• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبد الله الفريحالشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح شعار موقع الشيخ عبد الله الفريح
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم


علامة باركود

باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (2)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح


تاريخ الإضافة: 27/2/2017 ميلادي - 30/5/1438 هجري

الزيارات: 67254

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح أحاديث: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (2)


• عن الْمُغِيْرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ: مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ؟ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمِ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَىٰ أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ فَيُقُولَ: لَكَ ذَلَكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ. فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ، رَبِّ فَيَقُولُ: هذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ. وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ: رَضِيتُ، رَبِّ قَالَ: رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي. وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ الله عز وجل: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [السجدة: 17] رواه مسلم.

 

• وعَنْ أَبِي ذَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ. وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْهَا. رَجُلٌ يُؤْتَىٰ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَيُقَالُ: اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا. فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ صِغَارُ ذُنُوبَهِ. فَيُقَالَ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا. وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ. لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ. وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لاَ أَرَاهَا هٰهُنَا". فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللّهِ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ. رواه مسلم.

ولمسلم أيضا من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى الله. فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلاَ تُعِدْنِي فِيهَا. فَيُنْجِيهِ الله مِنْهَا".

 

• وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الله يُخْرِجُ قَوْماً مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ؟"

زاد البخاري: "كأنهمُ الثعارير" قلت: وما الثعاريرُ؟ قال: الضغابيس. وكان قد سقطَ فمهُ.

وللبخاري أيضا عن أنسُ بن مالك عنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يخرُج قوم منَ النار بعدما مسَّهُم منها سَفعٌ، فيدخُلون الجنة، فيُسمِّيهم أهلُ الجنة: الجهنميين".

وجاءت تسمية الجهنميين عند مسلم من حديث جابر.

 

ترجمة رواة الأحاديث:

• المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي رضي الله عنه يكنى أبا عبد الله وقيل: أبو عيسى، أسلم عام الخندق، وشهد الحديبية، وكان موصوفاً بالدهاء، قال الشعبي: ودهاة العرب أربعة: معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد" ولاه عمر البصرة ثم ولاه الكوفة حتى قتل عمر رضي الله عنه فأقره عثمان رضي الله عنه عليها ثم عزله، شهد اليمامة، وفتوح الشام، وذهبت عينه باليرموك، وشهد القادسية، وشهد فتح نهاوند، واعتزل الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وهو أول من وضع ديوان البصرة، وتوفي بالكوفة سنة خمسين رضي الله عنه وأرضاه.[ انظر أسد الغابة 5 / 247].

• أما أبو ذر رضي الله عنه فتقدمت ترجمته في الحديث الثاني والأربعين من كتاب الإيمان.

• وأما أنس رضي الله عنه فتقدمت ترجمته في الحديث الثالث من كتاب الإيمان.

• وأما جابر بن عبد الله رضي الله عنه فقد تقدمت ترجمته في الحديث الخامس من كتاب الإيمان.

 

تخريج الأحاديث:

• حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أخرجه مسلم حديث "189" وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في " كتاب التفسير " " باب ومن تفسير سورة السجدة " حديث "3198".

• وأما حديث أبي ذر فأخرجه مسلم حديث"190" وانفرد به عن البخاري أيضاً، وأخرجه الترمذي في كتاب "صفة جهنم" "باب ما جاء أن للنار نفسين" حديث"2596".

• وأما حديث أنس "يخرج من النار أربعة" فأخرجه مسلم حديث"192" وانفرد به.

• وأما حديث جابر فأخرجه مسلم حديث"191"، وأخرجه البخاري في كتاب الرقاق " باب صفة الجنة والنار" حديث"3514".

• وأما حديث أنس رضي الله عنه "يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع...." فأخرجه البخاري في " كتاب الرقاق " " باب صفة الجنة والنار " حديث " 2515" وانفرد به عن مسلم"

 

شرح ألفاظ الأحاديث:

• " سَأَلَ مُوسَى": النبي موسى عليه السلام، رسول بني إسرائيل.

• " أَيْ رَبِّ كَيْفَ؟": يارب كيف أدخل الجنة ولا مكان فيها والناس نزلوا منازلهم.

• " وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمِ؟": أي أماكنهم.

• " رَبِّ فَأَعْلاَهُمْ مَنْزِلَةً؟ ": أي فما حال أعلى أهل الجنة منزلة؟

• " أُولٰئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ ": أي اخترت واصطفيت.

• " غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي" وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا ": قال النووي: ومعناه اصطفيتهم وتوليتهم، فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير" [شرح النووي 3/ 45].

• " وَمِصْدَاقُهُ": أي دليله وما يصدقه.

• "كأنهمُ الثعارير" قلت: وما الثعاريرُ؟ قال: الضغابيس": قال ابن الأثير رحمه الله:" الثعارير هي القثاء الصغار، شبهوا بها لأن القثاء ينمي سريعاً، وقيل هي رؤوس الطراثيث تكون بيضاً، شبهوا ببياضها، واحدتها طُرثوث وهو نبت يؤكل" [النهاية/ مادة (ث ع ر) ص 123].

• وقال عن الضغاييس: وهي صغار القثاء واحدة ضغبوس، وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون يُسلق بالخل والزيت ويؤكل" [النهاية، مادة (ض غ ب س) ص 545].

• " وكان قد سقطَ فمهُ ": أي سقطت أسنانه

• "سَفعٌ": أي سواد فيه زرقة، يقال سفعته النار أي لفتحه النار فغيرت لون بشرته. [الفتح 11/ 429]

• " الجهنميين ": جمع جهنمي نسبة إلى جهنم، والمراد أنهم عتقاء الله.

 

من فوائد الأحاديث:

• الفائدة الأولى: الأحاديث فيها بيان أدنى أهل الجنة منزلة وآخرها دخولاً، وآخر أهل النار خروجاً وأن له أضعاف ملك الدنيا وله ما اشتهت نفسه ولذة عينه مع ما هو فيه من دنو المنزلة. وفي هذا بيان الفضل العميم من الله تعالى عليه من صغار الذنوب بأيامها وهو معترف لا يخفى عليه منها شيء بل شأنه الإقرار بها.

وأما الستر فهو لكبار ذنوبه التي أشفق من كشفها وإقراره بها بعدما أقرَّ بصغار ذنوبه فإذا الله يسترها ويغفرها.

وأما الإبدال فهي لكل سيئة بحسنة، فما أعظمها من مغفرة وستر وفضل مع هذا الأدنى فكيف بمن علاه منزلة؟

 

• الفائدة الثانية: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيه بيان أعلى أهل الجنة منزلة وأن الله عزو جل تولاهم واصطفاهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير حيث تولى كرامتهم فغرسها بيده من غير توسط ملك من الملائكة زيادة في إكرامهم، وختم على هذه الكرامة لئلا يراها غيرهم فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر نعيمهم كما قال تعالى: ﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُوْنَ ﴾.

قال ابن كثير رحمه الله:" فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله تعالى لهم في الجنان من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لما أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقاً، فإن الجزاء من جنس العمل، قال الحسن البصري رحمه الله: أخفى القوم عملهم فأخفى الله تعالى لهم مالم تر عين ولم يخطر على قلب بشر" [تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/ 367].

 

• الفائدة الثالثة: حديث المغيرة رضي الله عنه فيه دلالة على أن الجنة درجات بعضها فوق بعض، وأهلها متفاضلون فيها بحسب منازلهم فيها، كما قال تعالى: ﴿ اُنْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" فبيَّن الله سبحانه أن أهل الآخرة يتفاضلون فيها أكثر مما يتفاضل الناس في الدنيا وأن درجاتهم أكبر من درجات الدنيا وقد بين أن تفاضل أنبيائه عليهم السلام كتفاضل سائر عباده المؤمنين" [الفتاوى 11/ 188].

• الفائدة الرابعة: حديث المغيرة رضي الله عنه فيه دلالة على أن من صفات أهل الجنة الرضا لقول الرجل الذي هو أدنى أهل الجنة منزلة بعدما أنعم الله عليه " رَضِيتُ، رَبِّ " والرضا عام في جميع أهل الجنة ففي حديث أبي سعيد المتفق عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً".

والرضا أيضاً هي من صفة الله تعالى كما تقدم الكلام عليها قريباً بل هي من أعلى درجات النعيم في الجنة.

 

• الفائدة الخامسة: حديث المغيرة رضي الله عنه فيه إثبات صفة من صفات الله تعالى الخبرية وهي صفة اليد لقوله" غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي "والكلام على صفة اليد من عدة مباحث:

المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في هذه الصفة

أهل السنة والجماعة يثبتون صفة اليدين لله تعالى كما يليق بجلاله وعظيم سلطانه، من غير تكييف

ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية الخبرية.

المبحث الثاني: صفة اليدين ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع

• فمن الكتاب: قول الله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوْطَتَانِ ﴾ [المائدة: ٦٤].

• ومن السنة: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها " رواه مسلم.

وحديث أبي سعيد رضي الله عنهم مرفوعاً:" إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة فيقولون: لبيك وسعديك، والخير في يديك " متفق عليه.

• ومن الإجماع، قال أبو الحسن الأشعري:" وأجمعوا على أنه عز وجل يسمع ويرى، وأن له تعالى يدين مبسوطتين " [انظر رسالته إلى أهل الثغر ص (225)].

 

المبحث الثالث: المخالفون لأهل السنة

المخالفون لأهل السنة والجماعة من المعطلة كالجهمية والمعتزلة يؤولون صفة اليدين ويقولون المراد بها: القدرة أو النعمة أو القدرة والنعمة، وتقدم أن من أوّل صفة من الصفات فقد عطلها عن معناها الحقيقي، ولذا نقول هم معطلة أيضاً، وهذا أشهر تأويلاتهم أن المراد باليدين النعمة والقدرة، وهناك تأويلات أخرى لهم فيؤولونها بـ (القوة، والملك، والسلطان، والرزق، والخزائن، والبركة، والكرامة، والعناية).

ولكن كما تقدم أن أشهر تأويلاتهم النعمة والقدرة، فهذا قول الجهمية والمعتزلة ومتأخري الأشاعرة، ويسمون (الأشاعرة المحضة) بخلاف متقدمي الأشاعرة فهم يثبتون صفة اليدين ولا يؤولونها.

 

والرد عليهم من وجوه:

1- أن تفسير اليد بالقدرة والنعمة مخالف لظاهر لفظ الآية، ولا دليل على هذا التأويل.

2- أنه مخالف لإجماع السلف، فلا يعرف أحد أولها بالقدرة والنعمة.

3- أن تأويلها بالقدرة والنعمة ممتنع في بعض الآيات.

مثال ذلك: قوله تعالى: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: ٧٥] اليد جاءت بالتثنية وتأويلها بالنعمة يلزم أن تكون النعمة نعمتين فقط وهذا ممتنع لأن نعم الله لا تحصى قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوْهَا ﴾ وأيضاً تأويلها بالقدرة يستلزم أن يكون له سبحانه قدرتان ولا يجوز أن يكون له سبحانه قدرتان بإجماع العلماء فهذا لا يقوله أحد وكذلك في قوله: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ ﴾ [المائدة: 64] يلزم أن يكون له قدرتان تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا.

4- أن الله عز وجل يقول: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: ٧٥] ولو كان المراد القدرة، لم يكن لآدم فضل على غيره لأن الخلق كلهم خلقوا بقدرة الله، بل لم يكن لآدم فضل على إبليس في هذه الآية فإبليس خلق بقدرة الله تعالى والله عز وجل في الآية أمره بالسجود لآدم ذاكراً مزية لآدم أنه خلق بيديه سبحانه وتعالى.

5- أن اليد التي أثبتها الله لنفسه جاءت في الأدلة مقرونة بأمور كثيرة تدل على أنها يد حقيقية فجاءت على وجوه يمتنع تأويلها بالقدرة والنعمة فجاءت مقرونة بالطي، والقبض والبسط واليمين.

قال ابن القيم:" ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع وروداً متنوعاً، متصرفاً فيه، مقروناً بما يدل على أنها يدٌ حقيقية، من الإمساك، والطي، والقبض، والبسط، والمصافحة، والحثيات، والنضح باليد، والخلق باليدين، والمباشرة بهما، وكتب التوراة بيده، وغرس جنة عدن بيده، وتخمير طينة آدم بيده، ووقوف العبد بين يديه، وكون المقسطين عن يمينه، وقيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة عن يمينه، وتخيير آدم بين ما في يديه، فقال:" اخترت يمين ربي " وأخذ الصدقة بيمينه يربيها لصاحبها، وكتابته بيده على نفسه: أن رحمته تغلب غضبه، وأنه مسح ظهر آدم بيده، ثم قال له – ويداه مقبوضتان – " اختر " فقال:" " اخترت يمين ربي " وكلتا يديه يمين مباركة، وأن يمينه ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، وبيده الأخرى القسط، يرفع ويخفض، وأنه خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، وأنه يطوي السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يطوي الأرض باليد الأخرى، وأنه خط الألواح التي كتبها لموسى بيده " [انظر مختصر الصواعق المرسلة " ص (348)].

وردَّ ابن القيم على من يؤول اليد بالنعمة والقدرة من وجوه عديدة تصل إلى عشرين وجهاً.

 

المبحث الرابع: أهل السنة والجماعة يثبتون أن لله يدين اثنتين

يعتقد أهل السنة والجماعة أن لله يدين اثنتين كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، وهذا بإجماع السلف رحمهم الله، ويدل على ذلك:

1- قول الله تعالى: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ ﴾ [المائدة: 64].

2- قول الله تعالى: ﴿ قالَ يا إِبليسُ ما مَنَعَكَ أَن تَسجُدَ لِما خَلَقتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75].

• فإن قيل: كيف نجمع بين معتقد أهل السنة والجماعة بأن لله يدين اثنتين، وبين ما ورد في بعض الآيات من ورود اليد بلفظ المفرد كقوله تعالى: ﴿ تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ ﴾ [الملك: ١] ورودها بلفظ الجمع كقوله تعالى: ﴿ أَوَلَم يَرَوا أَنّا خَلَقنا لَهُم مِمّا عَمِلَت أَيدينا أَنعامًا فَهُم لَها مالِكونَ ﴾ [يس: ٧١].

فالجواب كما يلي:-

الجواب عن لفظ المفرد بثلاثة أجوبة:

الأول: أنه لم يُسَق اللفظ لبيان العدد، وإنما لبيان الجنس، ولبيان الجنس يكفي لفظ المفرد لأن اسم الواحد يدل على الجنس المراد.

الثاني: أن لفظ المفرد في الآية جاء مضافاً فقوله تعالى: ﴿ تَبارَكَ الَّذي بِيَدِهِ المُلكُ ﴾ [الملك: ١] ( بيده) اليد مضاف والهاء في محل جر مضاف إليه، وكذلك في الآيات الأخرى كقوله: ﴿ يَدُ اَللَّهِ فَوَقَ أَيْدِيْهِم ﴾ [الفتح: ١٠] فلفظ اليد مضاف ولفظ (الله) عز وجل إعرابه مضاف إليه، ومعلوم أن المفرد المضاف يفيد العموم، فيعم كل ما ثبت لله تعالى من يد والثابت لله تعالى يدان.

الثالث: أن الله قال لبيان سعة عطائه وكثرة جوده: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ ﴾ [المائدة: 64] فبيَّن أن كثرة العطاء وسعة الجود وبسط النعمة باليدين كلتيهما، راداً به على اليهود الذين قالوا: ﴿ يَدُ اَللِّهِ مَغْلُوْلَةٌ ﴾ أفردوها لأن اليد الواحدة أقل من عطاء الاثنتين ووصفوها بأنها مغلولة أي قليلة العطاء ولو كانت يداً واحدة لرد عليهم ببيان أن البسط والجود في اليد الواحدة ولو كانت أكثر من اثنتين لذكرها الله عز وجل لأن المقام يقتضي بيان كثرة العطاء بجميع ما له من يد سبحانه، فقال تعالى: ﴿ بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ ﴾ [المائدة: 64] ليبين سبحانه أن كل ما لديه من يد فهي مبسوطة وهما اثنتان.

 

• الجواب عن لفظ الجمع بثلاثة أجوبة:

الأول: أن المراد بالجمع هنا ليس بيان العدد وإنما للتعظيم، وليس المراد أن لله أكثر من اثنتين.

الثاني: أن من لغة العرب استعمال لفظ الجمع في الاثنتين، ويدل على ذلك قول الله تعالى: ﴿ إِنْ تَتُوْبَا إِلَى اَللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوْبَكُمَا ﴾ والمقصود عائشة وحفصة رضي الله عنهم ا وهما اثنتان والمتبادر إلى الذهن أن يقال (قلباكما) لأن المقصود قلبان لعائشة وحفصة رضي الله عنهم ا ومع ذلك جاء بصيغة الجمع (قلوبكما) وهذا دليل على أن استعمال لفظ الجمع يكون للاثنين في لسان العرب.

الثالث: أن في لسان العرب أن المثنى إذا أضيف إلى ضمير الجمع يجوز جمعه من أجل خفة اللفظ، وهنا المثنى أضيف إلى ضمير الجمع (نا) فجاز جمعه (أيدينا) بدل (يَدَيْنَا) لخفة النطق.

وبما سبق يزول الإشكال في ورود لفظ اليد مفرداً ومجموعاً.

 

المبحث الخامس: هل توصف إحدى يدي الله تعالى بالشمال

هذه من المسائل التي اختلف فيها أهل العلم – رفع الله قدرهم – على قولين، وقبل ذكر القولين لابد من معرفة أنهم متفقون على أن يديَّ الله تعالى يمين في البذل والعطاء، وأن إحداهما يمين في الاسم، واختلفوا في اسم اليد الأخرى على قولين:

القول الأول: أن الأخرى توصف بالشمال

واختار هذا القول الدارمي، وأبو يعلى والشيخ محمد بن عبدالوهاب في آخر كتاب التوحيد والشيخ عبدالله الغنيمان

[انظر إبطال التأويلات لأبي يعلى الفراء ص (176) وكتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب المسألة السادسة وشرح الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري المجلد الأول]..

واستدلوا:

1- بحديث ابن عمر رضي الله عنهم مرفوعاً: "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول......" الحديث رواه مسلم.

2- الأحاديث الواردة بإثبات اليمين لله كحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً " يمين الله ملأى " متفق عليه، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً مرفوعاً:" ويطوي السماء بيمينه " متفق عليه وغيرها من الأدلة التي جاءت بوصف إحدى اليدين يمين، وهذا يقتضي أن إحدى اليدين ليست يميناً فتكون شمالاً.

ووصفها أيضاً الدارمي باليسار والشمال واستدل بحديث أبي الدرداء عند أحمد وفيه " أن الله عز وجل قال للتي في يساره (أي في يده اليسار ): إلى النار و لا أبالي "

القول الثاني: أن كلتا يدي الله يمين لا شمال ولا يسار فيهما

واختار هذا القول الإمام ابن خزيمة (في كتاب التوحيد) والإمام أحمد والبيهقي والألباني. [انظر كتاب التوحيد لابن خزيمة (1 / 159) وطبقات الحنابلة لأبي يعلى (1/ 313)].

 

واستدلوا:

1- بحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم مرفوعاً:" إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين " رواه مسلم.

2- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم "اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين مباركة".

 

وناقشوا أدلة القول الأول: بأن حديث ابن عمر رضي الله عنه وفيه لفظة (الشمال) هي لفظة شاذة تفرد بها عمر بن حمزة عن سالم عن ابن عمر، والحديث عند البخاري من طريق عبيدالله عن نافع عن ابن عمر، وعند مسلم من طريق عبيدالله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة (الشمال )، وأيضاً الحديث رواه أبو داود وقال بدل (بشماله )،(بيده الأخرى) وهذا هو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم " وكلتا يديه يمين ".

 

وأما استدلالهم الثاني فليس بصريح لأنه لا يمنع أن تكون اليد الأخرى يميناً أيضاً. وعليه فالاستدلال الأول ليس بصحيح والثاني ليس بصريح، وناقش أصحاب القول الأول أدلة أصحاب القول الثاني: بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم (كلتا يديه يمين) لا يمنع أن تكون إحدى يديه شمالاً في الاسم وهي يمين في الخير والبركة والعطاء.

والأظهر والله أعلم أن يقال: أن صفات الله تعالى توقيفية، فنقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " كلتا يديه يمين " حتى يصح عندنا خبر أن يده الأخرى تسمى شمالاً أو يسارا فنقول بهذا الوصف. [انظر كتاب صفات الله لعلوي السقاف ص (379)].

• الفائدة السادسة: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه فيه إثبات الشفاعة لأقوام يخرجهم الله تعالى من النار وفي هذا ردّ على المعتزلة الذين أنكروا هذه الشفاعة، وردّ على الخوارج في إنكار إخراج أهل الكبائر من النار.

 

• الفائدة السابعة: في حديث أنس رضي الله عنه دلالة على فضل الله تعالى على أقوام يخرجون من النار بعدما غيرتهم النار، وجاء في حديثي أبي هريرة وأبي سعيد قريباً أنهم يلقون في نهر يقال له نهر الحياة فينبتون نبات الحبة في حميل السيل، وجاء في حديث جابر رضي الله عنه كأنهم الثعارير أو الضغابيس وفي رواية مسلم كالقراطيس وكل هذه التشبيهات لبيان عودتهم على أحسن هيئة في البياض والصفاء بعدما غيرتهم النار وسوّدت وجوههم وبشرتهم، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين أي الذين أعتقهم الله من جهنم، وجاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه الذي تقدم قريباً وفيه" فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله".

 

مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الإيمان)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • إبهاج المسلم بشرح ...
  • الدر الثمين
  • سلسلة 10 أحكام ...
  • فوائد شرح الأربعين
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة