، وتأويل مختلف الحديث لابن قتيبة (276هـ)، ومشكل الآثار للطحاوي (321هـ)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (597هـ)، ومن الرسائل المعاصرة: أحاديث العقيدة المتوهم إشكالها في الصحيحين، للدكتور سليمان بن محمد الدبيخي. [1]


الأحاديث المتوهم إشكالها في باب الأسماء والصفات

(1) الموضع الأول:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا؛ حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"، متفق عليه، وهو لفظ البخاري.

وموضع الإشكال المتوهم:

أن الحديث ورد بإضافة الظل لله عز وجل، فهل يكون الظل صفةً لله تعالى؟.

والجواب:

المراد بالظل المضاف لله تعالى في هذا الحديث ظل عرشه سبحانه؛ بدليل رواية الطحاوي بسند جيد: "سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله"، ولأن الظل جاء مضافًا للعرش في أحاديث كثيرة، حكم عليها الذهبي بالتواتر، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله"، أخرجه أحمد والترمذي.


(2) الموضع الثاني:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ"، متفق عليه، وفي رواية لهما: "لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ".

وموضع الإشكال المتوهم:

أن معنى الدهر في اللغة: الزمان، والله تعالى ليس هو الدهر الذي هو الزمان!.

والجواب:

أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون المصائب إلى الدهر، ثم يسبون الدهر، فيقع سبهم على الله تعالى؛ لأن الله هو الذي أصابهم بها، فنهاهم سبحانه عن ذلك، وليس المراد أن الدهر اسمٌ من أسماء الله تعالى، وإلا كان قول الذين قالوا: ﴿ وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24] صوابًا، وقد ذمّهم الله بقوله: ﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]، وعليه فمعنى الحديث: لا تسبوا الذي يفعل بكم هذه المصائب؛ فإنه الله تعالى، ويكون معنى: "فإن الله هو الدهر" ما فسّره بقوله: "بيدي الأمر، أقلب الليل والنهار"؛ أي أن الله هو مدبر الدهر ومقلِّبه، وليس المقلَّب بفتح اللام (الدهر) هو المقلِّب بكسر اللام (سبحانه وتعالى).


(3) الموضع الثالث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الرَّحِمَ شِجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ اللَّهُ: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُه"، أخرجه البخاري.

وموضع الإشكال المتوهم:

هل معنى (الرحم شجنة من الرحمن) أنها جزء منه، أو صفة من صفاته سبحانه؟.

والجواب:

أن الشجن في اللغة أصلٌ يدل على اتصال الشيء والتفافه، ومنه الشجنة؛ وهي عروق الشجر المشتبكة الملتفة، ومعنى الحديث: أن الرحم لها تعلقٌ بالرحمن سبحانه، وهذا التعلق هو اشتقاق اسمها من اسمه عز وجل؛ ففي حديث عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: "قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم، شققت لها اسمًا من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها بتته"، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، فليست الرحم جزءًا من الله ولا صفة من صفاته، بل هي مخلوقة، شرّفها الله تعالى، وجعل لها به تعلق، ومعنى "من" في قوله صلى الله عليه وسلم: (شجنة من الرحمن): ابتداء الغاية، لا التبعيض؛ كقوله تعالى عن عيسى عليه السلام: (وَرُوحٌ مِنْهُ)، وقوله: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13].


(4) الموضع الرابع:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ، قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ، فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟، قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ"، متفق عليه.

 

وموضع الإشكال المتوهم:

أن ظاهر هذا الحديث أن هذا الرجل كان شاكًا في قدرة الله تعالى على إعادته بعد حرقه وطحنه، والشك في صفة من صفات الله تعالى، أو في البعث بعد الموت كفر بالإجماع، ولا يغفر الله لكافر، فكيف يُفسّر الحديث؟.

والجواب:

أن هذا الرجل كان مؤمنًا بالله تعالى، وبمطلق صفة القدرة لله، مقرًا بالبعث، لكنه جهل بعض متعلقات قدرة الله المطلقة، وأنه سبحانه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وظنّ أن هذه الحيلة تنجيه، ولم يبلغه من العلم ما يرده عن جهله، فكان قوله كفرًا، لكن لم يحكم بكفره؛ لعدم قيام الحجة عليه، وعدم توفر الشروط، وانتفاء الموانع، وغفر الله تعالى له؛ لجهله، وخشيته منه سبحانه.


(5) الموضع الخامس:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا... الحديث، ثم قال: فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمْ يَزَلِ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدَهُ حَتَّى الْآنَ"، متفق عليه، ولمسلم: "إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ، فَإِنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ".

وموضع الإشكال المتوهم:

أن من أهل العلم من استشكل هذا الحديث، فهل يلزم منه تشبيه صورة آدم بصورة الله تعالى؟ وعلى من يعود الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: "على صورته"؟.

والجواب:

أن الضمير يعود إلى الله تعالى، وإثبات الصورة صفة لله جاءت به النصوص؛ كحديث: "فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون"، متفق عليه، وحديث: "فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة"، أخرجه أحمد والترمذي.

 

ومعنى الحديث أن آدم عليه السلام خلقه الله على صورته، متصف بالوجه ذي السمع والبصر والكلام، على ظاهر النص، وليس في ذلك ما يدل على التشبيه، فليس السمع كالسمع، ولا البصر كالبصر، ولا الصورة كالصورة، بل الله تعالى يقول: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، وهذا كمثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر"، متفق عليه، وليسوا كالقمر في كل شيء.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "طوله ستون ذراعًا"، فيرجع لآدم عليه السلام، ويؤكده آخر الحديث.

 

الأحاديث المتوهم إشكالها في باب القدر

(6) الموضع الأول:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حَاجَّ مُوسَى آدَمَ، فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ، وَأَشْقَيْتَهُمْ، قَالَ: قَالَ آدَمُ: يَا مُوسَى، أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ، أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي، أَوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى"، متفق عليه.

وموضع الإشكال المتوهم:

قد يفهم من ظاهر هذا الحديث جواز الاحتجاج بالقدر على فعل المعصية، وقد أنكر الله في كتابه على الذين قالوا: ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 148]، فقال: ﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا ﴾ [الأنعام: 148].

والجواب: أن موسى لم يلم آدم عليهما السلام على المعصية التي وقعت منه، وإنما لامه على المصيبة التي حصلت له ولذريته، وهي الإخراج من الجنة، وذكرَ الذنب؛ لأنه سبب المصيبة، والقدر يجوز الاحتجاج به في المصائب دون المعائب، ففي الحديث: "إن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل"، أخرجه مسلم، وأما الآية فمقصودها ذمّ الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي؛ لأنه من إبطال الأمر، أو ارتكاب النهي.


(7) الموضع الثاني:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قَارِبُوا وَسَدِّدُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ أَنْتَ، قَالَ: "وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِىَ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ"، متفق عليه، وهو لفظ مسلم.

وموضع الإشكال المتوهم:

أن هذا الحديث ينصُّ على أن العبد لن يدخل الجنة بعمله، والله تعالى يقول: ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32]، ويقول: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف: 72]، فكيف نجمع بين هذا الحديث وهذه الآيات؟.

والجواب:

أن المنفي في الحديث أن يكون العمل عوضًا وثمنًا كافيًا لدخول الجنة، بل لا بد من فضل الله تعالى ورحمته، فنفى الحديث باء المقابلة والعوض، وأثبتت الآية باء السبيبة، فالأعمال سببًا لدخول الجنة إذا وفق الله العبد لها بفضله، وتقبلها منه برحمته، ويؤيده قوله تعالى: ﴿ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، وقوله: ﴿ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [التغابن: 9]، وقوله: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [النحل: 61]، وقوله: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [النور: 21].


(8) الموضع الثالث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: "خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فِي آخِرِ الْخَلْقِ، وَفِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ؛ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ"، أخرجه مسلم.

 

وموضع الإشكال:

أن الحديث لم يذكر خلق السماء، وجعل خلق الأرض في ستة أيام، وهو معارضٌ لقول الله تعالى: ﴿ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ﴾) [فصلت: 9 - 11]، وقوله: ﴿ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ﴾؛ أي في تتمة أربعة أيام.

 

والجواب:

أن الحديث معلول، أعله البخاري بأنه من رواية أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار، وليس مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم، وأعله علي بن المديني بقوله: "ما أرى إسماعيل ابن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيى"، وهو متروك، وفي إسناده أيضًا أيوب بن خالد، قال ابن حجر: فيه لين، وفي متنه نكارة؛ لمخالفته للآية.

 

الأحاديث المتوهم إشكالها في باب النبوات

(9) الموضع الأول:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَقَالَ لَهُ: أَجِبْ رَبَّكَ، قَالَ: فَلَطَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَيْنَ مَلَكِ الْمَوْتِ، فَفَقَأَهَا، قَالَ: فَرَجَعَ الْمَلَكُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ: إِنَّكَ أَرْسَلْتَنِى إِلَى عَبْدٍ لَكَ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ، وَقَدْ فَقَأَ عَيْنِي، قَالَ: فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى عَبْدِي، فَقُلِ: الْحَيَاةَ تُرِيدُ، فَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْحَيَاةَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَمَا تَوَارَتْ يَدُكَ مِنْ شَعْرَةٍ فَإِنَّكَ تَعِيشُ بِهَا سَنَةً، قَالَ: ثُمَّ مَهْ، قَالَ: ثُمَّ تَمُوتُ، قَالَ: فَالآنَ مِنْ قَرِيبٍ، رَبِّ أَمِتْنِي مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ"، متفق عليه.

وموضع الإشكال المتوهم:

كيف يلطم موسى عليه السلام ملك الموت، وإنما جاءه بأمرٍ من الله تعالى؟، ثم كيف يرجع ملك الموت دون قبض روحه، والله تعالى يقول: ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [الأعراف: 34]؟.

والجواب:

أن ملك الموت جاء لموسى عليه السلام في صورة بشرية، فلم يعرفه -كما لم يعرف إبراهيم ولوط عليهما السلام من جاءهما من الملائكة -، فلما رأى موسى غريبًا في داره فقأ عينه، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلّ لهم أن يفقئوا عينه"، متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولما علم أنه ملك الموت المرسل من عند الله طابت نفسه بالموت، ولم يستمهل، ولم يكن في ذلك تأخير لأجل موسى عليه السلام عن وقته الذي قدره الله، فإن الله تعالى قدّر له أن يموت بعد المراجعة، في الساعة التي قبضت روحه فيها.


(10) الموضع الثاني:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، وَهْوَ عِنْدِي، لَكِنَّهُ دَعَا وَدَعَا، ثمَّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ، أَتَانِي رَجُلاَنِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي، وَالآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ فَقَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ، قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، وَجُفِّ طَلْعِ نَخْلَةٍ ذَكَرٍ، قَالَ: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ"، فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَجَاءَ، فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، كَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، أَوْ كَأَنَّ رُؤُوسَ نَخْلِهَا رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلاَ أَسْتَخْرِجُهُ؟ قَالَ: "قَدْ عَافَانِي اللَّهُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ فِيهِ شَرًّا"، فَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ، متفق عليه.

وموضع الإشكال المتوهم:

أن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر، والسحر من تسلط الشياطين، وقد حماه الله تعالى منهم، ولحوق أثر السحر به صلى الله عليه وسلم منافٍ لعصمته، بل وفي هذا تصديق لقول المشركين: ﴿ إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ﴾ [الإسراء: 47]، فما الجواب؟.

والجواب:

أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحر وقتًا ما، وأثّر ذلك السحر على جسده، ثم شفاه الله تعالى؛ كما في الحديث، فهو صلى الله عليه وسلم كغيره من البشر تصيبه الأعراض، فيمرض ويوعك، ويؤثر فيه السمّ، وتصيبه الحمى الشديدة التي تصيب رجلين منا، وقد قال الله تعالى له: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ [الكهف: 110]، وقال تعالى عن نبيه أيوب عليه السلام: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾، وقال عن نبيه آدم عليه السلام: ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 20]، لكن ذلك السحر لم يؤثر على عقل النبي صلى الله عليه وسلم ولا قوله، ولم يلحق ذلك خلل في دينه وشريعته؛ لأنه الله تعالى عصمه من الغلط في تبليغ الدين بإجماع المسلمين.


(11) الموضع الثالث:

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: ﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]، وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ"، متفق عليه.

وموضع الإشكال المتوهم:

أن الشك هو التردد بين الأمرين، وعدم الجزم أو ترجيح أحدهما على الآخر، فكيف يقع الشك من خليل الرحمن في إحياء الله للموتى؟.

وكيف يغفل نبي الله لوط عليه السلام عن اللجوء لله تعالى في تلك الساعة العصيبة؟ ولماذا لم يستعجل يوسف عليه السلام الخروج من السجن حين جاءه الفرج؟.

والجواب:

أن معنى الحديث أن الشك في إحياء الله للموتى لو كان متطرقًا لأحد لكنا نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام، فإذا كنا نحن لم نشك في ذلك، فإبراهيم من باب أولى، وقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم تواضعًا وهضمًا للنفس، ويدل عليه أن إبراهيم عليه السلام إنما سأل عن كيفية إحياء الموت؛ ليرتقي من علم اليقين إلى عين اليقين.

 

أما لوط عليه السلام فأراد أن يعتذر لأضيافه من الملائكة عن عدم قدرته على حمايتهم، تطييبًا لنفوسهم، فبيّن لهم أنه ليس له عشيرة وقوة تمنع قومه من أذيتهم، لا أنه ركنَ للسبب الحسي، وغفل في تلك اللحظة عن التوكل على الله، وقوله صلى الله عليه وسلم: "ويرحم الله لوطًا"، من باب الثناء لا العتاب؛ كقوله: "يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"، متفق عليه.

 

وما قاله صلى الله عليه وسلم في حق يوسف عليه السلام كذلك من باب التواضع، وإلا فهو صلى الله عليه وسلم أجلّ وأكرم، ومعناه أن يوسف عليه السلام لم يستعجل الخروج من السجن حين دعاه الداعي – رغم طول حبسه – حتى تثبت للناس براءته، فيخرج خروج من له الحجة، لا من عُفي عنه.

 

فالحديث في سياق الثناء على هؤلاء الأنبياء، ونفي ما قد يتوهم في حقهم من الباطل؛ بدليل أن الله تعالى لم يعاتبهم على ذلك، وهو سبحانه لا يقرّ نبيًا على خطأ.

 

الأحاديث المتوهم إشكالها في باب المعاد

(12) الموضع الأول:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ خُرُوجًا، طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا، فَالْأُخْرَى عَلَى إِثْرِهَا قَرِيبًا"، أخرجه مسلم، وفي رواية له: عن أبي زرعة، قال: جلس إلى مروان بن الحكم بالمدينة ثلاثة نفر من المسلمين، فسمعوه وهو يحدث عن الآيات: أن أولها خروجًا الدجال، فقال عبد الله بن عمرو: لم يقل مروان شيئًا، قد حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر بمثله.

 

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إِلَى المَغْرِبِ"، أخرجه البخاري، وعند مسلم عن حذيفة بن أَسيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ".

وموضع الإشكال المتوهم:

ما أول أشراط الساعة؛ هل هو طلوع الشمس من مغربها، أم الدجال، أم النار التي تحشر الناس؟، وكيف يكون طلوع الشمس من مغربها أول الآيات وعيسى عليه السلام حين ينزل يقبل من الناس الإسلام، وبعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل الله توبة من أحد، ولا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل؟.

والجواب:

أن خروج الدجال أول الآيات المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، وينتهي ذلك بموت عيسى عليه السلام، وأن طلوع الشمس من مغربها هو أول الآيات المؤذنة بتغير أحوال العالم العلوي، وينتهي ذلك بقيام الساعة، وأن أول الآيات المؤذنة بقيام الساعة النار التي تحشر الناس، وهي آخر أشراط الساعة عمومًا.


(13) الموضع الثاني:

عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ الْحَوْضَ رِجَالٌ مِمَّنْ صَاحَبَنِي، حَتَّى إِذَا رَأَيْتُهُمْ وَرُفِعُوا إِلَيَّ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَلَأَقُولَنَّ: أَيْ رَبِّ أُصَيْحَابِي، أُصَيْحَابِي، فَلَيُقَالَنَّ لِي: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ"، متفق عليه، وهو لفظ مسلم، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه: "فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 117، 118]"، متفق عليه.

 

وموضع الإشكال المتوهم:

أنه ثبت في النصوص المتكاثرة فضل الصحابة رضي الله عنهم، وأنهم خير القرون، ومنها قوله تعالى: ﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾، فما الجواب عن هذا الحديث؟.

والجواب:

أن المراد بذلك أهل الردة؛ من جفاة العرب الذين كانوا دخلوا في الإسلام رغبةً أو رهبة، وقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه والصحابة الكرام رضي الله عنهم لما ارتدوا عن الدين، ومنهم كذلك من كان في عهده صلى الله عليه وسلم من المنافقين الذين يحشرون مع هذه الأمة؛ كما في المتفق عليه: "وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها"، ثم يطردون، وقد فضحهم الله تعالى بقوله: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [التوبة: 101]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أُصيحابي"، بالتصغير، يدل على قلتهم.

 

وقد وقعت ردتهم بعد موته صلى الله عليه وسلم، وهو علمٌ من أعلام نبوته، ولم يعدهم العلماء في الصحابة؛ لأن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، ومات على الإيمان.


(14) الموضع الثالث:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: دُعِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، طُوبَى لِهَذَا، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، لَمْ يَعْمَلِ السُّوءَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، قَالَ: "أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ، يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ"، أخرجه مسلم.

وموضع الإشكال المتوهم:

أن النصوص تكاثرت في أن أطفال المسلمين في الجنة، ونقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك، فلماذا أنكر عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟.

والجواب:

أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أنكر عليها أنها قطعت لطفل معين بالجنة، وأطفال المؤمنين وإن كان حكمهم أنهم في الجنة، لكن لا يُشهد لمعين منهم بذلك؛ لأنه تبعٌ لوالديه، وإيمانهم غيب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حينما قال: أعطِ فلانًا؛ فإنه مؤمن، قال: "أو مسلم"، متفق عليه، وقال لأم العلاء رضي الله عنها حينما شهدت لعثمان ابن مظعون لما مات بأن الله أكرمه: "وما يدريك أن الله أكرمه؟"، فقلت: لا أدري بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما عثمان فقد جاءه والله اليقين، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي"، قالت: فوالله لا أزكي أحدًا بعده أبدًا، أخرجه البخاري.

والله أعلى وأعلم.



[1] وقد استفدتُ منها كثيرُا في هذه الرسالة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • خطب منبرية
  • كتب
  • الأبحاث والدراسات
  • الشروحات العلمية
  • ردود وتعقيبات
  • محاضرات مفرغة
  • منظومات
  • فقه منتجات العمل ...
  • التفسير التربوي ...
  • أبحاث في فقه ...
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة