• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اجعلنا صفحتك الرئيسة
  • اتصل بنا
English Alukah
شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور خالد الجريسي والدكتور سعد الحميد
 
صفحة الكاتب  موقع الشيخ عبد الله الفريحالشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح شعار موقع الشيخ عبد الله الفريح
شبكة الألوكة / موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح / بحوث ودراسات


علامة باركود

تيسير رب العباد إلى شرح لمعة الاعتقاد (6)

الشيخ د. عبدالله بن حمود الفريح


تاريخ الإضافة: 25/11/2009 ميلادي - 7/12/1430 هجري

الزيارات: 18603

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

- قال المصنف - رحمه الله -: "ومِنْ ذَلكَ قولُه - تعالى -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[1].
وقولُه - تعالى -: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}
[2]، وقولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((رَبُّنَا الله الذي في السماء، تَقَدَّسَ اسْمُكَ))، وقال للجارية: ((أيْنَ الله؟))، قالتْ: في السَّماءِ، قال: ((أَعْتِقْهَا؛ فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ))؛ رواه مالكُ بنُ أنَسٍ، ومسلمٌ، وغيرُهما مِنَ الأئمة.
16- وقالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لِحُصَيْنٍ: ((كَمْ إلهًا تَعْبُدُ؟))، قال:سبْعة؛ سِتَّة في الأرضِ، وواحِدًا في السَّماءِ، قالَ: ((مَنْ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟))، قالَ: الذي في السَّماء، قالَ: ((فَاتْرُكِ السِّتَّة، وَاعْبُدِ الذِي في السَّماءِ، وَأَنَا أُعَلِّمُكَ دَعْوَتَيْن))، فَأَسْلَمَ وَعَلَّمَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقُولَ: ((اللَّهُمَّ ألْهِمْني رُشْدِي، وَقِني شَرَّ نَفْسِي))".



 

الشرح

الصفة الخامسة عشرة: صفة العُلُو:

وهي من الصفات التي أطال فيها المصنف استدلالاً، وتحت هذه الصفة عدة مباحث:
المبحث الأول: معتقد أهل السنة والجماعة في صفة العُلُو:
أهل السنة والجماعة يثبتون صفة العُلُوِّ لله - تعالى - كما يليق به - سبحانه - من غير تحريف ولا تكييف، ومن غير تمثيل ولا تعطيل، وهي من الصفات الذاتية.

فائدة:
العُلُوُّ لله - تعالى - على ثلاثة أقسام:
الأول: عُلُوُّ شأن؛ أي: عُلُو شرف وقدْر وعظمة.
الثاني: عُلُوُّ قهر.
وهذان القسمان لَم يخالفْ فيهما أحدٌ ممن ينتسب للإسلام؛ سواء كان من أهل السنة أم أهل البدعة.
الثالث: عُلُوُّ الذات.
وهذا هو الذي جرى فيه الخلاف بين أهل السنة فأثبتوه، وبين أهل البدعة فأنكروه، وهو المقصود في المباحث القادمة، يقول الحافظ حكمي:
عُلُوُّ   قَهْرٍ   وَعُلُوُّ    شَانِ        جَلَّ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَعْوَانِ
كَذَا   لَهُ   العُلُوُّ   وَالْفَوْقِيَّهْ        عَلَى   عِبَادِهِ   بِلا   كَيْفِيَّهْ
ومن أهل العلم من يقسم العُلُوَّ إلى قسمين:
عُلُو صفة، وعُلُو ذات، وعُلُوُّ الصفة يدخل فيه عُلُوُّ الشأن وعُلُو القهر، ومنهم من يُقسمه إلى قسمين: عُلُو معنوي، وعُلُو ذاتي، والعلو المعنوي يدخل فيه علو الشأن وعلو القهر، والفرق فقط في طريقة التقسيم لا في المضمون.

المبحث الثاني: صفة العُلُو دلَّ عليها الكتابُ والسنة والإجماع:
Ÿ فمنَ الكتاب: ما استدل به المصنِّف، وهو قوله - تعالى -: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}[3]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قد وصف الله - تعالى - نفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله بالعلُو، والاستواء على العرش والفوقية، وفي كتابه في آيات كثيرة، حتى قال بعض أكابر أصحاب الشافعي: في القرآن ألفُ دليلٍ أو أَزْيد تدل على أنَّ الله - تعالى - عالٍ على الخلْق، وأنه فوق عباده، وقال غيره: فيه ثلاثمائة دليل يدل على ذلك"[4].

Ÿ ومن السنَّة أيضًا أدلة كثيرة؛ منها ما استدل به المصنِّف، وهو حديث معاوية بن الحكم السلَمي، وفيه قصة الجارية وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لها: ((أين الله؟))، قالت: في السماء، قال: ((أَعْتِقْها فإنها مؤمنة))[5].

Ÿ
وأجمع السلَف على إثبات عُلُو الله - تعالى - بذاته: فهو فوق جميع خلقه، بائنٌ عنهم، ونقل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحد من أهل العلم؛ منهم المصنف في هذه العقيدة؛ حيث قال بعد ذكره لأدلة الاستواء على العرش والعلو: "فهذا وما أشبهه مما أجْمَعَ السلَف - رحمهم الله - على نقله وقبوله".

بل نقل عن بعض السلَف أنه يُكفَّر مَن يُنكر أنَّ الله في السماء، ففي "شرح كتاب التوحيد"؛ للغنيمان: "قال شيخ الإسلام: وفي "الفقه الأكبر" المروي عن الإمام أبي حنيفة - رحمه الله - قال: "من قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقد كفر؛ لأنَّ الله - تعالى - يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[6]، وعرشه فوق سبع سماواته"، قلت: فإن قال: إنه على العرش استوى، ولكنه يقول: لا أدري، العرش في السماء أم في الأرض؟ قال: هو كافر؛ لأنه أنكر أن يكونَ في السماء؛ لأنه - تعالى - في أعلى عليين"، قال الشيخ الغنيمان: وهذا تصريح من أبي حنيفة - رحمه الله - بتكفير مَن أنكر أن يكونَ الله في السماء"[7].

Ÿ يتلخص مما سبق: أن عُلُوَّ الله - تعالى - ثابتٌ بالكتاب والسنة والإجماع، وأيضًا دلَّ على ذلك:
العقل: لأنَّ نفي عُلُو ذات الله - تعالى - نفي لصفة كمال، وكونه - سبحانه - في السفل صفة نقص تجعل بعض المخلوقات فوقه.
والفطرة: لأنَّ الخلق مفطورون على أنَّ الله - تعالى - في السماء، حتى البهائم والعجماوات، كما سيأتي في خبر النملة التي تستقي رافعة قوائمها إلى السماء، وكذلك ابن آدم إذا أراد أن يدعو الله - تعالى - ينصرف قلبُه إلى السماء، ويُذكر أنَّ أحد أئمة السلف - وهو أبو العلاء الهمذاني - دخل على الإمام الجويني - أحد الأشاعرة - وهو يلقي درسًا على المنبر، يُقَرِّر فيه عقيدة الأشاعرة، وكان مما قرَّر إنكار أن الله في العلو، وقال: إن الله كان ولا مكان، وهو الآن على ما كان عليه، ويقرر نَفْيَ العُلُوِّ عن الله - تعالى - فقال له أبو العلاء الهمذاني أمام الناس: يا إمام، دعنا من أقوالك وحججك، ما هذه الحاجة التي يجدها كل واحد منا، ما أراد أحدٌ ربَّه قطُّ إلا رفع بصره إلى السماء، فنزل الإمام الجويني من منبره يقول: حيَّرني الهمذاني، حيرني الهمذاني، وجلس بين أصحابه يبكي، وتاب في آخر أمره عن هذا التأويل.

فائدة:
تقدَّم أنَّ الأدلة على إثبات عُلُوِّ الله - تعالى - كثيرةٌ مستفيضةٌ، وتقدم كلامُ شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وأيضًا ورد عن غيره من السلف، وهذه الأدلة تنوَّعت في دلالتها على عُلُو الله - تعالى -:
Ÿ فتارة تأتي بالتصريح بالفوقية؛ كقوله - تعالى -: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}[8].
Ÿ وتارة بالتصريح بالصعود إليه؛ كقوله - تعالى -: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}[9].
Ÿ وتارة بالعروج إليه؛ كقوله - تعالى -: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ}[10].
Ÿ وتارة برفْع بعض المخلوقات إليه؛ كقوله - تعالى -: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}[11].
Ÿ وتارة بأنه - سبحانه - في السماء؛ كقوله - تعالى -: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ}[12].
Ÿ وتارة بالعُلُو المطلَق؛ كقوله - تعالى -: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[13]، وقوله: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[14]. 
Ÿ وتارة بالتصريح باستوائه على العرش؛ كقوله - تعالى -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[15].
Ÿ وتارة برفْع الأيدي إليه - سبحانه - كقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن ربكم - تبارك وتعالى - حَيِيٌّ كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يَرُدهما صِفْرًا))[16].
Ÿ وتارة بالتصريح بنزوله - جل وعلا - والنزول لا يكون إلا من عُلُو؛ كقوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ينزل ربنا - تبارك وتعالى - كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر))[17].
وكل الأدلة السابقة فيها دلالةٌ على عُلُو الله - تعالى - ولو تنوعت الطرُق، وهناك أنواع أخرى غير ما تقدم تزيد بمجموعها على العشرين نوعًا.

المبحث الثالث: المخالفون لأهل السنة:
المخالفون لأهل السنة من المبتدعة؛ كالجهمية، والمعتزلة، ومتأخري الأشاعرة - ينكرون عُلُو الذات، ويفسرون نصوصَ العُلُوِّ بعُلُوِّ الشأن وعُلُوِّ القهر والملك، وانقسموا في صفة عُلُو الذات بعد إنكارها إلى قسمين:
1- فالجهمية والمعتزلة يقولون: إن الله - عز وجل - في كل مكان - والعياذ بالله - وهذا معناه أن الله يَحِلُّ في كل شيء، وهذا مذهب الحلوليَّة، الذي أصله من المجوس، والبوذيين في الهند.
2- وأما الأشاعِرة فينفون عن الله جميع الجهات، ويقولون: لا نقول: إن الله داخل العالَم، ولا خارجه، يريدون بذلك نفْي جميع الجهات، فيقولون: إن الله لا داخل العالَم ولا خارجه، ولا تحته ولا أمامه ولا وراءه، ولا عن يمينه ولا عن شماله، وهذا مذهب الفلاسفة. 

والرد عليهم:
1- أن هذا مخالف لطريقة السلف - رحمهم الله.
2- أنه مخالف لظاهر النصوص التي فيها إثبات عُلُو الله - تعالى.
3- أن الله - تعالى - أثبت لنفسه العُلُو المطلق، وهذا يشمل عُلُوَّ الذات، والقهرَ، والشأن، فمَن أثبت البعض ونفى البعض، فقد جحد بعض ما أثبته الله لنفسه.
4- أن تأويلكم للنصوص الدالة على عُلُوِّ ذات الله - تعالى - بعلو القهر والملك؛ كما في قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء}[18]، يَرُدُّه أن ملك الله وسلطانه ليس في السماء فقط، بل في الأرض، وعلى كل شيء هو قادر - سبحانه.
5- أن تأويلكم هذا يردُّه العقل؛ لأن نفي عُلُوِّ الذات نفيٌ لصفةِ كمال.
6- أن تأويلكم هذا تردُّه الفطرة؛ لأن الخلق مفطورون على أن الله في السماء، حتى البهائم فطرت على ذلك؛ فقد جاء في "مسند الإمام أحمد"، وصححه الحاكم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((خرج سليمان - عليه السلام - يستسقي، فرأى نملةً مستلقيةً على ظهرها، رافعة قوائمها إلى السماء، تقول: اللهم إنا خلْقٌ من خلقك، ليس بنا غنى عن سقياك، فقال لهم سليمان: ارجعوا فقد سُقِيْتُم بدعوة غيركم)).
7- أن قول الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم بأن الله في كل مكان، مع إثباتهم أن لله - تعالى - ذاتًا، وافَقُوا بذلك قول الحلولية الذين يقولون بأن الله حالٌّ في كل مكان، وهم بهذا أشنع من النصارى الذين قالوا بالحلول في المسيح فقط، وأشنع من بعض الصوفية الذين قالوا بالحلول في بعض الأشخاص، ويلزم من قولهم هذا أن الله حالٌّ في كل مكان في السماء والأرض، والجبال والبحار، بل في ما ينزه الله عنه من أماكن الأقذار والأنجاس، ونحو ذلك - تعالى الله عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا، وجلَّ الله عن هذا اللزوم، ولكنه قِيلَ لإزهاق الباطل، فهذا لا يقوله عاقلٌ!
8 - أن قول الأشاعرة بأنَّ الله لا داخل العالَم ولا خارجه قول مُتناقضٌ؛ فلا يتصور أبدًا أن يكون الله لا داخل العالَم ولا خارجه، فهذا الوصْف ينطبق على من ليس موجودًا، فالذي ليس خارج العالم ولا داخله معدوم.

قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: "فالجهميةُ وأشباههم لا يصفونه - سبحانه - بالعُلُو، بل إما أن يصفوه بالعلو والسُّفُول، وإما أن ينفوا عنه العُلُوَّ والسُّفُول؛ فهم نوعان:
قسمٌ يقولون: إنه في كلِّ مكان بذاته، والقسم الآخر يقولون: إنَّه لا داخل العالم ولا خارجه، فالقسم الأول: وصَفوه بالحلول في الأمكنة، ولم يُنَزِّهوه عن المحال المستقذرة، والقسم الثاني: وصفوه بالعدم"[19].

المبحث الرابع: سبب نفي المبتدعة عُلُو ذات الله - تعالى -:
المبتدعة من الجهمية والمعتزلة، والأشاعرة ومن شابههم، نَفَوا عُلُوَّ ذات الله - تعالى - ونفوا استواءَه على عرشه، حُجَّتُهم في ذلك: أنَّ إثبات ذلك يستلزم التجسيمَ والتحديدَ، بأن يكونَ الله - تعالى - جسمًا محدودًا يحمله العرش ويحتويه؛ ويستلزم أن يكونَ الله محصورًا في جهة السماء؛ وأن الجهة تحويه إلى غير ذلك من اللوازم الباطلة.

والرد عليهم:
1- أنه لا يجوز ردُّ الأدلة المثبتة لصفات الله - تعالى - كعلو ذاته، واستوائِه على عرْشِه من أجْل تعليلات لا دليل عليها.
2- أنَّه لو كانت نصوص إثبات عُلُوِّ ذات الله - تعالى - واستوائه على عرشه تستلزم معنى فاسدًا - كما تزعمون - لبيَّنه اللهُ - جلَّ وعلا - لأنَّه - سبحانه - هو الذي بيَّن صفاته في كتابه، فدلَّ هذا على أنَّ إثباتها لا يستلزم المعنى الفاسد الذي ذَكَرْتموه، فالله - جل وعلا - فوق عباده كلهم، ولا تحويه الجهة التي يُشار إليها، متَّصفٌ بما وصف به نفسه؛ ومن ذلك علوه - جل وعلا - واستواؤُه على عرْشِه.

المبحث الخامس: الفرق بين العُلُوِّ والاستواء على العرش:
الفرق بين العُلُوِّ والاستواء على العرش يتلخَّص فيما يلي:
أولاً: أنَّ صفة الاستواء على العرش وصفة العُلُو كلاهما تَدُلاَّن على إثبات العُلُوِّ لله - تعالى - لكن صفة الاستواء تدل على عُلُوٍّ خاص، وهو العُلُوُّ على العرْش.
ثانيًا: الاستواء على العرش منَ الصِّفات التي دلَّ عليها النقْل فقط - أي: النص - فلو لَم يأتِ دليل يدل على هذه الصفة لَم نعلم بها، فلما جاء نصٌّ أثبتناها، وأما صفة العُلُوِّ فقد دلَّ عليها النقل والعقل والفطرة، حتى البهائم مفطورة على معرفة هذه الصفة.
ثالثًا: أن صفة العُلُوِّ ذاتيةٌ؛ فهي مُلازمة لله - جل وعلا - لا تنفكُّ عنه بحالٍ من الأحوال، بخلاف صفة الاستواء فهي صفة فعلية؛ لأنها تَتَعَلَّق بمشيئته - سبحانه - وكانتْ بعد خلق السموات والأرض؛ لقوله - تعالى -: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[20]، ومِن أهل العلم من قال: إنَّ الاستواء على العرش صفةٌ فعليةٌ من جهة، وذاتية من جهة أخرى؛ فهي فعليَّة باعتبار أنه - جل وعلا - لَم يزل مستويًا على عرشه منذ استوى عليه؛ بمعنى: أن وصف الاستواء على العرش لَم يَنْفَك عنه منذ أن استوى عليه - جل وعلا.

المبحث السادس: إشكالات وأجوبتها:
الإشكال الأول: قوله - تعالى -:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ}[21]، معلومٌ أن (في) تدل على الظرفية، فلو قلت: زيد في المسجد، فهذا يعني أن زيدًا داخل في المسجد، والمسجد محيطٌ به؛ لأن الظرفَ محيطٌ بالمَظْرُوف، وكذا لو قلت: الماء في الكأس، فهذا يعني أن الكأس محيط بالماء ويحتويه؛ لأنه أوسع منه، وفي قوله - تعالى -: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ}، قد يقول قائل معنى باطلاً، فيقول: ظاهر الآية أنَّ السماء محيطة بالله - جل وعلا - ولا شك أنه معنى باطل، والجواب عن هذا الإشكال بأحد طريقين:
الأول: إما أن يُقَالَ: إنَّ السماء في الآية معناها العُلُوُّ، وهذا وارد في اللغة كقوله - تعالى -: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}[22]، والمراد بالسماء: العلو؛ لأنَّ الماء ينزل من السحاب لا من السماء الذي هو السقف المحفوظ، فيكون معنى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء}؛ أي: من في العُلُو؛ فلا إشكال حينئذ.
الثاني: أو يقال: إن (في) بمعنى (على)، ومعروف في اللغة أنَّ الحروف تتداخل؛ أي: إن بعضها يأخذ معنى غيره؛ كقوله - تعالى - عن فرعون: {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}[23]؛ أي: على جُذُوع النخل، وبناءً على هذا المعنى يكون قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء}؛ أي: من على السماء، ولا إشكال حينئذ.

الإشكال الثاني: قوله - تعالى -: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}[24]، ليس معناه كما يفهم البعض من أهل الضلال: أن الله - جل وعلا - في الأرض كما أنه في السماء؛ بل المعنى: أنَّ الله - جل وعلا - أُلُوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض، فحرفُ الجرِّ (في) يدل على الظرفية للألوهية، لا لذاته - سبحانه.

الإشكال الثالث: معلومٌ أنَّ السماء محيطةٌ بالأرض، والقول بأن الله - جل وعلا - في السماء لا يقتضي أن يكونَ الله - جلَّ وعلا - بذاته كَرِيًّا - أي: كرويًا - محيطًا بمخلوقاته، فهذا صنيعُ أهل الضلال، الذين يُكَيِّفُون صفاتِ الله - جل وعلا - والجواب عن ذلك أن يقال: إن هذه الأرض التي نعيش فيها ما هي إلا ذرَّة صغيرة في هذا الكون العظيم، الذي تحيط به ملايينُ المجَرَّاتِ، وتحيط بهذه المجَرَّات السموات، وفوق السموات عرش الرحمن، والله - جل وعلا - مستوٍ على عرشه، وهو أعظم منها، لا يقدر قدره إلا هو - سبحانه - بل إنَّ هذه السموات والمجرات يَتَبَيَّن قدرها في قوله - تعالى -: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[25]، ولا شَكَّ أن هذا الإشكال ناتجٌ عن فَهْمٍ خاطئ؛ فعقولُنا قاصرة.

فائدة:
مما استدل به المصنِّف على إثبات عُلُو الله - تعالى - ما يلي:
- قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمران بن عبيد الخزاعي: ((كم إلهًا تعبد؟))، قال: سبعة؛ ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: ((مَن لرغبتك ورهبتك؟))، قال: الذي في السماء، قال: ((فاترك الستة، واعبد الذي في السماء، وأنا أعلمك دعوتين))، فأسلم وعلَّمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: ((اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي))؛ الحديث أخرجه ابن قدامة في "العلو"، وهو حديث ضعيف في سنده عمران بن خالد، قال عنه الذهبي: "ضعيف"، وفي سنده خالد بن طليق، قال عنه الدارقطني: "ليس بالقوي"[26].

Ÿ قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ربنا الذي في السماء تقدَّس اسمك))... الحديث؛ رواه أبو داود، وفي سنده زياد بن محمد الأنصاري، قال عنه البخاري: "منكر الحديث"؛ فالحديث ضعيفٌ[27].
Ÿ
استدل بما نقل مِن علامات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الكتب المتقَدِّمة: "أنهم يسجدون بالأرض، ويزعمون أنَّ إلههم في السماء"، قال الذهبي في "العلو"[28]: "هذا حديثٌ غريبٌ"، وقال عنه شيخُنا ابن عثيمين في شرحه لـ"لمعة الاعتقاد": "هذا النقل غير صحيح؛ لأنه لا سند له"[29].
Ÿ
مسألة العُلُوِّ من المسائل المهمة التي أسهب السلَف في تقريرها قديمًا؛ لكثْرة مَن يُنكر هذه الصِّفة، ومن أشْهر ما أُلِّف فيها كتاب "العلو"؛ للذهبي، اختصره الألباني وخرَّج أحاديثه، وكذلك كتاب "إثبات صفة العلو"؛ لابن قدامة، حقَّقه الشيخ بدر البدر.

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح
ــــــــــــــــــــــ
[1] [طه: 5].
[2] [الملك: 16].
[3] [الملك: 16].
[4] انظر: "مجموع الفتاوى" 5/ 121.
[5] رواه مالك، ومسلم، وغيرهما من الأئمة.
[6] [طه: 5].
[7] انظر: "شرح العلامة عبدالله الغنيمان لكتاب "التوحيد" من صحيح البخاري" (1/ 272 - 273).
[8] [النحل: 50].
[9] [فاطر: 10].
[10] [المعارج: 4].
[11] [النساء: 158].
[12] [الملك: 16].
[13] [البقرة: 255].
[14] [سبأ: 23].
[15] [طه: 5].
[16] رواه أبو داود، والترمذي، من حديث سلمان الفارسي.
[17] والحديث متفق عليه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه.
[18] [الملك: 16].
[19] انظر: "التنبيهات السنية"؛ للشيخ عبدالعزيز الرشيد، ص (202).
[20] [الأعراف: 54].
[21] [الملك: 16].
[22] [الرعد: 17].
[23] [طه: 71].
[24] [الزخرف: 84].
[25] [الزمر: 67].
[26] انظر: "العلو" صـ(23 - 24)، و"لسان الميزان"؛ لابن حجر، 2/379.
[27] انظر: "الميزان"؛ للذهبي 2/ 98.
[28] "العلو" صـ(25).
[29] "لمعة الاعتقاد" صـ(68).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • السيرة الذاتية
  • مقالات
  • بحوث ودراسات
  • إبهاج المسلم بشرح ...
  • الدر الثمين
  • سلسلة 10 أحكام ...
  • فوائد شرح الأربعين
  • كتب
  • صوتيات
  • قائمة المواقع الشخصية
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة