• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الدكتور وليد إبراهيم قصّابد. وليد قصاب شعار موقع الدكتور وليد إبراهيم قصّاب
شبكة الألوكة / موقع الدكتور وليد قصاب / مقالات


علامة باركود

ما يسمى "قصيدة نثر" يغتال الشعر

ما يسمى "قصيدة نثر" يغتال الشعر
د. وليد قصاب


تاريخ الإضافة: 8/5/2016 ميلادي - 30/7/1437 هجري

الزيارات: 9602

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ما يسمى "قصيدة نثر" يغتال الشعر

 

لم أكثِر من الكتابة عمَّا يسمَّى (قصيدة نثر)؛ وذلك أنِّي كنتُ أحسب أنها بدعة من البدع الكثيرة التي شهدها أدبُنا العربي، ثمَّ اندثرَت كأن لم تكن؛ لأنها كانت بعيدة عن الذائقة العربية الأصيلة.

 

ولكني وجدتُ أن هذه البدعة قد انتشرَت في الشعر العربيِّ الحديث انتشارًا مريعًا، وهي ماضية - بما يحيط بها من تهويل وتسويق - تتمدَّد على حساب الشِّعر العربيِّ الأصيل، وعلى نسف مفاهيمه وإنجازاته، وعلى اغتيال بهائه.

 

وقد راح أنصارها - بما مُكِّنوا فيه من شهرة وذيوع - يقدِّمونها بديلًا عن الشعر العربي بموجاته التجديدية المختلفة، ويسفِّهون كلَّ شعرٍ عداها، وراحوا - بعد أن هوَّنوا من شأن الشِّعر، وجرَّدوه من جميع القوانين والأنظمة - يُجرِّئون كلَّ من هبَّ ودبَّ على كتابته، فاقتحم ساحةَ الشعر العربي الحديث مئات بل آلاف من الهاذين المتشاعرين، الذين يكتبون أيَّ كلام، وينشر لهم على أنه قصيدة، وعلى أنه شعر.

 

لم يعُد للموسيقا - في هذا المسمَّى شعرًا - قيمة، ولم يعد للُّغة نفسها قيمة أو قداسة، بل لم يعد للمعاني والدلالات، أو البيان أو التبيين، أو الفصاحة أو البلاغة، لم يعد لشيء من ذلك كلِّه أي شأن يُذكر.

 

أصبحنا - في أغلب الأحيان - نقرأ كلامًا مرصوفًا بأحرف عربية، لكنه لا يمتُّ إلى بيان العربية، أو فصاحتها، أو أعرافها بأية صلة.

 

كلام يتراكم بعضه فوق بعض، في كلمات مبعثرة متناثرة، من غير منطق، أو ترابط، أو دلالة، أو قواعد نحويَّة، أو ما شاكل ذلك ممَّا هو من جوهر أي كلام ينشُد إبلاغ شيء ما.

 

وراح النقد يسوِّغ ما أشاعته بعض نماذج هذه البِدعة من الفوضى والعبث، ومن التسطُّح الفكريِّ، ومن تشويه اللغة، وتنافر الصور، وتشظي العلاقات اللغوية، والتهويم في متاهات التعقيد والإبهام، والاستغراق المطلق في رموز غريبة غير دالَّة، ومن احتقار كل تراث عربيٍّ أو إسلاميٍّ، وتسفيه لمفهوم الشعر الذي عرفه العرب خلال تاريخهم، والهجوم على الوزن الذي كان الفارق الأساس بين الشعر والنثر، واتهامه بأنه يشوِّه الشعرية؛ حتى سمعنا واحدًا مثل كمال أبو ديب يقول: "يبدو في تاريخ الشعر العربي - بشكل خاص - أن طغيان الانتظام الوزني في الشعر يرافقه انحِسارٌ للصورة الفنية عنه، وكلما خفت طغيان الانتظام الوزني ازداد بروز الصورة الشعرية"[1].

 

وحتى سمعنا واحدًا آخر من كتَّابها يعزف على وتر أبي ديب، فيقول: "قصيدة النَّثر هي قصيدة وعي وصحو، أمَّا قصيدة الإيقاع فهي قصيدة سُكر ودوخة، لا أستطيع التفكير وأنا أوقِّع ما أقول.. ألم نتعب من الدَّوران والدوخة؟ ألم تضجر الذَّائقة العربية من الإيقاع وسلالته؟ ألم تضجر من الأوزان وسلالتها؟ التفعيلة في طريقها إلى الانزياح، إلى الانقراض، ألا يكفيها هذا الزمن الممتد؟ أنصح شعراءَ الإيقاع بأن يكتبوا المراثي لشهادات قبورهم الموقَّعة..."[2].

 

ويشايعه آخر، فيحكم على القصيدة العربية الأصيلة بالموت، وبأنها تمثِّل النكوص، فيقول: "هل من الممكن أن تعود القصيدة البيتية للانتشار بكثافة في الشعرية العربية؟ لا أتصوَّر إمكانية تحقُّق ذلك؛ لأن التجربة الإبداعية الشِّعرية لم تعد قادرة على النُّكوص إلى هذا الحدِّ، فما تأسس منذ الخمسينيات حتى الآن يشكِّل سدًّا تاريخيًّا يصعب تجاوزه للوراء..."[3].

 

وتُقدَّم هذه المفاهيم الشاذَّة وكثير غيرها على أنها (حداثة)، وأمَّا ما عداها فهو رجعية، وتخلف، وسلفية.

أصبح الوزن، والوضوح، والانضباط اللغوي والفكري، والحِرص على المتلقي وعلى التواصل معه، والدَّعوة إلى المحافظة على الهُوِيَّة الفكرية والفنية، والاتِّكاء على البعد الثَّقافي لهذه الأمَّة، والارتباط بالواقع والناس وحياتهم السياسية والاجتماعية، وحضور الرسالة والغائية، وكثير غير ذلك من هذه المفاهيم التي تشكَّلَت منها حضارتنا العربية الإسلامية الأصيلة؛ أصبح جميع ذلك من مخلَّفات الماضي؛ وما ذلك إلا بسبَب الاحتكام إلى حداثة غربية متطرِّفة، قد تكون فعلًا انتبذت هذه المفاهيم، ولكن لو أنصفوا لنظروا - إن كان ولا بدَّ من الاستضاءة بنار الآخر - إلى حداثة غربيَّة أخرى أكثر رشدًا، وأدنى إلى تصوراتنا الفكريَّة والفنِّية؛ فما زال في الغرب نفسه حداثيون أصلاء، لا يتَّسع المقام الآن للحديث عنهم، ولكن قومًا من حداثيينا - للأسف الشديد - لم يتبنوا من الفكر الغربي ومن الحداثة الأوروبية إلا الشاذَّ والهجين والمخالف لعقيدتنا وثقافتنا وذوقنا.

 

أصبحت المدعوَّة (قصيدة النثر) - بما آلت إليه على أيدي متشاعرين لا حصر لهم - انتكاسةً في شعرنا العربيِّ، وهي تنتشر اليوم انتشارًا هائلًا، ولا سيما في ظلِّ الضعف اللغوي والثقافي عند جيل هذه الأيام، وحرصهم على الحصول على الألقاب والشهادات من غير جهد، ولا تعب.

 

كان يقال قديمًا لمن أراد أن يكون شاعرًا: (احفظ كذا وكذا ألف قصيدة وأرجوزة، ثمَّ انسَها تصبحْ شاعرًا)، وكان يُطلب منه أن يتعلَّم الأوزانَ والقوافي، وأن يعرف اللغةَ والصَّرف، وأن يطلع على الفلسفة، وعلم الجمال، وأصول الأجناس الأدبيَّة، وعلوم أخرى كثيرة، واليوم لا يطلب منه شيء من ذلك.

 

اليوم هان الشِّعر ورَخُص؛ حتى صار طريق الحصول على لقب شاعر معبَّدًا لاحبًا، يَحظى به مَن لا يحسن أن يقيم جملة، أو يسدِّد عبارة، أو يبتدع صورة فنِّية معبرة.

 

إنَّ (الشعراء) اليوم يعدُّون بالآلاف، أو قل: بعشرات الآلاف، لم تعرف أمَّة العرب - خلال تاريخها الطويل - ما يفوق عددَ من يكتبون "الشِّعر" في هذه الأيام.

 

طريق النشر اليوم لَاحِب موطَّأ، والمُلمِّعون المجاملون، والنقاد المسوِّغون، أو الساكتون الخُرس عن قول كلمة الحق، إن هؤلاء جميعًا أصبحوا أكثر من أن يُحْصَوا.

 

والمشكلة أن هذا النثريَّ من الكتابة يُبالَغ في تضخيمه، فيقدَّم لنا على أنَّه الشعر الحقيقي، وأنه "اللغة الأخيرة في سلَّم طموح الشاعر"، وأنه خلاصة الشعر العربي، وأنَّه الحرية والتدفُّق، وأنَّ ما عداه - حتى قصيدة التفعيلة الحداثية - شيء تافِه، من مخلَّفات الماضي.

 

تقزَّم الشعر العربيُّ، فأُريد نفيُ الشعر العمودي الأصيل، وشعر التفعيلة الجديد، أُريد أن يستبدل بهما معًا هذا الجديد؛ كمن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وكأنما مجرَّد الحداثة وحدها - وليس الجمال والتميُّز - هي التي تشفع لكلِّ شيء حديث أن يُبارَك ويُمجَّد، وأن يُلغى ما عداه.



[1] "في الشعرية"؛ كمال أبو ديب، مؤسسة الأبحاث العربية - بيروت - 1987م، ص (91).

[2] نقلاً عن مقال: "النَّقد الردي في الزمن الرَّدي"؛ لمحمد راتب الحلاق، صحيفة الأسبوع الأدبي، العدد: 1093، السبت: 3/ 2/ 1429هـ - 1/ 8/ 2008م، ص (9).

[3] رفعت سلام، مجلَّة الحرس الوطني، جمادى الآخرة، 1417هـ - أكتوبر، نوفمبر: 1996م، ص (75).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 


تعليقات الزوار
2- تأييد
د. آمال - الجزائر 14-05-2016 12:40 PM

حقا ما قلت يا سيدي. هذا الشعلر المتهافت الذي يكتب في هذه الأيام، وتطلق عليه تسميات ما أنزل الله بها من سلطان هو سبب هذا الانحدار الفني الذي نعانيه. أين النقاد الغير أمثال وليد قصاب ليتصدوا لهذا العبث؟

1- تأييد
د. عدنان - مصر العربية 11-05-2016 10:50 AM

مصيبة كبرى ابتلي بها الشعر العربيّ عن طريق هذا المسخ الذي يسمونه ضلالا قصيدة شعر ، ووالله ما هو من الشعر ولا القول الأدبي في شيء . تحية للدكتور وليد قصّاب الذائد دائما عن كل ما هو أصيل.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • قصص قصيرة
  • قصائد
  • كتابات نقدية
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة